ماذا يحدث عند دخول القبر

كتابة:
ماذا يحدث عند دخول القبر

ضمة القبر

ضمّة القبر صفةٌ للقبر وليس نوعٌ من العذاب، ولم يُستثنى من هذه الضمة أحد، كما أخبر بذلك النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- عند موت سعد بن مُعاذ -رضيَ الله عنه-، فقال: (لو نجا أحدٌ من ضمَّةِ القبرِ، لنجا سعدُ بنُ معاذٍ، ولقدْ ضُمَّ ضمةً، ثُمَّ رُوخِيَ عنه)،[١] وذكر بعض العُلماء أنَّها عبارةٌ عن فترة، وما يلحقُها بذلك من الكسل ونحوه،[٢] وهذه الضمَّة تكون للميّتِ بعد وضعهِ في قبره، سواءً كان صغيراً أو كبيراً، مُسلماً أو غير مُسلم، وتُسمّى في بعض الأحاديث بالضغطة، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنَّ للقبرِ ضغطةً لو كان أحدٌ ناجيًا منها نجا سعدُ بنُ معاذٍ).[٣][٤]


وقد كتب الله -تعالى- هذه الضمّة على جميعِ البشر، وسُئل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عن نجاة أحدٍ منها، فأجاب بعدم نجاة أحد حتى أبنائه؛ كالقاسم أو إبراهيم، وقد كانوا صغاراً عندما ماتوا.[٥] وهذه الضمّة أو الضغطة تعني: التقاء جانبي القبر على جسد الميّت، وجاء عن الإمام النَسفيّ أنَّ هذه الضمّة تكون من الأرضِ للإنسانِ لأنها أُمُّهم، حيثُ خُلقوا منها، وغابوا عنها مُدةً طويلة، فضمّتهم ضمّة الوالدة الغائبة عن ولدها، فمن كان مُطيعاً لربّه تضمُّهُ برفقٍ ورأفة، ومن كان عاصياً ضمّتهُ بِعُنف وشِدّة.[٦]


السؤال في القبر

سؤال الملكان

ثبت في كثيرٍ من الأحاديث الصحيحة سؤال الملائكة للإنسانِ في قبره، كقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (العَبْدُ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ، وتُوُلِّيَ وذَهَبَ أصْحَابُهُ حتَّى إنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ، فأقْعَدَاهُ، فَيَقُولَانِ له: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ)،[٧][٨] وهذا السؤال يكون لِكُلِّ البشر، سواءً أدُفن في قبره، وإن تفرّق جسم الإنسان؛ كمن مات في الحريق، أو أكلته السّباع، وغير ذلك. وقد قال الله -تعالى- عن هذا السؤال: (يُثَبّتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ)،[٩] وقد جاء في صحيح مُسلم أنَّ هذا التّثبيت للمسلم يكون عند سؤال الملَكين له، فيأتيانه مَلَكان أسودان أزرقان، أحدُهما مُنكر، والآخر يُسمّى نكير، فيسألانه عن الرّجُل الذي بُعث فيهم، فإن أجاب؛ يُفسح له في قبره ويُنوّر له فيه، وإن لم يُجب أو قال لا أدري، تلتئمُ الأرض عليه حتى تختلف أضلاعه ببعضها، ويُفرش له من النّار في قبره.[١٠]


وقال العلماء إن سؤال الملَكين في القبر هو لكلَّ الأمم السّابقة، فإذا كانت هذه الأُمّة وهي خيرُ الأُمم ستُسأل، فكذلك غيرها من الأُمم ستُسأل من باب أولى، ويكون السؤال للميّتِ بعد دفنه،[١١] فيُسأل الإنسان عن ربّه ودينه ونبيّه كما جاء في عددٍ من الأحاديث، والآثار المرويّة عن الصّحابة الكِرام،[١٢] وقد جاء عن الإمام ابن تيمية أنَّ الأحاديث الصحيحة المُتواترة تدُلّ على أنَّ السؤال يكون بعد عودة الرّوح إلى الجسم عند السؤال، وهذا ما يُسمّى بفتنةِ القبر.[١٣][١٤] وقد ذكر ابنُ كثير العديد من الأحاديث التي تُثبت سؤال الإنسان في قبرِه عن ربّه ودينه ونبيّه، وأنَّ المؤمن يكون قبره روضة من رياضِ الجنةّ، والكافر يكون قبره حفرة من حفر النّار.[١٥]


أصناف الذين لا يسألهم الملكان في القبر

توجد العديد من الأصناف الذين لا يُسألون في قُبورهم، وهم:[١٦]

  • الأنبياء والشُّهداء: فأمّا الشُّهداء فقد أخبر النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- أنَّهُ يَكفيهم فتنة القتال، وبريق السّيوف الّذي يواجهوهُ في المعركة، فيُرفع عنهم ذلك السؤال في قُبورهم: لِقوله -عليه الصلاة والسّلام-: (كَفَى بِبارِقَةِ السُّيُوفِ على رأسِهِ فِتْنَةً)،[١٧] وأمّا الأنبياء فهم أعلى منزلةً وفضلاً من الشُّهداء، فيكون إعفائهم من السّؤال في القبر من باب أولى، وهذا من باب العِصمةِ لهم،[١٨][١٩] وقيل: أنَّ الأنبياء يُسألون عن طريق الوحيّ جبريل -عليه السّلام-.
  • الأطفال، وهو ما جزم به الإمام جلال السيوطيّ.


عذاب القبر ونعيمه

ذكر ابنُ القيم أنَّ الله -تعالى- جعل لِكُل إنسانٍ ثلاثة من الدّور؛ منها دار البرزخ وهي الحياة في القبر، فهيَ إمّا أن تكون عذاباً أو نعيماً لِصاحبها، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- في حقّ المؤمن: (فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ قالَ: فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ)،[٢٠] وأمّا في حقّ الكافر: (فُينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن كذَبَ، فأفرشوهُ منَ النَّارِ، وألبِسوهُ منَ النَّارِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى النَّارِ قالَ: فيأتيهِ من حرِّها وسمومِها قالَ: ويضيَّقُ عليْهِ قبرُهُ حتَّى تختلِفَ فيهِ أضلاعُهُ).[٢٠][٢١]


نعيم القبر

يُنعَّم المؤمن في قبره حتى وإن عُذّب في بداية دفنه، وهذا النعيم يكون للرّوح والجسد معاً حتى وإن صار الشخص تُراباً،[٢٢] ومن أصناف النّعيم: توسيع القبر عليهم، وفتح طاقةٍ لهم من الجنّة، وأمّا الكافرين فيأتيهم من حرّ جهنّم في قبورهم، وتضيق عليهم قبورهم،[٢٣] وجاء عن ابن القيم أنّ المؤمنون الصالحون يُنعّمون في قُبورهم وتمتلئ قُبورهم بالرّيحان، ويُنوّر عليهم فيه،[١٦] ويدلّ على نعيم القبر من القرآن قول الله -تعالى-: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).[٢٤][٢٥]


عذاب القبر

جاء في شرح العقيدة الطحّاويّة ثُبوت نعيم القبر وعذابه بالتّواتر من الأحاديث عن النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وهذا كُلّه دون وقوف العقل على كيفيتهما؛ حيثُ لا عهد للإنسان بهما في الدُّنيا، وقد وضع البُخاري في كتابه الجنائز باباً عن عذاب القبر، واستدلّ على وقوعه من قولهِ -تعالى-: (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)؛[٢٦] فهُناك عذابان يُصيبان المُنافق قبل يوم القيامة؛ فالأول في الدُّنيا، إمّا بعقاب من الله -تعالى-، أو من المؤمنين، والثّاني في القبر، وقال الحسن البصريّ عن الآية: عذابٌ في الدُّنيا، والآخر في القبر، وقال الطبريّ: إنَّ أحدُهما عذابٌ في القبر.[٢٧]


ويجبُ الاعتقاد بعذاب القبر، ويتوقّف العذاب عن المؤمن في حال خفّت معاصيه، ويُرفع عنه العذاب بالدُّعاء، أو الصدقة،[١٦] فقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يستعيذُ من عذابِ القبر في آخر كلّ صلاة.[٢٥] وثبت ذلك في نُصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة، فقال -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).[٢٨][٢٩]


واستدلّ ابنُ عباس -رضيَ الله عنه- على عذاب القبر بقولهِ -تعالى-: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)،[٣٠] فالعذاب الأدنى هو العذاب الذي يكون بعد الموت، وكذلك ممَّا يُثبت عذاب القبر قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (استعيذوا باللهِ من عذابِ القبرِ، إنَّهم يُعذَّبون في قبورِهم عذابًا تسمعُه البهائمُ)،[٣١][٢٩] فالقبر أوّل منازل الآخرة، وهو أوّل دارٍ للجزاءِ،[٣٢] وقال النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (أنَّهُ مَرَّ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ)،[٣٣] وهذا الحديث يُثبت أنّ بعض المعاصي قد تكون سبباً لِلعذاب في القبر؛ كعدم التطهر الطّهارة الكاملة للصلاة، والظُلم، والإفساد بين الناس.[٣٤]


المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5306، صحيح.
  2. عبد الرحيم السلمي، شرح العقيدة الواسطية، صفحة 7، جزء 16. بتصرّف.
  3. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3112، أخرجه في صحيحه.
  4. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي السقاف (1433هـ)، الموسوعة العقدية، السعودية: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 145، جزء 4. بتصرّف.
  5. عمر عبد الكافى شحاتة، سلسلة الدار الآخرة، صفحة 3، جزء 12. بتصرّف.
  6. محمد بن عبد الهادي التتوي، أبو الحسن، نور الدين السندي (1986)، حاشية السندي على سنن النسائي (الطبعة الثانية)، حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية، صفحة 100-101، جزء 4. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1338، صحيح.
  8. حمزة محمد قاسم (1990)، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، الطائف: مكتبة المؤيد، صفحة 395، جزء 2. بتصرّف.
  9. سورة إبراهيم، آية: 27.
  10. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 212-216، جزء 2. بتصرّف.
  11. محمد بن صالح بن محمد العثيمين (1421 هـ )، شرح العقيدة الواسطية (الطبعة السادسة)، السعودية: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، صفحة 113، جزء 2. بتصرّف.
  12. صدر الدين محمد بن علاء الدين عليّ بن محمد ابن أبي العز الحنفي، الأذرعي (1418 هـ )، شرح العقيدة الطحاوية (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 391. بتصرّف.
  13. عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي، شرح العقيدة الطحاوية، صفحة 305. بتصرّف.
  14. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1433هـ)، الموسوعة العقدية، السعودية: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 146، جزء 4. بتصرّف.
  15. عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين (1995)، التعليقات على متن لمعة الاعتقاد (الطبعة الأولى)، السعودية: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 143. بتصرّف.
  16. ^ أ ب ت سعيد حوّى (1992)، الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1190-1191، جزء 3. بتصرّف.
  17. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن راشد بن سعد، الصفحة أو الرقم: 1380، صحيح.
  18. عبد الرحيم بن صمايل العلياني السلمي، شرح العقيدة الواسطية، صفحة 4، جزء 16. بتصرّف.
  19. محمود محمد خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)، السعودية: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 23، جزء 8.
  20. ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 4753،سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
  21. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 259-260، جزء 39. بتصرّف.
  22. سَعيد بن محمد بَاعَليّ بَاعِشن الدَّوْعَنِيُّ (2004)، شَرح المُقَدّمَة الحضرمية المُسمّى بُشرى الكريم بشَرح مَسَائل التَّعليم (الطبعة الأولى)، جدة: دار المنهاج للنشر والتوزيع، صفحة 65. بتصرّف.
  23. محمد إبراهيم الحمد، قصة البشرية، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 81. بتصرّف.
  24. سورة النحل، آية: 32.
  25. ^ أ ب عبد الرحمن بن ناصر بن براك بن إبراهيم البراك (2012)، إرشاد العباد إلى معاني لمعة الاعتقاد (الطبعة الأولى)، السعودية: دار التدمرية، صفحة 90-91. بتصرّف.
  26. سورة التوبة، آية: 101.
  27. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1433هـ)، الموسوعة العقدية، السعودية: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 149، جزء 4. بتصرّف.
  28. سورة الأنعام، آية: 93.
  29. ^ أ ب محمود محمد خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)، السعودية: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 18-21، جزء 8. بتصرّف.
  30. سورة السجدة، آية: 21.
  31. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أم مبشر الأنصارية، الصفحة أو الرقم: 942، صحيح.
  32. محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري، موسوعة فقه القلوب، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 609، جزء 1. بتصرّف.
  33. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1361، صحيح.
  34. عبد الله بن محمد الغنيمان، شرح فتح المجيد، صفحة 5، جزء 132. بتصرّف.
5733 مشاهدة
للأعلى للسفل
×