ما أصل العرب

كتابة:
ما أصل العرب

ما أصل العرب؟

يُجمِع أغلب العرب -مؤرّخوهم وعامّتُهم- بأنّ اليمن هي أصل العرب، ومنها اندفع العرب على شكل موجات هجرة منظّمة أحيانًا وغير منظّمة أحيانًا أخرى في اتجاه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، وصولًا إلى مصر وشمال إفريقيا، وبالرغم من شهرة هذه المعلومة بين العرب، إلّا أنّ الحقائق التاريخية تقول غير ذلك![١] فإذا نظرنا إلى اللغة العربية كلغة نجد أصلها يبدأ باللغة الأكادية في العراق، وتنتشر أصواتها في اللغة السومرية والآرامية، حتّى القبطية القديمة في مصر. أمّا الكتابة العربية التي نكتبُها أو الخط العربي، فقد تطوّر بحسب اللغويّين إمّا من خط سرياني آراميّ أو خط نبطيّ آراميّ، إذ إنّ العلماء لم يجمعوا على رأيٍ إلى الآن.[٢]


وبحسب علم الآثار والوثائق التاريخية التي تشمل النقوش والآثار المادية والروايات التاريخية الموثقة، فإن العرب تمركزوا في مناطق جنوب الجزيرة العربية قبالة شط العرب، وفي مناطق الخليج العربي قبل الطوفان وغرق أغلب شواطئ الخليج العربي وبحر العرب، وذلك فإن أغلب علماء الآثار يؤيدون الرواية التي تقول بأن العرب نزحوا من هذه المناطق باتجاه العراق وبلاد الشام أولًا. وفي رواية أخرى -لكنها تتعلق في فترة أقدم من فترة الطوفان التي تعود للآلف الثامن قبل الميلاد- تؤكد الرواية على أن أقدمية الهجرات السكانية الحضارية للعرب قد جاءت من مناطق بلاد الشام شمالها وجنوبها وفي مناطق بلاد الرافدين خلال العصور الحجرية القديمة.[٣]


وهذا يجعل أصل العرب بحسب الرواية التقلدية اليمن بشكل محدد، والرواية الأخرى التي تدعمها الأدلة العلمية والتاريخية تؤكد بأن العرب قد نشؤوا في مناطق جنوب الجيزرة العربية عند الخليج العربي شواطئ بحر العرب قرابة العراق حاليًا. ولكنْ، من ناحية الوجود السكاني الحضاري وكثافته، فقد تعود أصول العرب إلى مناطق بلاد الشام تحديدًا وأجزاء من العراق وشمال الجزيرة العربية، إذ إنّ أقدم الحضارات قد نشأت هناك، ثمّ تحرّكت باتجاه العراق وجنوب الجزيرة العربيّة.[٣]


توضّح هذه الآراء مدى الاختلاف والتباين في موضوع أصل العرب، ولكنّ الشيء الذي يجمع عليها الجميع، بأنّ العرب هم سكان مناطق الوطن العربي الحالية من المحيط إلى الخليج، وذلك على أقلّ تقدير منذُ الألف الأوّل قبل الميلاد بالعودة إلى النقوش واللغة والآثار المادية التي خلفتها قبائل ومدن العرب القديمة. وقد تكون الرّوايات التي جاءت بها التوراة قد أربكت مؤرّخي العرب القدماء، بحيث أنّه استخدموها لقلة معارفهم بهذا الموضوع، خصوصًا أن الفاصل الزمني بين مؤرّخي العرب المسلمين والفترة التي ظهر بها العرب كبيرة نسبيًا، وقد حصل تغيير كبير في نوعية اللهجات العربية والخطوط التي كتبت بها.[٤]


تتلخص الآراء إذًا حول أصل العرب بأنهم إمّا من اليمن أو من الخليج العربي وشواطئ شط العرب والعراق وبلاد الشام. وتبقى الروايات مفتوحة للتأويل، غير متفق على واحد منها على وجه التأكيد.

استدلال المؤرخين على أصل العرب

متى بدأ تاريخ العرب الأول؟

أشهر الروايات التاريخية حول أصول العرب -والتي سجلها المؤرخون العرب وغيرهم- نُقِلت من التوراة، حيث إنّ التوراة قسمت أصول البشرية ونسبتهم إلى أبناء النبي نوح، وقد كان العرب من سلالة سام ابن نوح، وهذه الرواية تمّ التأكيد عليها بشكل أكاديميّ خلال القرن الثامن عشر من قبل العالم الألماني شلتزر، بالرغم من عدم وجود أيّ دليل علمي على هذه الراوية، بل هناك ما يناقضها تمامًا، وبالتالي فقد بدأ استدلال علماء التاريخ عن أصل العرب من خلال التوراة بشكلٍ رئيس[٥]، ومن هنا جاء تقسيم العرب إلى عرب بائدة وعرب عاربة وعرب مستعربة -أو عرب متعرّبة-، ومن ثمّ عدنان وقحطان وأحيانًا يُضاف لها قُضاعة.[٦]


هذا التّقسيم حقيقًة لا أساس ماديّ له، بل هو منظور توراتيّ مطوّر لأصل العرب القديم، وهناك أيضًا ما ضلّل بعض المؤرخين القدماء وهو حادثة انهيار سد مأرب نهاية القرن السادس ميلادي، ممّا تسبّب في هجرات كبيرة من اليمن باتجاه الجزيرة العربية، وقد زاد في هذا الارتباك قوة الحضارات العربيّة في اليمن خلال الألف الأولى قبل الميلاد إلى غاية ظهور الدعوة الإسلاميّة في الجزيرة العربيّة.[٦]


قُرْبُ الحضارة العربية في اليمن تاريخيًّا وجغرافيًا من الجزيرة العربية منبع الدعوة الإسلاميّة جعل الكثير من المؤرّخين يفتخرون باليمن كأصل للعرب والحضارة العربية، بالرغم من وجود الحضارات العربية القديمة في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية والبحرين وغيرها. يُضاف إلى ذلك محاولة المؤرّخين الغربيّين المحدثين فأصل العرب عن تاريخِهم قبل الإسلام ومحاولة إظهار العرب كغُزاة مسلمين للأراضي المجاورة التي يدعون ببعدها عن الأصل العربيّ.[٦]


كانت اللغة إحدى المناهج التي استدلّ بها المؤرّخون عن أصل العرب، وهذا ما تسبّب في وقوع أغلب المؤرخين في مَصْيدة تقزيم العرب وتقسيمهم بشكل غير دقيق. عَدّ أغلب المؤرّخين القدماء -ويُقصد هنا منذ القرن الثاني هجرية وصولًا إلى القرن السابع عشر- بأنّ اللغة العربية لغة بحدّ ذاتها جاءت من الجزيرة العربية أو اليمن، ولا تمتّ بصلة قوية لأيّة لغات قديمة أخرى، حيث إنّهم كانوا يجهلون هذه اللغات أو اللهجات القديمة، كالأكادية بشقيها البابلي والآشوريّ، والآرامية بفروعِها المختلفة، فاللغة العربية تصرف نحويًّا كتصريفِ الآكاديّة بشكلٍ حرفيّ.[٦]


هذا الجهل باللغات أو اللهجات القديمة أدّى إلى وجود ما يسمّى الأسماء الأعجميّة بالرغم من أنّ بعضهم يعدّ أبًا للعرب، ولذلك كان استدلال المؤرخين العرب محدودًا بالتوراة والكتابات العربية المعاصرة لهم، إضافة إلى الشّعر الذي تعلّق غالبًا بالقبائل ونسبها، ولكن بعض علماء الآثار مثل العالم العراقي طه باقر قال بأصل العرب القديم العائد إلى جنوب الخليج العربي والعراق معًا، ونسب السومريّين وما تلاهم من أقوام إلى العرب القحطانيّين.[٧]


إذًا، قد استدلّ المؤرّخون عن أصل العرب من خلال التوراة والنقوش القديمة عبر علم اللسانيات ومن خلال الشّعر أو من خلال معايشتهم للحضارة العربية في اليمن القديم، وحديثًا أصبح الاستدلال بمساعدة علم الآثار وعلوم التأريخ الحديثة عبر الوثائق التاريخيّة المعتمَدة والموثقة أكاديميًّا.[٣]


تقسيم العرب

على أية أسس قام هذا التقسيم؟

قسّم العلماء العرب من حيث أصولهم ومن حيث الأقدميّة، والتقسيم الأشهر يقوم على تقسيم العرب إلى العرب البائدة -أيْ العرب الذين انقرَضوا من الوجود كقوم ثمود وعاد- والعرب العاربة، أو أصل العرب من السبئيّين والعرب الجنوبيّين في اليمن، وهذا ربّما يعود إلى ربط المؤرّخين العرب الحضارة العربيّة الأقدم باليمن وحضاراتها. ومن ثمّ هناك العرب المستعربة، وينسب لهم تحدّثهم لأول مرة بالعربية وأصالتهم من الناحية اللغوية، ويشمل العرب العاربة قبائل الجزيرة العربية المختلفة، أمّا العرب المعربة فهم كلّ من تحدّث العربية وهو من أصل غير عربيّ من غير دليل ماديّ أو غير ماديّ يُذكَر.[٦]


يقدّم هذا التقسيم من خلال محتوى متناقض، بحيث ينسب النسّابون العرب السبئيّين إلى قحطان بالرّغم من أن السبئيين أنفسهم ينسبون نفسهم إلى سبأ فقط، ويعدّون أهل الشام والعراق عربًا معربة، بالرغم من أنهم يتكلمون العربية منذ ما قبل الإسلام، وينتسبون لأشهر القبائل العربية من قبيلة وائل إلى قبيلة غسان العربية، بحيث أنّ هذه التقسيمات لا أساس علمي لها، وهي فقط عبارة عن روايات قديمة بعضها تم تفنيدها كما ذكر أعلاه.[٦]


لقراءة المزيد، انظر هنا: العرب العاربة والعرب المستعربة.


تقسيم العرب من حيث القدم

يقسم العرب من حيث القدم إلى:[٨]

  • العرب البائدة: وهم العرب القدماء الذين انتهوا إلى الأبد، وغالبًا بسبب العوامل الطبيعية بحسب المؤرخين القدماء.
  • العرب الباقية: وهم العرب المعربة والمستعربة ويشملون كل العرب الذي بقيوا على قيد الحياة وتكلموا العربية إما أصالًا أو حداثًة.


تقسيم العرب من حيث الأنساب

يقسم المؤرخون العرب بحسب أنسابهم إلى:

  • يعرب بن قحطان: ويُنسب له العرب القحطانيّون في اليمن، والذين يقال بأنّهم تلكموا السريانية ومن ثم عرّبهم يعرب، أيْ أنّه تكلم العربية أو صحّح لسانه وأفصح كلامه، وقد نزلوا اليمن -بحسب الروايات- من الجزيرة العربية، وينسب إلى النبي إسماعيل.[٨]
  • معد بن عدنان: العدنانيون وقد نزلوا اليمن كما القحطانيّين وتعربوا بعد إفصاح كلامهم وتكلمهم العربية، وينسبون إلى النبي إسماعيل، ويعدّ عدنان أحد أجداد الرسول محمد بن عبد الله.[٢]




يستمدّ هذا التقسيم أساسه من العهد القديم أو التوراة، حيث إنّه لم يذكر في الشعر العربيّ أو المصادر العربية القديمة بشكل منفصل عن التوراة، ولم يؤثّر بأيِّ شكل من الأشكال في حياة العرب القديمة أو في الإسلام إلّا مع ظهور النّزعة القوميّة لدى الأمويّين.[٨]


قبائل العرب

من هي أبرز قبائل العرب؟

يشتهر العرب بتشدّدهم في موضوع الأنساب وتفاخُرهم في أصولهم ونسبهم العربيّ، وبالتالي فقد كانت القبائل العربية تحرص على معرفة أصولها وأنسابها القديمة، وقد بقي هذا التقليد إلى يومنا هذا بشكلٍ كبير في جميع الأقطار العربيّة.[٩] وأبرز القبائل العربية الرئيسة هي:[٩]

  • قبيلة عدنان: أبرز القبائل المنحدرة منها هي وائل وإياد ومضر وربيعة وأنمار.
  • قبيلة قحطان: أبرز القبائل المنحدرة منها هي يعرب ويشجب.
  • قبيلة قريش: أبرز القبائل المنحدرة منها هي بني أمية وبني هاشم.
  • قبيلة كنانة: أبرز القبائل المنحدرة منها هي بني أزد وبني تميم وبني هذيل.
  • قبيلة تغلب: أبرز القبائل المنحدرة منها هي بنو شيبان وبنو حنيفة.


تتداخل هذه التقسيمات ببعضِها البعض بحيث تنتمي أغلب هذه القبائل لبعضِها البعض، وتتداخل فيما بينها كما في بني تغلب ووائل وبكر، ولذلك يصعب تحديد هذه التداخلات بسبب قدم هذه الأنساب، ولكن يجمع أغلب المؤرخين على أن هذه القبائل قد سكنت مناطق الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق منذ القدم وهاجر جزء منها بعد الإسلام إلى مصر وشمال إفريقيا. وهي أغلبها قبائل عرب مستعربة بحسب المؤرخين.[٦]

المراجع

  1. محمد حسين، اصول العرب البابلية مبتدا العاربة وخبر المستعربة، صفحة 29-105. بتصرّف.
  2. ^ أ ب بياترس جرندلر (2004)، تاريخ الخطوط والكتابة العربية من الأنباط إلى بدايات الإسلام (الطبعة 1)، الأردن:مشروع بيت الأنباط، صفحة 14-16، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت فيليب حتي، العرب تاريخ موجز، صفحة 40-42. بتصرّف.
  4. محمد بهجت القبيسي، ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية، صفحة 51-53. بتصرّف.
  5. أحمد مغنية، تاريخ العرب القديم، صفحة 10-72. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج ح خ جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام الجزء الأول، صفحة 105-620. بتصرّف.
  7. محمد حسين (2013)، اصول العرب البابلية مبتدا العاربة وخبر المستعربة (الطبعة 1)، العراق:الرافدين، صفحة 29-31، جزء 1. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت توفيق برو (1996)، تاريخ العرب القديم (الطبعة 1)، دمشق:دار الفكر، صفحة 20-22، جزء 1. بتصرّف.
  9. ^ أ ب عمر كحالة، معجم قبائل العرب القديمة و الحديثة الجزء الأول، صفحة 4-5. بتصرّف.
5345 مشاهدة
للأعلى للسفل
×