ما أوجه الخلاف في تعريف الواجب والفرض عند الحنفية والجمهور؟

كتابة:
ما أوجه الخلاف في تعريف الواجب والفرض عند الحنفية والجمهور؟

أوجه الخلاف في تعريف الواجب والفرض عند الحنفية والجمهور

يعُد كلٌّ من الفرض والواجب جزءاً من المصطلحات الفقهية المتعلقة بالأحكام الشريعة، وقد اختلف الجمهور والحنفية في تعريف هذين المصطلحين، وسَنُبيِّن في هذا المقال أوجه الخلاف بينهم في التعريف، وثمرة هذا الخلاف، مع ذكر بعض الأمثلة على كُل نوعٍ منها عند كُل فريق.


ذهب الحنفيّة إلى التَّفريق بين الواجب والفرض؛ فقالوا إنَّ الفرض هو كل ما ثبت بدليلٍ أو بطريقٍ مقطوعٍ به، أو ما كانت دلالته قطعيّة؛ كالقُرآن والإجماع، وأمّا الواجب فهو كلُّ ما ثبت بدليلٍ ظنيّ، أو ما كانت دلالتهُ ظنيّة؛ كحديث الآحاد والقياس، أو ما كان مُختلفاً في وُجوبه؛ كوجوب المضمضة في الوضوء.[١][٢] واستدلَّ الحنفيّة على قولهم هذا بأنَّ لفظ الفرض يُطلق على التَّقدير والقطع، كقولهِ تعالى: (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا)،[٣] أي ما قطعنا به من أحكام، وممَّا تجدر الإشارة إليه أنَّ الواجب عندهم يُفيد اللَُزوم كالفرض تماماً، إلَّا أنَّ تأثير الفرض أقوى.[٤]



وبناءً على ما تقدَّم يكون الفرض عند الحنفيَّة من الأمور التي يجب الاعتقاد والعمل بها، ويعدُّ مُنكره كافراً، وأمَّا الواجب فيجبُ عندهم العمل به دون اعتقاده؛ لذا يُعدُّ تاركه عاصياً لله -تعالى- لا كافراً. وأمَّا بالنسبة للجُمهور؛ فيرون أنَّ كلاًّ من الفرض والواجب لهم ذات المعنى، وقد جاءت على شكل لفظين لا لفظ واحد من قبيل التَّرادُف اللَّفظي فقط، كما أنَّهم لم يُفرِّقوا بين الواجب والفرض في وجوب العمل والاعتقاد.[٥]



وتظهر ثمرة التنوُّع بين تعريف الحنفيّة والجُمهور للفرض والواجب في أنَّ الحنفيّة يقولون بتكفير مُنكِر الفرض ولو كان مُتأوِّلاً؛ لأنَّه ثبت بدليلٍ قطعيٍّ ولا حاجة فيه للتَّأويل، وأمّا من أنكر الواجب فلا يَكفر، مع لُزوم العمل به كالفرض، بخلاف الجُمهور الذين يقولون بتكفير مُنكر كلٍّ من الفرض والواجب على السَّواء.[٦]


وبالإضافة إلى ذلك يرى الحنفيّة بُطلان عمل المُكلَّف في حال تركه للفرض؛ كتركه للرُكوع أو السُجود في الصَّلاة، وأنَّ ذمَّته لا تبرأ إلا بالإعادة، وأمَّا من ترك واجباً عندهم كترك قراءة الفاتحة في الصَّلاة؛ فعمله صحيح لكنَّه ناقص وعليه إعادة الصَّلاة، وإن لم يُعِد يكون آثماً مع براءة ذمَّته، بخلاف الجُمهور الذين يرون بطلان العمل سواءً أكان المَترُوك فرضاً أم واجباً.[٦]



تعريف الواجب عند الحنفية والجمهور

تعريف الواجب عند الجمهور

عرّف الجُمهور الواجب على أنَّه الأمر الذي يُثابُ المُكلَّف على فعله ويُعاقب على تركه، كالصَّلوات الخمس، وخرج بهذا التَّعريف الحرام، والمكروه، والمُباح؛ إذ لا يُثابُ المُكلَّف على فعلها، كما خرج منه المندوب؛ لأنَّ المكلَّف يُثاب على فعل المندوب، إلَّا أنَّه لا يُعاقب على تركه،[٧] وقيل أيضاً هو ما يُذمُّ تاركه، وهو مأخوذٌ في اللُّغة من السُّقوط؛ فالواجب يكون قد سقط ووقع على المُكلَّفين من الله -تعالى-،[٨] وقيل هو الذي لا بُدَّ من فعله، ولا يجوز تركه إلى غير بدل، وهو أيضاً ما لا يجوز تركه من غير عزمٍ على فعله، وقد ذكر الفُقهاء في تعريف الواجب أنَّه ما لا يجوز إخراجه عن وقته من غير عُذر، وإن فعل المكلَّف ذلك يُعدُّ عاصياً.[٩]



تعريف الواجب عند الحنفية

عرّف الحنفيّة الواجب أو الإيجاب بأنَّه ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً بدليلٍ ظنيّ، أو ما كانت دلالته ظنيّة كصدقة الفِطر، بحيث لا يَكفر جاحده، ويَفسُق من تركه استخفافاً،[١٠][١١] والمقصود بالدَّليل الظنيّ ما كان فيه شُبهة؛ كخبر الواحد.[١٢]



تعريف الفرض عند الحنفية والجمهور

عرَّف الجُمهور الفرض كتعريفهم للواجب؛ إذ إنَّهما اسمان لمعناً واحد[١٣]، ولم يُفرِّقوا بينهما إلا في الحجّ،[١٤][١٥] بينما عرَّف الحنفيّة الفرض على أنَّه كل ما طلب الشَّارع فعله من المُكلَّف طلباً جازماً بدليلٍ قطعيّ الثُبوت والدَّلالة؛ كالصَّلاة والزَّكاة.[١٦][١١]

المراجع

  1. أبو المناقب الزَّنْجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 169. بتصرّف.
  2. أبو يعلى ابن الفراء، العدة في أصول الفقه، صفحة 376. بتصرّف.
  3. سورة النور، آية:1
  4. محمد دمبي دكوري، القطعية من الأدلة الأربعة، صفحة 222. بتصرّف.
  5. مريم محمد صالح الظفيري، مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز في الأعلام والكتب والآراء والترجيحات، صفحة 31. بتصرّف.
  6. ^ أ ب محمد الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 301-302. بتصرّف.
  7. شمس الدين المارديني، الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات في أصول الفقه، صفحة 88-89. بتصرّف.
  8. عبد الكريم النملة، الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب الراجح، صفحة 23. بتصرّف.
  9. أبو يعلى ابن الفراء، العدة في أصول الفقه، صفحة 159-160. بتصرّف.
  10. محمد الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 300-301. بتصرّف.
  11. ^ أ ب عبد الكريم النملة، الْمُهَذَّبُ في عِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ الْمُقَارَنِ، صفحة 142. بتصرّف.
  12. محمد صدقي آل بورنو، مُوْسُوعَة القَواعِدُ الفِقْهِيَّة، صفحة 189. بتصرّف.
  13. أبو المنذر المنياوي، التمهيد شرح مختصر الأصول من علم الأصول، صفحة 10. بتصرّف.
  14. عطية بن محمد سالم، شرح الأربعين النووية، صفحة 3. بتصرّف.
  15. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 95. بتصرّف.
  16. محمد الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 300. بتصرّف.
4710 مشاهدة
للأعلى للسفل
×