ما الفرق بين مفهومي البلاء والابتلاء

كتابة:
ما الفرق بين مفهومي البلاء والابتلاء

البلاء والابتلاء

إنّ البلاء والابتلاء في اللغة يأتيان من جذر واحد، ومعناه الاختبار والتجربة،[١] وقد فصّل الإمام البخاريّ ومن جاء بعده من العلماء كالإمام ابن حجر العسقلاني بين معنى ومفهوم الكلمتين، فقال الإمام البخاريّ إنّ الابتلاء مشتقٌّ من التمحيص والاختبار، وعقّب الإمام ابن حجر على قول الإمام البخاريّ بأنّ الابتلاء هو الاختبار، وهو من قولهم بلاه إذا استخرج ما عنده، وأمّا البلاء فيُقصد به الإنعام والامتحان معًا؛ فهو بذلك من ألفاظ الأضداد ويُقصَد به النقمة والنعمة في آنٍ معًا.[٢]


وقد وردت في القرآن الكريم آيات تحمل المعاني السابقة لكلا الكلمتين، فجاء في سورة الأنفال لفظ البلاء بمعنى النعمة في قوله تعالى: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا}،[٣] وفي سورة البقرة يقول تعالى: {وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}[٤] ومعناه الاختبار أو النقمة، وكذلك في قوله تعالى في سورة محمّد: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}،[٥] وفيما يأتي يقف المقال مع توضيح الفرق بين البلاء والابتلاء وأمور أخرى.[٢]



الفرق بين مفهومي البلاء والابتلاء

هل يوجد فرقًا اصطلاحيًا بين مفهومي البلاء والابتلاء؟

بعد الوقوف على مفهومي البلاء والابتلاء في اللغة من كلام أئمّة الإسلام ممّن لهم باع في اللغة تقف هذه الفقرة مع تبيين الفرق بين البلاء والابتلاء على نحو أدقّ؛ وذلك بتفصيل الفروق الدقيقة بين المعنيين من جوانب عدّة، وذلك من خلال الوقوف على أقوال أهل العلم وأرباب اللغة في هذا الأمر، وذلك فيما يأتي:


  • يرى الإمام أبو هلال العسكريّ صاحب الفروقات اللغويّة أنّ الفرق بين البلاء والابتلاء هو أنّ الابتلاء يكون من خلال احتمال المكاره والمشقّات، وهو بذلك يختلف عمّا سواه كالاختبار؛ إذ الابتلاء يعني الاستخراج، فكأنّ المُبتلى يُبتلى ليُستَخرجَ ما عنده من المعاصي أو الطّاعات، بينما الاختبار -مثلًا- لا يكون إلّا بالإنعام.[٦]
  • يرى الإمام الطاهر بن عاشور أنّ البلاء هو الاختبار؛ لأنّه يوجب الضّجر والتعب، وشاع هذا اللقب -أي البلاء- عند الحديث على الاختبار بالشر؛ لأنّه أشدّ على النّفس، فإذا أرادوا الحديث على البلاء بالخير فإنّهم يحتاجون لإضافة قرينة توضّح الكلام، وأمّا الابتلاء فهو صيغة مبالغة من البلاء، وبالتالي هو أشدّ من البلاء.[٧]
  • وقال بعض العلماء إنّ الابتلاء ينزل على المؤمن فقط لكي يختبره الله عزّ وجلّ، ومثال ذلك ما حدث مع إبراهيم الخليل -عليه السلام- حين أمره الله تعالى أن يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، فالأمر لم يكن للإنفاذ بل للاختبار، ولذلك افتدى إسماعيل -عليه السلام- بذِبحٍ عظيم، وأيضًا في قصّة موسى -عليه السلام- حين أرسل الله تعالى إليه ملك الموت ليقبضه، ففقأ موسى -عليه السلام- عين الملك، ولم يقبضه، فذلك كان للاختبار، ولو كان حقيقة لما عاد ملك الموت من دون أن يقبض روح موسى عليه السلام، ومن ذلك يتّضح أنّ الابتلاء للمؤمن فقط، بينما البلاء يكون للمؤمن والكافر معًا.[٨]
  • وقال بعضهم إنّ الابتلاء هو الامتحان، بينما البلاء هو اختبار الله تعالى لعباده بأمورٍ قد تكون مؤلمة للعبد، والعبرة في الحالين تكون باستجابة العبد لذلك الأمر؛ فإن استغلّ المرء البلاء أو الابتلاء فيما يقرّبه إلى الله كان في ذلك تكفيرًا له ورفع لدرجاته عند الله تعالى، وأمّا إن أبعَدَه عن الله تعالى كان ذلك عقوبةً له.[٩]


طرق رفع البلاء

ما هي الطرق المتبعة لرفع البلاء؟

بعد الوقوف على معنى البلاء والابتلاء وتدقيق الفرق بينهما فإنّ هذه الفقرة تقف مع الأمور التي يمكن أن ترفع البلاء عن العباد بإذن الله تعالى، فالعبد إذا أصابته مصيبة أو ابتُلي بأمرٍ فعليه أن يلجأ إلى الله تعالى ليكشفه عنه، وفيما يأتي بعض الأمور التي تُعين العبد على تجاوز البلاء من خلال الالتجاء إلى الله تعالى والتقرّب إليه، ومن تلك الطرق:


الصلاة

فالصلاة بخشوع عند المصيبة سبب من أسباب رفع البلاء عن المؤمنين، فتروي أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ الشمس قد خُسِفَت في عهد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فدعا الناس للصلاة وصلّى بهم، فانجلَت الشمس قبل أن ينصرف، فقام وخطبَ بالنّاس فكان ممّا قاله لهم: "إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللهِ، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ"،[١٠] بمعنى سارعوا إلى الصلاة كي يُكشَفَ عنكم ما أنتم فيه.[١١]


الإكثار من الاستغفار

هل يفيد الاستغفار في رفع البلاء؟

فالاستغفار سبب مهمٌّ جدًّا من أسباب رفع البلاء، فقد ذكر الله تعالى أنّه لا يعذّب المستغفرين، قال تعالى في سورة الأنفال: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}،[١٢] وقد جاء في مسند الإمام أحمد من حديث فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "العَبدُ آمِنٌ مِن عَذابِ اللهِ، ما استَغْفَرَ اللهَ"،[١٣] فالاستغفار أحد أهمّ أسباب رفع البلاء عن المؤمنين.[١١]


كثرة الدعاء

ما دور الدعاء في رفع البلاء؟

فالدّعاء هو مخّ العبادة والعبد وهو من أقوى أسباب دفع البلاء، ولكن ينبغي التنبّه إلى أنّ الدّعاء لا يُستجاب من عبد يأكل الحرام أو يظلم العباد، وينبغي للعبد ألّا يستعجل الإجابة ويتحسّر على دعائه؛ فذلك مظنّة أن ييئس ويترك الدّعاء، وخير أوقات الدعاء هي أوقات ستّة: في الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وعقب الصلوات المكتوبات، ووقت صعود الخطيب إلى المنبر يوم الجمعة، وآخر ساعة قبل العصر يوم الجمعة، ويجب على العبد أن يبدي انكسارًا بين يدي الله تعالى.[١١]


التحلّي بمكارم الأخلاق

ففي حديث بدء الوحي يروي الإمام البخاريّ في صحيحه أنّ أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- لمّا أتاها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خائفًا من رؤية جبريل -عليه السلام- كان من جملة ما قالته له: "كَلّا واللهِ ما يُخْزِيكَ اللهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ"،[١٤] فيرى أئمّة الإسلام أنّ هذه الصفات هي من مكارم الأخلاق التي ينبغي للمرء التحلّي بها ليتقرّب من الله تعالى.[١١]


كيفية الصبر على الابتلاء

ختامًا يقف المقال مع ما ينبغي للعبد فعله ليصبر على البلاء الذي هو امتحان من الله تعالى لعباده، يكون محنة على قوم ومنحة لقوم آخرين، فينبغي للعبد أن يستعين ببعض الأمور التي تخفّف عنه وتجعله يصبر على الابتلاء كي يخرج منه بدرجات قد ارتفعت عند الله سبحانه وتعالى، ومن تلك الأمور:[١٥]

  • أن يعلم المؤمن أنّ البلاء هو كفّارة وطهور له من الذّنوب والمعاصي، فالمؤمن قد يُبتلى لكي يُكفّر الله تعالى عنه ذنوبه ومعاصيه ويطهّره منها.
  • أن يعلم المؤمن أنّ الابتلاء من الله تعالى للعبد المؤمن هو دليل محبّة، وعليه فلا ينبغي للمؤمن أن يضجر من الله -سبحانه- ما دام يحبّه ويريد أن يرفع من درجاته في هذا الابتلاء.
  • أن يعلم المؤمن أنّ البلاء سبيل لارتقاء مرتبة العبد؛ فقد يكون للعبد منزلة عند الله تعالى لا يمكنه بلوغها بعمله مهما اجتهد، فما يزال الله تعالى يبتليه إلى أن يبلّغه الدرجات العُلا.

المراجع

  1. "تعريف و معنى البلاء في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-24. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "الفرق بين البلاء والابتلاء"، www.islamweb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-24. بتصرّف.
  3. سورة الأنفال، آية:17
  4. سورة البقرة، آية:49
  5. سورة محمد، آية:31
  6. أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، صفحة 10. بتصرّف.
  7. "الفرق بين البلاء والابتلاء"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-24. بتصرّف.
  8. أبو الأشبال حسن الزهيري، شرح صحيح مسلم، صفحة 8. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الألوكة 2، صفحة 1. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:901، حديث صحيح.
  11. ^ أ ب ت ث "عبادات تدفع البلاء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-24. بتصرّف.
  12. سورة الأنفال، آية:33
  13. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن فضالة بن عبيد، الصفحة أو الرقم:23953، حديث حسن بمجموع طريقيه وشاهده.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3، حديث صحيح.
  15. "الصبر على البلاء"، kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-24. بتصرّف.
4467 مشاهدة
للأعلى للسفل
×