محتويات
الأحكام الإسلامية
نظَّم الإسلام شؤون حياة الناس جميعها، ورتَّب كلَّ احتياجاتهم، ولم يترك مجالًا إلَّا وتناولَه وحكم فيه حتَّى لا يكون على المؤمنين حرج وحتَّى لا يدخل المسلمون في حيرة من أمرهم، وقد جعل الله تعالى للأحكام الإسلامية والتشريعات الدينية مرجعين اثنين وهما: القرآن والسنة، فإذا حار المسلمون في أمر من الأمور رجعوا إلى الكتاب والسنة النبوية، وجدير بالذكر إنَّ الإسلام أولى مسائل البيع والشراء أهمية بالغة لما فيها من حساسية ولأنَّها أساس اختلاط الناس وتعايشهم ببعضهم، وهذا المقال سيتناول الحديث عن حكم من أحكام البيع وهو التناجش وأنواعه وحكمه في الإسلام.
ما هو التناجش
يُتعلَّق مصطلح التناجش بإحدى قضايا البيع والشراء، وهي كلمة مشتقة من النجش، ويُقال في اللغة: نجَشَ الشيءَ الخبيء أي استثارهُ واستخرجه، ويُقال: نَجَشَ النَّارَ أي أوقدها، أمَّا في الاصطلاح فالنجش هو أن يرفع الإنسان ثمن سلعة ما وليس في نيته شراءُ هذه السلعة وإنَّما مبتغاه أن يرغِّبَ المشتري ويكسب رفع ثمن السلعة، وقد جاء في كتاب المغني لابن قدامه: "ولو قال البائع: أُعطيتُ بهذهِ السِّلعة كذا وكذا، فصدَّقَهُ المُشتري واشتراها بذلك، ثم بان كاذبًا فهو في معنى النَّجَش"، وفي النجش كذب وخديعة وأكل للمال الحرام، وقد وردَ عن ابن عثيمين أنَّه قال في النجش: "ومن المناجشة أن يقولَ البائعُ للمُشتري: أُعطيتُ في السِّلعةِ كذا، وهو يكذبُ، والمشتري سوف يقولُ: إذا كانتْ سِميت بمائتين فأشتريها بمائتين وعشرة، وفعلًا اشتراها بمائتين وعشرة، وتبيَّن أن قيمتَها مائة وخمسون، فإنَّ له الخيار؛ لأنَّه غُبِن (خُدِع) على وجه يشبه النجش"، والله تعالى أعلم.[١]
أنواع التناجش
بعد تعريف النجش في الإسلام وشرح فكرة عامة عنه لا بدّ من الإشارة إلى أن التناجش في الإسلام له أنواع كثيرة ولا يقتصر على نوع واحد فقط، بل للتناجش أنواع مختلفة فصَّل فيها علماء المسلمون حتَّى يكون على بينة ودراية بها جميعها فلا يقع المسلم في أيٍّ منها بغير قصد، وهذه الأنواع هي:[٢]
- النوع الأول: يقوم هذا النوع من أنواع النجش على الاتفاق بين البائع وشخص آخر على خداع من يرغب بشراء السلعة، فيرفع الناجش سعر السلعة ليس بنية الشراء بل بنية رفع السلعة وترغيب المشتري، تنفيذًا لاتفاقه مع البائع.
- النوع الثاني: أن يقوم الناجش بإغراء وترغيب المشتري بالسلعة وأن يرفع سعرها من نفسه ودون أي اتفاق مسبق مع البائع.
- النوع الثالث: أن يكون البائع هو الناجش فيقوم بإغراء المشتري بالسلعة بادعائه أن أحدًا من الناس دفع في هذه السلعة مبلغ كذا من باب ترغيب المشتري، أي أن يقوم بالكذب في منح السلعة سعرًا لم يمنحه إياها أحدًا من أجل ترغيب المشتري بشرائها.
- النوع الرابع: وهذا النوع يكون في معاملات الزواج وهو أن يأتي الناجش إلى وليِّ أمر فتاة في حضور من جاء في خِطبة هذه الفتاة فيذكر مهرًا عاليًا لهذه في سبيل إفساد الزواج كاملًا.
- النوع الخامس: أن يمتدح شخص ما إحدى السلع في سبيل ترغيب الناس بشرائها أو أن يذمَّ سلعة في سبيل عدم بيعها فيلحق الضرر بصاحبها، وهذا النوع يكثر في الإعلانات المروجة للبضائع في هذا العصر.
حكم التناجش في البيع
لا يختلف عاقلان على أن التناجش في البيع حرام في الإسلام، لما فيه من ضرر وأذى للناس، وقد حرَّم الإسلام التناجش في البيع وفي غير البيع وورد تحريمه في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة فيما صحَّ من سنة رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة بيع النجش: "فإذا كانتِ الطائفة التي تشتري نوعًا من السلع أو تبيعها قد تواطأت على أن يهضموا ما يشترونه فيشترونه بدون ثمن المثل المعروف، ويزيدون ما يبيعونه بأكثر من الثمن المعروف، وينموا ما يشترونه: كان هذا أعظم عدوانًا من تلقي السلع، ومن بيع الحاضر للبادي، ومن النجش"، وقال العلماء أيضًا: "والنجش في البيع ممنوع حرام، ويأثم فاعله، وإن كان معروفًا بذلك أُدِّب وهو أن يعطي الرجل ثمنًا في سلعة ليس له قصد في شرائها، بل ليقتدي به ويغر غيره"، ويندرج النجش في البيع تحت حكم الغش، والغش في الإسلام محرَّم في صحيح السنة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "من غشَّ فليس منا"[٣]، ومن تعاون مع بائع للترويج لسلع هذا البائع فقد خالف قول الله تعالى في سورة المائدة: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[٤]، والله تعالى أعلم.[٥]
أحاديث تحريم التناجش
بعد ما جاء من حديث وتفصيل في أنواع وحكم التناجش في الإسلام، سيتم المرور على أبرز ما جاء في سنة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من أحاديث عن النجش في الإسلام، ولأنَّ السنة شاملة جمعت أحكام الإسلام كاملة كان لا بدَّ لها أن تتناول هذا الموضوع بعدد كبير من الأحاديث لما في هذا الموضوع من أهمية كبيرة، ومن أبرز الأحاديث النبوية الصحيحة التي جاءت عن النجش في السنة ما يأتي:[٢]
- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: "نَهَى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَنِ النَّجْشِ"[٦].
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "لَا يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ لِبَيْعٍ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الإبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذلكَ فَهو بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فإنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وإنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِن تَمْرٍ"[٧].
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- إنَ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: "ولَا تَنَاجَشُوا، ولَا يَبِيعُ الرَّجُلُ علَى بَيْعِ أخِيهِ، ولَا يَخْطُبُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ، ولَا تَسْأَلُ المَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ ما في إنَائِهَا"[٨].
المراجع
- ↑ "قول البائع: أعطيت في السلعة كذا وهو كاذب"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 18-05-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "النجش والتناجش"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6406، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية: 2.
- ↑ "النجش في البيع ممنوع وحرام"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2142، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1515، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2140، صحيح.