ما هو الخيال

كتابة:
ما هو الخيال

تجربة الانتقال والاغتراب

إنّ العوالم الجديدة التي ينتقل إليها الأشخاص، تقدم الكثير من المغريات، وتجعلهم يأملون طويلا في الذات، وما حولهم من كائنات كحال الفلاسفة في الفلسفة الروحية. الأمر ذاته يمكن أن نجده عند الأدباء والشعراء الذين انشغلوا بما في أعماق النفس من المخبآت والودائع، وانشغلوا بمشاكل الوجود، وقضايا الفناء والخلود، فاتجهوا بفنهم إلى كشف غوامضها. وكانوا في سبيل ذلك كله يتجهون إلى الخيال متى أحسّوا بالغربة في واقع الذي لا تربطهم به رابطة، يتخيلون الوطن، والأحبة، والأماكن، والأصحاب.[١] ومن هنا سيكون موضوع هذا المقال، الذي سيعرف ما هو الخيال.

ما هو الخيال

عند التطرق للإجابة عن سؤال: ما هو الخيال، تظهر عدّة أنواع منه، فمنه الخيال الأدبي، والخيال العلمي، وأيّا كان نوع الخيال، فإن الحديث عن ما هو الخيال، ينطوي على تعريف شامل لكل الأنواع، وهو كل ما لا يقر به عـقل الإنسان في الرؤيا، التي لا تكون في تصور عقله من عمق معرفته لشيء الذي لا معالم له. وعند الإجابة عن سؤال: ما هو الخيال؟ فإنه يظهر كهاجس ينمى مخيلة فكر الإنسان للأشياء، أو شيء يتخيله الإنسان من مخيلة فكره عن تمني أمنيه. أو شيء يتشكل عن طريق عمل ممتزج، واختلط عن طريق أبخرة أو عن طريق عرق، أو أن الرياح صنعت به أشكالا.أو هو مجرد أوهام تصنعها مخيلة الإنسان. أو ضباب مرّ على العين وشاهد أشكالا. أو شيء لا دليل له ولا يرتكز إلى قاعدة مثل السراب أو ما وراء السراب أو كل شيء مبتدع لم تكن له نتيجة ولم يتحقق بها رؤية ينضجها الفكر وتكون غير قابلة إلى معرفة العقل.[٢]

الخيال في الشعر

يُعدّ الخيال في الإجابة عن سؤال: ما هو الخيال، عنصرًا رئيسًا من عناصر الشعر، والذي يأتي على شكل تشبيه أو استعارة أو كناية أو مجاز مرسَل، وهو ما يسمى بـ"الخيال الجزئي"، ويقابله ويكمله "الخيال الكلي"؛[٣] كما في لامية الحُطيئة التي مطلعها:[٤]

وَطاوي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ

ببيداءَ لَم يَعرِف بِها ساكِنٌ رَسما

فإن هذه القصيدة، تشتمل على ألوان من الخيال الجزئي، كما يقوم بناؤها العام على قصة متخيَّلة عن أعرابي يعيش في قلب الصحراء، بعيدًا عن العمران والناس، ويعيش عيشةً قشفةً مرملة، حدث أن حل به ضيفٌ ذات يوم، فلم يجدْ لديه ما يمكن أن يقدمَه له، فاغتم اغتمامًا شديدًا؛ خشية القيل والقال، واتهام الناس له بالبخل، ووعدم قيامه بواجب الضيافة المقدس عند عرب البادية، ففكر في لحظة يأس أن يذبح ابنه، وفعلاً عرض الأمر على الابن، فما كان منه إلا أن رحب بالفكرة؛ إنقاذًا لشرف أبيه، فلا تلوكَه الألسن، وتشيع مذمتُه بين الناس، وبينما يهم بتنفيذ الأمر إذا بقطيع من الحمر الوحشية تعنُّ على البعد، فيسارع إلى كنانته وسهامه ويرمي بسهم منها أتانٍ سمينة، فتخر إثرها على الأرض ليجرها ويذبحها ويطعم ضيفه ويبيتون جميعًا سعداء، وقد شعرت زوجة الأعرابي أنها أم للضيف، مثلما شعر الزوج أنه أبوه.[٣]

وقصة القصيدة في الإجابة عم ما هو الخيال، هي قصة متخيّلة لنقل صفة الكرم، ويقدم فيها صورةً عن فقر تلك الأسرة، مع تحليل مشاعرها اتجاه ضيفها وما يجب له في ذمتهم. ومن القصائد القائمة على هذا الشكل من الخيال أيضًا، قصيدة "سلع الدكاكين في يوم البطالة" للعقاد، التي يتخذ فيها من سلع الدكاكين في يوم العطلة الأسبوعية رمزًا إلى البشرية، ومن حبسها وراء الجدران رمزًا إلى السجن الذي تصادَرُ فيه حرياتُ البشر، وهو يصور البضائع وقد ثارت بسبب الحبس تريد الخروج إلى الحياة الطليقة، حتى لو كان ذلك على حساب وجودها نفسه، وهو يقول: إن هذا هو موقف الجنين ذاته؛ إذ لو سئل أن يبقى حيث هو في بطن أمه يتمتع بالأمان والراحة بدلًا من الخروج إلى النور والحرية الممزوجين بوجع القلب والآلام والشكوى من كل لون، لأجاب هنا حيث أحيا، فهو خير من أمان الحبس حيث أنا الآن؛ ذلك أن حبَّ الحرية والانطلاق يجري في دمه، فلا يملك له دفعًا ولا منازعةً.[٣]

أهمية الخيال في الشعر

الخيال مهم في الشعر، وتبرز أهميته من خلال المميزات التي على الصورة الشعرية أن تتميز بها، فعلى الخيال في إجابة سؤال: ما هو الخيال، أن يكون غير مبتذل، وأن تكون الصورة الخيالية جديدةً؛ فكثرة الاستعمال تقتل حيوية الصورة وقدرتها على الإشعاع والإيحاء. كما على الصورة الشعرية أن تصيب المعنى المرادَ، دون أن تسلم القارئ كل ما فيها دفعةً واحدة، وإلا كانت صورةً مسطحةً قصيرة العمر، لا تخاطب الحواس دون أن تسبر الأغوار، وكلما كانت الصورة نابعةً من القلب حارةً، يتطلبها الموقف، كانت صورةً ناجحةً مؤثرة، أما إذا كانت وليدة العقل البارد فإنها تجيء متكلَّفةً هامدةً فاقدةَ القدرة على الإيحاء، كذلك يجب ألا تزدحم الصورُ ازدحامًا، فترهق ذهن المتلقي، فلا يستطيع التلذُّذِ بها.[٣]

وللصور الخيالية دَورٌ لا يضاهى في التلذذ بذوق الشعر؛ فالخيال يفتح الآفاق أمام النفس البشرية، فيأتي الخيال ليعوِّضَها عما حُرِمتْه من التجديد، ورؤية الدنيا على أوضاع لم تتعودها، ومن ثم لا تشعر تجاهها بالملل والضيق، كذلك فإن الفطرة الإنسانية تتوق إلى الانعتاق من قيود الحياة وقوانينها الصارمة، فلا تجد ذلك الانعتاق إلا في الخيال. والخيال في ما هو الخيال، يخاطب الطفولةَ الخالدة في أعماق الإنسان، التي تبث الحياةَ في الجمادات والمعاني، كما يعزيه بالأشياء التي يحتاجها حين يُحرَم مما أو ممن يحب، أو حين يقع به مكروه، فلا يشعر أنه في محنة.[٣]

الخيال العلمي

في تعريف: ما هو الخيال العلمي، يُعرف بأنه جنس من الأجناس الأدبية، والتصورات حول العلوم أو التقنيات الحالية أو المستقبلية التي توجد في الكتب والمجلات والأعمال الفنية مثل الرسم والنحت والمسلسلات والأفلام والألعاب والمسرحيات وغيره من وسائل الإعلام. ويأتي تعريف ما هو الخيال العلمي مرادفًا للتعريف الأوسع للخيال التأملي الذي يتضمن الأعمال الإبداعية التي تجسد عناصر خيالية غير موجودة في الواقع المعاصر؛ وهذا يتضمن الفنتازيا والرعب والأجناس الأدبية الأخرى التي تدور حول هذه الأفكار. ويختلف الخيال العلمي عن الفنتازيا في أن عناصره الخيالية تكون ممكنة الحدوث بشكل كبير في إطار قوانين الطبيعة المسلم بها أو المقررة علميًا. وتعدّ دراسة النتائج المترتبة على مثل هذه الاختلافات هي الهدف الأساسي للخيال العلمي، مما يجعله يصنف ضمن "أدب الأفكار". وقد تشمل هذه السياقات ما يلي: [٥]

  • قصص تتناول اكتشاف أو تطبيق مبادئ علمية جديدة:، مثل السفر عبر الزمن أو علم "البسيونيك" الذي يدرس بعض الظواهر النفسية كالتخاطر، أو تعرض لتكنولوجية جديدة، أو تعرض لنظم سياسية أو اجتماعية جديدة مغايرة للنظم الواقعية السائدة.
  • السياق المستقبلي: في إطار الخطوط الزمنية البديلة أو في التاريخ الماضي الذي يناقض الحقائق التاريخية المعروفة أو سجل الأحداث التاريخية.
  • سياق الفضاء الخارجي: الذي يتناول العوالم الأخرى أو يضم شخصيات غريبة ومخالفة للواقع.
  • قصص تتناول الأساليب التكنولوجية: أو المبادئ العلمية التي تناقض قوانين الطبيعة المتعارف عليها.

المراجع

  1. "الخيال"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2019. بتصرّف.
  2. "خيال (أدب)"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج "الخيال في الشعر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2019. بتصرّف.
  4. "وطاوي ثلاثٍ عاصبِ البطن مرمل"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2019.
  5. "خيال علمي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2019. بتصرّف.
7774 مشاهدة
للأعلى للسفل
×