محتويات
العلاقة بين الدعاء والقدر
وردت عدة نصوص يُفهم منها أنَّ القدر قد يتغيَّر بسبب الدعاء، منها حديث: (لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ)،[١] وقد استنتج بعض العلماء من هذا الحديث أن القدر ليس محتوماً كله؛ فالقدر والدعاء يتصارعان ويعتلجان، فإذا كان في الدعاء -بسبب التزام شروطه وآدابه- من القوة ما يرد القدر فسيرده، وقد يكون في الدعاء من الضعف -كوجود المانع من قبوله- ما لا يقدر على دفع القدر.[٢]
وهنالك مِن العلماء مَن قال بتأويل الحديث؛ الذي قد يُفهم من ظاهره ردِّ الدعاء للأقدار المحتومة من وجهين، فيما سيأتي بيانهما:[٣]
- الوجه الأول
أن يُراد بالقدَر الذي يزيله الدعاء ويدفعه، هو توفيق الله للعبد بأن يدعو بدعاءٍ يوافق بالضبط الجزء المتعلق بما كتبه الله في اللوح المحفوظ، أي لم يكن مكتوباً ابتداءً ذاك الشيء الذي خاف منه العبد ووفِّق للدعاء به.
- الوجه الثاني
يكون معنى ردّ الدعاء للقدَر بتهوينه عليه، وتيسير أمر احتماله لما فيه من مشاقّ، فما يزال الله يخفف عن العبد -بسبب ذاك الدعاء- حتى يكون ذاك القدَر النازل به كأنه لم ينزل به.
العلاقة بين صلة الرحم وزيادة الرزق والعمر
قد يُفهم من الحديث النبوي: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)،[٤] أنَّ صلة الرحم تنسئ -أي تزيد- في عمر الإنسان، فيصبح المعنى: "يؤخر في أجله، ويسمى الأجل أثراً؛ لأنه تابع للحياة وسابقها"،[٥] وهذا يعني تغييراً في القدر المحتوم بكتابة العمر منذ الأزل، والصحيح أنَّ العمر لا يزيد لحظة واحدة، قال -تعالى-: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).[٦]
وهنالك مِن العلماء مَن قال بتأويل الحديث؛ الذي قد يُفهم مِن ظاهره تأخير الأجل المقدَّر المحتوم بسبب صلة الرحم من وجهين، فيما سيأتي بيانهما:[٧]
- الوجه الأول
كتب الله في اللوح المحفوظ في صفحة قدَر ذاك الإنسان البار بوالديه؛ أنه سيموت بتاريخ كذا -الذي يعلمه في علمه الأزلي-، ولكنه لم يخبر الملَك الموكَّل بقبض روحه بأنه قد كتب في اللوح المحفوظ أنه سيزيد في عمره؛ ليعلم كل المخلوقات بأنَّ الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله -ولا حتى الملائكة المقربون-.
- الوجه الثاني
الزيادة في الأثر -أي الأجل- والتوسعة في الرزق على سبيل المجاز ويُقصَد بها البركة، أي: يبارك لواصل الرحم في زمنه ووقته ورزقه، كما لو عاش أكثر من ذلك، وكما لو رُزِق أكثر مِن ذلك.
ما هو القدَر الذي يمحوه الله؟
أخبر القرآن بأنَّ الله -تعالى- يمحو ما يشاء، فقال: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)،[٨] وهذه الآية الكريمة دليل على مطلق القدرة الإلهية وطلاقتها؛ لكثرة صيَغ العموم الواردة في هذه الآية.خطأ استشهاد: إغلاق مفقود لوسم
وهذا الرأي هو رأي عمر وابن مسعود، وابن عباس، وقتادة وابن جريج وغيرهم، مع التنويه بأنَّ الله عنده أصل الكتاب الذي لا يتغير منه شيء، وهو ما كتبه في اللوح المحفوظ، وهو العلم الأزلي الأبدي السرمدي القائم بذاته.
وقد أحاط بكل شيء علمًا بلا زيادة ولا نقصان، وكلُّ شيء عنده بمقدار محدد مكتوب في لوحه المحفوظ لا يتغير -وإن تغيَّرت بعض أعمال السَّنَة بسبب دعاءٍ أو فضائل أعمالٍ كصلة الرحم-.[٩]
المراجع
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن سلمان الفارسي، الصفحة أو الرقم:2139 ، حسن غريب.
- ↑ عبد الكريم الخضير، شرح الموطأ، صفحة 27. بتصرّف.
- ↑ الطيبي، الكاشف عن حقائق السنن، صفحة 1709. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2067 ، صحيح.
- ↑ ابن بطال، شرح صحيح البخاري، صفحة 204.
- ↑ سورة الأعراف، آية:34
- ↑ عطية سالم، شرح الأربعين النووية، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ سورة الرعد، آية:39
- ↑ محمد الأمين الهرري، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، صفحة 295. بتصرّف.