ما هو الكذب المرضي؟

كتابة:
ما هو الكذب المرضي؟

الكذب المرضي

يُعرَف الكذب المرضي (Pathological lying) بأنّه اضطراب يقول من خلاله الشخص أكاذيب بشكلٍ قهري دون دوافع واضحة، وهذا النوع من الكذب يختلف عن الكذب غير المرضي؛ فمثلًا: قد يضطر الشخص للكذب لتنجب الإحراج الاجتماعي، وتجدر الإشارة إلى أنّ الكذب أمر شائع بين البشر وسمة مشتركة للتفاعلات الاجتماعيّة، وليس دلالة على وجود أي اضطراب نفسي، حتى إنّ الكذب جزء من سلوك بعض الحيوانات؛ كالقرود. وعلى الرغم من أنّ بعض الأشخاص يكذبون أكثر من غيرهم، لكنّ هذا ليس دلالة على وجود حالة مرضيّة.

أمّا الكذب المرضي فهو مختلف، ويدل على وجود مشكلة مرضيّة كامنة؛ مثل: اضطراب الشخصيّة، والسمة الرئيسة للكذب المرضي أنّه لا يوجد دافع واضح له، إذ من غير الواضح فيما كان الشخص الذي يعاني من الكذب المرضي على دراية بخداعه، أو له القدرة على التفكير العقلاني بأكاذيبه، وهذا النوع من الكذب يجعل التواصل الاجتماعي صعبًا، ويؤدي إلى حدوث مشكلات شخصيّة كبيرة مع المحيطين[١].


أعراض الكذب المرضي وتشخيصه

-كما أُشير سابقًا- فمعظم الأشخاص يكذبون من وقت لآخر؛ أي ما معدله 1.65 كذبة في اليوم، ومعظم هذه الأكاذيب تُعدّ بيضاء، ومن ذلك أن يقول الشخص إنّه دفع فاتورة الكهرباء مع أنّه نسي دفعها، أو عند إجابته عن سؤال لماذا تأخر عن العمل، أو أنّه يعاني من صداع ولا يستطيع حضور اجتماع. أمّا الأكاذيب المرضيّة فهي تُقال باستمرار وبشكلٍ اعتيادي، وغالبًا ما تكون مستمرة وبلا فائدة، وهذه الأكاذيب تُقال أيضًا لإظهار الشخص بمظهر البطولي أو لأظهاره على أنّه الضحيّة ولا يردع الشخص شعوره بالذنب أو الخوف من انكشاف كذبته عن التوقف عن الكذب؛ فمثلًا: المُصاب بهذا النوع من الاضطرابات قد يدّعي أنّه مصاب بمرض يهدد حياته، أو يدّعي أنّه على علاقة بشخصٍ مشهور؛ ذلك لإثارة إعجاب الآخرين، أو يكذب في أنّ له تاريخًا من تحقيق أهداف أو اختبار تجارب لم يمارسها سابقًا[٢].


تشخيص الكذب المرضي وأسبابه

لا يوجد تشخيص رسمي منفصل للكذب المرضي، ولا توجد اختبارات نفسيّة أو بيولوجيّة للكشف عن الكذب المرضي، وسيحتاج الطبيب لتحديد مقابلة سريريّة لتشخيص الحالة، وفي حال عدم اعتراف الشخص بأنّه يعاني من الكذب المرضي يجب التحدث إلى العائلة والأصدقاء بشأنه[١]. وتجدر الإشارة إلى وجود القليل من الأبحاث في ما يتعلق بأسباب الإصابة بهذا النوع من الاضطرابات السلوكيّة، وللآن فالأسباب الدقيقة غير معروفة، وليس معروفًا لليوم فيما إذا كان الكذب المرضي عارضًا لحالة مرضيّة أخرى أو هو حالة مرضيّة مستقلة بحد ذاتها، فعلى سبيل المثال، هذا الاضطراب سمة للعديد من الحالات الأخرى؛ مثل: الاضطراب المُفتعل والاضطرابات الشخصيّة، وتُذكَر مجموعة من هذه الأسباب في ما يأتي:[١]

  • الاضطراب المفتعل، الذي يُطلَق عليه متلازمة مونشهاوزن- Munchausen’s syndrome، وهو حالة يدّعي بها الشخص أنّه مريض عقليًا أو يعاني من مرض جسدي، وهذه الحالة الأكثر شيوعًا لدى الأمهات اللواتي يتظاهرن بأنّ أطفالهن يعانون من مرض ما ويكذبون على الطبيب بشأنه. وتوجد عدة أسباب لهذا الظاهرة منها ما يأتي:
    • الأسباب البيولوجية أو الوراثية.
    • التعرض للإساءة أو الإهمال في مرحلة الطفولة.
    • تدني احترام الذات.
    • وجود اضطرابات في الشخصية.
    • تعاطي المخدرات.
    • الشعور بالكآبة.
  • اضطرابات الشخصيّة، حيث الكذب المرضي عارض محتمل لأحد اضطرابات الشخصيّة الآتية:
    • اضطراب الشخصية الحدية(BPD): هي حالة تجعل الشخص غير قادر على تنظيم مشاعره وعواطفه، وقد يعاني الأشخاص المُصابون بهذا الاضطراب من تقلبات مزاج حادّة، مع الشعور بقدرٍ كبير من عدم الاستقرار وانعدم الشعور بالأمان.
    • اضطراب الشخصية النرجسية (NPD)، فالسمة المميزة لهذا النوع من الاضطراب وجود تخيلات بأنّ الشخص ذو أهمية عظيمة، والحاجة إلى الشعور بالإعجاب والمعاملة الخاصّة، وتجدر الإشارة إلى أنّ المصابين باضطراب الشخصيّة الحديّة أو اضرابات النرجسيّة قد يكذبون لتشويه الواقع بما يتناسب مع المشاعر التي يشعرون بها بدلًا من الحقائق.
    • اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (APD)، يجادل الباحثون في إمكانيّة أن يعاني الأشخاص المصابون بهذا النوع من الاضطرابات من الكذب المرضي، لكنهم قد يكذبون لتحقيق منافع شخصيّة أو من أجل المتعة.
  • الإصابة بالخرف الجبهي الصدغي، وجدت دراسة أُجريت على شخص واحد تظهر عليه علامات الكذب المرضي أنّ أنماط سلوكه كانت مشابهة لتلك التي تحدث عند الإصابة بالخرف الجبهي الصدغي؛ والذي يُعرَف بأنّه شكل من أشكال الخرف التي تؤثر في المنطقة الأمامية من الدماغ، وتسبب حدوث تغييرات بالسلوك واللغة؛ مثل: السلوك القهري، والسلوك الاجتماعي غير المناسب والشعور بالملل، والتغيّرات في نوع الأطعمة المُفضّلة لدى الشخص المُصاب.


علاج الكذب المرضي

يُشجّع الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب على طلب المساعدة من المعاجلين الاختصاصيين، فالمعالج النفسي يساعدهم في فهم حالتهم وطريقة تأثير هذا الاضطراب في الآخرين، وربما يجد المعالج أيضًا أنّ هذا الشخص قد يعاني من اضطربات أخرى؛ مثل: ثنائي القطب وفرط الحركة، وفي هذه الحالة من المرجّح أن يعالج الطبيب هذه المشكلات كلها معًا. لكنّ المشكلة تصبح أصعب عندما يكذب الشخص على المعالج أيضًا؛ لذا فمن الأفضل أن يبدو صريحًا، ويعترف بالحالة التي يعاني منها وأنّ المساعدة ضروريّة في حالته وأنّه مستعد للتغير، ووجد بعض الباحثين أنّه من الجيد معالجة الكذب بأنّه إدمان، وقد تساعد الجلسات الجماعيّة أيضًا في العلاج، وعندما يتداخل هذا الكذب مع العلاقات الشخصيّة أو الرومانسيّة فتُقدّم المشورة للأزواج أيضًا في هذه الحالة، وبالإمكان الاستفادة أيضًا من استراتيجيات تعديل السلوك للتغلب عليها، ورغم أنّ الكذب القهري حالة صعبة، لكنّ علاج المصاب بها متاح مع الوقت وبذل القليل من الجهد[٣]


كيفية التعامل مع الذين يعانون بالكذب المرضي

قد تبدو معرفة الكاذب المرضي محبطة للغاية؛ لأنّ الكذب يبدو عديم الجدوى، فالكذب يصبح في شكل اختبار الثقة في أي علاقة ووجوده يجعل من الصعب على الشخص إجراء محادثة ولو بسيطة مع الطرف المقابل، وللتعامل مع الشخص الذي يعاني من الكذب تنبغي الاستعانة ببعض الاستراتيجيّات المساعدة في التعامل معه، ويُذكَر منها ما يأتي:[٢]

  • عدم فقد الأعصاب، فمهما كان الأمر محبطًا من المهم ألّا يفقد الشخص أعصابه عند التعامل مع المُصاب بالكذب المرضي، وعليه أن يبدو لطيفًا وفي الوقت نفسه حازمًا.
  • توقّع الإنكار، فربما يميل الشخص إلى الاستجابة بالكذب، وعند مواجهته بشأن كذبه فمن المحُتمل أن يقابل الأمر بالإنكار، وقد يصاب بـنوبات الغضب ويُعرِب عن الصدمة من الاتهام.
  • تَذَكُّر أنّ الأمر لا يتعلق بالشخص نفسه، فالكذب المرضي لا يتعلق بالشخص نفسه، فعندما يكذب شخص على آخر فلا يعني أنّه مقصود بالكذب، لكنّ الشخص الذي يعاني من الكذب المرضي قد يعاني منه بسبب وجود مشكلات نفسيّة لديه؛ كاضطراب الشخصية، وتدني احترام الذات.
  • الدعم، فعندما يحاول المُصاب بالكذب المرضي التحدث بأكاذيبه فمن المهم تذكيره أنّه ليس في حاجة إلى إقناع من حوله بشيء، وأنّ من حوله يقدّرونه لذاته وكما هو على حقيقته.
  • عدم مشاركته، فعند ملاحظة كذب الشخص يجب عدم المشاركة معه بما يقول، فمن الممكن التساؤل عمّا يتحدث عنه؛ مما يشجعه على التوقف عن الكذب في تلك المرحلة.
  • اقتراح المساعدة الطبيّة، مع تجنب الحكم عليه أو التشهير به، ويجب اقتراح المساعدة الطبيّة، وأنّ هذا الاقتراح يأتي من القلق الحقيقي على راحته.


المراجع

  1. ^ أ ب ت Aaron Kandola (2019-8-7), "What to know about pathological liars"، medicalnewstoday, Retrieved 2020-5-4. Edited.
  2. ^ أ ب Adrienne Santos-Longhurst (2028-8-27), "How Do I Cope with Someone Being a Pathological Liar?"، healthline, Retrieved 2020-5-4. Edited.
  3. "Compulsive Lying", goodtherapy, 2018-8-5، Retrieved 2020-5-4. Edited.
3810 مشاهدة
للأعلى للسفل
×