وقت زمن الرّويبضة
إنّ زمن الرّويبضة يكون بعد أن يظهر الدّجال،[١] فقد ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك الأمر أمام الصّحابة الكرام عندما سألوه عن الرويبضة، فقال: (إنَّ أمامَ الدَّجَّالِ سِنينَ خَدَّاعةً)،[٢] وذكر منها تكلُّم الرويبضة؛ وبيّن أنّه الرجل التافه، أو الفاسق الذي يتكلّم في أمر وشؤون العامة،[٣] ويُبيّن الحديث أن ذلك من علامات الساعة؛ فتنعكس الأحوال، وتفسد أمور الدين والدُنيا، فيُصدَّق الكاذب، ويُكذَّب الصادق، وغير ذلك من انقلاب الموازين والأحوال.[٤]
حال الناس في زمن الرويبضة
جاءت الكثير من الأحاديث التي تُبيّن صفات وأحوال الزمن الذي يكون فيه الرويبضة، وفيما يأتي بيانها:[٥]
- تأمين الخائن، وتخوين الأمين، وتصديق الكاذب، وتكذيب الصادق
ومنه قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ. قِيلَ: وما الرُّويْبِضةُ؟ قال: الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامةِ).[٦][٧]
وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّ الأمانة هي أول ما يُفقد في هذه الأُمّة،[٧] ويكون تضييع الأمانة بإسناد الأُمور إلى غير أهلها، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ)،[٨] وتُقبض من الرجل بشكلٍ تدريجيّ، ثُمّ تُقبض كلها منه.[٩]
- قلة التّثبّت
بحيث يكثرُ فيها الظن، وينطق فيها الرويبضة.[١٠][١١]
- جعل المال في أيدي الحمقى اللئام
ومنها قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لَيأتينَّ على الناسِ زمانٌ يُكذَّبُ فيه الصادقُ، ويُصدَّقُ فيه الكاذبُ، ويُخوَّنُ فيه الأمينُ، ويؤتمَنُ الخؤونُ، ويَشهَدُ المرءُ ولم يُستَشهَدْ، ويَحلِفُ وإن لم يُستَحلَفْ، ويكونُ أسعدُ الناسِ بالدنيا لُكَعَ ابنَ لُكَعٍ لا يؤمنُ باللهِ ورسولِه)؛[١٢] فاللّكع عند العرب: هو العبد، ثُمّ أصبحت تُستعمل للذّم والحُمق.[١٣]
ومعنى الحديث: أنّ المال يتحوّل في آخر الزمان في أيدي الحمقى اللئام بني الحمقى اللئام، وأنهم يكونون أسعد بالمناصب الدنيوية، ونعيم الدنيا وملاذها والوجاهة فيها،[١٣] وهذا يدُل على قُرب الساعة، وأنّ صفات الزمن فيه دلالةٌ على الفساد بشكلٍ عام، فلا يُبالي الناس بالدين، ويركنون إلى الدُّنيا.[١٤]
- فساد الزمان، وانقلاب الموازين
حيثُ يتقدّم أمر العامة ويتكلّم في شؤونهم من يكون خبيث اللّسان، ويستعطف الناس؛ ليبني له مجداً، وينتشر النِفاق في ذاك الزمان.[١٥]
صفات الرويبضة
يُعرف الرويبضة بأنه الإنسان العاجز الذي رَبَض عن معالي الأُمور؛ أي قعد عن طلبها، وهي تصغيرٌ لكلمة رابضة،[١٦] كما جاء في تعريفه في بعض الأحاديث أنّه الرجل التافه الذي يتكلّم في الأمور العامة،[١٧] وقيل: هو الرجل الذي لا يُنظرُ إليه، ولا قيمة له، ويتكلّم فيما شاء من أمور العامة، ويرفع من يشاء من الناس، ويحطّ من يشاء منهم، ويحوّل الرأي العام بما يتناسب مع جهله وهواه وسواد قلبه، وهذا الرجل لا يكون من أهل الإيمان أو العلم،[١٨] ومما ورد في صفات الرويبضة ما يأتي:
- الفسق
وهو مع ذلك يتكلّم بأمر الجماعة والعامة مع عدم قُدرته على ذلك؛ لفساد ذلك الزمن،[١٩] ويكون من أتفه وأصغر الناس وأخسّهم.[٢٠]
- الصّغر في العلم والقدْر والعقل
ويكون من السُّعداء بالمناصب والأموال بعيداً عن الله -تعالى-،[٢١] ومما جاء من صفاته المذكورة في بعض الأحاديث أنه الشخص السفيه، الفاسق، التافه، الخسيس، الوضيع،[٢٢] بالإضافة إلى أنّه الشخص الذي لا يؤبَه له.[٢٣]
- كثرة الكلام
مع التوسّع فيه من غير احتياطٍ أو احتراز لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (وإنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعَدَكم منِّي في الآخرةِ أسوَؤُكم أخلاقًا المُتشدِّقونَ المُتفيهقونَ الثَّرثارونَ).[٢٤][٢٥]
المراجع
- ↑ حمود بن عبد الله التويجري (1414هـ)، إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (الطبعة الثانية)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 370، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 13298، حسن.
- ↑ محمود رجب الوليد (2002)، كشف المنن في علامات الساعة والملاحم والفتن (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 212، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مناهج جامعة المدينة العالمية، الحديث الموضوعي، ماليزيا: جامعة المدينة العالمية، صفحة 122، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ زين الدين بن الحسن الحنبلي (2001)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم (الطبعة السابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 139، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3650، صحيح.
- ^ أ ب ابن بطال أبو الحسن بن عبد الملك (2003)، شرح صحيح البخارى (الطبعة الثانية)، السعودية: مكتبة الرشد، صفحة 207، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6496، صحيح.
- ↑ ابن الملقن سراج الدين أبو حفص بن أحمد (2008)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (الطبعة الأولى)، دمشق: دار النوادر، صفحة 564-565، جزء 29. بتصرّف.
- ↑ يوسف بن موسى بن محمد، أبو المحاسن جمال الدين المَلَطي، المعتصر من المختصر من مشكل الآثار، بيروت: عالم الكتب، صفحة 262، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ حمود بن عبد الرحمن التويجري (1414هـ)، إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (الطبعة الثانية)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 370-371، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أم سلمة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 7510، حسن.
- ^ أ ب حمود بن عبد الرحمن التويجري (2010)، غربة الإسلام (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 88-89، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ زين الدين عبد الرحمن الحنبلي (2004)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 143، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ بشار القهوجي، زمن الرويبضة، صفحة 1-3. بتصرّف.
- ↑ محمد بن عبد الوهاب النجدي، أحاديث في الفتن والحوادث، الرياض: جامعة الأمام محمد بن سعود، صفحة 58. بتصرّف.
- ↑ عياض بن موسى السبتي (1998)، شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم (الطبعة الأولى)، مصر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 26، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ محمد الدبيسي (2013)، ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها (نظرات في سورة الجاثية) (الطبعة الأولى)، صفحة 17-18. بتصرّف.
- ↑ يوسف بن موسى بن محمد، أبو المحاسن جمال الدين المَلَطي، المعتصر من المختصر من مشكل الآثار، بيروت: عالم الكتب، صفحة 263، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (1984)، غريب الحديث (الطبعة الأولى)، القاهرة: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، صفحة 624، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ حمود بن عبد الرحمن التويجري (2010)، غربة الإسلام (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 89، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ حمود بن عبد الرحمن التويجري (1414هـ)، إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (الطبعة الثانية)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 36، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ علاء الدين المتقي الهندي (1981)، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال (الطبعة الخامسة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 231، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن أبي ثعلبة الخشني، الصفحة أو الرقم: 5557، صحيح.
- ↑ بشار القهوجي، زمن الرويبضة، صفحة 2. بتصرّف.