ما هو كف الأذى

كتابة:
ما هو كف الأذى

حق المسلم على المسلم

إنّ الإسلام حين جاء بشرعٍ جديدٍ للنّاس، حدّد لهم الطرائق الصّحيحة للتّعامل، وذلك من خلال رسم الخطوط العريضة وتنبيه المسلم إلى الأمور التي تؤذي أخاه المسلم ليجتنبها، ومن الحقوق المشروعة للمسلم على أخيه المسلم ستّ خصالٍ يرويها أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يقول: "ستُّ خِصالٍ واجبةٌ للمسلم على المسلم، من ترك شيئًا منهنّ فقد ترك حقًّا واجبًا؛ يُجيبُه إذا دعاه، وإذا لقيَه أن يُسلّم عليه، وإذا عطسَ أن يشمّته، وإذا مرضَ أن يعودَه، وإذا استنصَحَهُ أن ينصحَ لهُ"،[١] فهذه الأمور واجبة لكلّ مسلم على أيّ مسلم، وتركُها هو ترك حقٍّ قد أخبر به النبي صراحةً، ويُلحظ في هذا الحديث أنّه يدعو إلى المودة بين المسلمين، كما يدعو إلى كف الأذى.[٢]

كف الأذى عن الناس

أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعريّ أنّه قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ الإسْلامِ أفْضَلُ؟ قالَ: "مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ"،[٣] حيث إنّ ذلك حديثٌ واضحٌ جليٌّ عن كف الأذى لمن يبصر حقائق الأمور ويستجليها، فإنّ الإنسان بيده وبلسانه؛ فاللّسان آلة النّطق والتّعبير عمّا في صدر الإنسان، واليد تعبّر عن الأفعال والتّصرّفات، فبها الإنسان يؤدّي عملًا يرحم المسلمين، أو قد يستعملها في ظلم النّاس والسّطو على حقوقهم والتّعدّي على أموالهم، فكان حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جامعًا مانعًا قد أحاط بكلّ ما يمكن أن يقال حين جعل الإنسان رهين لسانه ويده، وقد نهى الإسلام عن كلّ ما قد يسبّب الأذى للمسلم سواء كان أذًى نفسيًّا أم بدنيًّا، وجعل كف الأذى عن المسلمين عبادة، فيقول -مثلًا- عبد الله ابن عبّاس -رضي الله عنهما- فيما يرويه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً، فلا يَتَناجَى رَجُلانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالنَّاسِ، أجْلَ أن ذلك يُحْزِنَهُ"،[٤] فهي دعوة إلى كف الأذى، فالإسلام إذًا لا يفرّق بين أذًى نفسيٍّ أو جسديّ ما دام الإنسان روحًا وجسدًا، فكما نُهى عن الأذى الجسديّ فهو يَنهى عن النفسيّ مهما كان صغيرًا؛ كأن يتناجى رجلان سرًّا ورجلٌ ثالثٌ يجلس معهما في نفس المجلس وهم ثلاثةٌ فقط.

فالمسلم إذًا يؤجر على كف الأذى عن النّاس كما يؤجر على أداء الطّاعات والفرائض؛ فالله تعالى لا يُنقص من عمل ابن آدم شيئًا ولو كان مثقال ذرّة، وربّما يعود سبب أذى المسلمين بعضهم بعضًا وعدم اتباعهم منهج كف الأذى ناتج عن قلّة الوعي والجهل في دينهم، فكلّ ذلك يجعل الإنسان وحشًا لا يرعى في إخوانه إلًّا ولا ذمّة، وهؤلاء قد توعّدهم الله -عز وجل- في قرآنه في سورة الأحزاب: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}،[٥] وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: "هيَ في النَّارِ"،[٦] فإيذاء المسلمين أمرٌ خطير يغيب عن معظم الناس اليوم، ويكاد يكون فقه كف الأذى غائبًا عند عدد لا بأس به من الناس، ولكنّ الحمد لله أنّ أكثر أهل هذه الأمّة يعملون بمبدأ كف الأذى وما يزالون على الفطرة وعلى المحجّة البيضاء التي تركهم عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "إنَّما مَثَلُ أُمَّتي مَثلُ المطر، لا يُدْرى أوّله خيرٌ أم آخره".[٧][٨]

أنواع الأذى

وصور الأذى التي جاء الإسلام لمنعها كثيرة، فمنها أذًى محسوس، ومنها غير محسوسٍ، وسيُذكر بعض الصّور الواردة في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "لا تَحاسَدُوا ولا تَناجَشُوا ولا تَباغَضُوا ولا تَدابَرُوا ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا، المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هـٰهُنا -ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ- بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ دَمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ"،[٩] فمن تلك الصّور الواردة في الحديث الشريف:[١٠]

  • الحسد: حيث إنّ الحسد يوقع الشّحناء والبغضاء في الصّدور، وذلك كان خلق إبليس حين حسد آدم، والحسد هو تمنّي زوال النعمة من المسلمين، وهو في ذلك يعترض على أمر الله تعالى.
  • التناجش: وهو أن يرفع التاجر سعر السلعة ليبيعها بسعر عالٍ دون سبب لذلك.
  • التباغض: وهو أن يبغض المسلم أخاه المسلم لسببٍ من أسباب الدنيا.
  • الإعراض عن المسلمين: ويعني أن يدير المسلم ظهره لحقوق أخيه المسلم؛ كالنّصرة والإعانة ونحوها.
  • البيع على بيع المسلمين: كأن يقول المسلم لرجلٍ قد اشترى شيئًا من مسلمٍ آخر: دع ما أخذته منه وتعال لأبيعك خيرًا منها، فإنّ ذلك مرفوضٌ في الإسلام.
  • الظّلم: فالظلم حرّمه الله على نفسه وجعله محرّمًا بين عباده.
  • الخذلان: وهي ترك الإعانة في المواقف التي تتطلّب وقفة حقيقيّة.
  • التّحقير: وهو استصغار شأن المسلم، والوضع من قدره، وإنّ ذلك فيه إذلالٌ لكرامة المؤمن.

المراجع

  1. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 3/171، حديث إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  2. "من حديث (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه..)"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2019. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 42، حديث صحيح.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6290، حديث صحيح.
  5. سورة سورة الأحزاب، آية: 58.
  6. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2560، حديث صحيح.
  7. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2869، حديث حسن غريب.
  8. "عبادة كف الأذى عن الناس"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2019.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2564، حديث صحيح.
  10. "خطب مختارة - [53 التحذير من أذية المسلم"]، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2019. بتصرّف.
4709 مشاهدة
للأعلى للسفل
×