محتويات
تاريخ التأليف عند العرب
لقد عرف العرب القدامى الكتابة منذ عصور الجاهليّة، ولكنّهم لم يكونوا بحاجة إلى الكتابة في شيء؛ فقد كانوا يعتمدون على الحفظ في تناقل الأشعار والأخبار وغير ذلك، وصحيح أنّ العرب كانوا أمّة أميّة بالجملة من ناحية القراءة والكتابة إلّا أنّ بعضًا منهم علِمَ الكتابة ولكن ما من حاجة إليها، فالحفظ هو الوسيلة إلى ذلك، ولكن مع ظهور الإسلام ظهر التدوين أوّل مر، وهو تدوين القرآن الكريم في عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وفي عهد الخلفاء الراشدين، ثمّ تدوين السنة النبوية في القرن الهجريّ الأوّل، ثمّ تسلسل تدوين المعارف من العلوم الشرعيّة وعلوم اللغة والأدب والتاريخ والنقد الأدبي وغير ذلك، وسيقف هذا المقال مع قائمة منتقاة من أشهر الكتب العربية.[١]
أشهر الكتب العربية
إنّ موضوع أشهر الكتب العربية هو موضوع واسع وفضفاض، ويندرج تحته ملايين من الكتب العربية التي أُلِّفَت منذ بدء التدوين، ولذلك فإنّ اختيار مجموعة من الكتب لتكون أشهر الكتب العربية هو أمر عسر المطلب صعب المنال، فمنذ بدء تدوين المعارف والعلوم والتأليف صار العرب أغزر الأمم من جهة التّأليف؛ فألّفوا في كلّ باب ولون، ففي علوم اللغة كان علم النحو هو الأبرز؛ كونه الطريق لفهم اللغة التي هي السبيل لفهم كتاب الله تعالى، فكان الخليل بن أحمد الفراهيديّ وكتابه الجمل في النحو، تبعه تلميذه سيبويه في "الكتاب"، وهكذا استمرّ سيل العلماء بالتّدفّق، واستمرّت الكتب بالانبعاث في مناحي الحياة قاطبة، وفي العلوم الشرعيّة والكونيّة والإنسانيّة، وكذلك ظهرت مؤلّفات في علم التاريخ ولكن كان يغلب عليها عدم ضرب طريق لها بمنهجيّة واضحة، وذلك ما عابه ابن خلدون في مقدّمته على من سبقه من المؤرّخين أنّهم يفتقدون إلى المنهجيّة، وهذا المقال سيقف مع أشهر الكتب العربية.[١]
مقدمة ابن خلدون
من أشهر الكتب العربية كتاب مقدّمة ابن خلدون، وهي مقدّمة قد جعلها الإمام عبد الرحمن بن خلدون لكتابه الأشهر ديوان المبتدأ والخبر، أو تاريخ ابن خلدون اختصارًا، واسمه الكامل: كتابُ العِبَر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيّام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، فتُعدُّ مقدّمته مَعينًا ما يزال ينهل منه الناس منذ تأليفها وإلى يوم الناس هذا، إذ استقى منها العلماء الأساس الذي أسسوا عليه ما يُعرف بعلم الاجتماع، أو علم المجتمعات، أو علم طبائع العمران والدّول، فكان ابن خلدون في مقدّمته يغوص في عمق الظاهرة التي يتحدّث عنها بعد تحليلها وتفكيكها، ثمّ يعود بعدها إلى تجميع تلك الجزئيات التي فككها في مقدّمة كليّة لها.[٢]
وكذلك استفاد من التّجارب البشريّة التي شاهدها بنفسه ووقف عليها، وأيضًا ممّا ساعده في كتابة مقدّمته ملاحظته للعلائق بين الإنسان والحيوان، وأيضًا قد استفاد من التجارب المُقامة على الحيوان وأسقط ذلك على واقع الإنسان، ومن هنا كان بعض العلماء يرى أنّ ابن خلدون من أوائل من دعا إلى المدرسة التّجريبيّة إن لم يكن الأوّل، على أنّه لم يقل ذلك صراحة إنّما أشار إليه بين السطور، واستعان ابن خلدون -وهو يُحلّل الظواهر التي يدرسها في المقدّمة- بآخر ما وصل إليه عصره من علوم طبيّة وتشريحيّة، وهذه هي الأسس والركائز التي انطلق منها ابن خلدون في اكتشافه للقوانين الناظمة لطبائع العمران.[٢]
ويمكن أن يُقال عن منهج ابن خلدون العلميّ في مقدّمته أنّه يُقسم إلى قسمين: الأوّل خاصّ بالقواعد العامّة، وهي التّزوّد بالعلم ومعرفة طبائع العمران والتّشكّك والموضوعيّة والحيطة عند التّعميم، والثّاني خاصّ بالقواعد الخاصّة، وهي التّأمل والاستقراء والتّحقيق العقليّ والتّحقيق الحسّيّ وسؤال أهل الخبرة والمُقارنة والتّجرِبة والنّظر في الحوادث في إطارها الزّمانيّ، وهذه القواعد إمّا أنّها قد ذُكِرَت صراحة في هيئة تعاليم مُحدّدة وواضحة، وإمّا تضمينًا في سياق الحديث والشّرح والتّحليل، وختامًا ينبغي القول إنّ مقدّمة ابن خلدون شاهد على براعة ابن خلدون، وحجّته في المعرفة؛ فيمكن القول إنّها أعظم عمل في عصره من حيث عمق الفكرة ووضوح العرض وسداد الحكم، ويتّضح من خلال قراءة المقدّمة أنّه لم يسبقه في عمله هذا أيّ من العلماء المسلمين الذين سبقوه.[٢]
تاريخ الطبري
الكتاب الثاني من سلسلة أشهر الكتب العربية هو كتاب تاريخ الطبري، واسمه الكامل تاريخ الرسل والملوك، وسُمّي بتاريخ الطبري اختصارًا، وهو كتاب يؤرّخ للكون منذ بدء الخليقة وإلى عصر الإمام الطبري قبل وفاته بعام أو بأعوام قليلة، ومؤلّف هذا الكتاب هو إمام المفسّرين محمّد بن جرير المعروف بأبي جعفر الطبري، يكنّى بشيخ المفسّرين، وهو من مواليد عاصمة طبرستان واسمها آمل، وهي اليوم تقع ضمن الأراضي الإيرانيّة في محافظة مازندران،[٣] يبدأ الطبريّ تفسيره من بدء الخلق مع أبي البشر آدم عليه السلام، وينتهي بعام 309هـ،[٤] وهذا الكتابُ من أهم كتب التاريخ وهو مُقدّمٌ على غيره من كتب التاريخ عند بعض العلماء لأمور منها:
- قرب عهد الإمام الطبري بتلك الحوادث التي رواها.
- أنّ الإمام الطبري يروي بالأسانيد.
- المكانة العلميّة السّامقة التي يحظى بها الإمام الطبري عند جمهور العلماء.
- أنّ معظم كتب التّاريخ تنقل عن هذا الكتاب.
أمّا منهجه في هذا الكتاب فهي النّقل عن السّابقين سواء كان النّقل غثًّا أم سمينًا، والحكم في ذلك يكون للقارئ الذي يعرض الخبر على موازين أهل الدّراية بهذا الفن، فإن أبعدوا واحدًا ممّن نقلَ الإمام الطبري عنهم فإنّ رواية ذلك الرّجل التي ذكرها الطبري تُردّ، وإن قبلوا منه فإنّها تُؤخذ، فيقول الإمام الطبري في مقدّمة كتابه: "وليعلم الناظر في كتابنا هذا أنّ اعتمادي في كل ما أحضرت ذكرهُ فيه مما شرطتُ أنّي راسمهُ فيه إنّما هو على ما رُويت من خبر ذكرناهُ عن بعض الماضين، مما يستنكره قارئه، أو يستشنعهُ سامعُهُ من أجل أنّهُ لم يعرف له وجهًا في الصحة، ولا معنًى في الحقيقة؛ فليعلم أنّه لم يُؤتَ في ذلك من قِبَلنا، إنّما أوتي من قِبَل بعض ناقليه إلينا، وأنّا إنّما أدّينا ذلك على نحو ما أُدِّي إلينا"، وهذا ما يمكن الحديث عنه باختصار عن كتاب تفسير الطبري أحد أشهر الكتب العربية.[٥]
طوق الحمامة
اسم الكتاب كاملًا: طوقُ الحمامة في الألفة والألّاف، كتبه إمام الأندلس وفقيهها الإمام الوزير ابن حزم الظّاهريّ رحمه الله، وهذا الكتاب بحسب ابن حزم قد كتبه بناء على طلب صديق له، وقد جعل هذا الكتاب في الحبّ وفلسفته ومضامينه معتمدًا على التجربة والمعاينة الشخصيّة من الكاتب نفسه، وهذا الكتاب يُعدّ من أشهر الكتب العربية لسبب وهو أنّه -كما يرى كثير من الباحثين- أدقّ الكتب التي تحدّثت عن الحبّ ومظاهره وأسبابه، ولذلك قد تُرجِمَ هذا الكتاب إلى كثير من اللغات الأجنبيّة، وقد جعل ابن حزم كتابه هذا في ثلاثين بابًا، ويبدأ هذا الكتاب بباب علامات الحبّ، وينتهي ببابين الأوّل قبح المعصية، والثّاني فضل التّعفّف، وبين هذه الأبواب أبواب كثيرة منها أبواب تتحدّث عن أصول الحبّ كالحبّ من النّظرة الواحدة، وباب من أحبّ في النوم ومن أحبّ بالوصف، ثمّ أبواب عن أعراض الحبّ كالوصل وطيّ السّرّ والإذاعة والطاعة والمخالفة، ثمّ أبواب في آفات الحبّ كالعاذل والرقيب والواشي والهجر والبين، ثمّ الختام مع البابين المذكورَين أعلاه، وهذه لمحة موجزة عن أشهر الكتب العربية في الحبّ كتاب طوق الحمامة.[٦]
البيان والتبيين
أحد أشهر الكتب العربية بل أحد أعمدتها وأعظمها، كتاب البيان والتّبيين لإمام العربيّة أبي عثمان عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ، إمام من أئمّة البيان، وأحد سيوف الثّقافة العربيّة المسلولة على رقاب الشّعوبيين الذين كانوا يطعنون في العرب من جانب خفيّ وبألسنة تقول بظاهرها شيء وهي تريد آخر، وفي هذا الكتاب ينحو الجاحظ منحًى فلسفيًّا، ويحاول وضع أسس لعلم البيان وفلسفة اللغة عن طريق ذكر منتخبات أدبيّة من خطب ورسائل وأشعار ممّا جادت به قريحة أشخاص مختلفين، يأخذ الجاحظ كلامهم لأغراض متنوّعة، ومقصد الجاحظ بكلمة البيان هو الدلالة على المعنى، والتبيين هو الإيضاح، ففي الجزء الأول تحدث الجاحظ عن مفهوم البيان وأنواعه، وكذلك عن آفات اللسان، وعن البلاغة والفصاحة في اللغة، وأمّا في الجزء الثاني فقد تحدّث عن الخطابة وعن طبقات الشّعراء، أمّا الجزء الثالث فقد تكلم فيه عن أصل اللغة وقيمة الشعر، وفي الكتاب يضع الجاحظ كلامًا منتخبًا من كلام الأنبياء، وخطبًا وأشعارًا للنّاس بمختلف أحوالهم وأوضاعهم حتى لو كانوا حمقى، وهذا باختصار ما يمكن الحديث عنه عن كتاب البيان والتبيين أحد أعظم كتب العربيّة في البلاغة.[٧]
أوراق الورد
كتابٌ يَرى صاحبه أنّه كتاب العربية المُعجز في بابه؛ أي في باب الرسائل التي تتحدّث عن فلسفة الحبّ والجمال، إذًا -بلا ريب- يستحقّ هذا الكتاب أن يكون أحد أشهر الكتب العربية بلا منازع، فقد أضاف مؤلّف هذا الكتاب للمكتبة العربية كنزًا ثمينًا من كنوز البلاغة في الخطاب، والكتاب عبارة عن خواطر كتبها الأديب مصطفى صادق الرافعيّ -مؤلّف كتاب وحي القلم- يصف بها بعض أحواله في بعض سنيّ عمره، وتضمّ رسائل قد كتبها الرافعي إلى حبيبته التي يزعم بعضهم أنّها مي زيادة بدليل الرسالة التي يوردها الرافعي جزءًا منها في كتابه ثمّ تكون في كتاب لمي زيادة اسمه ظلمات وأشعّة، إلّا أنّ البروفيسور اللبناني مصطفى الجوزو يرى أنّه ما من حبيبة يرسل لها الرافعيّ رسائله، وبالتالي هي رسائل وهميّة ليس إلّا، والرسالة كانت مرسلة إلى جبران خليل جبران وتوهّم الرّافعيّ أنّها قد أُرسِلَت إليه.[٨]
ويشرح الرافعي أسباب تسميته للكتاب في مقدّمة الكتاب؛ إذ يروي أنّ ملهمته كانت تحمل وردة ظلّت تشمّها وتداعبها إلى أن قالت له: "ما أرى الحبّ إلّا كورق الورد في حياته ورقّته وعطره وجماله، ولا أوراق الوردة إلّا مثله في انتثارها على أصابع من يمسّها إذا جاوزَ في مسّها حدًّا بعينه من الرّفق"، ثمّ إنّها دنَت منه وعلّقت الوردة على عروته فقال لها: وضعتِها لكن على معانٍ في القلب كأشواكها"، فضحكت وقالت: "فإذا كتبتَ يومًا معاني الأشواك فسمِّها أوراق الورد"، ومن هنا يعلم القارئ أنّ اوراق الورد تلك هي الأشواك بما تحمله من ألم وحزن، فاستعمل عبارة أوراق الورد في حين أنّه يريد غير ذلك تمامًا، وهذا من باب العلاقة الضدّيّة في الكناية، أو الاستعارة التّهكّميّة كما يسمّيها الخطيب القزوينيّ -رحمه الله-، وهذا أهمّ ما يمكن أن يُقال عن كتاب أوراق الورد أحد أشهر الكتب العربية.[٨]
الكتاب
كتاب سيبويه في علم النحو، أوّل كتاب يوضع في العربية في علم النحو، وضعه إمام العربيّة ومؤسّس علم النحو عمرو بن عثمان بن قنبر، المعروف باسم سيبويه، ومعنى الاسم رائحة التّفّاح، وقد مات صاحبه قبل أن يتمّه ويضع له عنوانًا وذلك بعد أن اختلف مع الكسائي إمام الكوفة حول ما يُعرف بالمسألة الزّنبوريّة، كتب سيبويه كتابه هذا في حياته ولكنّه لم ينتشر إلّا بعد وفاته عن طريق تلميذه الأخفش الأوسط، والكتاب لم ينتشر في حياة سيبويه دفعة واحدة، ولكنّ جمهور عصر سيبويه كانوا على علم بالكتاب وبأجزاء منه كانت منشورة في ذلك الوقت، ولذلك فإنّ الكتاب لا أحد يختلف على نسبته إلى سيبويه إمام النحاة، ويقع هذا الكتاب في زهاء ستمئة باب غير مرتّبة على نحو معيّن، فيكون يتحدّث عن أحد المرفوعات ثمّ يذهب إلى منصوب ما ثمّ إلى مجرور ليعود بعدها إلى مرفوع، وهكذا.[٩]
وجديرٌ بالذكر أنّ وقت تأليف الكتاب لم تكن المصطلحات النحويّة قد نضجت بعد، وكذلك لم يكن ترتيب الكتاب قائمًا ذلك الوقت؛ فيقدّم سيبويه ما حقّه التّأخير منطقيًّا، ويؤخّر ما حقّه التّقديم كذلك، والكتاب لا يقتصر على النحو فقط، بل إنّه يضع فيه أبوابًا من الصّرف كالتّصغير والنّسب والمقصور والممدود والإعلال والإبدال وغير ذلك، وهذا أبرز ما يمكن الحديث عنه عن أحد أشهر الكتب العربية وأشهر كتب النحو على الإطلاق.[٩]
أمالي القالي
واحد من أشهر الكتب العربية، بل إنّه عندما يُذكر اسم كتاب الأمالي من دون ذكر المؤلف فإنّ الذّهن ينصرف مباشرة إلى كتاب القالي، هو كتاب الأمالي الذي هو بالمفهوم الحديث مجموعة محاضرات أملاها الشيخ أبو علي القالي -واسمه إسماعيل بن القاسم البغداديّ القاليّ الذي استقرّ في النهاية في الأندلس- على تلامذة المسجد الجامع في الزهراء في قرطبة أيّام الخميس، يورد القالي في كتابه الأمالي نصوصًا شعريّة وخطبًا وأحاديث نبويّة وآيات من القرآن الكريم وكلام للحكماء والبلغاء وأمثال عربيّة مشهورة، ويقف القالي من كلّ ما يذكره في الكتاب وقفة المُعلّم والأستاذ، فلا يكاد يذكر شيئًا ممّا سبق إلّا وأتبعه بتعليق منه يوضّح فيه قبل كلّ شيء مقدرته العلميّة التي جعلته يتعمّد كثيرًا أن يأتي بنصوص صعبة ليظهر مقدرته العلميّة، وكذلك قد ضمّ الكتاب كثيرًا من غريب القرآن؛ إذ كان القالي يتلو الآية الكريمة ثمّ يتعرّض لألفاظها ومعانيها، ويجدُرُ القول ختامًا إنّ الكتاب يضمّ دررًا منتقاة بعناية تنمّ على ذوق رفيع من صاحبها الذي جمعها بتأنٍّ وتريّث كبيرَين، وممّا يجدر الإشارة إليه في هذا الكتاب أنّ مؤلّفه قد اعتنى عنايةً كبيرةً بالأسانيد؛ فلا يذكر رواية إلّا ومعها إسنادها إلى صاحبها، وبذلك ينتهي الحديث الموجز عن مؤلَّفٍ من أشهر الكتب العربية، وهو كتاب الأمالي لأبي عليّ القاليّ رحمه الله.[١٠]
الكتابة عمل انقلابي
الكتاب الأخير في هذه السلسلة التي ضَمّت بعضًا من أشهر الكتب العربية وهو كتابٌ نثريٌّ لشاعر حديث هو نزار قباني، الشاعر السوريّ الدّمشقيّ الأشهر نزار قباني صاحب الدواوين الكثيرة ربّما قد يستغرب القارئ من الإتيان بكتاب نثريّ له بين أشهر الكتب العربية وهو شاعر، ولكنّ ذلك اللبس سيزول عندما يعلم القارئ أنّ كتابة نزار النّثريّة لا تقلّ عن الشّعريّة، وربّما تكون أجمل وأحسن، وهذا الكتاب هو عبارة عن مقالات صحفيّة كتبَها نزار في مَجلّة الأسبوع الأدبيّ بين عامَيْ 1973 و1975م، وتناقش هذه المقالات مشكلات مختلفة، فتعالج موضوعات في الأدب والسياسة والواقع العربيّ وأمور أخرى كثيرة غير ذلك، يستعمل فيها نزار كلّ خبرته اللغويّة والبلاغيّة ويعتني بها جيّدًا قبل أن تخرج بذلك القالب العجيب؛ إذ الكتابة في الصحافة في ذلك الوقت تعني أن يظهر الإنسان أمام جمهور واسع يمتدّ من أقصى إلى أقصى، ورجل بحجم نزار قبّاني لا بدّ أن يعتني كثيرًا بمقالاته قبل خروجها للعلن، وبعد هذا الحديث الكثير عن الكتاب يختم المقال هذه الفقرة بمقتطف من مقالة لنزار قبّاني يسلّط الضّوء فيها على مشكلة قديمة وهي الأدباء الذين يتزلّفون للحكّام والأمراء وذوي السّلطة، فيسمّيهم نزار "أوتوبوسات الشّعر"، ويقصد بهم ما يُسمّى "أوتوباص"، أو "أوتوكار"؛ إذ يشبّههم نزار بالحافلة التي تتوقّف عند كلّ محطّة لتنفّذ الأوامر، وهؤلاء يتوقّفون في بلاط كلّ ذي سلطة ينفّذون أوامره.[١١]
يقول نزار قبّاني: "الكتابة هي فن التورّط، ولا كتابة حقيقية خارج التورّط، الكتابة ليست سجادة فارسية يمشي عليها، الكاتب -كما يقول جان كوكتو- ولا مقعدًا مغلفًا بـ"الأوبوسون"، ولا مخدّة من ريش العصافير، تغوص رؤوسنا فيها، ولا يختًا خاصًّا نتشمّس على ظهره، ونشرب البيرة الدانماركية المثلجة. إنّ الكاتبَ يجب أن يظلّ في أعماقه بدويًّا يتعامل مع الشّمس، والملح، والعطش، يجب أن يبقى حافي القدمين حتى يتحسّس حرارة الأرض، ونتوءاتها ووجع حجارتها، يجب أن يبقى عاريًا كحصانٍ متوحّشٍ، ورافضًا كل السروج التي تحاول الأنظمة وضعها على ظهره، ومتى فقد الكاتب بداوته وتوحّشه وقدرته على الصّهيل، ومتى فتح فمه للِّجَام الحديديّ، ومنح ظهره للبراكين تحول إلى "أوتوبوس حكوميّ" مضطرّ إلى الوقوف على جميع المحطات، والخضوغ لصفّارة قاطع التذاكر". وبذلك ينتهي مقال أشهر الكتب العربية مع الكتاب الأخير ضمن هذه السلسلة وهو كتاب "الكتابة عمل انقلابيّ" للشّاعر المعروف نزار بن توفيق القبّاني.[١١]
المراجع
- ^ أ ب "تاريخ الكتابة والتأليف عند العرب"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-02-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ابن خلدون (2004)، مقدمة ابن خلدون (الطبعة الأولى)، دمشق: دار يعرب، الصفحة 39 وما بعدها، الجزء الأول. بتصرّف.
- ↑ "محمد بن جرير الطبري"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 03-02-2020. بتصرّف.
- ↑ "تاريخ الطبري"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 03-02-2020. بتصرّف.
- ↑ "لماذا تاريخ الطبري؟"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-02-2020. بتصرّف.
- ↑ علي بن حزم الأندلسي (2016)، طوق الحمامة في الألفة والألّاف (الطبعة الأولى)، القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، الصفحة 7 وما بعدها. بتصرّف.
- ↑ الجاحظ (1998)، البيان والتبيين (الطبعة السابعة)، القاهرة: دار المدني، الصفحة 5 وما بعدها، مقدمة المحقق. بتصرّف.
- ^ أ ب أ. د. مصطفى الجوزو (1985)، مصطفى صادق الرافعي رائد الرمزية العربية المطلة على السوريالية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الأندلس، صفحة 83 وما بعدها. بتصرّف.
- ^ أ ب "سيبويه: حياته وكتابه"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 03-02-2020. بتصرّف.
- ↑ "الأمالي (كتاب)"، ar.m.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 03-02-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب نزار قباني (1975)، الكتابة عمل انقلابي (الطبعة الأولى)، بيروت: دار منشورات نزار قباني، الصفحة 1 وما بعدها. بتصرّف.