محتويات
أنواع العبادة
إنَّ العبادة في اللغةِ مأخوذةٌ من التذلُّل، أمَّا في الاصطلاحِ الشرعيِّ فهي "اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه الله -عزَّ وجلَّ- ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرةِ والباطنةِ"،[١] وللعبادةِ أنواعٌ متعددة، يترابطُ كلُّ نوعٍ منها مع الآخر؛ إذ إنَّه لا يُمكن أن يكون هناكَ عبادةً بدنيةً أو قوليةً أو ماليةً من غير عقدِ النيّةِ في القلبِ، وفي هذا المقال سيتمُّ بيانُ أنواعِ العبادةِ بشيءٍ من التفصيلِ، وفيما يأتي ذلك:
العبادات القلبية
إنَّ النوعَ الأول من أنواعِ العباداتِ هي العباداتُ القلبيةُ، وتعرَّف على أنَّها العبادات التي ترجع إلى عملِ القلبِ وحده،[٢] وفيما يأتي ذكرها:
- النيَّة
تعدُّ هذه العبادة من أهمِّ العباداتِ القلبيةِ؛ إذ إنَّها الأساس في قبول العباداتِ الأخرى،[٣] ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى).[٤]
- التوكُّل على الله
ويكون بتفويض المسلم أمره لله -عزَّ وجلَّ- وحده واعتماد قلبه عليه، مع عدم ترك الأخذ بالأسباب، وقد أمر الله -عزَّ وجلَّ- بهذه العبادة القلبية،[٥] حيث قال -تعالى-: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).[٦]
- الإخلاص
ويكون ذلك بتوجيه العباداتِ جميعها للهِ -عزَّ وجلَّ- وحده من غير إشراك أحدٍ معه، وقد أخبر الله -عزَّ وجلَّ- عن هذه العبادةِ في كتابه المجيد على لسان نبيِّه إبراهيم،[٧] حيث قال: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).[٨]
العبادات القولية
وهذه عباداتٌ أخرى تُؤدى من خلالِ اللسانِ، والتي تُعرف بالعباداتِ القوليةِ، وفي هذه الفقرة سيتمُّ ذكر بعض الأمثلةِ على هذا النوعِ من العباداتِ:
- الشهادتان
بالرغمِ من أنَّ الإقرار بأنَّ الله واحدٌ لا شريكَ له، إلَّا أنَّ ذلك غيرُ كافٍ، فلا بدَّ للمسلمِ أن ينطق الشهادتينِ بلسانه حتَّى يكون من جملةِ المسلمينَ، وبذلك يكون النطقُ بالشهادتينِ إحدى العباداتِ القولية.[٩]
- قراءة القرآن
معلومٌ أنَّ القراءة وترتيل القرآنِ الكريمِ يكون باللسانِ، وبناءً على ذلك فإنَّ قراءةَ القرآنِ يُعدُّ أحدَ العباداتِ القوليةِ الذي رتَّب الشرعُ الحنيف عليه أجرًا كبيرًا.[١٠]
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ويكون ذلك بوعظ المسلم لأخيه المسلم، ومعلومٌ أنَّ العِظةَ تكونُ باللسانِ، وبناءً على ذلك فإنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ عبادةٌ قولية أُمِر المسلمُ بها،[١١] ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ).[١٢]
- الذكر
إنَّ ذكر الله -عزَّ وجلَّ- من تحميدٍ وتكبيرٍ وتسبيحٍ وتهليلٍ يُعدُّ عبادةً قوليةً يؤجر المسلمُ عليها، حتَّى أنَّ هذه العبادةِ قد تنوب عن العباداتِ البدنيةِ أو المالية،[١٣] ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم؟ قالوا: بلَى . قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى).[١٤]
- الدعاء
ومن فضل الله على المسلم أن جعل طلب قضاء حاجته من الله عبادةً يُؤجر عليها،[١٥] وما يدلُّ على ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعاءُ هوَ العبادةُ).[١٦]
العبادات البدنية
النوع الثالث من أنواع العباداتِ هي العباداتُ البدنيةِ، وفي هذه الفقرة سيتمُّ ذكر بعض الأمثلة عليها:
- الصلاة
تُعرَّف الصلاة على أنَّها أفعالٌ وأقوالٌ مخصوصة مفتتحة بالتّكبير ومختتمة بالتسليم، وبناءً على ذلك فهي إحدى العباداتِ البدنيةِ.[١٧]
- الصيام
يعرَّف الصيام على أنَّه الإمساك عن المفطراتِ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو بذلك يكون أحد العباداتِ البدنيةِ.[١٨]
- الجهاد
معلومٌ أنَّ الجهاد هو بذل الجهدِ في قتال الكفار المحاربينَ لإعلاء كلمة الله،[١٩] وهو من الأعمال البدنيةِ التي شرعها الله -عزَّ وجلَّ- للمسلمين وحثَّهم عليه.[٢٠]
- الحجَّ
يعدُّ الحجُّ ركنًا من أركان الإسلام، زالأصل فيه العباداتِ البدنيةِ؛ لما فيه أفعالٍ يقوم بها المسلمُ ببدنه.[٢١]
- طلب العلم
وهو من العباداتِ التي حثَّ الشرعُ عليها، ورتبَّ عليه الأجر العظيم، أمَّا كونه عبادةً بدنيةً فذلك لِما فيه من سفرٍ ومَشقَّةٍ حتَّى أنَّ الشرع الحنيف عَدَّه جهادًا في سبيل الله.[٢٢]
العبادات المالية
النوع الأخير من أنواع العبادات هو العبادةات الماليةِ، وفي هذه الفقرة سيتمُّ ذكر بعض الأمثلة عليها:
- الزكاة
هي عبادةٌ واجبةٌ في مال المسلمِ عند بلوغه النصاب؛ ومن خلالها يتمُّ سدُّ حاجة الفقراء من مال الأغنياء.[٢٣]
- صدقة المال
وهي من العبادات التي رتَّب الشرع الحنيف عليها أجرًا عظيمًا، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللهِ كُتِبَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةِ ضِعْفٍ)،[٢٤] أمَّا كونها عبادة مالية؛ إذ إنَّها تكون من مال المسلم.[٢٥]
- النفقة على الأهل
ومن كرم الله أن جعل النفقة الواجبةَ على الرجل في حقِّ أهله من العبادات التي يُؤجر عليها،[٢٦] حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ، أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ).[٢٧]
- الحجّ
الأصل في الحجّ أنَّه عبادة بدنية، لكنَّه أيضًا عبادة ماليةٌ؛ لأنَّه قد يحتاج المسلمَ فيه إلى الهديِ، كما أنَّ الحجَّ يحتاجُ إلى نفقاتٍ مالية.[٢١]
أفضل العبادة
تعدّدت آراء أهل العلم في أفضل العبادات، وفيما يأتي ذكرها:[٢٨]
- إنَّ أفضل العبادات أكثرها مشقّة.
- إنَّ أفضل العبادة هي الجهاد في سبيل الله.
- إنَّ أفضل العبادة العمل على مرضاة الله -عزَّ وجلَّ- في كلِّ وقت، وما كان نفعُه متعدٍّ للناس.
المراجع
- ↑ عبدالله بن عبد العزيز الجبرين، تسهيل العقيدة الإسلامية (الطبعة 2)، صفحة 65-66. بتصرّف.
- ↑ حمد الحريقي (1993)، التوحيد وأثره في حياة المسلم (الطبعة 1)، الرياض:دار الوطن، صفحة 53، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ علي علي صبح (2002)، التصوير النبوي للقيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف (الطبعة 1)، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:54، حديث صحيح.
- ↑ راشد العبد الكريم (2010)، الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية (الطبعة 4)، المملكة العربية السعودية:دار الصميعي، صفحة 58-59. بتصرّف.
- ↑ سورة التغابن، آية:13
- ↑ عبد المجيد بن محمد الوعلان، الآيات الكونية دراسة عقدية، صفحة 209. بتصرّف.
- ↑ سورة الانعام، آية:79
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح الأربعين النووية، صفحة 25، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 1181، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 4483، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:49، حديث صحيح.
- ↑ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (2003)، فقه الأدعية والأذكار (الطبعة 2)، صفحة 26، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه تخريج مشكاة المصابيح الالباني، في الألباني، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:2209، حديث صحيح.
- ↑ سمية السيد عثمان، أوقات مليئة بالحسنات مع النية الصالحة، صفحة 63، جزء 1.
- ↑ رواه سنن الترمذي، في الألباني، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:3247، حديث حسن صحيح.
- ↑ عبدالله حماد الرسي، دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي، صفحة 1، جزء 73. بتصرّف.
- ↑ بدر الدين العيني (2008)، نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (الطبعة 1)، قطر:وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 256، جزء 8.
- ↑ سعيد بن وهف القحطاني، الجهاد في سبيل الله تعالى، الرياض:مطبعة سفير، صفحة 5، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم بن موسى الشاطبي (1997)، الموافقات (الطبعة 1)، صفحة 391، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن عثيمين، دروس للشيخ العثيمين، صفحة 4، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد منير مرسي (2005)، التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية، صفحة 31. بتصرّف.
- ↑ عبدالله البسام (2003)، توضيح الأحكام من بلوغ المرام (الطبعة 5)، مكة المكرمة:مكتبة الأسدي، صفحة 328، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن النسائي، عن خريم بن فاتك الأسدي، الصفحة أو الرقم:1625، حسن.
- ↑ سامي محمد، العمل الصالح، صفحة 172، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سامي محمد، العمل الصالح، صفحة 172، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:995، حديث صحيح.
- ↑ عبد الرحيم السلمي، شرح رسالة العبودية لابن تيمية، صفحة 12، جزء 18. بتصرّف.