ما هي عصمة الأنبياء

كتابة:
ما هي عصمة الأنبياء

مفهوم العصمة

تُعرَّف العِصْمة في اللغة بأنها مصدر للفعل الخماسي اعتصم، يعتصم، وجمعها عِصَمَة بفتح الصاد، وهي في اللغة ملكة إلهية أي هِبة من عند الله تعصم الإنسان عن المعاصي والخطايا والآثام، وتكون العِصمة بإرادة الإنسان أي أنَّه قادر على فعل المعاصي والأهواء إلَّا أنَّه يعصم نفسه عنها،[١] وجاء في لسان العرب في تعريف مفهوم العصمة: "العصمة في كلام العرب: المنع، وعِصْمة الله عبدَه: أن يعصمه ممَّا يوبِقُه، يقال: عصمه يعصمه عَصْمًا: منعه ووقاه"، وقد وردتْ كلمة العِصْمة في القرآن الكريم في غير موضع، قال تعالى في سورة هود: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء}،[٢] وقال تعالى في سورة يوسف: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ}،[٣] وهذا المقال سيتحدَّث عن عصمة الأنبياء والقرآن الكريم والملائكة.[٤]

عصمة الأنبياء

العصمة هي أن يعصم الله تعالى أنبيائه ورسله من الذنوب والآثام، فالأنبياء معصومون عن ارتكاب الخطايا والمحرَّمات، قال الحافظ ابن حجر في عصمة الأنبياء: "وعصمة الأنبِياء -على نبيِّنا وعليْهِم الصَّلاة والسَّلام-: حِفْظُهم من النقائص، وتَخصيصهم بالكمالات النفيسة، والنصرة والثَّبات في الأمور، وإنْزال السَّكينة، والفرق بينهم وبين غيرهم أنَّ العِصْمة في حقِّهم بطريق الوجوب، وفي حقِّ غيرهم بطريق الجواز"، وقال الراغب في تعريف عصمة الأنبياء: "عصمة الله الأنبِياءَ: حِفْظُه إيَّاهم أوَّلًا بما خصَّهم من صفاء الجوهر، ثمَّ بما أوْلاهم من الفضائل الجسمية والنفسية، ثم بالنصرة وتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم وبالتَّوفيق"، فعصمة الأنبياء هي حفظ من الله -عزَّ وجلَّ- لأنبيائه من النقائض، وهي هِبة من الله منَّ بها على أنبيائه حين خصَّهم بالكمال النفسي وثبَّتهم وأنزل عليهم السكنية من عنده، ولا شكَّ أنَّ في عصمة الأنبياء حكمةً بالغة من الله تعالى، ففي عصمتهم ميَّزهم الله تعالى على غيرهم من البشر، وبهذا التمييز يكون من واجب البشر الاقتداء والتأسي بأنبياء الله تعالى، فبتفضيل الأنبياء عن البشر وعصمتهم دون غيرهم يكون الأخذ منهم والتعلُّم من أفعالهم مغايرًا للأخذ والتعلم من غيرهم.[٤]

ولمَّا كانتِ المعاصي نجسة وقذرة، كان من البدهي ألَّا تُنسب إلى أنبياء الله تعالى، وقد جاء عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه سمَّى المعاصي قاذورات في قوله: "اجتنبوا هذهِ القاذوراتِ التي نهى اللهُ تعالى عنها.."،[٥] وقد جاء عن الصابوني توضيح لهذا المعنى، حيث قال: "وهل سيكون لكلام النَّبيِّ أثر في النفوس إذا كانت سيرته غيرَ حسنة، أو كانت حياته ملوَّثة ببعض الموبقات والآثام؟"، كما أنَّ عصمة الأنبياء -صلوات الله عليهم- تأكيد على صدق رسالاتهم وصدق تبليغهم لهذه الرسائل السماوية، فلا خطأ ولا نقص في أي تشريع نزل به الأنبياء من عند الله تعالى؛ وذلك لأنَّ الله تعالى عصمهم من الخطأ والنقص،[٤] ومن الجدير بالذكر إنَّ الأمة اتفقت على أنَّ الأنبياء معصومون عن الخطأ أو النسيان أو النقص في أمور تبليغ الوحي والرسالة، فهم لا يعرفون النسيان ولا الكذب في هذه الأمور، والدلائل على عصمة الأنبياء في هذه المسألة كثيرة، حيث قال تعالى في سورة النجم: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ}،[٦] أمَّا عن عصمة الأنبياء في باقي شؤون حياتهم فقد ذهب أهل العلم إلى أنَّ الله تعالى عصم الأنبياء عن كبائر الآثام والذنوب، وعصمهم عن الذنوب التي تقلل من شأنهم، وذلك حفظًا لمكانة الأنبياء العالية، أمَّا عن الذنوب الصغيرة التي ليس فيها تقليل من قدر أو دنو في منزلة، فقد ذهب السلف أنَّ الأنبياء بشر وقد يقعون في مثل هذه الذنوب، وإذا وقعت مثل هذه الأمور كان الوحي الإلهي ينزل مصححًا لهذه الأخطاء الصغيرة، ومن هذه الأخطاء ما حدث مع الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوب رضي الله عنه، حيث أتى هذا الصحابي الأعمى إلى النبي فأعرض عنه النبي وانشغل بدعوة سادات قريش، فأنزل الله تعالى قوله في سورة عبس معاتبًا النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}،[٧] ومن الأمثلة أيضًا عتاب الله تعالى لرسوله -عليه الصَّلاة والسَّلام- حين قبل الفدية عن أسرى المشركين، حيث قال تعالى في سورة الأنفال: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}،[٨] والله تعالى أعلم.[٩]

عصمة القرآن الكريم

إنَّ عصمة القرآن الكريم من الأمور التي لا تقبل الجدل ولا النقاش، فكتاب الله تعالى ما زال غضًا منذ نزوله وحتَّى يرفعه الله تعالى إليه، وهو كتاب منزَّه ومبرَّأ من كلِّ خطأ أو نقصان، ومن اتبع هُدى هذا الكتاب فلن يضلَّ ولن يشقى، حيث قال تعالى في سورة طه: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ}،[١٠] فالقرآن طريق هداية لا طريق ضلال، فهو من عند الله تعالى وحاشا لكلام الله أن يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه،[١١] فالقرآن الكريم محفوظ بحفظ الله تعالى منذ نزوله، حيث قال تعالى في سورة الحجر: {إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}،[١٢] وقال الطبري في تفسير هذه الآية المباركة: "وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه، وحدوده، وفرائضه"، وقال تعالى في سورة فصلت تأكيدًا على عِصمة القرآن الكريم: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}،[١٣] لا يأتيه الباطل أي لا يقربه أحد بإضافة شيء أو حذف شيء منه، فهو محفوظ معصوم من عند الله تعالى من النقص والزيادة والتحريف، والله تعالى أعلم.[١٤]

عصمة الملائكة

لقد اجمع أهل العلم على أنَّ الملائكة الكرام من المؤمنين الأتقياء، واتفقوا على أنَّ المرسلين من الملائكة والمكلفين بأمور الرسالة كالوحي جبريل -عليه السلام- معصومون عن الخطأ والنسيان كعصمة الأنبياء، أمَّا الاختلاف الذي حصل بين أهل العلم هو في مسألة عصمة جميع الملائكة عن المعاصي، فذهب قسم من أهل العلم إلى أنَّ جميع الملائكة معصومون عن الذنوب والآثام والمعاصي، واستدلَّ أصحاب هذا الرأي بقول الله تعالى عن الملائكة في سورة التحريم: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}،[١٥]واستدلُّوا أيضًا بقول الله تعالى في سورة عبس: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرَامٍ بَرَرَةٍ}،[١٦] وقال تعالى عن الملائكة في سورة الأنبياء: {وَمَنْ عِندَهُۥ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ}،[١٧] وذهب قسم آخر من أهل العلم إلى أنَّ الملائكة -غير المرسلين والمقربين- ليسوا معصومين، واستدلُّوا ببعض ما جاء في التفاسير والأخبار، كقصة هاروت وماروت والتي هي محلُّ خلاف بين العلماء في اعتبار هاروت وماروت من الملائكة أم من غير الملائكة، والصواب أنَّ الملائكة معصومون جميعهم عن كلِّ خطأ يحط من مرتبتهم عند الله تعالى ويقلل من قدرهم ومنزلتهم، والله تعالى أعلى وأعلم.[١٨]

العصمة عند الشيعة

يبالغ أتباع المذهب الشيعي في مسألة العصمة مبالغة كبيرة لا تمتُّ للصواب بصلة، فيرىالشيعة بشكل عام والشيعة الإمامية بشكل خاص أنَّ الأئمة الشيعة معصومون عن الخطأ، ويرون أنَّ من المنطق أنْ يكون الإمام معصومًا وإلَّا لما جاز قبول الشرع والدين عنه، فمن خصائص الإمام عند الشيعة أن يكون معصومًا كالأنبياء تمامًا، حيث قال محمد الري الشهري في خصائص الإمام عند الشيعة: "أن يعلم أنه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، لا يزل عن الفتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو ولا ينسى، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا"، وفي هذه العصمة تأليه صريح للأئمة عند الشيعة والعياذ بالله، فالعصمة لا تكون إلَّا للأنبياء والملائكة بإذن الله،[١٩] وجدير بالذكر إنَّ من الشيعة من ينسبون العصمة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وينسبونها إلى كلِّ الأئمة من ذرية علي، فيعصمونهم عن الخطأ في الصغائر والكبائر، وأنَّ الذنب لا يقع من علي ولا من الأئمة من ذرية علي عمدًا ولا سهوًا، وهذا باطل مما يجب نكرانه، فالعصمة من كلِّ خطأ صغير وكبير، لم تكن للأنبياء لتكون لغيرهم، والدليل الصريح على بطلان هذه العصمة التي يطلقها الشيعة على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والأئمة من ذريته هو اختلاف موقف الحسن والحسين -رضي الله عنهما- في القتال يوم الفتنة الكبرى، فالحسن بن علي -رضي الله عنه- رفض القتال وتركه وتنازل عن خلافة المسلمين، أمَّا الحسين فلم يترك القتال، وقاتل مع جماعة من أنصاره، وهذان موقفان مختلفان، أحدهما على صواب والآخر على باطل وخطأ، وهذا دليل وردُّ صريح على بطلان عصمة علي بن أبي طالب ومن هم من ذريته من الأئمة، والله تعالى أعلم.[٢٠]

المراجع

  1. "تعريف و معنى عصمة في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  2. سورة هود، آية:43
  3. سورة يوسف، آية:32
  4. ^ أ ب ت "العصمة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  5. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:174، حديث صحيح.
  6. سورة النجم، آية:2-5
  7. سورة عبس، آية:1-4
  8. سورة الأنفال، آية:161
  9. "عصمة الأنبياء"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-22. بتصرّف.
  10. سورة طه، آية:123
  11. "سماحة المفتي: القرآن الكريم عصمة لمن تمسك به ونجاة من الفتن.. أما المجرمون فقد تسلطت شياطين الإنس والجن على أفكارهم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
  12. سورة الحجر، آية:9
  13. سورة فصلت، آية:42
  14. "بعض الأدلة على عدم تحريف القرآن الكريم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
  15. سورة التحريم، آية:6
  16. سورة عبس، آية:15-16
  17. سورة الأنبياء، آية:19
  18. "في القول في عصمة الملائكة"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
  19. "عقيدتهم في عصمة الأئمة"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
  20. "الرد على من قال بعصمة علي بن أبي طالب وذريته"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
6995 مشاهدة
للأعلى للسفل
×