ما هي كفارة الحلف على المصحف كذبًا؟

هل يوجد كفارة للحلف الكاذب على المصحف؟

يُعدّ حلف اليمين كذباً، سواء كان الحلف على المصحف أو من غيره يميناً غموساً، واليمين الغموس تغْمِس صاحبها في النّار إن لم يتبْ منها، وهي كبيرة من الكبائر، حيث ثبت في الحديث عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الكَبائِرُ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ)،^[١][٢]

وعلى الرّغم من أنّ جمهور أهل العلم قالوا بعدم وجود كفارة للحلف الكاذب؛ إلّا أنّ الحالف كذباً يلزمه المبادرة إلى التوبة النّصوح، فقد ارتكب ذنباً عظيماً، وأتى بما لا يصلح معه إلا المسارعة إلى التّوبة والاستغفار وإصلاح ما ترتّب عليه هذا اليمين الكاذب من فساد، ذلكم أنّ الحلف على المصحف كذباً فيه استهانة صريحة للحلف بالله وبكلام الله -تعالى-.^[٣]

عطفاً على ذلك؛ فقد استدلّ جمهور الفقهاء على عدم وجوب الكفارة باليمين الكاذبة -أيضاً- بما جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: "كنا نعدّ من اليمين التي لا كفارة لها: اليمين الغموس" وما جاء عن سعيد بن المسيب أنّه قال: "هي من الكبائر، وهي أعظم من أن تكفر"، ووجه ذلك -عقلاً- أنّ ما أتى به الحالف أعظم وأكبر من أنْ تكون فيه الكفارة، فلا ترفع الكفارة خطيئة الحالف، وليس أدلّ على ذلك من تسميتها بالغموس؛ لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ النار.^[٤]

رأي الشافعية في كفارة الحلف الكاذب

ذهب الشافعية خلافاً للجمهور إلى وجوب الكفارة في اليمين الغموس كما في اليمين المنعقدة التي حنث بها صاحبها،^[٥] وقالوا: إنّ الكفارة في اليمين الكاذبة تُسقطُ الإثم كما تسقطه في غير اليمين الغموس؛ لأنّ الحالف حلف وكذب قصداً؛ فتلزمه الكفّارة، واستندوا إلى عموم قول الله -تعالى-: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ)؛^[٦] فيكون الحكم في الآية موجباً للكفارة في اليمين الغموس، لكونها من الأيمان المنعقدة.^[٤]

وعلى ذلك يلزم الحالف كذباً التّوبة والاستغفار وأداء الكفارة، وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يكن له قدرة على الإطعام أو الكسوة يلزمه صيام ثلاثة أيام؛^[٧] لقول الله -تعالى-: (... فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ...).^[٦]

حكم الحلف على المصحف

لا يعدّ وضع الحالف يده على المصحف عند الحلف شرطاً لازماً لصحّة القَسم، واليمين تنعقد بدون هذا الفعل، ولكنّه يُشرع للقاضي أنْ إلزام الحالف به من باب تغليظ القَسَم وإضافة مهابة اليمين عند المُستحلَف، وهذا ما أفتى به مجمع الفقهي الإسلامي التابعة لرابطة العالم الإسلامي، وقد أثبتتْ كثير من المشاهد والوقائع أثر الحلف على المصحف في نفس الحالف.^[٨]

ولا يخفى أنّ القَسَم بالقرآن الكريم، كقول الحالف: أقسم بالقرآن العظيم جائزٌ على اعتبار أنّ القرآن كلام الله، وكلامه صفة من صفاته.^[٨]

المراجع

1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6675، صحيح.
2. ↑ بدر الدين العيني (2000)، البناية شرح الهداية (الطبعة 1)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 112، جزء 6. بتصرّف.
3. ↑ فريق الموقع (17/11/2009)، "حلفت كاذبة ، فكيف تكفر عن ذلك ؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 13/5/2023. بتصرّف.
4. ^ ^{أ ب} وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق:دار الفكر، صفحة 2445-2446، جزء 4. بتصرّف.
5. ↑ عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة 2)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 75، جزء 2. بتصرّف.
6. ^ ^{أ ب} سورة المائدة، آية:89
7. ↑ الشيخ نوح القضاة، "ما حكم حلف اليمين كذب؟"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 13/5/2023. بتصرّف.
8. ^ ^{أ ب} فريق الموقع (16/4/2007)، "حكم الحلف بالمصحف، وكفارة الحنث فيه"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 27/5/2023. بتصرّف.