ما يحرم على المحدث

كتابة:
ما يحرم على المحدث

مفهوم الحدث

الحدث اسم، وجمعه أحداث، والحديث: ضدّ القديم، والحدوث كون الشّيء لم يسبق له وجود، وقد جاء في الحديث الشّريف: "ألَا وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمورِ، فإِنَّ شرَّ الأمورِ مُحْدَثاتُها، وكُلَّ محدَثَةٍ بدعةٌ ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ"،[١] محدثات: جمعُ مُحْدَثَةٍ بالفتح، وهو الشّيء الذي لم ييسبق معرفته لا في كتاب، ولا سُنَّة، ولا إِجماع، فالحَدَث: الصَّغير السِّنِّ، والحدث: الأَمرُ الحادثُ والطّارئ المنكرُ غيرُ المعتاد، ويقال: أَحْدَثَ الرّجلُ وأَحْدَثَتِ المرأَةُ إِذا وقعا في الزّنا، فيُكنى بالإِحْداثِ عن الوقوع في الزّنا، والحدث عند الفقهاء: النَّجاسة الحُكْميّة، مثل خروج شيء من أحد السّبيلين كالرّيح أو أي شيء ممّا ينقض الطّهارة‏، وترتفع بالوضوء أَو الغُسْل أو التيمُّم، ويقسم الحدث إلى قسمين: الحدث الأكبر كالجنابة، والحيض والنّفاس، والحدث الأصغر كخروج الريح أو الغائط أو البول، وسيأتي لاحقًا ما يحرم على المحدث.[٢]  

ما يحرم على المحدث

بعد تعريف الحدث، وذكر بعض المعاني له، لا بدّ من معرفة ما يحرم على المحدث حدثًا أكبر، وهو المجنب، أو النّفساء، أو الحائض، أو حدثًا أصغر، كمن خرج منه ريح، أو غائط، أو بول، أو مذي، أو ودي، أو غير ذلك، فمن خرج منه شيء ممّا ذكر آنفًا، فقد أصبح محدثًا، ومن أحدث حرمت عليه الصّلاة سواء المفروضة أم المسنونة، وكذلك يحرم عليه الطّواف بالبيت، ويحرم عليه مسّ المصحف، وقد قال النّوويّ في كتابه المجموع، من أحدث فقد حرمت عليه الصّلاة بإجماع الأمّة، وإنّ صلّى فصلاته باطلة، ويتوجّب عليه إعادتها، وقال: كما أنّه يحرم على المحدث الطّواف بالبيت الحرام، وإن طاف، فقد ارتكب معصية، ولم يصحّ طوافه، وهذا مذهب مالك والشّافعيّ وأحمد بن حنبل في رواية، وقد خالفهم أبو حنيفة، فقد قال بصحّة الطّواف من غير طهارة، وكان ردّ القائلين بحرمة الطّواف على المحدث على أبي حنيفة بدليلهم وهو قوله، صلّى الله عليه وسلّم: "الطوافُ بالبيتِ صلاةٌ إلا أنْ اللهَ أباح فيه الكلامَ"،[٣] ودليل آخر، "قَدْ حَجَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أنَّهُ أَوَّلُ شيءٍ بَدَأَ به حِينَ قَدِمَ أنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بالبَيْتِ"،[٤] قال: "لِتَأْخُذُوا عَنِّي مناسِكَكُمْ"،[٥] ذكره النّووي في شرح مسلم والحافظ بن حجر في فتح الباري.[٦] ويحرم أيضًا على المحدث لمس القرآن، سواء كان حدثًا أصغر أو حدثًا أكبر، وهذا عند المذاهب الأربعة، لحديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى أهل اليمن : "أنْ لاَ يَمَسَّ القرآن إلا طاهر"،[٧] ولكن المحدث حدثًا أصغر يمكنه أن يقرأ من القرآن دون أن يلمسه، ولكن المجنب لا يمكنه أن يقرأ من القرآن، حتّى ولو لم يلمسه ولا آية واحدة، حيث أنّه قد روي أنّ النّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- خرج من الغائطِ وتلا شيئًا من القرآنِ وقال: "هذا لمَن ليس بجُنُبٍ، فأمَّا الجُنُبُ فلا، ولا آيةً"،[٨][٩] كما ولا يجوز للمحدث حدثًا أكبر المكوث في المسجد، ودليل ذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا}.[١٠]

أقسام الحدث

بعد تعريف الحدث، ثمّ معرفة ما يحرم على المحدث، فما هي أقسام الحدث، حيث ينقسم الحدث إلى قسمين: الحدث الأصغر، والحدث الأكبر، فالحدث الأصغر، يحدث بخروج ريح أو خروج غائط أو خروج بول أو خروج مذي أو وذي، أو غير ذلك، وهذه الأشياء يحرم على من أحدث فيها أداء الصّلاة، والطّواف حول الكعبة، ولمس المصحف، ويرفع الحدث الأصغر بالوضوء أو بالتّيمّم إذا تعذر استعمال الماء، أو تعذر وجوده، والحدث الأكبر ويكون بالجنابة للجنسين الذّكر والأنثى، أو الحيض والّنفاس للمرأة، والحدث الأكبر من الجنابة يمنع الشّخص الجنب من: أداء الصّلاة المفروضة أو المسنونة، وأداء الطّواف بالبيت، وقراءة القرآن ولمسه، وأمّا حدث الحيض والنّفاس فإنّه يمنع من: أداء الصّلاة، والطّواف بالبيت، والصّوم فرضًا أو تطوّعًا، ولمس القرأن، والجماع، وعند البعض يمنع الطّلاق.[١١]

ما يباح للمحدث

سبق وتمّ الحديث عمّا يحرم على المحدث فعله، وهنا سيكون الحديث عمّا يباح للمحدث فعله، فيباح للمحدث الأكل والشّرب محدثًا حدثًا أكبر أو أصغر، وهذا بالإجماع نقله الإمام النّوويّ في: "شرح مسلم" "4/ 291"، حيث رُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - :"أنَّ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ مِنَ الخَلَاءِ، فَأُتِيَ بطَعَامٍ، فَذَكَرُوا له الوُضُوءَ فَقالَ: أُرِيدُ أنْ أُصَلِّيَ فأتَوَضَّأَ"،[١٢] ففي هذا الحديثِ يبيّن النّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنّ الإنسان إذا قضى حاجته، وأراد الطّعام، فليس عليه الوضوء، إنّما الوضوء للصّلاة،[١٣] وكذلك أجاز الحنابلة حمل المصحف بعلّاقة دون مسّه، وهذا قول ابن قدامة الحنبليّ، وهو قول أبي حنيفة، وروي هذا القول عن كلّ من الحسن وعطاء وطاووس والشّعبي والقاسم وأبي وائل والحكم وحمّاد، فحمله بهذه الطّريقة هو غير ماسّ له، وكذلك الأمر لو حمله في رحله، ويباح للمحدث أيضًا الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم، والذّكر، والتّسبيح والتّهليل والدّعاء، ويباح له قراءة الأحاديث النّبوية، وكذلك يباح له ذكر الله تعالى، فقد كان النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لا يفتر لسانه عن الذّكر،[١٤] وقد أباح بعض أهل العلم للحائض والنّفساء قراءة القرآن الكريم عن ظهر قلب دون مسّه، خلافًا للجنب، لأنّ الجنب مدّته قصيرة، إذ يمكنه أن يغتسل ويصلّي ويقرأ القرآن، بينما الحائض والنّفساء مدتهما طويلة؛ ولا يمكن لهما ذلك، وهو مخالف للمشهور عند أهل العلم، وإذا دعت الحاجة والضّرورة إلى مسّ القرآن من قبل الحائض والنّفساء، فلا حرج مع وجود الحائل كالقّفازين، أو أيّ حائل من ثوب وغيره.[١٥]

المراجع

  1. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2591، حديث صحيح.
  2. "تعريف وشرح معنى الحدث"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  3. رواه الألباني ، في إرواء الغليل، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:121، حديث صحيح.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1641، حديث صحيح.
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:5061، حديث صحيح.
  6. "ما يحرم على المحدث"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  7. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عمرو بن حزم، الصفحة أو الرقم:443، حديث صحيح.
  8. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:872، حديث إسناده حسن.
  9. "حكم مس المصحف للمحدث"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  10. سورة النساء، آية:43
  11. "أقسام الحدث:"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس ، الصفحة أو الرقم:374، حديث صحيح.
  13. "جواز أكل المحدث الطعام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  14. "بعض ما يحرم على الجنب "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  15. "حكم مس المصحف للمحدث "، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
3818 مشاهدة
للأعلى للسفل
×