مبادئ الحرب في الإسلام

كتابة:
مبادئ الحرب في الإسلام

جهاد الأمة الإسلامية

إنّ الجهاد هو أحد خصائص الأمة الإسلامية التي وصفها الله -عزّ وجلّ- في كتابه العزيز بأنّها خير أمة، حيث قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}،[١] ومن خيرية هذه الأمة في الجهاد هي بواعث وأسباب التي يُشرع الجهاد من أجلها، فقتل الناس وترويعهم ليس هو هدف الإسلام وغايته من تشريع القتال وتسيير الجيوش، ولكنّ الغاية الكبرى والهدف الرئيس الذي شُرع الجهاد من أجله هو نشر دين الله في أرجاء الأرض وإخراج الناس من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والهداية، والأدلّة على أنّ هذا هو السبب الأوّل من الجهاد والقتال قول تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}،[٢] فالغاية إذن هو إعلاء كلمة التوحيد وإقامة دينه في الأرض وليس السبب هو الطمع بالمال أو رغبةً بالسلطة والسيادة، كما أنّ الإسلام قد شرع أحكامًا خاصّة للجهاد وفي هذا المقال سيكون الحدبث حول مبادئ الحرب في الإسلام.[٣]

مبادئ الحرب في الإسلام

القتال في الإسلام لم يُشرع دفعةً واحدة بل إنّ الأمر به كان على مراحل وفقًا لما تقتضيه الحاجة والزمن، ففي البداية كان هناك نهي عن القتال، حيث قال تعالى في سورة فصلّت: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}،[٤] وقوله تعالى في سورة المائدة: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ}،[٥] وقد قال الإمام القرطبي أنّ القتال لم يكن مأذونًا به قبل الهجرة من مكة إلى المدينة، فبعد الهجرة حصل التدرّج في تشريع الجهاد فالبداية كانت بالإذن بردِّ الاعتداء بمثله، ثمّ كان الأمر بقتال كفار قريش ومشركيها، ثمّ جاء الأمر بجهاد جميع الكفار على اختلاف قبائلهم وأوطانهم، حيث قال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}،[٦] فالأصل في الإسلام السلم وإراقة الدماء ليست هدفًا فيه، ولكن إذا دعت الحاجة والضرورة فلا بدّ من القتال وإعلان الحروب.[٧]

وقد وضع الإسلام مبادئ خاصّة للحرب وجعل التعدّي على هذه المبادئ وإهمالها إثمًا خطيرًا، فالقتال لا يُعطى صفة المشروعية ولا يكون جهادًا في سبيل الله إلّا إذا كان تطبيقًا عمليًا للمبادئ والقواعد المقرّرة في الحرب وعند التحام الصفوف، ومن هذه المبادئ ما يكون قبل الحرب والبدء بالقتال، ومنها ما يكون أثناء الحرب ومنها ما يكون بعد الحرب وانتهاء القتال، فأمّا التي هي قبل الحرب فتتمثّل من خلال دعوة الكفّار لدخول الإسلام أو دفع الجزية، فإذا دخلوا الإسلام فإنّ أموالهم ودماؤهم قد عُصمت والغاية التي من أجلها شُرع القتال قد تحقّقت فلا حاجة للحرب حينها، فإذا لم يقبلوا الدخول في الإسلام ورضوا بأن يدفعوا الجزية فلا بدّ من ترك قتالهم ومحاربتهم؛ لأنّ هذه الغاية هي الغاية الثانية من القتال فإمّا الإسلام أو الجزية، حيث قال الله تعالى في سورة التوبة: {حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}،[٨] كما دلّت الكثير من الأحاديث النبوية أنّ قبول دفع الجزية يُنهي القتال.[٩]

أمّا مبادئ الحرب خلال القتال وأثناء التحام الصفوف فهي كثيرة وتدلّ على إنسانية الإسلام ورحمته وسمّوِ تعاليمه، فمن هذه المبادئ إحسان القتل وعدم ترك الآخر يتعذب رغبةً في التشفّي منه، كما أمر رسول الله بتجنّب الضرب في الوجه عند القتال، ونهى عن حرق الكفار والأعداء بالنار؛ لأنّ النار لا يُعذّب بها إلّا الله سبحانه،[٩] ومن آداب الحرب في الإسلام وأخلاقياتها النهي عن قتل النساء والأطفال والشيوخ والعبّاد الذين هم في صوامعهم ومعتزلين للقتال والحروب، كما أنّ المسلمين لم يكونوا يعمدون إلى التخريب والإفساد في الأرض وقطع الأشجار وذبح المواشي وتخريب البيئة، فالله -عزّ وجلّ- يأمر بعدم الإفساد في الأرض وهذا منطبق على كلّ الظروف والأحوال بما في ذلك ساحات المعارك.[١٠]

ومن مبادئ الحرب بعد انتهاء المعركة الابتعاد عن التمثيل بقتلى الأعداء من خلال تقطيع أنوفهم أو آذانهم وما شابه ذلك، كما أنّ الإسلام يأمر بدفن قتلى الأعداء بعد انتهاء المعركة فهو دين يُكرم الإنسان ويُعطيه حقوقه أيًّا كان دينه، وكذلك الأمر بالنسبة للأسرى فمن أخلاقيات الحرب في الإسلام الإحسان للأسرى وإطعامهم وسقايتهم الماء، وقد امتدح الله -عزّ وجلّ- عباده الذين يطعمون الأسرى وقال فيهم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}،[١١] كما نهى رسول الله عن الغلول وهو أخذ الغنائم قبل تقسيمها بالعدل، وفي حال تمّ الصلح مع الأعداء فالإسلام يأمر بالعدل والوفاء وينهى عن الغدر والخيانة، وقد قال رسول الله: "مَن قَتَلَ مُعاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عامًا"،[١٢] فالوفاء بالعهد من مبادئ الإسلام السامية في السلم والحرب.[٩]

ومن الأحاديث التي جمعت مبادئ الحرب في الإسلام ولخصتّها بأجزل الألفاظ وأرقى المفاهيم، ما أخرجه مسلم في صحيحه: "كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا علَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بتَقْوَى اللهِ، وَمَن معهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قالَ: اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ باللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إلى ثَلَاثِ خِصَالٍ، أَوْ خِلَالٍ، فأيَّتُهُنَّ ما أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ منهمْ، وَكُفَّ عنْهمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، فإنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ منهمْ، وَكُفَّ عنْهمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِن دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذلكَ فَلَهُمْ ما لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعليهم ما علَى المُهَاجِرِينَ، فإنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا منها، فَأَخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ، يَجْرِي عليهم حُكْمُ اللهِ الذي يَجْرِي علَى المُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكونُ لهمْ في الغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شيءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مع المُسْلِمِينَ، فإنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فإنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ منهمْ، وَكُفَّ عنْهمْ، فإنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ"،[١٣] فهذه العبارات القليلة جمعت مبادئ وأخلاق سامية تدلّ على سماحة الإسلام وحبّه للعدل والسلام.[١٤]

نماذج من حياة السلف على التحلّي بمبادئ الحرب

لقد طبّق السلف مبادئ الحرب في الإسلام أروع تطبيق، وتحلّوا بأخلاق محاربي الإسلام، وقد كان الخلفاء الراشدون يأمرون قوّاد الجيش بما أمر به رسول الله من عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والعبّاد، والامتناع عن قطع الأشجار وذبح الحيوانات بدون سبب، ومنهم أبو بكر الصدّيق حينما خطب في جيش أسامة بن زيد قبل إرساله للحرب،[١٥] كما أنّ التاريخ الإسلامي حافل بنماذج من التزام السلف بمبادئ الحرب وأخلاقها، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضٍ من تلك النماذج والصور:[١٦]

مواقف خالد بن الوليد

إنّ خالد بن الوليد -رضي الله عنه- هو أحد سيوف الإسلام وفرسانهم الذين قاموا بالفتوحات وقادوا الجيوش، ومن مواقفه في تطبيق مبادئ الحرب، دعوته لجرجة وهو أحد قوّاد جيوش الروم إلى الإسلام وإخباره له بأنّ من يدخله قد يكون له أجر السابقين وأكثر، فاقتنع جرجة ودخل في الإسلام وقاتل تحت راية الإسلام في معركة اليرموك، كما عرض خالد الإسلام على أهل الحيرة عندما خرج إليه سادتهم وكبراؤهم،[١٦] ولكنّ رغم سماحة خالد وحبّه لأن يدخل الناس في دين الله وتفضيله لذلك على القتال والحرب إلّا أنّه كان ذا عزةٍ وشموخ ولا تأخذه في الحق لومة لائم، والدليل ما حصل له مع ماهان وهو أحد قوّاد جيش الروم حيث عرض ماهان عليه وعلى المسلمين أن يعطي كلّ واحدٍ منهم عشرة دنانير وكسوة وطعام مقابل أن يرجعوا إلى بلادهم ويتركوا حربه، لأنّهم في نظره لم يخرجوا إلّا طلبًا للمال وذلك لأنّهم يعانون الفقر والجوع، فردّ عليه خالد قائلًا: "إنّه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنَّا قومٌ نشرب الدماء، وأنّه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك".[١٧]

مواقف عمرو بن العاص

لقد كان عمرو بن العاص ذا درايةٍ ورُشد فكان يُرسل الرسل ويستقبل الوفود قبل إعلان الحروب، ففي مفاوضات حصن بابليون أرسل المقوقس رسله لإجراء المفاوضات مع المسلمين، فأبقى عمرو الرسل عندها يومين ليشاهدوا الحياة الإسلامية ويطلعوا على تفاصيلها لعلّ ذلك يكون سببًا في هدايتهم ودخولهم الإسلام، وهذه إحدى أساليب الدعوة الناجحة، وفيها اقتداء بفعل النبي مع الوفود والرسل، ثمّ قال عمرو بعد ذلك لرسل المقوقس: "ليس بيننا وبينكم إلّا إحدى خصالٍ ثلاث: الدخول في الإسلام، فتكونون إخواننا ولكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية وإما القتال، حتى يحكم الله بيننا وبينكم، وهو أحكم الحاكمين"، وفي هذا يكون عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قد امتثل أمر الله وطبّق قواعد الحروب والقتال في الإسلام.[١٦]

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:110
  2. سورة الأنفال، آية:39
  3. "الجهاد في الإسلام وموقفه من قتل المدنيين"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  4. سورة فصلت، آية:34
  5. سورة المائدة، آية:13
  6. سورة التوبة، آية:36
  7. "الحرب في الإسلام أسبابها وأهدافها"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  8. سورة التوبة، آية:29
  9. ^ أ ب ت "كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  10. "أخلاقيات الحروب في الإسلام"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  11. سورة الإنسان، آية:8
  12. رواه البخاي، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:3166، حديث صحيح.
  13. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:1731، حديث صحيح.
  14. "أخلاقيات الحروب في الإسلام"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  15. "أخلاق الحرب في الإسلام"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  16. ^ أ ب ت "كتاب مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  17. "الحرب في الإسلام.. دعوة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
4458 مشاهدة
للأعلى للسفل
×