متى يجوز جمع تقديم الصلاة

كتابة:
متى يجوز جمع تقديم الصلاة

متى يجوز جمع تقديم الصلاة

أسباب جمع التقديم ووقت مشروعيّته

شُرِعت هيئتان لجمع الصّلاة ولا يجوز غيرهما، وهما: الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء سواء أكان ذلك جمع تقديمٍ أم جمع تأخير، وذلك في الحالات الآتية:[١]

  • جمع الصلاة في عرفة وفي مزدلفة: ورد عن الصّحابة الكرام أنَّ من سُّنّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجمع بين صلاتي الظهر والعصر في عَرفة، والجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في مزدلفة، وذلك للمسلمين جميعهم دون التّفريق بين أهل مكة وغيرهم، ودليل ذلك ما رواه أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- جَمع في حَجَّةِ الوَدَاعِ المَغْرِبَ والعِشَاءَ بالمُزْدَلِفَةِ)،[٢] ورُوي عن ابن شهاب عن سالم أنَّهم كانوا يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة اقتداءً بسُنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
  • السفر: ثبت عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنّه قال: (خَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، حتَّى إذَا كانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذلكَ، فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا)،[٣] وقد جاء عن ابن عباس السبب في جمع الصلاة في السفر: (أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- جَمع بيْنَ الصَّلَاةِ في سَفْرَةٍ سَافَرَهَا في غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمع بيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قالَ سَعِيدٌ: فَقُلتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: ما حَمَلَهُ علَى ذلكَ، قالَ: أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ).[٤]
  • المطر: صحّ عن ابن عباس -رضي الله عنه-: (أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صَلَّى بالمَدِينَةِ سَبْعًا وثَمانِيًا: الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ والعِشاءَ، فقالَ أيُّوبُ: لَعَلَّهُ في لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ، قالَ: عَسَى)،[٥] وقد جاء عنه أيضاً: (جَمع رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- بيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بالمَدِينَةِ، في غيرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ)،[٦] وقد روى الإمام مالك جمعَ الصلاة في الليالي الماطرة عن عددٍ من السلف الصالح منهم: سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعن عمر بن عبد العزيز، وكان مشايخ ذلك الزّمان يُصلّون معهم؛ وهذا يدلّ على أنَّ الجمع كان معروفاً عندهم ولم يُنكروه.
وجاء في الفتاوى جواز الجمع بين المغرب والعشاء للمطر والثلج، والبرد الشديد، والريح الشديد، والوَحل الشديد، وأنَّ الصلاة مع الجمع في المسجد خيرٌ من صلاةِ المسلم في بيته منفرداً، وذلك باتّفاق الأئمة التي تُجيزُ الجمعَ؛ كالإمام مالك، والشافعي، وأحمد.
  • المرض: حاجة المريض للجمع بين الصلوات قد تكون أكثر من حاجة المسافر، أو الحاجة للجمع وقت المطر، وقد ربطت الآيات الكريمة التخفيف عن المريض بالجمع وغيره بدفع الحَرَج عنه، قال الله -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)،[٧] وقال -تعالى-: (وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)،[٨] وقد ذكر شيخ الإسلام في فتاواه جواز الجمع في المرض عن الإمام مالك وأحمد وطائفة من أصحاب الشافعي.
وذكر الإمام النوويّ أنّ بعض الأئمة أجازوا جمع الصلاة للحاجة دون أنْ يتّخذها المسلم عادةً له، ومن هؤلاء الأئمة: القفّال والشاسي من أصحاب الشافعي، وابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وأبو اسحاق المروزي، وجماعة من أهل الحديث، ويؤيّد ذلك حديث ابن عباس السابق الذي لم يعلّل الجمع بمرضٍ ولا سفرٍ، وقد ثبت عن عبد الله بن شقيق أنّه قال: (خَطَبَنَا ابنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ العَصْرِ حتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَبَدَتِ النُّجُومُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يقولونَ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ، لا يَفْتُرُ، وَلَا يَنْثَنِي: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، فَقالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أَتُعَلِّمُنِي بالسُّنَّةِ؟ لا أُمَّ لَكَ، ثُمَّ قالَ: رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- جَمع بيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ)،[٩] وقال عبد الله بن شقيق: "فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدّق مقالته".


رأي الفقهاء في جمع التقديم

الجمع بين الصلوات: هو أداء المصلّي صلاتين مفروضتين في وقت واحدةٍ منهما، جمع تقديم أو جمع تأخير، والصّلوات التي يجوز فيها الجمع هي: صلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، وقد اتّفق الفقهاء على جواز الجمع بين الصّلوات،[١٠] لكن تعدّدت آراءهم في مسوِّغات الجمع على النحو الآتي.


مسوّغات جمع التقديم عند جمهور الفقهاء

ذهب المالكية إلى أنَّ مسوِّغات الجمع هي؛ الحجّ: أي الجمع بعَرفة ومزدلفة، والسفر، والمطر، والمرض، والوَحل مع الظُّلمة، وزاد الشّافعيّة مسوّغُ عدمُ إدراك العدوّ، وزاد الحنابلة كذلك الرّيح الشديدة، لكنَ تعدّدت آراؤهم في شروط هذه المسوِّغات؛ فمنهم من أجاز الجمع للمطر ليلاً ولم يُجزه نهاراً، ومنهم من اشترط في السّفر أنْ يكون سفرَ قُربةٍ كالحجّ والغزو، ومنهم من اشترط على المسافر أن يَجِدَّ به السّير حتى يجوزَ له الجمع، وقد أجاز الشافعيّة الجمع في السّفر مطلقاً وفي المطر جمع تقديم، وأضاف الحنابلة جواز الجمع في حالة الإرضاع والاستحاضة ونحوها، والعذر أو الشّغل، والعَجْز عن معرفةِ الوقت، والعَجْز عن الطهارة، وذلك على تفصيلاتٍ عندهم.[١١]


ويمكن إجمال قولهم في ذلك بأنّهم اتّفقوا على جواز جمع التّقديم والتّأخير في عَرفة ومزدلفة، والسفر، والمطر، وما كان في حكمه كالثلج والبَرد، وفيما سِواها تفصيل، وفيما يأتي شروط الجمع:[١٢]

  • المالكية: عدَّ المالكية جمع التقديم والتأخير في عَرفة ومزدلفة سُّنّة، أمّا في باقي المسوِّغات فهو رخصة، وجائز للرجل والمرأةِ على حدِّ سواء، واشترطوا لجواز جمع التقديم في السّفر أن يكون سفر طاعة لا سفر معصية ولهو، ويكون ضمن مسافة القصر أو أطوَل، ويكون سفر بَرّ لا سفر بحرن وبشرطين هما: أن يدخل على المسافر وقت الظهر وهو في سفره، وفي مكان نزوله للاستراحة، وأن ينوي أن يرتحل من هذا المكان قبل وقت العصر، وكونه سينزل للاستراحة الثانية بعد غروب الشمس، أمّا إذا نوى النّزول للاستراحة الثانية قبل اصفرار الشمس؛ فعليه أن يُصلّي الظهر في وقتها فقط، ويُؤخِّر صلاة العصر ليُصلّيها في وقتها الاختياري، ولكنْ إن قدَّم صلاة العصر فتُجزئه هذه الصلاة.
وإن دخل عليه وقت صلاة الظهر وهو سائر في طريقه؛ فإنْ نَوى النّزول للاستراحة، أو الوصول في وقت الاصفرار، أو قبله؛ فعليه أنْ يَجمع الظهر مع العصر جَمْع تأخير، ويتعامل مع صلاتي المغرب والعشاء بنفس هذا التفصيل مع اعتبار غروب الشمس لبداية الوقت وطلوع الفجر لنهايته. أما المريض فيجوز له الجمعُ عندهم إن كان الجمعُ أرفقَ بحاله، أو خاف أن يغيبَ عقلُه، أو تصيبَه دوخةٌ أو حمّى، فيصلّي في وقت الصلاة الأولى جمع تقديم، أما المَبطون فيجوز له الجمع الصُّوريّ لكن مع الكراهة.


وقد اشترطوا لجواز الجمع في المطر والبَرد والثلج واجتماع الوحل أن يكون مع الظلمة لا بأحدهما فقط، وهذا يعني اختصاص الجمع في صلاتي المغرب والعشاء في وقت المغرب جمع تقديم لجماعة المسجد، ولم يجيزوا ذلك لمن صلّى منفرداً أو لجارِ المسجد حتى لو كانت امرأة، وانقطاع المطر بعد الشُّروع في الصّلاة لا يؤثّر عليها عندهم، والمشهور عندهم هو النداء بأذان وإقامة لكلِّ صلاة وحدها، لكن بصوتٍ مرتفعٍ على السماعات الخارجية لصلاة المغرب، والعشاء على السماعات الداخلية، ويكره التّنفّل بين الصّلاتين، ولا تجوز صلاة الوتر كذلك إلا بعد غياب الشّفق، أمّا الجمع في الحجّ فقد ذُكر سابقاً، لكنَّ القصر خاصٌّ بالحجّاج ولا يشمل أهل المكان؛ وهم أهل عرفة ومزدلفة.
  • الشافعية: وتفصيل ذلك فيما يأتي:
    • الجمع لمرضٍ أو ريحٍ وظلمةٍ ووحلٍ: المشهور عدم جواز الجمع بسبب المرض، والريح، والظُّلمة، والوَحل، لأنَّ حديث مواقيت الصلاة لا يجوز مخالفته إلا بنصٍّ صحيح، ولأنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- مرض أمراضاً كثيرة ولم يُنقل عنه الجمع للمرض بنصوصٍ صريحة، ولا يجوز للضّعيف والبعيد عن المسجد الجمع بالرّغم من المشقّة الظاهرة، فكذلك المريض.
    • الجمع عند المطر والثلج: أجازوا جمع التقديم فقط في حالة المطر، والثلج، والبرد الذائبين لمن تأذّى بالمطر؛ لكونه صلّى جماعة في مسجدٍ بعيد، أمّا جمع التأخير للمطر فغير جائزٍ كون استمرار المطر لوقت الصلاة الثانية أمراً غير مُتيقّن، فقد يُفضي إلى إخراج الصلاة عن وقتها بغير عذرٍ، ويجوز عندهم جمع العصر مع صلاة الجمعة جمع تقديم حتى وإن لم يستمرّ المطر إلى الخطبة، وعلّلوا ذلك بأنَّها ليست من الصلاة، أمّا في جمع التقديم، فقد اشترطوا استمرار المطر منذ السلام من الصلاة الأولى إلى بداية الصلاة الثانية، ولا يَضرُّ إن توقَّف بعد ذلك، وقد استدلّوا على جواز جمع التقديم بحديث ابن عباس: (جَمع رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بالمَدِينَةِ، في غيرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ).[٦]
    • جمع التقديم في السفر: أما الجمع في السّفر الطويل الذي يبلغ مسافة القصر، فيجوز عندهم جمع التقديم بعدّةِ شروطٍ هي:
      • النيّة: والمقصود نيّة جمع التقديم من أول الصّلاة الأولى أو في أثنائها.
      • التّرتيب: أي البَدء بالصلاة الأُولى صاحبة الوقت ثمَّ الثانية.
      • الموالاة: أي التّتابع بين الصلاتين دون الفصل بينهما وجعلهما كالصّلاة الواحدة، ولا يضّر الفصل اليسير للأذان والإقامة أو الطهارة، أمّا الفصل الطويل ولو بعذرٍ يُبطل الجمع، ويعود تقدير الطول والقصر للعرف، والمتيمم كالمتوضّئ في جمع الصّلاتين على الصحيح، ولا تشترط هذه الشروط الثلاثة في جمع التأخير على الصحيح.
      • استمرار المسافر في سفره حتى يُحرِم بالصلاة الثانية: أما إذا انقطع سفرُه قبل الشُّروع بها فلا يجوز له الجمع لانقطاع السبب وهو السفر.
      • تيقّن بقاء وقت الصلاة الأُولى في وقت انعقاد الصلاة الثانية، والظّنُّ بصحّة الصلاة الأُولى؛ فلو شكَّ في صحّة صلاة الجمعة بسبب تعدد الجُمَع في منطقة ما دون سبب مثلاً، فلا يجوز له أن يجمع معها صلاة العصر جمع تَقديم.
    • جمع التأخير: وله شرطان هما: أن ينويَ المسافر نيّة جمع التأخير قبل انتهاء وقت الصلاة الأولى ولو بقدر ركعة، وإلّا تُعتبر قضاءً، وقد اعتبروا النيّة للتمييز بين تأخير الصلاة للجمع أو لسببٍ آخر، ويُشترط استمرار السّفر إلى وقت انتهاء الصلاة الثانية، وإذا زال هذا الشّرط بأن أقام المسافر قبل انتهاء وقت الصلاة الثانية، فتعتبر الصلاة الأولى التي هي الظهر، أو المغرب قضاءً، واعتبروا الترتيب والتتابع في جمع التأخير سُّنّة وليس شرطاً، أمَّا بالنسبة لسُّنّة الصلاة، فسُّنّة الظهر له تقديمها أو تأخيرها أو توسيطها في جمع التقديم والتأخير، وله تأخير سُّنّة المغرب والعشاء أو توسيطهما، وغير ذلك لا يجوز.
  • الحنابلة: وتفصيل ذلك فيما يأتي:
    • أجاز الحنابلة جمع التقديم والتأخير في السفر الذي يبلغ مسافة القصر ويبلغ مسافة يومين، وأن لا يكون سفر حرامٍ أو مكروه، وسبب ذلك جَمْعُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- للصلاة دون خوف ولا مطر، وأنَّ الجَمع شُرِع لدفع المشقّة فاختُصّ بالسفر الطويل.
    • أجاز الحنابلة الجمع للشّغل أو العذر، كمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه، أو التضرّر في معيشته، فيجوز لهم الجمع كأصحاب المزروعات عندما يكون دورهم في سَقي الماء.
    • أجازوا الجمع للمطر والثلج والبَرد بين المغرب والعشاء فقط كالمالكية، وذلك في وقت المغرب، ولكن إن اختار الناس جمع التأخير جاز ذلك، وأما المطر الخفيف والطّلّ فلا يُبيح الجمع، أما الوَحل فيعتبر عذراً في الأصح عندهم؛ لأنَّه يُسبب المشقّة كالمطر، وكذلك الريح الشّديدة في الليلة الباردة المظلمة، لما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: (كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- ينادي مناديهِ في اللَّيلةِ المطيرةِ أوِ اللَّيلةِ الباردةِ ذاتِ الرِّيحِ صلُّوا في رِحالِكُم).[١٣]
    • أجازوا الجمع في المرض الذي يؤدي إلى مشقّة وضعف بِتَرْك الجمع؛ وذلك لأنَّ المرض أصعب من السّفر، ويجوز للمسافر جمع التقديم والتأخير، والتأخير أَولى في حقّه إن استوى الأمران. والمرأة المُرضعة يحقُّ لها الجمع بسبب مشقّة التطهّر من النجاسة عند كل صلاة، فتعتبر كالمريضة، والعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى.
والعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم وذلك دفعاً للمشقّة عنه؛ كالمريض أو المسافر، والمرأة المستحاضة أو المصاب بسَلَس البول أو المذي، أو الرُّعَاف الدائم. فجميع هؤلاء يجوز لهم الجمع قياساً على المستحاضة التي أذن لها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالجمع عندما استفتته حمنة بنت جحش -رضي الله عنها- فقال لها: (وإِنْ قويتِ على أن تؤخِّرِي الظُّهرَ وتُعَجِّلِي العصرَ فتَغْتَسِلِي، وتَجْمَعينَ بينَ الصلاتينِ الظهرَ والعصرَ وتؤخرينَ المغربَ، وتُعَجِّلِينَ العشاءَ، ثُمَّ تغتَسِلينَ، وتَجْمَعينَ بينَ الصلاتينِ فافْعَلِي).[١٤]


وتُبيح الأعذار المتقدّمة للمسلم جمع التقديم أو التأخير على التخيير بحسب الحاجة عند الحنابلة، ويستوي في ذلك المصلّي في بيته أو في المسجد وحتّى جار المسجد، وقد علّل ابن تيمية التخيير في الجمع بأنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد جمع الصلاة لكي لا يُحرج أمّته، وقد جمع دون خوف ولا سفر كما في الأحاديث، أمَّا في الحجّ فعلى المسلم أن يلتزم بالسُّنّة، فيجمع الظّهر والعصر جمع تقديم في عرفة؛ لاشتغاله بالدعاء، ويجمع المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة؛ لانشغاله بالسّير إليها.[١٢]


وقد اشترط الحنابلة مراعاة الترتيب بين الصلوات في جمع التقديم والتأخير، واشترطوا لجمع التقديم شروطاً أخرى منها: أن ينوي المصلّي الجمع عند الإحرام بالصلاة الأولى، لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ)،[١٥] وأن يُتابع بين الصلاتين دون تفريقٍ طويل ليتحقّق معنى الجمع من حيث المقارنة والمتابعة، ويُعفى التفريق اليسير بما يَخدم الصلاة كالوضوء والإقامة، واشترطوا استمرار العذر المبيح للجمع عند افتتاح الصلاتين.[١٢]


مسوّغات جمع التقديم عند الحنفية

ذهب الحنفية إلى حصر مسوِّغات الجمع في مسوِّغٍ واحد وهو الحجّ، فلا يجوز عندهم الجمع لأسبابٍ أخرى كالمطر أو السفر، وإنّما الجائز عندهم فقط جمع صلاة الظهر مع العصر في وقت صلاة الظهر في عَرفة، والجمع بين صلاتي المغرب والعشاء بوقت صلاة العشاء في مزدلفة.[١٠]


شروط جمع التقديم والتأخير

شروط جمع التقديم

تجدر الإشارة إلى أنَّه لا تؤثر صلاة الشخص الذي ينوي الجمع وراء إمام لا يجمع، لأنَّ لكلِّ صلاة حُكم نفسِها وهي منفردة ٌ في ذاتها، لكنَّ بطلان الصلاة الأُولى أو فسادها بنسيان ركنٍ أو غيره وتَذَكُّر المصلّي ذلك يُبطل الصلاتين الأولى والثانية،[١٢] وقد اشترط العلماء شروطاً معيّنةً يجب على المصلّي مراعاتها ليُعتبر جمع التقديم صحيحاً، ومنها ما يأتي:[١٦]

  • الترتيب: يراعي المصلّي ترتيب الصّلوات فيبدأ بالصلاة الأُولى، الظهر أو المغرب، ثم يُصلّي الثانية، فإن لم يُراع ِذلك فلا تصحُّ صلاته.
  • نيّة الجمع: ينوي المصلّي نيّة الجمع عند بداية الصلاة الأولى أو في أثنائها، لكنَّ ابن تيمية لم يشترط ذلك وحكاه عن جمهور العلماء.
  • الموالاة: يُصلّي المسلم الصلاتين المجموعتين دون أن يُفَرِّق بينهما بفاصلٍ طويلٍ، أما الفصل اليسير فيُعفى عنه، ويَعود التقدير للفصل اليَسير أو الطويل للعرف، وقدَّره الشافعية وبعض الحنابلة بقدر الإقامة أو الوضوء.
  • استمرار السفر: يجب أن يستمرّ السفر منذ افتتاح الصلاة الأولى إلى افتتاح الصلاة الثانية، أمَّا إن نوى الإقامة أو وصل فعليه أن يُؤخّر الصلاة الثانية إلى وقتها بسبب زوال سبب الجمع وهو السفر،[١٧] وكذلك اشترط الحنابلة استمرار المرض؛ أي استمرار السبب المبيح للجمع.[١٢]


شروط جمع التأخير

يُشترط لجمع التأخير شروطاً منها ما يأتي:[١٢]

  • الترتيب: فيُشترط الترتيب بين الصلوات في كلِّ أنواع الجمع، ولا تُشترط الموالاة في جمع التأخير، فيستطيع المصلي أن يتنفّل بينهما، كما لا يُشترط اتّخاذ نيّة الجمع في الصلاة الثانية، لأنّها تُصلى في وقتها أداءً بطبيعة الحال.
  • نية الجمع: يشترط أن يتخذ المصلّي نيّة الجمع في وقت الصلاة الأُولى بشرط ألّا يضيق وقتها عن فعلها؛ لأنَّه إنْ أخَّرَ النيّة بجمع التأخير إلى أنْ ضاق وقت الصّلاة الأولى عن فعلها أَثِم بالتأخير، ولا يصحُّ جمعه.
  • استمرار العذر: يُشترط أن يستمر العذر إلى ابتداء وقت الصلاة الثانية، وإذا زال العذر بعد ذلك لا يضرّ لأنَّ الصلاتين تكونان قد ثبتتا في ذمّته فيصلّيهما، ومثال انقطاع العذر وزوال مسوّغ الجمع هو: شفاء المريض، وقدوم المسافر.


كيفية جمع التقديم

اتّفق الفقهاء على أربعة أمور بالنسبة لجمع الصلاة وهي: أنّ الصّلوات التي تُجمع هي المشتركة في الوقت، أي: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وصلاة الصبح لا تُجمع ولا تُقصر، فهي في الحضر والسفر تُصلّى ركعتين في وقتها، والجمع قد يكون في الحضر وقد يكون في السّفر، أمّا القصر فيكون في السّفر فقط.[١٨] أما بالنسبة لصفة الجمع فهي تختلف في جمع التقديم عنها في جمع التأخير على النحو الآتي:[١٨]

  • صفة جمع التقديم: يبدأ المصلّي بالصلاة الأُولى وهي الظهر أو المغرب، ويُصلّي الصلاة الثانية بعدها من غير فاصلٍ وهي العصر أو العشاء، ويُشترط أن يَنوي المصلّي الجمع منذ الإحرام بالصلاة الأولى.
  • صفة جمع التأخير: أن يؤخّر المصلّي الصلاة الأُولى التي هي الظهر أو المغرب، ويُصلّيها في وقت الصلاة الثانية أي العصر أو العشاء، مع مراعاة الترتيب بينهما؛ بمعنى أن يبدأ بالصلاة الأُولى، ويُشترط أن ينوي جمع التأخير في وقت الصلاة الأُولى وإن لم يفعل فقد أثِم، وقد حددَّ الإمام النوويّ وقت انتهاء نيّة الجمع إلى أن يبقى وقتٌ يَسَتطيع المصلّي أداء الصلاة فيه، وذكر في كتاب المُغني أنَّه يمتدّ إلى قدر إدراك ركعة.


صلاة السّنّة في الجمع بين الصلوات

يجوز للمسلم بالنسبة لسنن الصلاة أن يُصلّي سُنّة الصلاة الثانية إذا جَمَع جَمْع تقديم، لأنَّ سنّتها تابعةٌ لها، فتتبعها في فعلها ووقتها، وكذلك بالنسبة لصلاة الوتر فإنَّه يستطيع أداءها قبل دخول وقت صلاة العشاء؛ لأنَّ وقتها يمتدّ بين صلاة العشاء وصلاة الصبح، وقد صلّى العشاء فيجوز له أداؤها،[١٢] وقد أُجيز صلاة سنن المغرب والعشاء حتى في جمع التقديم لأنَّه ليس وقت نهيٍ، أمَّا في صلاتي العصر والظهر فتُصلّى راتبة الظهر القبلية فقط، أمّا راتبة الظهر البعديّة فتسقط لأنَّ الصلاة بعد صلاة العصر منهيٌّ عنها، ولأنَّ الأفضل عدم الفصل بين صلاتي الظهر والعصر براتبة الظهر البعديّة، وإنّما صلاتُها متّصلةٌ من غير حاجز، وكذلك لا تُفصَل صلاة المغرب عن صلاة العشاء، وإنما تُصلّى سُّنّة المغرب والعشاء بعد صلاة العشاء لأنَّه ليس وقت نهيٍ.[١٩]


وتجدر الإشارة هنا إلى تعدّد آراء أهل العلم في صلاة الوِتر بعد صلاة العشاء في جمع التقديم بناءً على آرائهم في تحديد وقت صلاة الوتر، فمن رأى أنَّ وقتها يبدأ من مغيب الشّفق الأحمر لم يُجِز تقديمها قبل هذا الوقت، أمَّا من رأى أنَّ وقتها يبدأ من بعد صلاة العشاء فأجاز صلاتها بعد العشاء في جمع التقديم.[٢٠]


المراجع

  1. حسين العوايشة، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة (الطبعة الأولى)، عمان-الأردن: المطبعة الإسلامية، صفحة 345-351، جزء 2. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 1674، صحيح.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 706، صحيح.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 705، صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 543، صحيح.
  6. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 705، صحيح.
  7. سورة الحج، آية: 78.
  8. سورة النور، آية: 61.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 705، صحيح.
  10. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 287-288، جزء 27. بتصرّف.
  11. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الأولى)، شارع الأزهر-الغورية: دار السلام، صفحة 488، جزء 1. بتصرّف.
  12. ^ أ ب ت ث ج ح خ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا-دمشق: دار الفكر، صفحة 1374-1385، جزء 2. بتصرّف.
  13. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 774، صحيح.
  14. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن حمنة بنت جحش، الصفحة أو الرقم: 3585، حسن.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح.
  16. عبد الله الطيار-عبد الله المطلق-محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، المملكة العربية السعودية- الرياض: دار الوطن، صفحة 416، جزء 1. بتصرّف.
  17. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 287-288، جزء 15. بتصرّف.
  18. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 11542، جزء 11. بتصرّف.
  19. ابن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 327، جزء 10. بتصرّف.
  20. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 8603، جزء 11. بتصرّف.
5606 مشاهدة
للأعلى للسفل
×