محتويات
مراحل الموت
يبدأ الموت الطبيعيّ تدريجيّاً بموت الخلايا والأعضاء وأجهزة الجسم الحيويّة، ثُمّ بعدها يتوقّف الجسم بكامله عن العمل،[١] وعلامات الوفاة عند الفُقهاء تكون بشخوص البصر، وهي من العلامات الظّاهرة على الموت، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنَّ الروحَ إذا قُبِضَ تَبِعه البصَرُ)،[٢] بالإضافة إلى والغرغرة وتردّدُ الرّوح في الحلق، لقول الله -تعالى-: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ).[٣][٤]
سكرات الموت
تُعدُّ سكرات الموت من مراحل الموت التي يمرُّ بها كُلّ المخلوقات، لعموم قولهِ -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)،[٥] ولكن تختلف المخلوقات في مقدار إحساسها بهذه السّكرات،[٦] قال النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ)،[٧] وتكون هذه السّكَرات للمؤمن تكفيراً لذنوبه، وزيادة له في حسناته، وقد قال النبي عن روح المؤمن: (فتخرجُ فتسيلُ كما تسيلُ القطرةُ مِن فِي السِّقاءِ)،[٨] أما الكافر فتخرُج روحه بصُعوبة، لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (فتتفرقُ في أعضائِه كلِّها فينزِعها نزعَ السَّفُّودِ من الصُّوفِ المبلولِ فتتقطُّعُ بها العروقُ والعصبُ).[٨][٩] وممّا جاء عن العُلماء في كُتبهم من العلامات الدّالّة على الموت -ولم ترد عليها نصوص شرعيّة وإنما ذكرها الكثير من العلماء في كتبهم مما رأوه- ما يأتي:
- ضعف القوّة عن الصُّراخ، وانقطاع الصوت، وإصابة اللّسان بالبكم، والشعور بالثّقل على القلب.[١٠]
- توقّف النّفس، واسترخاء القدمين، وانفصال الكفّين، وميل الأنف، وتمدُّد جلدة الوجه، وانخساف الصّدغين، وبُرود الجسم.[١١]
- تغيّر رائحة الجسم، وقد يظهر على الميّت بعض علامات الفزغ والخوف، بالإضافة إلى سكون حركة البدن، وتغيّر لونه.[١]
تبشير الملائكة للمحتضر قبل موته
يأتي ملك الموت ومعه ملائكةٌ يُعاونونه على قبض الرّوح عند حضور أجل الإنسان، فقد جاء عن ابن عبّاس -رضيَ الله عنه- أنّ المُعاوِنون يُخرجون الرّوح إلى الحُلقوم، ثُمّ يتولّى ملك الموت قبضها وإخراجها من الجسد، فإن كان العبد مؤمناً تقوم الملائكة بتبشيره،[١٢] لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إِنَّ العبدَ المؤْمن إذا كان في انْقِطَاعٍ من الدُّنْيَا، وإِقْبالٍ من الْآخِرَةِ، نزل إليه من السَّمَاءِ ملائكةٌ بِيضُ الوجُوهِ، كأَنَّ وجوهَهُمُ الشمسُ، معهُمْ كفنٌ من أكْفَانِ الجنَّةِ، وحَنُوطٌ من حَنُوطِ الجَنَّةِ، حتى يَجْلِسُوا منه مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ حتى يَجلِسَ عندَ رأسِه فيَقولُ: أيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إلى مغْفِرةٍ من اللَّهِ ورِضْوَانٍ، فتخْرُجُ تَسِيلُ كما تسِيلُ القَطْرَةُ من فِي السِّقَاءِ).[١٣][١٤]
فتُبشّر الملائكةُ المؤمن بالمغفرة والرّضوان من الله -تعالى-، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).[١٥][١٢] وأمّا الكافر؛ فتأتيه الملائكة سودُ الوجوه، تُبشّره بالعذاب والغضب والسّخط من الله -تعالى،[١٦] لِقولهِ -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)،[١٧] وتدلُّ الآية على الشّدة التي يُعانيها عند الموت وسكراته؛ لاستكباره وعدم اتّباعه للرُّسل وآيات الله -تعالى-.[١٨]
وقال الكلبيّ: "يحضر العبد عند الموت سبعةٌ من ملائكة الرّحمة، وسبعةٌ من ملائكة العذاب مع ملك الموت، فإذا بلغت نفس العبد التّراقي نظر بعضهم إلى بعض أيّهم يرقى بروحه إلى السّماء".[١٩] وتأتي للمؤمن في صورةٍ جميلةٍ حسنة، وأمّا الكافر والمُنافق فتأتيهما في صورةٍ مُخيفة كما جاء في الأحاديث الصحيحة.[١٤]
قبض الروح من قِبل ملك الموت وأعوانه
يكون مع ملك الموت مجموعةٌ من الملائكة يُساعدونه في قبض الرّوح، لِقولهِ -تعالى-: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ)،[٢٠] والمُعاونون يكونون تحت إمرةِ ملك الموت، ويقومون بأخذ الرّوح إلى الحُلقوم، ويتولّى ملك الموت قبضها بعد ذلك وإخراجها من الجسد بأمر الله -تعالى-،[٢١][٢٢] فإن كانت الرّوح للمؤمن قام ملك الموت بدفعها إلى ملائكة الرّحمة، وإن كانت الرّوح للكافر أو الفاجر قام بدفعها إلى ملائكة العذاب، ثُمّ يصعدون بها إلى الله -تعالى-، لِقوله -تعالى-: (ثُمَّ رُدّوا إِلَى اللَّـهِ مَولاهُمُ الحَقِّ أَلا لَهُ الحُكمُ وَهُوَ أَسرَعُ الحاسِبينَ)،[٢٣][٢٤] فيولّى ملك الموت قبض الرّوح، ثُمّ يدعها إلى المُعاونين له من الملائكة لتضع الرّوح في أكفان من الجنّة أو النّار؛ وذلك بحسب فلاح صاحبها أو فساده.[٢٥]
صعود الروح إلى السماء
بعد أن يقبض ملك الموت روح المؤمن وتأخُذها الملائكة؛ تصعد بها إلى السّماء، وتستقبلها الملائكة في السّماء حتى تكون في السّماء السابعة، ويُكتب في عليّين، ثُمّ تُعادُ إلى الأرض.[٢٦] وأمّا الكافر فقد قال النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- عن روحه بعد أن ينزعها ملك الموت: (...فيَأْخذَها، فإذا أخذَها لَم يَدعُوها في يَدِهِ طَرْفَةَ عَينٍ حتى يَجْعَلُوهَا في تِلْكَ الْمُسُوحِ، يخرجُ منها كأَنْتَنِ ريحِ جِيفَةٍ، وُجِدَتْ على ظَهْرِ الأَرضِ فيصْعَدُونَ بِها، فلا يَمُرُّونَ بها على مَلَكٍ من الملائِكَةِ إلَّا قَالُوا: ما هذا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فيَقُولُونَ: فُلَانُ بنُ فُلَانٍ بأَقْبَحِ أسْمَائِهِ التي كان يُسَمَّى بِهَا في الدُّنْيَا، حتى يَنْتَهِيَ بِهَا إلى سمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لهُ، فلا يُفْتَحُ لهُ، ثُمَّ قَرَأَ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السَّمَاءِ قال: فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَه في سِجِّينٍ في الْأَرْضِ السُّفْلَى).[١٣][٢٦]
مفهوم الموت
يُعرّف الموت بأنهُ مُفارقة الرّوح للبدن، وحقيقتهُ: خُلوص جميع الأعضاء من الرّوح، وعدم بقاء الحياة في أيّ جهازٍ من أجهزة الجسم،[١١] ودلَّ على ذلك العديد من الأدلة، كقولهِ -تعالى-: (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا)،[٢٧] فالحياة حصلت بنفخ الرّوح، وبمفهوم المُخالفة فإن الموت يحصل بمفارقتها له،[٢٨] وهذه هي الحقيقة الشّرعيّة المُتّفقُ عليها بين الفُقهاء، ويُسمّى الموت أيضاً بالوفاة، والمنيّة، والمنون، والأجل، ونحوها كانقطاع الوتين، وانقطاع الأبهر، فكلّ هذه المسمّيات تدلّ على معنى واحد وهو مفارقة الرّوح للبدن.[٢٩]
المراجع
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، صفحة 274، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سلمة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 920، صحيح.
- ↑ سورة الواقعة، آية: 83.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 180، جزء 31. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 185.
- ↑ محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424 هـ)، أحوال المحتضر (الطبعة السادسة والثلاثون)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 84، جزء 124. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 6510، صحيح.
- ^ أ ب رواه ابن تيمية، في تلبيس الجهمية، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 6/567، مشهور.
- ↑ محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424 هـ)، أحوال المحتضر (الطبعة 124)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 84-85. بتصرّف.
- ↑ محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 177-178، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، صفحة 150، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424 هـ)، أحوال المحتضر (الطبعة السادسة والثلاثون)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 93-95، جزء 124. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 1676، صحيح.
- ^ أ ب عمر الأشقر (1991)، القيامة الصغرى (الطبعة الرابعة)، الكويت: مكتبة الفلاح، صفحة 19. بتصرّف.
- ↑ سورة فصلت، آية: 30.
- ↑ شادي فوزي محمد بشكار (2007)، حياة البرزخ في ضوء الكتاب والسنة، نابلس - فلسطين: جامعة النجاح الوطنية، صفحة 51-52. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 93.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 158-159، جزء 65. بتصرّف.
- ↑ محمد الأمين الهرري (2001)، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: دار طوق النجاة، صفحة 453، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 61.
- ↑ محمد العلي (1424 هـ)، أحوال المحتضر (الطبعة السادسة والثلاثون)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 93، جزء 124. بتصرّف.
- ↑ محمد الأمين الشنقيطي (1996)، دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، صفحة 184. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 62.
- ↑ محمد المعروف بابن أبي زَمَنِين (1415 هـ)، أصول السنة، ومعه رياض الجنة بتخريج أصول السنة (الطبعة الأولى)، المدينة النبوية: مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 148. بتصرّف.
- ↑ عمر الأشقر (1991)، القيامة الصغرى (الطبعة الرابعة)، الكويت: مكتبة الفلاح، صفحة 90. بتصرّف.
- ^ أ ب شادي فوزي محمد بشكار (2007)، حياة البرزخ في ضوء الكتاب والسنة، نابلس - فلسطين: جامعة النجاح الوطنية، صفحة 58-62. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 91.
- ↑ عَبد الله بن محمد الطيّار، عبد الله بن محمّد المطلق، محمَّد بن إبراهيم الموسَى (2011م)، الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، الرياض: مَدَارُ الوَطن للنَّشر، صفحة 15، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ بكر بن عبد الله أبو زيد (1996م)، فقه النوازل (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 222، جزء 1. بتصرّف.