مراحل غسل الميت

كتابة:
مراحل غسل الميت

تغسيل الميّت

التغسيل لغةً مصدر الفعل غسَّل، ويقصد به أن يجري الماء على الشيء؛ وذلك لإزالة الأوساخ عنه، والميّت: هو الذي فارق الحياة، أمَّا تغسيل الميّت اصطلاحاً: فهو تعميم جسد الميّت بالماء بطريقةٍ مسنونة، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تغسيل الميّت فرض كفاية؛ حيث إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقي، وذهب بعض المالكية إلى القول بسنّيَّة تغسيل الميّت،[١] ويُسنّ عند موت المسلم أن تغمض عينيه؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أغمض عيني أبي سلمة عند موته، ومن السنة شدّ لحييه؛ حتى لا يدخل في جوفه شيء، وتليين مفاصله؛ ليسهل تغسيله، وذلك بثني ذراعيه إلى عضديه، ثم ردّهما إلى جنبيه، ويثني كذلك ساقيه إلى فخذيه، وفخذيه إلى بطنه، ثم ردّهما ممدودتين، ويكون ذلك بعد موته قبل قسوة أعضائه.[٢]


ومن السنة خلع ثياب الميّت؛ حتى لا يسخن جسده فيفسد بسرعة، وستر جسده بثوب؛ لما رُوي عن عائشة رضي الله عنها: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ ببُرْدٍ حِبَرَةٍ)،[٣] ومن السنة أيضاً وضع حديدةٍ أو شيءٍ ثقيلٍ على بطنه؛ حتى لا ينتفخ، ومن ثم وضعه على سرير غسله متوجّهاً إلى القبلة على جنبه الأيمن، وجعل رأسه أعلى من رجليه؛ لينصب عنه الماء وما يخرج منه، ويُسنّ الإسراع في إنفاذ وصيّة الميّت؛ لما في ذلك من تعجيل الأجر، ويجب الإسراع في قضاء دينه، سواءٌ كان ديناً لله -تعالى- كالزكاة، أو لآدميٍّ كالقروض، ولا بأس بتقبيل الميّت والنظر إليه ولو بعد تكفينه.[٢]


مراحل تغسيل الميّت

اختلف الفقهاء في كيفية غسل الميّت وعدد الغسلات، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:[١]

  • تجريد الميّت ووضعه للغسل: ذهب الحنفية، والمالكية، وهو أحد قولي الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد إلى استحباب تجريد الميّت من الثياب عند تغسيله؛ وذلك لأن المقصود من الغُسل هو التطهير، وذلك يحصل بتجريد الميّت من ثيابه، ولأن ثوب الميّت سيتنجّس بما يخرج منه إذا غُسِّل الميّت فيه، وقد لا يطهر، والصحيح عند الشافعية أن الميّت يُغسَّل في ثوبه، أمَّا ستر عورة الميّت فلا خلاف بين الفقهاء في وجوب سترها، هذا إذا كان المُغسِّل ذكراً والميّت ذكراً، أو كانت المُغسِّلة أنثى والميّتة أُنثى، أمَّا إذا قام الذكر المَحرم بتغسيل الأنثى أو عكسه، فيجب ستر جميع بدن الميّت، ويوضع الميّت على سرير غسله، ويكون موضع رأسه أعلى من قدميه لينحدر منه الماء.
  • إزالة النجاسة، وتوضئة الميّت: يبدأ المُغسّل بإزالة النجاسة عن بدن الميّت، قال أبو حنيفة؛ يقوم بالاستنجاء أيضاً، ويُزيل النجاسة عن بدنه من غير أن يُجلسه أو يعصر بطنه، وقال المالكية؛ يُندب عصر البطن عند الغُسل، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن إجلاس الميّت وعصر بطنه يكون في أول الغُسل، ثم يوضّأ وضوءه للصلاة، وذهب الحنفية والحنابلة إلى عدم إدخال الماء في فم الميّت ولا أنفه، وإنما يجعل على يديه قطعة قماشٍ مبلولة يمسح بها أسنانه وأنفه حتى يُنظفهما، وذهب المالكية والشافعية إلى أنه يقوم بالمضمضة والاستنشاق، ولكن يُميّل رأس الميّت حتى لا يصل الماء إلى جوفه.
  • عدد الغسلات وكيفيّتها: إذا فرغ المُغسّل من وضوء الميّت، يغسل رأسه ولحيته ثلاثاً، ثم يضعه على جنبه الأيسر، ويغسل شِقَّه الأيمن، ثم يُديره على جنبه الأيمن فيغسل الأيسر، والواجب في غسل الميّت مرة واحدة، ويُستحبّ أن يُغسّل ثلاثاً، وتكون كل غسلةٍ بالماء والسِّدر، أو ما يقوم مقامه، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً أو ما يقوم مقامه من الطِّيب، وللمُغسّل أن يزيد في عدد الغسلات إلى خمسٍ أو سبعٍ إذا رأى أن الميّت لم يُنَقَّ، ويُستحبّ أن يكون عدد الغسلات فردياً، وقال الإمام أحمد: لا يزيد على سبع غسلات، وذهب الحنفية، والمالكية عدا أشهب، وهو الأصحّ عند الشافعية إلى عدم إعادة الغُسل إن خرج من الميّت شيءٌ وهو في مُغتسله قبل وضعه في كفنه، وذهب الحنابلة والشافعية في قولٍ آخر إلى تغسيل الميّت خمس غسلات إن خرج منه شيءٌ وهو في مُغتسله، فإن زاد الخارج غسله إلى سبع، أمّا إذا خرجت النجاسة بعد وضع الميّت في الكفن، فجزموا بالاكتفاء بغسل النجاسة فقط، ويُستحبّ أن يُغسّل الميّت في مكانٍ خالٍ مستور لا يدخله إلا المُغسل ومن يريد مساعدته.
  • صفة ماء الغُسل: يُشترط أن يكون الماء الذي يُغسّل به الميّت طاهراً مباحاً، واستحبّ الحنفية كون الماء ساخناً؛ لزيادة التنظيف، ويُغلى الماء بالسدر وغيره؛ لأنه أبلغ في النظافة، وذهب المالكية إلى أن المُغسِّل يُخيّر في صفة الماء، إن شاء جعله بارداً، وإن شاء جعله ساخناً، وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم غسل الميّت بالماء الحار في المرة الأولى، إلا لسببٍ كشدة البرد، أو كثرة الوسخ، أو غير ذلك.
  • ما يُصنع بالميّت قبل التغسيل وبعده: ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب استخدام البخور عند غسل الميّت؛ حتى لا يظهر من الميّت رائحةٌ كريهة، ويزداد في البخور عند عصر بطنه، وذهب الحنفية إلى عدم جواز تسريح شعر الميّت، أو تقليم أظفاره، أو حلق عانته، أو نتف إبطه، وذهب الحنابلة إلى عدم جواز حلق العانة، وفي رواية عندهم وتقليم الأظافر، وذهب المالكية والشافعية في القديم إلى عدم جواز كل ذلك، واستثنوا تسريح الشعر واللِّحية، وأمَّا إن كان ظفره منكسراً فلا بأس بأخذه، وذهب الشافعية في الجديد إلى جواز تسريح الشعر، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، وذهب الحنابلة إلى جواز قص الشارب، ثم إذا فرغ الغاسل من تغسيل الميّت نشَّفه بثوب؛ حتى لا تبتل أكفانه.


النيَّة في تغسيل الميّت

اختلف الفقهاء في حكم النيَّة للمُغسِّل عند تغسيل الميّت، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:

  • ذهب الحنفية إلى أن النيّة ليست شرطاً لصحة الطهارة، وإنما هي شرطٌ لإسقاط الفرض عن المكلّفين، ولذا لو غُسّل الميّت بغير نيَّةٍ أجزأ ذلك لطهارته، لا لإسقاط الفرض عن ذمّة المكلّفين،[٤] وذهب المالكية إلى عدم اشتراط النيَّة في تغسيل الميّت، وقالوا: وإن كان غُسل الميّت تعبّداً فإنه لا يحتاج إلى نيَّة؛ لأن التعبّد إنما يحتاج إلى نيَّةٍ إذا كان مما يفعله الإنسان في نفسه،[٥] وكذلك ذهب الشافعية في الأصحّ عندهم إلى عدم اشتراط النيَّة في صحة تغسيل الميّت؛ لأن المقصود من تغسيل الميّت هو النظافة، وهي لا تتوقف على نيَّة، و تجب النيَّة عند الغسل في رواية أخرى عند الشافعية.[٦]
  • ذهب الحنابلة إلى اشتراط النيَّة عند غسل الميّت؛ وذلك لأنه غُسل عبادة واجب كغسل الجنابة فاحتاج إلى نيَّة، ولمّا تعذّرت النيَّة من الميّت اعتُبِرت في الغاسل؛ لأنه المخاطب بالغسل.[٧]


المراجع

  1. ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1988)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: ذات السلاسل، صفحة 49-55، جزء 13. بتصرّف.
  2. ^ أ ب منصور البهوتي، الروض المربع شرح زاد المستقنع، بيروت: دار الؤيد- مؤسسة الرسالة، صفحة 173-174. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5814، صحيح.
  4. ابن عابدين (1992)، رد المحتار على الدر المختار (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر ، صفحة 199-200، جزء 2. بتصرّف.
  5. الحطاب الرُّعيني (1992)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الفكر، صفحة 210، جزء 2. بتصرّف.
  6. الخطيب الشربيني (1994)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 8، جزء 2. بتصرّف.
  7. ابن قدامة (1968)، المغني، القاهرة: مكتبة القاهرة، صفحة 345، جزء 2. بتصرّف.
4585 مشاهدة
للأعلى للسفل
×