معلقة الأعشى

كتابة:
معلقة الأعشى

الشعر الجاهلي

إنَّ الشعرَ الجاهليّ هو مهدُ شعر العرب، وأقدم ما وصل من الشعر العربي، وهو الشعر الذي كتبه الشعراء الجاهليون في الفترة التي سبقتْ ظهور الإسلام وهي الفترة التي كانت تُسمَّى بالجاهلية، ويُعدُّ الشعر الجاهلي من أنضج الشعر العربي عبر العصور، فقد خرج من بلاغة العرب وفصاحتهم المعروفة عنهم، ولعلَّ أكثر ما اشتُهر من الشعر الجاهلي المعلقاتُ العشر، وهي قصائد جاهلية كتبها شعراء جاهليون، عدَّها النقاد أجودَ ما كُتبَ في الشعر الجاهلي، وفيما يأتي من هذا المقال سيتم الحديث عن إحدى هذه المعلقات وهي معلقة الأعشى الشاعر الجاهلي المعروف.

المعلقات العشر

المعلقات العشر هي مجموعة من القصائد الجاهلية التي اشتهرت في العصر الجاهلي أولًا وفي عصور الأدب العربي اللاحقة وصولًا إلى العصر الحديث، وهي قصائد كُتبت على بحور شعرية مختلفة، حدَّدها بعض النقاد بسبع قصائد وأضاف آخرون ثلاث قصائد عليها، وهي أفضل ما جاء من شعر الجاهليين، وقد كثرتْ الأقوال حول سبب تسمية المعلقات بهذا الاسم، فقيل إنَّ السبب هو أنَّها كُتبت بماء الذهب وعُلِّقت على أستار الكعبة، وقيل لأنَّها تَعلق في ذهن قارئها أو سامعها، ويُعدَّ حماد الراوية أول من جمع المعلقات وأسماها بالسموط وقد درسها بعده عدد من النقاد العرب، ومن الجدير بالذكر إنَّ المعلقات السبع التي اتفق عليها النُّقاد هي:[١]

  • معلقة امرئ القيس الكندي: والتي يقول في مطلعها: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ.
  • معلقة طرفة بن العبد: والتي يقول فيها: لخولةَ أطلالٌ ببرقة ثهمدِ.
  • معلقة الحارث بن حلزة اليشكري: والتي يقول فيها: آذَنَتنَـا بِبَينهـا أَسـمَاءُ.
  • معلقة زهير بن أبي سلمى: والتي يستهلها بقوله: أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ.
  • معلقة عمرو بن كلثوم: والتي يقول فيها: أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنا
  • معلقة عنترة بن شداد: والتي يقول في بدايتها: هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ.
  • معلقة لبيد بن ربيعة: والتي يقول فيها: عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَـا.

وقد أضاف نقَّاد آخرون إلى هذه المعلقات السبع معلقاتٍ ثلاثًا، وهي:[١]

  • معلقة الأعشى ميمون بن قيس: والتي يبتدئها بقوله: ودِّعْ هريرةَ إنَّ الرَّكبَ مرتحلُ.
  • معلقة عبيد بن الأبرص: ويقول فيها: أقفرَ من أهلِهِ ملحوبُ.
  • معلقة النابغة الذبياني: والتي يقول فيها: يا دار مية بالعلياء فالسند.

نبذة عن الأعشى

تمهيدًا للحديث عن معلقة الأعشى، الأعشى ميمون بن قيس بن جندل، وهو من بني قيس بن واثلة من بني وائل، كان يُكنَّى بأبي بصير، ووقد لُقِّب أيضًا بأعشى قيس والأعشى الكبير وأعشى بكر بن وائل، وهو من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية كما صنَّفه النقاد، ومن النقاد من اعتبره أشعر العرب على الاطلاق، والأعشى شاعر من شعراء المعلقات الجاهلية العشر، تشير الروايات إلى أنَّه ولد عام 570م وهو عام الفيل الي ولد في رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقد أدرك الأعشى الإسلام ولكنَّه مات ولم يسلم، كان الأعشى ميمون بن قيس كثير الوفادة على الملوك؛ ملوك العرب والفرس، يمدحهم طمعًا بالمكاسب المادية حتَّى قِيل إنَّ الأعشى أوَّل من تكسَّب بالشعر في التاريخ.[٢]

كان الأعشى شاعرًا غزيرًا، كتب في غير غرض شعري واحد، ولم يعرف أحد ممن سبقه أغزر منه شعرًا، وقد غنَّت العرب كثيرًا من شعر الأعشى حتَى سُمِّي "صنَّاجة العرب" وقد قال البغدادي عنه: "كان يفدُ على الملوك ولا سيما ملوك فارس؛ ولذلك كثرت الألفاظ الفارسية في شعره"، وقد توفِّي الأعشى في قرية اسمها قرية المنفوحة في منطقة اليمامة بالقرب من الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية اليوم، وفيها قبره، وكانت وفاته عام 629م، والله أعلم.[٣]

معلقة الأعشى

معلقة الأعشى واحدة من المعلقات الجاهلية العشر، وهي قصيدة جاهلية منظومة على البحر البسيط وتتألف من ستة وستين بيتًا، رويُّها اللام المَضمومَة، وهي من أجود ما قالتِ العرب من الشِّعر قديمًا وحديثًا، قصيدة حافلة بالبلاغة والصور والتشابيه المتقنة، وقد بدأ الأعشى معلَّقته متغزِّلًا بمحبوبته هريرة التي بانتْ وارتحلت مع الركب المرتحل، وهذه صفة أغلب الشعراء الجاهليين الذين بدؤوا معلقاتهم واقفين على الأطلال، ذاكرين ما سبق من حياة أهل هذه الديار وواصفين ما بقي من رسوم وآثار، يقول الأعشى:[٤]

ودّعْ هريرة َ إنَّ الركبَ مرتحلُ

وهلْ تُطيقُ وداعًا أيها الرّجلُ؟

غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها

تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ

كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا

مرّ السّحابةِ، لا ريثٌ ولا عجلُ

تَسْمَعُ للحَليِ وَسْوَاسًا إذا انصَرَفَتْ

كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ

أمَّا غرض معلقة الأعشى الرئيس هو هجاء يزيد بن شيبان، فيلومه ويتوعده ويهدده بالثأر، فيفخر الأعشى بقومه في الحرب في سبيل ترهيب يزيد وتهديده ووعده بيوم قريب، فيقول الأعشى:[٤]

أَبلِغ يَزيدَ بَني شَيبانَ مَألُكَةً

أَبا ثُبيتٍ أَما تَنفَكُّ تَأتَكِلُ

أَلَستَ مُنتَهِيًا عَن نَحتِ أَثلَتِنا

وَلَستَ ضائِرَها ما أَطَّتِ الإِبِلُ

تُغري بِنا رَهطَ مَسعودٍ وَإِخوَتِهِ

عِندَ اللِقاءِ فَتُردي ثُمَّ تَعتَزِلُ

لَأَعرِفَنَّكَ إِن جَدَّ النَفيرُ بِنا

وَشُبَّتِ الحَربُ بِالطُوّافِ وَاِحتَمَلوا

تُلزِمُ أَرماحَ ذي الجَدَّينِ سَورَتَنا

عِندَ اللِقاءِ فَتُرديهِم وَتَعتَزِلُ

لا تَقعُدَنَّ وَقَد أَكَّلتَها حَطَبًا

تَعوذُ مِن شَرِّها يَومًا وَتَبتَهِلُ

سائِل بَني أَسَدٍ عَنّا فَقَد عَلِموا

أَن سَوفَ يَأتيكَ مِن أَنبائِنا شَكَلُ

وَاِسأَل قُشَيرًا وَعَبدَ اللَهِ كُلُّهُمُ

وَاِسأَل رَبيعَةَ عَنّا كَيفَ نَفتَعِلُ

إِنّا نُقاتِلُهُم ثُمَّتَ نَقتُلُهُم

عِندَ اللِقاءِ وَهُم جاروا وَهُم جَهِلوا

وما جعله الأعشى غرض القصيدة الرئيس ختم به، فما زال يفخر بقومه وقوِّتهم حتَّى نهاية القصيدة، فوصف حال قومه في ساحات القتال، فهمُ الفوارس الذين لا يهابون الموت، لا يخشون الطعان والقتال، حيث يقول في خاتمة معلَّقته:[٤]

لَئِن مُنيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعرَكَةٍ

لَم تُلفِنا مِن دِماءِ القَومِ نَنتَفِلُ

نَحنُ الفَوارِسُ يَومَ الحِنوِ ضاحِيَةً

جَنبي فُطَيمَةَ لا ميلٌ وَلا عُزُلُ

قالوا الرُكوبَ فَقُلنا تِلكَ عادَتُنا

أَو تَنزِلونَ فَإِنّا مَعشَرٌ نُزُلُ

شعر الأعشى

في ختام ما جاء من معلَّقة الأعشى، إنَّ الأعشى كان شاعرًا فحلًا غزيرَ الشعر، حتَّى أنَّ العرب لم تعرف من هو أغزر من الأعشى شعرًا، وقد صنَّفه بعض النقاد بأنَّه أشعر العرب في القديم، وقد قيل عن أشعر العرب: "امرؤ القيس إذا ركب، والنَّابغة إذا رهب، وزهير بن أبي سلمى إذا رغب، والأعشى إذا طرب"، ولإبراز ملامح شخصية الأعشى بشكل أوضح لا بدَّ من المرور على المزيد من شعر الأعشى، وفيما يأتي بعض قصائد الأعشى أيضًا:

  • يقول الأعشى في إحدى قصائده:[٥]

مِن دِيارٍ بِالهَضبِ هَضبِ القَليبِ

فاضَ ماءُ الشُؤونِ فَيضَ الغُروبِ

أَخلَفَتني بِهِ قُتَيلَةُ ميعا

دي وَكانَت لِلوَعدِ غَيرَ كَذوبِ

ظَبيَةٌ مِن ظِباءِ بَطنِ خُسافٍ

أُمُّ طِفلٍ بِالجَوِّ غَيرِ رَبيبِ
  • ويقول ميمون بن قيس أيضًا:[٦]

أَلَم تَنهَ نَفسَكَ عَمّا بِها

بَلى عادَها بَعضُ أَطرابِها

لِجارَتِنا إِذ رَأَت لِمَّتي

تَقولُ لَكَ الوَيلُ أَنّى بِها

فَإِن تَعهَديني وَلي لِمَّةٌ

فَإِنَّ الحَوادِثَ أَلوى بِها

وَقَبلَكِ ساعَيتُ في رَبرَبٍ

إِذا نامَ سامِرُ رُقّابِها
  • ومن شعر الأعشى:[٧]

أَصرَمتَ حَبلَكَ مِن لَميـ

ـسَ اليَومَ أَم طالَ اِجتِبابُه

وَلَقَد طَرَقتُ الحَيَّ بَعـ

ـدَ النَومِ تَنبَحُني كِلابُه

بِمُشَذَّبٍ كَالجِذعِ صا

كَ عَلى تَرائِبِهِ خِضابُه

المراجع

  1. ^ أ ب "المعلقات"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-08-2019. بتصرّف.
  2. "الأعشى"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-08-2019. بتصرّف.
  3. "الأعشى"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 07-08-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "معلقة الأعشى"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-08-2019. بتصرّف.
  5. "من ديار بالهضب هضب القليب"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-08-2019.
  6. "ألم تنه نفسك عما بها"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-08-2019.
  7. "أصرمت حبلك من لمي"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-08-2019.
6120 مشاهدة
للأعلى للسفل
×