محتويات
مفهوم القصة القصيرة جدا
عرَفَ تاريخ الأدب أجناسًا أدبيّة متعدّدة، ولكلٍّ منها خصائصُه ومميزاته التي تجعله فنًا قائمًا بحدّ ذاته ذا أسس وقواعد، ولا يمكن أن يكون لجنس أدبي الغلبة على الآخر؛ إذ إنّ كل جنس يؤدّي دوره في الأدب بالطريقة المناسبة، وإن كان هناك من الأجناس ما يحظى باستخدام أكثر من غيره، ولعل أكثر الأجناس الأدبية استخدامًا وشهرةً هو فنّ القصة، ومن المعروف أنّ القصة لها أنواعٌ متعددة، فمنها ما يكون قصصًا واقعيّة، ومنها ما يكون قصصًا خرافيّة، ومنها القصص الخيالية، ومنها مفهوم جديد وهو القصة القصيرة جدًا وهي نوع مستحدث في الأدب انتشر انتشارًا واسعًا حتى صار له شهرته ومكانته بين الأجناس الأدبية وواضح من تسميتها أنها أقصر من القصة القصيرة، إذ إنها قد لا تتجاوز السطر في أحداثها، وعلى صغر حجمها تتمتع بخصائص فنية ومميزات وشروط معيّنة لكتابتها.[١]
الخصائص الفنية لفن القصة القصيرة جدا
القصة القصيرة جدًا مثل أي جنس أدبي لها أركانها وعناصرها التي تُبنى عليها، وأركان القصة القصيرة جدًا هي القصصية، والحجم الصغير جدًا، والتكثيف في الأحداث، والحذف والإضمار، وحسن انتقاء الأوصاف، والصورة الومضة، وهي أركان مهمة جدًا لبناء القصة القصيرة جدًا، أما أبرز السمات الفنية للقصة القصيرة جدًا فهي:[٢]
- الكتابة التلغرافيّة: ويُقصد بها أن تكون أحداث القصة أشبه ببرقيّة أو رسالة خاطفة ومختصرة، ويكون طابعها التلميح لا التصريح، وفيها تُقدّم الأفكار والمفاهيم بأقصر قدر ممكن من الكتابة.
- التضمين: هو من السّمات الفنية المهمة للقصة القصيرة جدًا، ويعني أن يتولد من القصة القصيرة جدًا قصة أخرى ضمنها ومولدة عنها ومهمة هذه القصة المولّدة أن توضح وتفسر وتبين أحداث القصة وتشرحها وتفصّلها.
- استخدامات علامات الحذف: من المعروف أن في علامات الترقيم ما يدل على الحذف في سياق الكلام وهي النقاط الثلاث، وهذه العلامة من السمات الفنية للقصة القصيرة جدًا إذ إنها تساعد في تكثيف الأحداث، وتجعل القارئ في حال من التخييل وتأويل الأحداث، وقد يقوم بإعادة بناء النص من جديد.
- الميتاسردية: ويُقصد بها النص المتعالي وهو من السمات الفنية التي تميز القصة القصيرة جدًا، إذ إنها تصور عالم الكتابة السردية، وكيفية تفكير العمل القصصي في نفسه تفكيرًا متعاليًا نرجسيًا، وهو ما يسمى بالميتانص.
- سمة المفارقة: الجمع بين المتناقضات والأضداد في القصة القصيرة جدًا من السمات الفنية المهمة، وذلك لما لها من دور في كسر أفق التوقع لدى المتلقي، وقد يكون دورها إثارة إحساس القارئ بالناس والأشياء من حوله.
- سمة السخرية: أحد السمات الضرورية في القصة القصيرة جدًا أن تشتمل على السخرية والتهكم، والهجاء اللاذع والانتقاد بأسلوب فكاهي، ومحاولة رسم صورة كاريكاتورية أثناء سرد الأحداث.
رواد فن القصة القصيرة جدا
لكلّ فن من فنون الأدب بداية وخطوة أولى خطاها أحد الأدباء وتبعه بعد هذه الخطوة من أُعجبوا بهذا الفن، وكذلك الأمر في فن القصة القصيرة جدًا فهي لها روادها وأعلامها الذين اشتُهروا بها وكانوا سببًا لشهرتها في الوقت نفسه، ومن أبرز روادها القاص خالد حبيب الراوي، وهو من بدأ بهذا الفن في مجموعته القصصية المعروفة باسم "العيون"، ومن الرواد أيضًا موسى كريدي، وأحمد خلق، والشاعر والقاص الفلسطيني فاروق مواسي، والمشهور في سورية بهذا الفن زكريا تامر، وقد طُبعت له مجموعات قصصية من القصص القصيرة جدًا، وفي المغرب اشتهر حسن برطال وفاطمة بوزيان، ومازال هذا الفن ينتشر ويتسع ويزداد الاهتمام به، وهذا سيؤدي إلى زيادة رواد هذا الفن والمهتمين به.[٣]
القصة القصيرة جدا والأجناس الأدبية
إنّ حضور نوع أدبي جديد على ساحة الأجناس الأدبية ليس بالأمر البسيط أو الذي يمكن أن يحصل دون رفض أو انتقاد أو حتى محاربة، ومما يجدر ذكره أن القصة القصيرة جدًا تتوافق مع متطلبات العصر الحديث؛ عصر السرعة، فهي توصل الأحداث بسرعة وخفة وتكثيف دون الدخول في الأوصاف الكثيرة والتفاصيل التي تكون مملة لجيل عصر السرعة والتكنولوجيا، وفي الحديث عن القصة القصيرة جدًا والأجناس الأدبية لا بد من توضيح المفارقة بينها وبين الرواية وأبرز مثال على ذلك الروائي الشهير نجيب محفوظ والذي أبدى إعجابة بالقصة القصيرة جدًا، وعقد العزم على أن يكتب هذا الجنس الأدبي، فهو يراها غير متعبة لا للقارئ ولا للكاتب، أما بالنظر إلى الفرق بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدًا فسيكون الفرق في التكثيف واختزال الأحداث ومركزية الحدث في القصة القصيرة جدًا، إضافة إلى ابتعادها عن الإطالة والوصف الموجدَين في القصة القصيرة، ومن خلال هذه المقارانات تتضح الأهمية التي تتحلى بها القصة القصيرة جدًا، ويمكن اعتبارها تحديًا كبيرًا لاكتشاف مهارة الكاتب الحقيقي وقدرته على الاختزال والتكثيف والتلميح والتصوير الومضي، وإيصال المطلوب مع كل هذه التقنيات الإبداعية التي تميز القصة القصيرة جدًا.[٤]
موقف النقد من القصة القصيرة جدا
عندما ظهرت القصة القصيرة جدًا ظهر معها بالضرورة مواقف متعددة للنقاد، فهناك من وقف وقفة مؤيّدة وموافقة على أن القصة القصيرة جدًا جنس أدبي حديث وله مميزاته ومن هؤلاء النقاد حميد لحمداني وجميل حمداوي، وفريق معارض رافض لوجود القصة القصيرة جدا وهذا الفريق يرى أنها لا تستحق القراءة لخفّتها وقصرها وبُعدها عن النمط المألوف من السرد الطويل المسهب مثل الروائيين أحمد بوزفور وعلي صديقي، وفريق وقف في الوسط دون أن يبين إذا كان هو مع هذا الجنس الجديد أم ضده.[٤]
نماذج على فن القصة القصيرة جدا
ختامًا، وبعد أن تبينت خصائص القصة القصيرة جدًا وأبرز أعلامها، واتضحت آراء النقاد حول هذا النوع الأدبي، لا يبقى إلا أن تُعرض بعض النماذج من القصة القصيرة جدًا، ومنها:
- قصة احتقان لهيفاء السنعوسي: "شعر باحتقان في حنجرته، بدأ يسعل، شرب كوبًا من شاي الزنجبيل حتى يخف الاحتقان، اكتشف أنه لم يكتب قصيدة منذ تسع سنوات!"[٢]
- قصة تأكيد التضحية لناسي مورو: "رأت تيري أمامها السيارة واقفة وحدها وشعرت بوخز أليم لما تذكرت وصية مرشدها في الإسعافات الأولية: عند رؤية حادث عليك بالتوقف وإبداء المساعدة"[٥]
- قصة انتفاضة أنثوية لهيفاء السنعوسي: "حزمت أمتعتي، وغادرت المنزل، لا أفكر في العودة أبدًا، فقد سئمت ارتداء الثوب الباهت الذي أطفأ أنوثتي، كرهت المشاعر الصامتة، لقد وجدت طريقًا آخر في مكان آخر"[٢]
المراجع
- ↑ "القصة القصيرة جدا"، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-08. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "مكونات القصة القصيرة جدا وسماتها عند الأديبة الكويتية هيفاء السنعوسي"، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-08. بتصرّف.
- ↑ "أهمكتاب القصة القصيرة جدا"، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-08. بتصرّف.
- ^ أ ب "القصة القصيرة جدا أي ماض وأي حاضر وأي مستقبل"، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-08. بتصرّف.
- ↑ ناسي مورو، أهم كتاب القصة القصيرة جدًا، صفحة 20.