حادثة التحكيم
بعد أن حدثت الفتنة العظيمة بين الصحابة الكرام عقب استشهاد أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، وبعد افتراق الصحابة فرقتين: واحدة بقيادة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، والأخرى بقيادة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- حدثت موقعة صِفّين، وفي هذه المعركة كان التّحكيم؛ وهو رضا أمير المؤمنين علي بأن يبعث حكمًا من عنده وحكمًا من عند معاوية بن أبي سفيان ليتّفقا على صيغة نهائيّة تُنهي هذه الحرب، وقد وافق عليّ -رضي الله عنه- بالتحكيم مُكرهًا لا مُرغَمًا، وبعد قبوله التّحكيم ظهرت جماعة اصطلح العلماء على تسميتهم باسم الخوارج؛ لأنّهم خرجوا على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وطالبوا بقتاله، ومنهم الفرقة الإباضيّة التي ظهر منها المذهب الإباضي.[١]
الخوارج
الخوارج عند أهل العلم هم فرقة شقّت عصا الطّاعة وفارقت جماعة المسلمين بعد يوم التحكيم في معركة صفّين في عهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ويرى الإمام أبو الحسن الأشعري -رضي الله عنه- أنّ الخوارج أخذوا اسمهم من هذا الموقف؛ أيّ الخروج عن طاعة أمير المؤمنين، وعُرِفوا بألقاب كثيرة منها الحروريّة والمارقة -لأنّهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية- والمُحكّمة وغيرها، ولكنّهم لا يقبلون بلقب المارقة؛ فهم يرون أنفسهم على صواب، ويرجع زمنهم إلى أوّل خارجي اعترض على قسمة النبي محمّد -صلى الله عليه وسلم- للغنائم التي أرسلها عليّ بن أبي طالب من اليمن، فقال للنبي عليه الصلاة والسلام: اتّقِ الله، أيّ في القسمة، فقام الصحابة ليضربوا عنقه ولكنّه -صلى الله عليه وسلم- نهاهم، وقال: "لَعَلَّهُ أنْ يَكونَ يُصَلِّي، فَقالَ خَالِدٌ: وكَمْ مِن مُصَلٍّ يقولُ بلِسَانِهِ ما ليسَ في قَلْبِهِ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أنْقُبَ عن قُلُوبِ النَّاسِ ولَا أشُقَّ بُطُونَهُمْ، قالَ: ثُمَّ نَظَرَ إلَيْهِ وهو مُقَفٍّ، فَقالَ: إنَّه يَخْرُجُ مِن ضِئْضِئِ هذا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، وأَظُنُّهُ قالَ: "لَئِنْ أدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ"،[٢] فهذا الرجل -عمليًّا- هو أوّل خارجيّ، واسمه ذو الخويصرة التميمي، وهو يتشابه مع الخوارج في أنّه رضي برأي نفسه ولم يلتفت لرأي جماعة الإسلام، وكذا الخوارج الذين حاربوا المسلمين قرونًا طويلة منذ عهد الخلفاء الراشدين وحتى أيّام الخلافة العباسيّة، ولكنّهم لم يكونوا جميعًا متساوين في نظرتهم للمسلمين، فمعظم الخوارج كانت لهم عقيدة شبه جماعيّة، ومن أبرز معتقداتهم:[٣]
- تكفير مرتكب الكبيرة.
- تكفير عموم المسلمين الذين لا يتبعون دعوتهم، وهذا عند الأزارقة وهم من غُلاة الخوارج.
- كانت فرقة منهم ترى أنّ المسلمين إذا استطاعوا أن يتناصفوا فيما بينهم فلا حاجة لوجود الإمام، فإقامة الإمام عندهم ليست واجبة في الشريعة الإسلامية.
- لا يرون أنّ الخلافة تنحصر في قوم بعينهم، كالعرب مثلًا، بل أيّ مسلم صالح للإمامة يستطيع أن يحكم المسلمين إن هم رضوا به.
- الثورة على الإمام الجائر.
- تكفير علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما.
ولكن ليست كلّ فرق الخوارج على نفس السويّة من الغلوّ وتكفير المسلمين واستباحة دمائهم، فمنهم من اتّصف بالاعتدال وكان -في بعض أفكاره- قريبًا من أهل السنة والجماعة كالفرقة الإباضيّة التي انبثق عنها المذهب الإباضي.[٣]
المذهب الإباضي
إنّ المذهب الإباضي تعود جذوره إلى نشأة الإباضيّة على يد عبد الله بن إباض الذي كان على زمن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، ويشير علماء السنّة أنّ نسبتهم إلى جابر بن زيد خطأ؛ إذ قد تبرّأ جابر بن زيد منهم في زمانه، وهم -مع أنّهم فرقة من فرق الخوارج- لا يتّفقون مع الخوارج في كلّ شيء؛ فهم وإن اتّفقوا معهم في إسقاط خلافة عثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأيضًا في بعض الأمور كعدم اشتراط أن يكون الخليفة عربي، فهم يرون أنفسهم امتدادًا لمذاهب أهل السنة الأربعة الشافعي والحنفي والحنبلي والمالكي، وذلك بسبب تكفيرهم هم أنفسهم -أهل المذهب الإباضي- لفرق الخوارج الأخرى؛ كالأزارقة والحرورية وغيرهم؛ إذ هم -الإباضيون- لا يرون تكفير المسلمين المخالفين لهم، ولا يخرجون على الحاكم الظالم؛ حقنًا لدماء المسلمين، ولذلك -ربّما- كُتِبَ لهم أن يستمرّوا في حكمهم إلى اليوم في بعض دول إفريقيا وفي عُمان وغير ذلك، فهم أبعد فرق الخوارج عن الشطط والغلو والتكفير، ولهم منهج واضح وكتب في الفقه والعقيدة غير باقي أسلافهم ممن سبقوهم، وكذلك يطلقون على أنفسهم لقب أهل الحق والاستقامة بدلًا من الخوارج، وهذا أبرز ما يمكن أن يُقال حول الإباضية والمذهب الإباضي، والله أعلم.[٤]
المراجع
- ↑ "المبحث الثاني: قضية التحكيم"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-01-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 4351، حديث صحيح.
- ^ أ ب "الخوارج"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "مذهب سلطنة عمان: مدخل للتعرف على المذهب الإباضي"، www.ida2at.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-01-2020. بتصرّف.