معلومات عن علم تخريج الحديث

كتابة:
معلومات عن علم تخريج الحديث

علم تخريج الحديث

إنّ علم تخريج الحديث هو أحد العلوم التي نشأت نتيجة العناية التي تلقّاها الحديث النبوي الشريف من العلماء والمحقّقين على مرّ العصور، والتخريج في اللغة من الخروج وهو ضد الدخول، وللتخريج في الاصطلاح أكثر من تعريف ودلالة؛ فعند الأقدمين يُراد بالتخريج ما ينتقيه الراوي لنفسه من الأحاديث التي سمعها من شيوخه، [١] وقد عرّفه الإمام السخاوي فقال: "التخريج: إخراج المحدّث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها وسياقها من مرويات نفسه، أو بعض شيوخه أو أقرانه، أو نحو ذلك، والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين مع بيان البدل والموافقة ونحوهما، وقد يُتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج والتصنيف والعزو وجعل كل صنف على حده"، كما عرّفه المعاصرون بتعاريف قريبة من تعريف السخاوي إلّا أنّهم لم يشترطوا أن يكون الراوي هو نفسه من يقوم بعزو الأحاديث وتخريجها كما أضاف بعضهم أنّ بيان درجة الحديث ممّا يتضمنّه مصطلح التخريج، وسيّتحدث هذا المقال عن علم تخريج الحديث.[٢]

نشأة علم التخريج وتطوره

إنّ ظهور علم التخريج لم يكن متزامنًا مع بداية التصنيف والتأليف في العلوم الشرعية كالتفسير والفقه والحديث، والسبب في ذلك أنّ العلماء في القرون الأولى كانوا يتمتعوّن بحافظة قوية وسعة اطلاع؛ حيث كانوا يعلمون مواضع الأحاديث في كتبها ومصادرها الأصلية ويعرفون الأسانيد ويميّزون الحديث الضعيف من الصحيح وإن لم يُذكر هذا صراحةً في الكتاب المصنّف، وهذا الكلام ينطبق على علماء القرون الخمسة الأولى، ولكنّ الحفظ قد قلَّ والعلوم قد تشعبّت ولم تعد المعرفة بكتب السنّة الأساسية كما هي، فوجد الناس صعوبة في معرفة مواضع الأحاديث التي وضعها المصنّفون في مؤلفاتهم في علوم الشريعة كالتفسير والفقه والسيَر والتاريخ، فنهضت ثلّة من العلماء الأجلّاء الذين عملوا على بيان مواضع هذه الأحاديث في المصادر الأصلية والكتب المؤلفة في الحديث أمثال الصحاح والسنن والمسانيد وغير ذلك من كتب الحديث، وبيّنوا درجة كل حديث من الصحة والضعف وتكلّموا عن المتون والأسانيد بحسب القواعد الموضوعة في هذا العلم.[٣]

قدّم هؤلاء العلماء خدمة جليلة للحديث النبوي الشريف وأعانوا طلبة العلم والباحثين في الحديث والفقه وسائر العلوم، فقد ظهر ما يُسمّى بكتب التخريج وهي الكتب التي وضعها المصنّفون لبيان مواضع الأحاديث الموجودة في كتاب فقه أو تفسير على سبيل المثال، وقد تتابع التأليف في هذا الفن حتى شاعت كتب التخريج وكثرت وأصبحت بالعشرات، وخصوصًا في القرنين الثمن والتاسع،[٣] ومن أوائل العلماء الذين اعتنوا بعلم التخريج الإمام البيهقي صاحب السنن والخطيب البغدادي وغيرهما،[٤] وبذلك أصبح علم التخريج علمًا مستقلًا حاله حال العلوم الأخرى كعلم المصطلح والرجال وباتت له قواعد وشروط وفيه كتب مستقلة ولم يعد مبثوثًا في كتب علوم الحديث والنقد والشروحات.[٥]

طرق تخريج الحديث

يهدف علم التخريج إلى معرفة موضع الحديث في المصادر الأصلية؛ وهي الكتب التي صنّفها المحدّثون بالأسانيد المتصلة أي وضعوا لكل حديث سنده كاملًا من الراوي نفس وصولًا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّ هذه المعرفة لا تتم بطريقة واحدة بل لها عدّة طُرق ويكون المعوّل عليه بالنسبة لكل طريقة هو علم الباحث وفهمه لآلية التصنيف في الحديث النبوي، وفيما يأتي بيان لطرق تخريج الحديث:[٤]

معرفة الصحابي

وضع المحدّثون كتب في الحديث ورتبّوها على أسماء الصحابة ويُسمّى هذا النوع من الكتب بالمسانيد أمثال مسند الحُميدي ومسند البزّار ومسند الطيالسي ومسند الإمام أحمد وهو أهم وأشهر كتب المسانيد، كما أنّ الكتب الحديثية المسمّاة بالمعاجم قد تكون فيها الأحايث مرتبّة على أسماء الصحابة كالمعجم الكبير للطبراني، فعندما يعرف الباحث اسم الصحابي يعود إلى أحاديثه في هذه الكتب ويبحث عن الحديث المراد تخريجه.[٤]

معرفة أول لفظ من الحديث

يُطلق العلماء على أول لفظة من ألفاظ الحديث مصطلح "طرف الحديث" فعند معرفة طرف الحديث يُراجع الباحث المؤلفات المصنّفة في الأطراف، كالفهارس العلمية الموضوعة في هذا المجال مثل "موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف"، والكتب المؤلفة في بيان الأحاديث المشهورة بين الناس كالمقاصد الحسنة للإمام السخاوي، والمصنفات المرتبة على الأطراف مثل كتاب كشف الخفاء للعجلوني.[٤]

معرفة لفظ من ألفاظ الحديث

من أهم الكتب التي يُرجع إليها عند معرفة لفظ من ألفاظ الحديث كتاب "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي" فهو أحد المصنفات المهمّة التي تقوم بإرشاد الباحث إلى موضع الحديث في الكتب التسعة مع ذكر عنوان الباب ورقم الكتاب والصفحة، كما يُرجع أيضًا إلى كتاب مفتاح كنوز السنة.[٤]

معرفة موضوع الحديث

إنّ تخريج الحديث بناءً على معرفة موضوعه يتطلب أن يكون الباحث صاحب خبرة واطلاع واسع على الكتب الحديثية وقدرة على استنباط الموضوع الرئيس للحديث ومن ثمّ يرجع إلى الأبواب التي تتحدّث عن موضوع الحديث المراد تخريجه من المصادر الأصلية في كتب التخريج مثل كتاب نصب الراية وإرواء الغليل وغير ذلك من كتب التخريج.[٤]

أشهر كتب التخاريج

إنّ كتب التخاريج كثيرة جدًا ومنها ما استوفى جميع الشروط والقواعد المقررة في هذا العلم فخرجت بأكمل صورة وأتم بنيان وأصبحت مصدرًا عظيمًا لمعرفة مواضع الأحاديث ودرجاتها التي لا يذكر المصنفون عند إيرادها هذه التفاصيل، وفيما يأتي جملة من أشهر كتب التخاريج:[٦]

  • نصب الراية لأحاديث الهداية: خرّج الإمام الزيلعي في هذا الكتاب أحاديث كتاب الهداية للمرغيناني.
  • المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار: خرّج الحافظ العراقي في هذا الكتاب أحاديث إحياء علوم الدين للغزالي.
  • التخليص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: خرّج الإمام ابن حجر في هذا الكتاب أحاديث الشرح الكبير للرافعي.
  • تحفة المحتاج إلى أحاديث المنهاج: خرّج الإمام ابن الملقّن في هذا الكتاب أحاديث منهاج الأصول للبيضاوي.
  • هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة: خرّج الحافظ ابن حجر في هذا الكتاب أحاديث كتاب المصابيح للبغوي والمشكاة للتبريزي.

أهمية التخريج وفوائده

إنّ لعلم التخريج أهمية كبرى وفائدة عظيمة فمن خلال هذا العلم تمّ الحفاظ على الأحاديث النبوية الموجودة في الكتب دون ذكر لأسانيدها ومصادرها وبيان مواضع هذه الأحاديث ممّا ساعد طلاب العلم ومتحرّي الصحة والصواب فقد يُذكر حديث ضعيف للدلالة على حكم فقهي فتأتي كتب التخريج لتبيّن درجة هذا الحديث المستشهد به، وبهذا يكون للتخريج دور مهم في الحفاظ على السنّة المطهرّة وتثبيتها، فعزو الحديث إلى مصدره الأصلي يزيد من موثوقيته خصوصًا مع انتشار الكثير من الأقوال والحكم التي قد يظنها البعض حديثًا نبويًا، كما أنّ التخريج قد وفّر على الباحثين جهدًا كبيرًا من خلال بيان أيسر الطرق للوصول إلى الحديث في مصدره الأصلي من الكتب الحديثية ذات العدد الهائل، وللتخريج فائدة جليلة في تدريب الباحثين على الوصول إلى الحديث بأنفسهم دون الحاجة للسؤال ووفرّت عليهم وقت انتظار الإجابة، كما أنّه منح عموم الناس القدرة على البحث والتفتيش والاطلاع ممّا يزيد في الفهم والعلم لدى عموم الأمة، فالتخريج من أدق العلوم التي حقّقت التراث ووثقّت النصوص وقد جُنيت ثمار تطبيق قواعده على مرّ العصور.[٧]

المراجع

  1. "كتاب الميسر في علم تخريج الحديث النبوي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
  2. "كتاب الميسر في علم تخريج الحديث النبوي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "قصة السنة"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح "التخريج"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
  5. "مفهوم التخريج وأنواعه"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
  6. "كتب التخريج"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
  7. "نشأة علم التخريج وأطواره"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
8013 مشاهدة
للأعلى للسفل
×