معنى آية أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، بالشرح التفصيلي

سورة الفرقان

الفرقان اسمٌ من أسماء القرآن، وسميّت به إحدى سوره، وتعدّ سورة الفرقان من السّور كثيرةِ التكرار عند المسلمين في صلواتهم؛ فهي من السّورالمثاني، توجد في الجزء التّاسع عشر، ونزلت بعد سورة يس، وهيسورةٌ مكيّةٌ ما عدا 68-70 إذ هي آياتٌ مدنيّة، عدد آياتها 77 آية، تبدأ آياتها ببدايةٍ عظيمةٍ فيها ثناءٌ على الله تعالى، بدأت بقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}،[١] نزلت الآية 27 من سورة الفرقان تتحدّث عن ظالمٍ وهو: عقبة بن أبي مُعيط؛ حيث ارتدّ عن الإسلام بعد إسلامه بمدّةٍ وأقدم على أفعالٍ مشينةٍ مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بطلبٍ من صديقه، فنزلت به الآية 27، أمّا في سبب نزول الآية 68 فقد ورد عن الرسول: "سألت النبي أيّ الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، قلت ثم أيّ؟ قال: أن تقتل ولدك مخافةَ أن يأكلَ معَكَ، قالَ: قلتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: أن تُزانيَ حليلةَ جارِكَ".[٢][٣]


معنى آية: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، بالشرح التفصيلي

تعدّ سور القرآن الكريم بشكلٍ عامّ وسورة الفرقان بشكلٍ خاصّ من السّور الغنية بآياتها العظيمة والجليلة، والتي تحمل العديد من المعاني والعظات؛ فمنها ما يتحدّث عن حزن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما تعرّض له منكفّار قريش، كما تتحدّث عن وجوب عدم الاكتراث إلى كل ما يقوله النّاس ويتفوهون به، ومن بين تلك الآيات قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}،[٤] وسيرد فيما يأتي شرحها بشكلٍ تفصيليّ:

  • يجزوْن أي: يثابون لما قدّموا من طاعات، والغرفة: هي الدرجة العالية في الجنّة، وقال عطاء: "يريد الله غرف الدرّ والزبرجد والياقوت في الجنة"، وذلك كلّه نتيجة حتميةً ومنطقيةً لصبر المؤمنين على أداء طاعات الله والتزام أوامره، وتجنّب ما نهى عنه، وجزاءً لهم أيضًا على صبرهم على ما تعرّضوا له من أذىً من المشركين والكفار، فللصبر أجرٌ كبيرٌ عند الله تعالى ومنزلةٌ لا تضاهيها منزلة، وذلك ما أرادت الآية تأكيده، كما أكّد الله تعالى ذلك في العديد من آياته في كتابه الكريم.[٥]
  • ومن بين التّفاسير أنّ أولئك هي خبرٌ للمبتدأ:عباد الرحمن الواردة في الآيات السّابقة، وقد فصل ما بين المبتدأ وخبره صفات عباد الرحمن: التواضع والحلم، والتهجّد، والخوف، وترك الإسراف والتقتير، والنزاهة عن الشرك والزنى والقتل، والتوبة وتجنب الكذب، والعفو عن المسيء، وقبول المواعظ، والابتهال إلى الله، وكلّ تلك الصفات جعلتهم يُلقّبون بعباد الرحمن؛ لجمال ما يتمتّعون به من صفات، فكان ثوابهم هو: أعلى منزلةٍ في الجنّة؛ وذلك لصبرهم على الفقر والشهوات وأداء الطّاعات.[٦]
  • وفي تفصيل موضوع الصبر الوارد في الآية، فقد قيل إنّ للصبر ثلاثة أنواعٍ عمومًا: أوّل تلك الأنواع: الصبر على طاعة الله: كمثل أداء العبادات على أكمل وجهٍ مهما واجه الإنسان من صعوبات، كالصّلاة في ليالي الشتاء الباردة والوضوء في الماء البارد، وثاني تلك الأنواع: الصبر عن معصية الله: وذلك يكون في محاولة منع النفس عمّا حرّمه الله تعالى عليها وأمرها باجتناب الوقوع فيه، كالنّظر إلى النّساء، وأمّا ثالث تلك الأنواع: فهو الصبر على أقدار الله تعالى: أيّ أن يصبر المؤمن على ما قد يواجهه من مصائب ومصاعب، وأن يحتسب أجر صبره عنده سبحانه، ويشكره ويحمده في السرّاء والضرّاء وأن يرضى بقدره خيرًا كان أم شرًّا؛ فإن أمر المؤمن كله له خير.[٧]


معاني المفردات في آية: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا

بعد القيام بشرحٍ تفصيليٍّ للآية الكريمة، لا بدّ من الوقوف على غالبيّة معاني الكلمات الواردة فيها، وذلك بحسب ورودها في المعاجم اللغوية وبمعانيها السياقيّة المختلفة؛ وذلك بغية معرفة معانيها اللغوية عمومًا، وليس فقط في سياق الآية هنا، ومعاني الكلمات يمكن إجماله كالآتي:

  • يجزون: الفعل: جزى: مضارعه: يَجزي، وأمره: اجْزِ، ومصدره: جزاءً، وقيل في معناه: جَزَاهُ حَقَّهُ: قَضَاهُ، وجَزَى العَمَل: كَفَى وأَغْنَى، جَزَى فلاناً بكذا وعليه: كافأَهُ، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}،[٨] جزى صديقه عنه الدّيْن: كفاه وقضاه عنه، وجزية: اسمٌ مفردٌ وجمعها: جِزْيٌ وجِزًى وجِزَاءٌ: والجِزْيَةُ: خراج الأرض، ويُقال: هَذَا جَزَاءُ مَا فَعَلَتْ يَدَاهُ: عِقَابُهُ، وفي المقابل: نَالَ جَزَاءَ اجْتِهَادِهِ وَإِخْلاَصِهِ: الْمُكَافَأَةُ، الثَّوَابُ، ووردَ أيضًا: جزاءٌ نقديّ: عقوبةٌ ماليّة، وقانونٌ جزائيّ: قانون العقوبات، وفي مجال الرياضة يُقال: ضَرْبَةُ جَزَاءٍ: عِقَابٌ فِي كُرَةِ القَدَمِ أَوْ غَيْرِهَا ضِدَّ الفَرِيقِ الَّذِي ارْتَكَبَ أَحَدُ لاَعِبِيهِ خَطَأً مُتَعَمَّدًا وعَنِيفًا، وَيَتِمُّ بِقَذْفِ الكُرَةِ مُبَاشَرَةً إِلَى حَارِسِ الْمَرْمَى مِنْ نُقْطَةٍ دَاخِلَ الْمُرَبَّعِ.[٩]
  • الغرفة: فعلها: غَرَفَ: غرَفَ يَغرِف، غَرْفًا، فهو غارفٌ والجمع: غُرَّفٌ وهي غارفةٌ والجمع: غَوارفُ، والمفعول: مَغْروف، ويُقال: غرَف الماءَ ونحوَه :أخذه بيده أو بمِغْرفة، ويُقال: غَرَفَ الشَّيْءَ: قَطَعَهُ أَوْ ثَنَاهُ، غَرَفَ النَّاصِيَةَ: جَزَّهَا، غَرَفَ الْجِلْدَ: دَبَغَهُ بِالغَرْفِ، وغُرَف: جمع غُرفة، والغَرْفُ: شجرةٌ صغيرةٌ تنبت في جزيرة العرب ومصر والهند وإِفريقية، أَوراقها رمحية أو مستطيلة، والثمرة لحميَّة برتقالية اللون، ترتفع إلى ما قرابة ثلاثة أَمتار.[١٠]
  • صبروا: صبْرٌ: مصدر الفعل: صَبَرَ، ويُقال: يَتَحَلَّى بِالصَّبْرِ: يَتَحَلَّى بِالْجَلَدِ، أَيْ لاَ يُظْهِرُ شَكْوىً مِنْ أَلَمٍ أَوْ بَلْوىً، الصَّبْرُ: التجلُّد وحسن الاحتمال، وشهر الصّبر: كناية عن شهر رمضان وهو شهر الصيام، والصَّبْرُ عن المحبوب: حَبْسُ النفس عنه، والصَّبْرُ على المكروه: احتماله من دون جزع، ويُقال: عِيل صَبْري: نفَد، فروغ الصَّبْر: الجزع وعدم الاحتمال، قتله صَبْرًا: حبسه حتَّى مات، الصَّبْرُ: نبات الصبّار، نباتٌ ينتمي إلى الفصيلة الصباريّة، معظم أنواع الصبار تعيش في الظروف والبيئات الصحراويّة؛ لهذا يضرب المثل بهذه النباتات في تحمل العطش والجفاف الذي قد يمتد لسنواتٍ طويلة، وينتج بعضه ثمارًا مثل التين الشوكيّ، وتنمو أزهارٌ لبعض أنواعه، ويُقال أيضًا: صَبْر أيُّوب: كنايةٌ عن شدّة الاحتمال.[١١]


إعراب آية: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا

هل لمفردات هذه الآية إعراب في اللغة العربية؟ بعد الانتهاء من شرح الآية والمفردات التي تضمنتها في طياتها، لا بدّ من الوقوف على إعراب الآية إعرابَ مفرداتٍ وجمل، وقد ورد في إعرابها: أنّ أولئك خبر للمبتدأ عباد الرحمن.[١٢]

كما ورد في إعرابها في موضعٍ آخر وبشكلٍ تفصيليّ: أولئك: اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ، وجملة: "يجزون الغرفة": جملة فعلية في محل رفع خبر "أولئك"، يُجزون: فعل مضارع مبنيّ للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير رفعٍ متّصل في محل رفع نائب فاعل، الغرفة: مفعول به ثانٍ للفعل "يُجزون" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، بما: الباء حرف جرّ، ما: حرفٌ مصدريّ، صبروا: فعل ماض مبنيٌّ على الضمّ لاتّصاله بواو الجماعة، والواو ضميرٌ متّصلٌ في محلّ رفع فاعل، والمصدر المؤوّل "بما صبروا": في محل جرّ بحرف الجر "الباء"، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل: "يجزون"، وبذلك يكون قد تمّ إعراب الآية.[١٣]


الثمرات المستفادة من آية: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا

ما هي الثمرات المستفادة من هذه الآية؟ ما من سورةٍ من سور القرآن الكريم إلا وتحملُ بين دفّتيها من العبر والعظات الكثير الزاخر، ومن الدروس كذلك ما يفيد الإنسان في حياته اليوميّة بشكلٍ كبير ويعينه على الاستمرار في مدافعة مكارهها، ومن بين تلك السّور سورة الفرقان التي هي محور المقال، ولا سيما آية: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}،[١٤] ففيها من العبر والثمرات أكثر من أن يحدّه وصف، أبرزها:[٧]

  • ما من عملٍ يقوم به الإنسان في حياته الدنيا إلّا وله في الآخرة ثوابٌ أو عقاب، فكلٌ يُجزى بحسب عمله؛ فالمؤمنون الصّابرون لهم أجرٌ كبيرٌ عند الله تعالى، ولهم درجاتٌ عالية يوم القيامة، وأماكن مُخصّصة لهم ليست لسواهم؛ وكل ذلك نتيجةً لأفعالهم الطّيبة في الحياة الدّنيا.
  • للصبر أنواعٌ كثيرة وعديدة، لا بدّ من التّحلي بها جميعها حتى يعدّ الإنسان من الصابرين الضارعين لربهم، فلا بدّ من أداء الطاعات بكلّ صبرٍ ورويّة، ولا بدّ من تجنّب ما حرّم الله سبحانه، وكذا الصبر على الشهوات وتجنّب الوقوع في ما تؤدي إليه من فواحش، ولا بدّ من الصبر على أذيّة الناس أيضًا، وعلى مصائب الّدنيا وشدائدها من فقرٍ ومصاعب وعقباتٍ قد تعترض طريق أي إنسانٍ يعيش فيها، وينبغي له كذلك أن يقابل نعم الله ونقمه بالشكر والحمد والرضا على ما قسمه الله تعالى له في الحياة.
  • الصبر بأنواعه هو صفةٌ من صفات عباد الرحمن؛ فعلى المؤمن التّحلي بها ليكون بمرتبتهم ومنزلتهم الرفيعة في الآخرة، وينال ما سينالون من نعيم الآخرة، وقد بيّن ذلك الله تعالى في الكثير من آياته ومن بينها: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.[١٥]

المراجع

  1. سورة الفرقان، آية:1
  2. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2310، صحيح.
  3. "سورة الفرقان"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  4. سورة الفرقان، آية:75
  5. " تفسير البغوي سورة الفرقان تفسير قوله تعالى " أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  6. "سورة الفرقان آية 75"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  7. ^ أ ب "كتاب اللقاء الشهري [ابن عثيمين"]، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  8. سورة الأنعام، آية:84
  9. "تعريف و معنى جزى في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى الغرفة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى الصبر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  12. " إعراب القرآن للنحاس شرح إعراب سورة الفرقان قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  13. "إعراب آيات سورة الفرقان"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  14. سورة الفرقان، آية:75
  15. سورة الزمر، آية:10
2678 مشاهدة
للأعلى للسفل
×