معنى آية إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون

كتابة:
معنى آية إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون

سورة يس

سورة يس من السّور المكيّة باستثناء آية واحدة مدنية وهي الآية 45، وهي السّورة الواقعة في الجزء الثالث والعشرين ونزلت بعد سورة الجنّ، وبدأت السورة بالأحرف المقطّعة لحكمة لا يعلمها إلاّ الله،[١] ومن الجدير بالذّكر أنّ سورة يس عالجت العديد من الأمور المتعلقة بالفرد والمجتمع، ومن هذه الأمور: الحديث عن مكانة القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة وأنّ الرّسول -عليه السّلام- بعثه الله للنّاس كافّة للتّبليغ والهداية، حيث جاءت فيها قصّة أصحاب القرية الذين جاءهم المرسلون، كما أنّها تحدّثت عن بعض مراحل اليوم الآخر؛ كإحياء الموتى والبعث والحساب، كما أنّها تحدّثت عن ترسيخ العقيدة الإسلاميّة وبيان جزاء المؤمنين والمُكذّبين، بالإضافة إلى الآيات التي تحدّثت عن التّدبُّر في خلق الله وقدرته وعطاياه ونعمه وعظمة قدرته، والدّليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}،[٢] وفي هذا المقال سيتم شرح هذه الآية الكريمة شرحًا دقيقًا من حيث بيان معاني المفردات والإعراب والثّمرات.[٣]


معنى آية: إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون

هنالك العديد من الآيات التي تدلّ على قدرة الله تعالى في خلقه للإنسان والكون كالآيات التي تضمّنت موضوع التّوحيد، ولا سيّما توحيد الألوهيّة، ومن المعلوم أنّ هذا النّوع من التّوحيد متعلّق بأفعال الله تعالى وكمال قدرته، ومن الآيات الدّالّة على ذلك، قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}،[٤] وقبل الشّروع في الحديث عن تفسير الآية لا بُدّ من التنويه إلى أنّ كلام الله تعالى واحد وهذا متفقُ عليه بين العلماء، كما أنّ صفاته تعالى لا تشبه صفات أحد، فعلى سبيل المثال: الله تعالى يتكلّم ولكن ليس ككلام البشر بالحرف والصّوت؛ لأنّ كلام البشر مخلوق والله تعالى لا يُتّصف بحادث، ويؤيّد ذلك قول أبي حنيفة: "نَحنُ نَتكلَّمُ بالآلاتِ والحروفِ واللهُ يَتَكلَّمُ بلا ءالةٍ ولا حَرفٍ"، ممّا يعني أنّ قدرته تعالى يتفرّد بها، ويترتّب على ذلك تفسير العلماء لقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، حيث ذهب بعضهم إلى أنّ المقصود هنا قدرة السّرعة العالية في الإيجاد والتّكوين؛ لأنّ الإرادة والقدرة تتعلّق به وحده دون تعذّر أو تباطؤ فهو وحده مالك الكوْن ومصرّفه، وذهب آخرون إلى أنّ المقصود بهذه الآية هو: الحكم الأزلي الذي يُقدّره الله بكلامه الذي لم يكن حرفًا وصوتًا وإنّما بصفة لا يعلمها إلّا هو، حيث يجعل الأمر الذي قدّره يحدث بالوقت الذي يشاؤه بعلمه المسبق.[٥]


ورد في بعض التّفاسير أنّ المقصود في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، هو عدم تكرار الأمر، أيْ عندما يأمر بشيء كتبه يكون هذا الأمر لمرّة واحدة فقط، ويؤيّد ذلك قول الرّسول -عليه السّلام- فيما يرويه عن ربه: "أنِّي جَوادٌ ماجدٌ واجدٌ، أفعَلُ ما أشاءُ، عَطائي كلامٌ، وعَذابي كلامٌ، إذا أرَدْتُ شيئًا فإنَّما أقولُ له: كُنْ، فيكونُ"،[٦][٧] وورد في تفسير الطّنطاوي أنّ المقصود بهذه الآية هو: التّأكيد على شمول قدرة الله تعالى، فبقدرته وحده إذا أراد إحداث الشيء المكتوب مسبقًا سيكون في الوقت الذي أمر به، وأوردَ القرطبي في تفسيره أنّ مفهوم الآية يشتمل على خلق الشيء الذي لا يحتاج إلى تعب ومشقّة كما أنّه لا يحتاج إلى معالجة،[٨] والخلاصة في تأويل هذه الآية الكريمة هي: أنّ الله تعالى ليس كمثله شيء، فمحال أن يتعاظم أحد على قدرته، فالله إذا أراد أمرًا سيكون في الحال بدون تراجع أو تأخّر، ويجب التنبّه إلى أمريْن بخصوص لفظ النّكرة "شيئًا" فهذا اللّفظ يدلّ على معدوم، ووروده في هذه الآية دلالة على أنّ الله وحده يعلم بوجود هذا الشيء أيًّا كان قبل خلقه وإحداثه، وأمّا بالنّسبة للأمر الثّاني: وهو ورود الأمر "كُنْ" وهذا الفعل لا يدلّ على أمر تكليفي وإنّما أمرًا يدلّ على قدرته التّامّة وإرادته التي ينفرد بها، ويجدر بالذّكر أنّ القدرة تكمن في ورود المعدوم في الآية، ممّا يعني أنّ الله وحده الذي يمتلك العلم المسبق كونه مكتوب في لوحه المحفوظ، وهذا من كمال إبداعه، ويؤيّد ذلك قول الرّسول -عليه السّلام-: "كان الله ولم يكُنْ شيءٌ قبْلَه وكان عرشُه على الماءِ ثمَّ خلَق السَّمواتِ والأرضَ وكتَب في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ".[٩][١٠]


معاني المفردات في آية: إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون

وبعد أن تمّ شرح قوله تعالى من سورة يس: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، لا بُدّ من بيان معاني مفردات الآية الكريمة ليكون الشرح أكثر تفصيلًا ووضوحًا، فمن الجدير بالذّكر أنّ بيان معاني ألفاظ القرآن تُساعد الباحث على الفهم الدّقيق والتّدبُّر العميق، وفيما يأتي بيان معاني مفردات الآية الكريمة:

  • أمره: وهي السّلطه الكاملة، والشيء المؤكّد تنفيذه.[١١]
  • إذا: اسم يدلّ على المكافأة والجزاء، وهو ظرف زمان بمعنى الشّرط.[١٢]
  • أرادَ: فعل يدلّ على مشيئة الله وفعله.[١٣]
  • شيئًا: اسم مأخوذ من الفعل شاءَ، والكلمة هنا نكرة وليس لها معنىً محدّدًا، حيث يمكن بيان معناها بحسب سياقها في الجملة.[١٤]
  • يقول: فعل مأخوذ من الاسم "قول" ومعناه: الكلام والتّعبير أو الرّأي والمعتقد.[١٥]
  • يكون: المقصود هنا وقوع الشيء بصورة مؤكّدة لا تراجع فيها.[١٦]


إعراب آية: إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون

يُسمّى علم الإعراب بعلم النّحو، وهو العلم الذي يستند على معرفة حركة الكلمات وموقعها في الجملة، وذلك لتسهيل عملية شرح الآيات ومعرفة أسباب النّزول، عدا عن معرفة كيفيّة استنباط الأحكام الشّرعيّة من القرآن الكريم والسّنّة النبوية الشريفة، وفيما يأتي بيان إعراب قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} من سورة يس:[١٧]

  • إنّما: إنّ: حرف توكيد ونصب، إنّما: كافّة ومكفوفة.
  • أمره: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة الظّاهرة على آخره، والهاء: ضمير متّصل تقديره هو.
  • إذا: ظرف زمان فيه معنى الشّرط.
  • أرادَ: فعل ماضٍ مبني على الفتحة الظّاهرة على آخره، والجملة الظّرفية في محل جرّ بالإضافة.
  • شيئًا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظّاهرة على آخره.
  • أنْ يقول: فعل مضارع منصوب بأن، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
  • كن: فعل أمر تام مبني على السّكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنتَ.
  • فيكون: فعل مضارع مرفوعن والفاء هنا فصيحة، والجملة: جواب لشرط محذوف لا محلّ له من الإعراب.


الثمرات المستفادة من آية: إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون

وبعد أن تمّ شرح الآية الكريمة شرحًا دقيقًا ومفصّلاً فمن الجدير بالذّكر أنّ لكلّ آية من آيات القرآن لها حكمة وثمرة تعود فائدتها على الفرد والمجتمع، وفيما يأتي بيان الثّمرات المستفادة من قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}:[١٨]

  • الإخلاص: تتضمّن الآية الكريمة مفهوم الإخلاص، فالفعل من العبد يحتاج إليه ابتداءً، فإن كان هذا الفعل مقدّر من الله ومكتوب سيناله العبد بدون عقبات.
  • التربية العقدية: التّربية العقدية للإنسان تكمُن عندما يستشعر أنّ الله وحده القادر على تصريف الكون وهو وحده الرّازق والمحبّ لعباده زادت محبّة العبد له.
  • الكتابة القدرية: من الثّمرات المهمّة المستفادة هي أنّه لا يوجد شيء مستحيل عند الله، فتقادير الله مكتوبة وواقعة لا محال، لذلك على العبد أن يُسارع بالتّقرّب إلى الله وطلب ما يتمنّاه منه، فالأمر الذي عند الله لا يُنال إلّا بطاعته.
  • الثقة بالله: ترتكز هذه الآية حول مفهوم الثّقة بالله وحسن الظّن به، فالإنسان عندما يدرك أنّ كلّ شيء يحصل معه مقدّر من الله سيكون حينها محسن للظّن.
  • المواساة: تكمن ثمرة المواساة للإنسان في هذه الآية، والمقصود بذلك أنّ الإنسان يبقى قلقًا أثناء تخطيطه لأمر مصيري، لكن جاءت هذه الآية لتخفف هذا القلق بأنّ لو هذا الأمر المُخطّط له مُقدّر من الله سيناله صاحبه حتى وإن كان ذلك مستحيلاً.
  • الطمأنينة: تُطمئن هذه الآية الإنسان إذا خاف أذى النّاس تجاه قرار يريد تنفيذه، ممّا يعني أنّ الله تعالى يعطي عباده الشيء المكتوب لهم مهما حاول النّاس الوقوف بطريقهم، ويؤيّد ذلك قول الرّسول -عليه السّلام-: "لو اجتمعوا على أن يَضروك لم يَضروك إلا بشيٍء قد كتبهُ اللهُ عليك".[١٩]
  • التّفكر: تكمن في هذه الآية أهمّية التّفكّر بقدرة الله تعالى في خلقه للإنسان والحيوان والسّماوات والأرض، حيث يُصبح الإنسان يستشعر بمراقبة الله عليه في كلّ زمان ومكان.

المراجع

  1. "سورة يس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  2. سورة يس، آية:82
  3. "سورة يس"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  4. سورة يس، آية:82
  5. "معنى الآية { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }"، www.darulfatwa.org.au، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  6. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:21540، صحيح.
  7. "تفسير سورة يس"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  8. "قوله تعالى: {إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ}"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  9. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:6142، صحيح.
  10. "في أي حال يقول الرب تعالى للشيء(كن) فيكون؟ في حال وجوده، أم في حال عدمه؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  11. "معنى أمره"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  12. "معنى إذا"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  13. "معنى أرادَ"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  14. "معنى شيئًا"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  15. "معنى يقول"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
  16. "معنى يكون"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
  17. "إعراب قوله تعالى: {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
  18. "في أي حال يقول الرب تعالى للشيء (كن) فيكون؟ في حال وجوده، أم في حال عدمه؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
  19. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2669، إسناده قوي.
3315 مشاهدة
للأعلى للسفل
×