معنى آية إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له

سورة الحج

تعدُّ سورة الحج من السور المكية في كتاب الله عدا الآيات من 52 إلى 55 فإنَّها نزلت على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الطريق بين مكة والمدينة، وقد تناولت العديد من المواضيع المهمة مثل: منح الإذن للمسلمين بقتال الكفار والمشركين وإخلاص العبودية لله والبعث والنشور ويوم القيامة، وكانت بعد سورة النور في النزول، وهي في الجزء السابع عشر من المصحف ورقم ترتيبها فيه 22، وهي من سور المئين وعدد آياتها 78 آية كريمة، تتناول في مفتتحها دعوة الناس جميعًا إلى تقوى الله وتحذِّر من الأهوال والشدائد التي سيعيشها الناس يوم القيامة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَالسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}،^[١] وتحتوي سورة الحج على سجدة تلاوة في الآية رقم 18 وسجدة في الآية رقم 77، وقد سمِّيت بالحج لأنَّها تحدَّثت عن الحج وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهذا المقال سيتحدث عن معنى آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له.^[٢]

معنى آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له

في الحديث عن معنى آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له، أهمية كبيرة تكمن في الإشارة إلى بعض المعلومات حول الآية الكريمة، فالآية من سورة الحج وهي الآية رقم 73 منها، حيثُ وردَت في سياق الحديث الذي ضربَ الله فيه مثلًا للخلق وطلب منهم أن ينصتوا له ويتدبروه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ* مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}،^[٣] وفي تفسير الآية يشيرُ معنى ضرب المثل من قِبل الله إلى أنَّه تعالى وضعَ مثلًا أو جعلَ لهم مثلًا، وطلبَ من الناس جميعًا أن يستمعوا إلى هذا المثل الذي أنزله الله إليهم، وهو أنَّ تلك الأصنام والأوثان التي يعبدها أهل الشرك والكفر لن تستطيع أن تخلق ذبابةً واحدةً، وذباب مفرد وجمعه أذبة مثل: غراب وأغربة، وحتَّى لو اجتمعت تلك الطواغيت التي عُبدَت من دون الله على خلق الذبابة فإنَّها لن تستطيع أن تفعلَ ذلك، رغم صغر حجم الذبابة وقلَّتها، وفي بقية الآية يوضِّح الله تعالى أنَّه حتَّى لو أخذ منها الذبابُ شيئًا بسيطًا فإنَّ تلك الأصنام لن تستطيع أن تستعيده وتحصلَ عليه، لشدة ضعفها وضعف ما تطلبه، وقد وردَ عن ابن عباس قوله في هذا: أنَّ المشركين كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران وعندما يجفُّ يأتي الذباب ويستلبُ منهم ذلك، وقال السدِّي نحو ذلك: بأنَّ المشركين كانوا يضعون الطعام أمام الأصنام ويقع الذباب عليه ويأكل منه ولا تستطيع الأصنام أن تردَّ الذباب أو تمنعه من أخذ شيء، وفي تفسير ضعُف الطالب والمطلوب يشير ابن عباس إلى أنَّ الطالبَ هو الذباب لأنه يطلبُ ما يسلبه من الأصنام من طعام وغيره، والمطلوب هو الأصنام التي يطلبُ منها الذباب طعامه، وذهب بعض المفسرون إلى أنَّ العكس هو الصحيح، أي أنَّ الطالب هو الصنم والمطلوب الذباب، وأشار الضحاك إلى أنَّ الطالب هو العابد والمطلوب هو المعبود.^[٤]

لقد ضرب الله مثلًا أي وضعَ مثلًا ووضَّحه وبيَّنه، فاستمعوا له يا أيها الناس وأنصتوا وتدبروا معاني كلماته، وتفهَّموا المقصود منه، وهذا المثل الذي ضربه الله تعالى هو حجة منه على الناس جميعًا، ولأنَّ ضَربَ الأمثال أقرب لفهم الناس وأذهانهم ولعلَّهم يتفكَّرون ويتذكَّرون، وقد وردَ ذكر الأمثال في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وقال تعالى مبيِّنًا ذلك في سورة إبراهيم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}،^[٥] وقد وردَ في بيان المثل المضروب وجهان، الأول رآى أنَّه لا يوجد مثَل مضروب وإنَّما المقصود أنَّ الكفَّار والمشركين قد اتَّخذوا أندادًا لله وأمثالًا بعبادتهم لهم، وكأنَّ الله يقول: لقد جعلوا لي شبيهًا ومثالًا يشبهني فاسمعوا لخبر تلك الشبهة، وهذا قول الأخفش وغيره، وأمَّا الوجه الثاني فهو قول القتبي، إذ رآى أنَّ المعنى هو يا أيها الناس مثل من عبد آلهة لا تستطيع أن تخلق ذبابًا وحتى لو سلبه الذباب شيئًا لا يستطيع أن يستعيده منه، وذهب النحَّاس إلى أنَّ المعنى هو ضرب الله تعالى ما يُعبد من دونه من أصنام وأوثان مثلًا.^[٦]

معاني المفرادات في آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له

بعد الحديث عن معنى الآية بشكل مفصَّل، يجبُ الوقوف على معاني مفردات الآية من أجل الوصول إلى المعاني الأعمق التي تتحقق مع الإحاطة بالآية من كافة الجوانب كمعاني المفردات وأسباب النزول وأقوال العلماء وغير ذلك، على الرغم من عدم قدرة الإنسان على الإحاطة الكاملة بكلام الله تعالى، لذلك سيتمُّ إدراج معاني المفردات في آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له، فيما يأتي:

• الذين: جمع كلمة الذي، وهو اسم موصول مبهم المعرفة، يدلُّ على جمع المذكر، لا يتمُّ معناه إلا بالصلة أي بما بعده، الذين أوتوا الكتاب: أي القوم الذين أنزل عليهم الكتاب.^[٧]
• تدعون: تدعون بمعنى تطلبون، ما تدعون: ما تتمنون وتشتهون، والدعاء هو الرغبة إلى الله تعالى، وتدعون من دون الله: تطلبون من غير الله وتسألونه وتأتي بمعنى تتضرعون له.^[٨]
• دون: ظرف مكان له استخدامات ومعانٍ عديدة، ومعنى اذهب بدوني: أي اذهب لوحدك، وصَلَ دونهم إلى هدفه: وصل هو فقط، وقد تكون بمعنى تحت مثل: دون قدمك بساط، أو بمعنى فوق مثل: السماء دونك، وذلك حسب الكلام، ومن دون الله أي من غير الله، أي تدعونهم من غير دعوة الله تعالى.^[٩]
• يخلقوا: من الفعل خلَق ويخلقُ وخلقًا، والفاعل خالق والمفعول مخلوق، وخلَق الثوب بمعنى بليَ وصار عتيقًا، خلَق الكلام إذا صنعه، وخلقَ الله البشر: أوجدهم من العدم وأنشأهم وصورهم، وخلقَ: بمعنى صنع وأوجد، ويخلقُ الأمر ثمَّ يفري: يقرر الأمر ثمَّ يمضيه.^[١٠]
• ذبابًا: عبارة عن حشرة صغيرة من فصيلة الذبابيَّات، ومن رتبة ذوات الجناحين، لها الكثير من الأنواع، أشهرها ذبابة البيوت التي تتغذى على بقايا الطعام والقاذورات، وجمعها ذباب وأذبة.^[١١]
• اجتمعوا: من اجتمع ويجتمع واجتماعًا، والفاعل مجتمع والمفعول مُجتَمع به، اجتمع القوم: انضمَّ بعضهم إلى بعض واتحدوا واتفقوا، واجتمع به أو معه: قابله والتقى به، واجتمع الماشي إذا أسرع في مشيته، كما ورد في الحديث في وصف الرسول أنَّه كان إذا مشى مشى مجتمعًا.^[١٢]

الإعجاز العلمي في آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له

لقد كان القرآن الكريم المعجزة الخالدة التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قيام الساعة، وما يزال العلم الحديث كلَّما تقدَّم أشواطًا واكتشفَ مزيدًا من الاكتشافات العلمية يلتقي مع المعجزات الموجودة في كتاب الله تعالى، ولا بدَّ في تفسير الآية الكريمة أن يُشار إلى الإعجاز العلمي في آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له، فقد ضربَ الله -جلَّ وعلا- مثلًا عظيمًا رغم صغرِ وقلةِ الشيء المضروب به المثل، وقد نبَّه الله تعالى في الآية إلى شدة ضعف المخلوقات التي يعبدها الناس ويتوسلون إليها من دون الله عزَّ وجلَّ، بحيثُ أنَّ تلك المخلوقات المعبودة من دون الله لن تستطيع بشكل فردي أو بشكل جماعي من أن تخلقَ كائنًا ضعيفًا وصغيرًا جدًّا مثل الذباب، وذلك فضلًا عن المخلوقات الأكبر والأعظم كالجمل أو الفيل أو الكواكب والنجوم مثلًا، لأنَّ تلك المعبودات أضعف وأحقر وأتفه من ذلك بكثير، حتى أنَّها لا تستطيع ان تستخلص من الذباب شيئًا قد سلبها إياه، وهنا يكمن الإعجاز العلمي في الآية، فقد جاء العلم في العصر الحديث ليكتشف حقيقةً علميةً غايةً في الأهمية وهي أنَّ الذبابة تمتاز بخاصيَّة عجيبة وهي تحليل الأطعمة التي تأتي من خارج جسمها، فعندما تريد أن تأخذ الطعام تمدُّ فمها من أسفل رأسها، وتشكلُ بذلك أنبوبَ امتصاص تمتصُّ به الطعام، وتقوم بإفراز أنزيمات تساعدها في تحليل الطعام مباشرةً وتحويله إلى مادة سائلة من أجل امتصاصها من خلال ذلك الأنبوب، وبالتالي فإنَّه إذا استطاع أحدٌ ما أن يستخرج ما أخذته الذبابة وابتلعته سواء من فمها أو من بطنها، فإنَّه لن يكون كما كان، وسيكون قد تحول إلى مادة أخرى، وهذا ما أشارَ إليه الله تعالى قبل مئات السنين، ليصبحَ هذا دليلًا آخر على إعجاز القرآن وعظمته.^[١٣]

إعراب آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له

إنَّ تحديد مكان كل كلمة ووظيفتها في الجملة يساعد في تحديد المعنى الدقيق لها، كما يساعد في الوصول إلى المقصود من الآيات الكريمة، ولذلك تناول علماء المسلمين القرآن الكريم دراسةً وتحليلًا عميقًا على مدار قرون، وفيما يأتي إعراب آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له، إعراب مفردات وجُمَل:^[١٤]

• إنَّ: حرف مشبه بالفعل، ينصب الاسم ويرفع الخبر، وجملة "إن الذين تدعون" استئناف بياني لا محل لها من الإعراب.
• الذين: اسم موصول في محل نصب اسم إنَّ.
• تدعون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون في آخره، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة "تدعون من دون الله" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
• من: حرف جر.
• دون: ظرف في محل جر بحرف الجر، وهما متعلقان بحال من العائد المحذوف، أي تعبدونه كائنًا من دون الله.
• الله: لفظ الجلالة في محر جرِّ بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
• لن: حرف نصب، وجملة " لن يخلقوا" في محل رفع خبر إنَّ.
• يخلقوا: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون من آخره، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
• ذبابًا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
• ولو: الواو: حرف جر، لو: حرف شرط غير جازم، وجواب الشرط محذوف يفسره الكلام.
• اجتمعوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بالواو، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة "اجتمعوا" في محل نصب حال.
• له: جار ومجرور متعلقان بالفعل "اجتمعوا".

الثمرات المستفادة من آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له

في نهاية المقال لا بدَّ من المرور على الخلاصة التي تتمثل في الثمرات المستفادة من آية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له، وذلك من أجل الوقوف على بعض المقاصد الشرعية التي وردَت فيها وتجلَّت من خلال التفسير وتوضيح المعاني، وسيتمُّ إدراجها فيما يأتي:^[١٥]

• إنَّ الله تعالى هو الذي خلق كلَ شيء ويستطيع أن يضرب الأمثال بكل مخلوقاته من أصغرها وأقلها إلى أكبرها وأكثرها.
• من رحمة الله بالبشر أنَّه يضرب لهم الأمثال حتَّى يكونوا قادرين على فهم كلام الله تعالى وآياته.
• كل معبود من دون الله غير قادر على خلق أتفه الأشياء فضلًا عن الأكبر والأعظم.
• في كل آية من آيات الله معجزة عظيمة، منها الإعجاز في هذه الآية المتمثِّل في عدم قدرة أحد على تخليص ما أخذه الذباب منه.

المراجع

1. ↑ سورة الحج، آية:1
2. ↑ "سورة الحج"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
3. ↑ سورة الحج، آية:73-74
4. ↑ "تفسير: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
5. ↑ سورة إبراهيم، آية:24-25
6. ↑ "قوله تعالى يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
7. ↑ "تعريف و معنى الذين في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
8. ↑ "تعريف و معنى تدعون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
9. ↑ "تعريف و معنى دون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
10. ↑ "تعريف و معنى يخلقوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
11. ↑ "تعريف و معنى ذباب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
12. ↑ "تعريف و معنى اجتمعوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
13. ↑ "تفسير قوله تعالى "وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه""، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
14. ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
15. ↑ "تفسير: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.