محتويات
سورة يوسف
سورة يوسف من سور القرآن المكيّة بإجماع أهل العلم، أنزلت على الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- في عام الحزن،[١] قبل الهجرة من مكّة إلى المدينة، وهي واحدة من سور القرآن الكريم البالغة مئة وأربعة عشر سورة، ترتيبها في المصحف الثّانية عشرة قبل سورة الرّعد وبعد سورة هود، وعدد آياتها مئة وإحدى عشرة آية، وأمّا ترتيبها من حيث النّزول فهي الثّالثة والخمسون حسب قول بدر الدّين الزّركشي، فهي واحدة من سور القرآن المكيّة التي نقلت قصص الأنبياء، والذي ميّز هذه السّورة عن غيرها من حيث تفرّدها بالحديث عن قصّة نبيّ الله يوسف بن يعقوب، عليهما السّلام، وما لاقاه من محن ومصائب منذ نعومة أظفاره؛ من وضعه في البئر من قبل إخوته إلى بيعه بسعر بخسٍ ممّن وجده، إلى سجنه من قبل عزيز مصر بسبب محاولة إغوائه من قبل امرأة العزيز، فنجّاه الله تعالى من كيدها، وسيأتي لاحقًا الحديث عن: معنى آية: إنّ النفس لأمارة بالسوء، بالشرح التفصيلي.[٢]
معنى آية: إن النفس لأمارة بالسوء، بالشرح التفصيلي
بعد المقدّمة التي تمّ الحديث فيها عن سورة يوسف، سيكون الحديث هنا عن شرح معنى آية: إن النفس لأمارة بالسوء، بالشرح التفصيلي، وسيتمّ اعتماد أكثر من تفسير ومرجع واحد في تفسيرها، حيث قال الله تعالى في الآية الكريمة الثّالثة والخمسين من سورة يوسف: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.[٣] حيث جاء في تأويل الآية السّابقة في تفسير الطّبري: قال أبو جعفر: قال نبيّ الله يوسف، عليه الصّلاة والسّلام: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}، من الوقوع في الخطأ والزّلل، فأقوم بتزكيتها، {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، يقول: إن النّفس هي واحدة النّفوس، وهي نفوس العباد لا غير، تأمر النّفس بما يطيب لها وتهواه، وإن كان هذا الهوى في غير ما يرضي الله تعالى، {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ}، يقول: إلّا أن يرحم الله ربي من شاء من عباده وخلقه، فينجّيه من اتباع هوى النّفس وطاعتها فيما تأمرُه به من السّوء والذّنوب والمعاصي، {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، "غفور" إنّه شديد المغفرة، يصفح عن ذنوب من تاب من العباد من الذّنوب والمعاصي، بتجاوز عقوبته لما اقترف من هذه الذّنوب والمعاصي، وبستره له، "رحيم"، به بعد إنابته وتوبته، أن يعذبه ويقتصّ منه عليها.[٤]
وجاء في تأويل الآية في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}، أي: وما أُقدم على تزكية نفسي، وقوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، بالذّنوب والمعاصي ومستقبحات الأمور، وما لا يحبُّ الله، ولا يرضى، {إِلاَّ مَا}، بمعنى مَنْ، {رَحِمَ رَبِّيَ}؛ عصمه من الوقوع في المعاصي. وأمّا في تفسير "معالم التنزيل" للبغوي، فقد جاء فيه: فَقَالَ يُوسُفُ -عليه السّلام- عِنْدَ ذلك {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}، مِنَ الوقوع في الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ فَأُقدم على تزْكِيتهَا، {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، بِفعل الْمَعْصِيَةِ {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}، أَيْ: إِلَّا مَنْ رَحِمَه رَبِّي فعصمه من الوقوع في المعاصي، وما بِمَعْنَى مَنْ، كقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ}،[٥] أَيْ: مَنْ طَابَ لَكُمْ نكاحه، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَصَمَهُمُ اللَّهُ تعالى، فَلَمْ يُغرس فِيهِمُ الشَّهْوَةَ كبني الإنسان، وَقِيلَ: {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}، إِشَارَةٌ إِلَى حَالَةِ الْعِصْمَةِ التي أوجدها الله عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبُرْهَانِ، {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.[٦]
معاني المفرادات في آية: إن النفس لأمارة بالسوء
بعد الوقوف على معنى آية: إن النفس لأمارة بالسوء، بالشرح التفصيلي، لا بدّ من معرفة معاني مفرداتها من معاجم اللّغة العربيّة وسيتمّ اعتماد معجم المعاني الجامع في اللّغة العربيّة، لاستخلاص معاني مفرداتها، الآية وهي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.[٧] و مفردات الآية المراد شرح معانيها، هي:
- أبرّئ: فعل مضارع، برّأ يبرِّئ تبرئة، فهو مبرِّئ، ومبرَّأ، برَّأ الشَّخصَ من التُّهمة ونحوها: قضى القاضي ببراءَة المتّهم من التهم المنسوبة إليه، برأه منها وأبعد عنه الشُّبهة، ونزَّهه وزكّاه، وبرّأ ذمّته: خلَّصها.[٨]
- النّفْس: ومعناها: الرّوح، ويقال خرجت نفْسه، وجاد بنفسه، أي: مات وفارق الحياة، وزهقتْ نّفْسه أو روحه، أي: خرجت وهلكت وماتت، والجمع: أنْفسٌ ونفوس، ومن معاني النّفْس أيضًا: الدّمّ، والنّفْس أيضًا: ذاتُ الشّيء وعينُه، النَّفْسُ النَّاطقة: نفس الإنسان وذات الجسم والرُّوح.[٩]
- أمّارة: من الفعل أمر يأمر، فهو أمّار، فمعنى كلمة "أمّارة" في الآية الكريمة السّابقة: قيامها بالإغراء بِارْتِكَابِ السُّوءِ وَالشَّرِّ وكلّ ما هو مستقبح.[١٠] وأَمَّارَةٌ: أي: كثيرةُ الأمرِ، وكلمة "أمر": خلافُ النَّهيِ.[١١]
- السُّوء: اسم، وجمعه أسواء ومساوئ على غير قياس، والسُّوء : كل ما يجعل الإنسان في غمّ وكدر، وكلّ ما يَسوء وكلّ ما يقْبُحُ من شرّ أو فساد أو قُبْح أو عيْب أو نقص أو غير ذلك ممّا يحزن الإنسان أو يعيبه، وكذلك السَّوْءُ: النارُ وجمعها: أسْوَاءٌ، وقول السُّوء: القول القبيح، ومسّه بسوء: أصابه بضررٍ، وسوء الحظّ: تعاسته، وسوء الطَّالع؛ بسبب عدم توفيقه لأمور فوق الإرادة، وسوء الظّنّ: الارتياب والشّكّ، وَقَاهُ اللَّهُ السُّوءَ أَوْ مِنَ السُّوءِ: صَانَهُ مِنْهُ، وحَفِظَهُ، حيث يقول الله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ}.[١٢][١٣]
إعراب آية: إن النفس لأمارة بالسوء
بعد بيان معنى مفردات الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}.[١٤] سيتمّ إعراب المفردات إعرابًا مفصّلًا، ثمّ إعراب الجمل، ومن ثمّ الصّرف.[١٥]
إعراب المفردات
- الواو: حرف عطف، "ما": حرف نفي.
- أبرّئ: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضّمّة الظّاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر "وجوبًا" تقديره "أنا".
- نفسي: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم، و"الياء": ضمير متّصل مبنيّ على السّكون في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- إنّ: حرف مشبّه بالفعل ناسخ.
- النّفسَ: اسم إنّ منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظّاهرة على آخره.
- لأمّارةٌ: اللّام: اللام المزحلقة للتّوكيد، "أمّارة": خبر إنّ مرفوع، وعلامة رفعه الضّمّة الظّاهرة على آخره.
- بالسوء: الباء: حرف جرّ، "السّوء": اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظّاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلّقان بمبالغة اسم الفاعل "أمّارة".
- إلّا: أداة استثناء.
- ما رحم: ما: اسم موصول مبنيّ على السّكون في محلّ نصب على الاستثناء المتّصل، "رحم": فعل ماض مبنيّ على الفتح الظّاهر على آخره.
- ربّي: ربّ: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضّمّة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم، و"الياء": ضمير متّصل مبنيّ على السّكون في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- إنّ ربّي: إنّ: حرف مشبّه بالفعل، "ربّي": ربّ: اسم إنّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء، و"الياء": ضمير متّصل مبنيّ على السّكون في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- غفور: خبر إنّ مرفوع، وعلامة رفعه الضّمّة المقدّرة على آخره.
- رحيم: خبر إنّ ثان، مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة الظاهرة على آخره.
إعراب الجمل
- {ما أبرّئ...}: في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول قبلها.
- {إنّ النفس لأمّارة...}: تعليليّة لا محلّ لها.
- {رحم ربّي...}: صلة الموصول الاسمي لا محلّ لها من الإعراب.
- {إنّ ربّي غفور...}: استئنافيّة بيانيّة لا محلّ لها من الإعراب.
الصّرف:
- أمّارة: صيغة مبالغة اسم الفاعل من الفعل الثّلاثيّ أمر، وزنه فعّالة، وتاء التّأنيث فيها، إمّا للتأنيث، فمذكّره أمّار، وإمّا للمبالغة مثل فهّامة.
الثمرات المستفادة من آية: إن النفس لأمارة بالسوء
من خلال ما تقدّم من الحديث الآية الكريمة: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}. فإنّه يمكن استخلاص الثّمرات المستفادة من الآية السّابقة وبيانها فيما يأتي:
- ففي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}؛ فيمكن أن يستفاد منها الخضوع للحقّ والعدل وعدم التّكابر، فهذا قول امرأة العزيز،[١٦] فعندما أحسّت بالذّنب قالت: فإنّني لا أدَّعي بَراءةَ نَفْسي مِن الوقوع في الذَّنبِ؛ لأنَّ أكثر النُّفوسِ كثيرةُ الأمرِ بالسُّوءِ،
- وفي قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}، دليلٌ على وصفِ الله تعالى للنَّفسِ مِن حيثُ هي، وأنَّ النّفس لا تخرُجُ عن وَصفِها هذا إلَّا برَحمةٍ الله وعنايته؛ لأنَّ النَّفسَ الأمّارة قرينة الشّيطان في ظلمها، وجاهِلةٌ، ولا يأتي منها إلَّا كُلُّ شَرٍّ.
- فإنْ رَحِمَ اللهُ العبدَ، وأرشده إلى طريق الخير بالعِلمِ النَّافعِ، والأخلاق الفاضلة، تحوّلت نفسُه عن هذا الوَصفِ، وأصبحت مُطمَئنَّةً برضا الله وطاعته، ولم تعد تأمُرْ صاحِبَها إلَّا بالخيرِ، ويتحوّل مآلُها إلى رضا الله وثوابِه؛ ومن الجهل أن تبرأ النّفس تمامًا من الميل إلى السّوء، و إنّما يمكن أن تكفّ عن أمرها بالسوء و دعوتها إلى الشّرّ برحمة من الله تعالى،[١٧]
- فيجب على العبدِ السّعي جاهدًا إلى إخراج نَفسِه من الأمّارة بالسّوء إلى اللّوامة ثمّ المطمئنّة، وذلك بالاجتهادِ، بالتزام أوامر الله، وبالابتعاد عن نواهيه، والتّخلّق بأحسَنِ الأخلاقِ، واللّجوء إلى الله على الدَّوامِ، والإكثار مِن التضرّع إلى الله تعالى والاستغفار الدّعاءِ والذّكر وتلاوة القرآن الكريم،
- فقوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}، هذا دليل على أنَّه ليست كلُّ نفسٍ أمَّارةً بالسُّوءِ، لأنّ ما رَحِمَ ربِّي ليست فيه النَّفسُ الأمَّارةُ بالسُّوءِ، وقال بعض أهل العلم للنّفس ثلاثة مراتب: الأمّارة بالسّوء، واللّوامة التي يقع منها الذّنب ثمّ تلوم عليه، والمطمئنّة.[١٨] والله أعلم.
المراجع
- ↑ "تأملات في سورة يوسف"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "سورة يوسف"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية:53
- ↑ "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:3
- ↑ "تفسير: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية:53
- ↑ "تعريف و معنى أبرّئ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى النّفس في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أمّارة في معجم المعاني"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "سُورةُ يُوسُفَ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة الإنسان، آية:11
- ↑ "تعريف و معنى السُّوء في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية:53
- ↑ ".إعراب الآية رقم (53):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "كيف همّ نبي الله يوسف عليه السلام بامرأة العزيز"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "سورة يوسف الآية 53"، qadatona.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "الفوائد التربوية"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.