معنى آية الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، بالشرح التفصيلي

سورة النور

سورة النور هي سورة مدنية من المثاني عدد آياتها 64 آية، وهي السورة الرابعة والعشرين في ترتيب سور القرآن الكريم، وقد نزلت بعد سورة الحشر، وابتدأها الله تعالى ببيان أنّ هذه السورة منزلة ومفروضة منه سبحانه، حيث قال: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}،[١] وفي هذا تنبيه منه سبحانه لأهمية الأحكام الواردة في هذه السورة فهي أحكام وآداب تخصّ المجتمع الإسلامي والأسرة المؤمنة، إذ حوت مجموعة من الآداب الاجتماعية وآداب البيوت، فمن خلال هذه الآداب يتم حفظ الأمم من الانهيار والتفكك الداخلي، حيث دارت موضوعاتها حول عقوبة الزنا وآداب الاستئذان والأمر بغض البصر وحفظ الفرج، وقد ذُكرت في سورة النور مسألة وأرشدت إلى تسهيل الزواج على الشباب كما أشارت إلى خطورة القذف وبيّنت حكم هذه الجريمة، كما نزلت فيها براءة السيدة عائشة ممّا رماها به المنافقين في حادثة الإفك، وسيتناول هذا المقال معنى آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، بالشرح التفصيلي.[٢]

معنى آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، بالشرح التفصيلي

اهتم علماء التفسير بتفسير سورة النور اهتمامًا شديدًا، حيث حوت هذه السورة أحكامًا خاصّة لم يتم الحديث عنها في سورة آخرى من سور القرآن الكريم، وبعد أن تمّ الحديث عن حادثة الإفك وبيان عقوبة قذف المحصنات، يقول الله تبارك وتعالى في الآية رقم 26 من سورة النور: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}،[٣] وفي بيان معنى آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، يقول الإمام الطبري أنّ أهل التأويل اختلفوا في تفسير هذه الآية على أقوال، والقول الأول هو أنّ القول الطيب للناس الطيبين والطيبون من الناس يقولون القول الطيب، وقد ذكر الطبري من قال بهذا القول وساق بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "الطيبات من القول للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من القول"، وذكر كلامًا قريبًا من هذا عن مجاهد والضحّاك وسعيد بن جبير وعطاء.[٤]

كما روى بسنده عن ابن أبي نجيح قوله أنّ الكلام الطيب يخرج من الكافر والمؤمن وهو للمؤمن، وفي قولٍ آخر له عن مجاهد أنّ الكلام الطيب الحسن للمؤمنين وما يقوله الكفار من كلام طيب فهو للمؤمنين، وقد أضاف قتادة أنّ هذا ينطبق على القول والعمل، وذكر الطبري أنّ البعض قالوا بأنّ المقصود أنّ الرجال الطيبين للنساء الطيبات والنساء الطيبات للرجال الطيبين، ثمّ قال أنّ أولى الأقوال عنده هو القول الأول أي أنّ الطيبات هي الكلمات فالكلام الجميل الحسن هو للطيبين من الناس، والطيبون من الناس هم أهل للكلمات الطيبة وأحق بها، والسبب في ذلك مناسبة الآية لما قبلها وما بعدها، فالسياق يتكلم عن حادثة الإفك وقذف السيدة عائشة وهذا يكون بطريق القول والكلام، كما ختم سبحانه هذه الآية الكريمة بقوله: "أولئك مبرءون ممّا يقولون" فهذه الخاتمة تبيّن مدى قوة القول الأول ورجحانه.[٤]

وفي معنى قوله تعالى في سورة النور: "أولئك مبرءون ممّا يقولون" يقول الإمام الطبري أنّ الطيبين من الناس بريئون من الأقوال الخبيثة حتى إذا قالوها فإنّ الله يصفح لهم عنها ويغفرها، وإن قالها أحدٌ فيهم فإنّها تضرُّ قائلها ولا تضرّهم هم، كما قيل أنّ المقصودين هي السيدة عائشة وصفوان بن المعطّل،[٤] فالسيدة عائشة هي أولى بالبراءة والنزاهة ممّن رماها من المنافقين، وقد نقل ابن كثير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم تفسيره لهذه الآية بأنّ الطيبين هم الرجال والطيبات هنّ النساء فالرجال الطيبين هم للنساء الطيبات وبالعكس، وقد علّق ابن كثير على ذلك بأنّ هذا التفسير هو لازم للتفسير الأول والدليل أنّ الله -عزّ وجلّ- لم يكن ليجعل السيدة عائشة زوجةً للرسول لو لم تكن طيبة فهو أطيب من كل طيب من البشر ولو لم السيدة عائشة طيبة لما صلحت لرسول الله شرعًا ولا قدرًا.[٥]

كما ذكر النحّاس أنّ القول الذي عليه أكثر المفسرين وهو أنّ المقصود بالطيبات الكلمات هو أحسن الأقوال، ثمّ ذكر رأيًا آخر وهو أنّ هذه الآية مرتبطة بقوله تعالى في سورة النور: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}،[٦] فالخبيثات كما ورد هنّ الزانيات والطيبات هنّ العفيفات وكذلك الأمر بالنسبة للرجال، فمن كان عفيفًا من الرجال فهو للعفيفة من النساء،[٧] وقد اختار السعدي أن يجمع بين هذه الأقوال حيث قال بأنّ المراد هو أنّ كل طيب من الرجال والنساء والكلمات والأفعال مناسب للطيب وموافق له ومقترن به ومُشاكل له،[٨] وبعد عرض جملة من أقوال المفسرين يتبيّن أنّ معنى آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، ورد فيها ثلاثة أقوال: القول الأول ويكون الطيب فيه متعلّق بالأقوال، والقول الثاني أنّ الطيب متعلّق بالأفعال، والقول الثالث أنّ الطيب متعلّق بالزواج، ولا مانع من حمل الآية على هذه المعاني جميعًا.[٩]

معاني المفرادات في آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات

من بلاغة اللغة العربية أنّ الصفات تُعطى للكثير من الأشياء فقد يوصف الإنسان والجماد بنفس الوصف ويكون التفسير تبعًا لما تقتضيه الحالة، كما أنّ مسألة السياق مسألة مهمّة جدًا في قضية المعنى اللغوي، وفيما يأتي مثال حي على هذا الكلام حيث يظهر من خلال بيان معاني المفرادات في آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، كيف أنّ الكلمة الواحدة لها دلالات مختلفة وإن كان الأصل واحدًا والمعنى الرئيس مشترك بين جميع الاستعمالات، فالطيبات جمع طيبة وهي اللذائذ والخيرات، أمّا إذا أُضيفت كلمة الطيبات إلّا الأقوال أو عُرف من خلال السياق أنّ المراد بصفة الطيبات هي الأقوال فيكون المعنى أفضل الكلام وأحسنه، والطيب بشكل عام هو ضد الخبيث، والإنسان الطيب هو الذي تخلّى عن الرذائل المتحلّي بالفضائل، وبعد هذا العرض لا بدّ من بيان معاني المفردات في الآية الكريمة التي وردت في سورة النور وهي قوله تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} تبعًا لما قاله أكثر المفسريّن:[١٠]

  • الطيبات: جمع طيبة، والمراد الكلمات الطيبة الحسنة.
  • الطيبين: جمع طيب، وهو الإنسان الطيب المتحلّي بالفضائل والمحامد المتنزه عن الرذائل والقبائح.

سبب نزول آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات

إنّ الحادثة الأبرز التي تناولتها سورة النور هي حادثة الإفك حيث نزلت فيها براءة السيدة عائشة ممّا رماها به أهل النفاق، ثمّ جاءت الآيات لتبيّن ما يتعلّق بهذه الحادثة من أحكام، فقد أرشد سبحانه عباده المؤمنين إلى كيفية التعامل مع الأخبار والشائعات وبيّن أنّ أهل الفضل والكرم لا يمتنعون عن الإحسان للفقراء والمساكين بسبب ما بدر منهم من الإساءة فهؤلاء يرجون الثواب من الله العلي القدير، ومن الأحكام المهمّة المذكورة في هذه السورة عقوبة القذف وحدّه واستحقاق اللعن في الدنيا والآخرة والعذاب لمن يقذف السيدة عائشة بعدما أنزل الله تعالى قرآنًا يُتلى إلى قيام الساعة ببراءتها وطهارتها، ومن هذه الآيات المتعلّقة بهذه الحادثة قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}، وقد تقدّم تفسيرها.[٤]

أمّا عن سبب نزول هذه الأية فقد ذكر الإمام الطبري بسنده عن ابن زيد قوله: " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات" قال: نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية، فبرأها الله من ذلك. وكان عبد الله بن أُبي خبيث، وكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- طيبًا، وكان أولى أن تكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة، وكان أولى أن يكون لها الطيب، "أولئك مبرءون مما يقولون" قال : هاهنا بُرئت عائشة، "لهم مغفرة ورزق كريم"، فابن زيد يذكر سبب النزول ويوضّح المراد بأنّ الطيب هو رسول الله والطيبة هي السيدة عائشة، والخبيث هو عبد الله بن أُبي بن سلول.[٤]

إعراب آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات

من المباحث المهمّة في الإعراب مبحث العطف، فالكلمة المعطوفة على غيرها بأحد حروف العطف تُعرب مثلها وكذلك الأمر بالنسبة للأفعال والجمل، وآية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، معطوفة بحرف الواو على قوله تعالى: "الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات"، فتُعرب مثلها، وفيما يأتي بيانٌ لإعراب آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، مفرداتًا وجملًا، من كتابي الجدول في إعراب القرآن والنهج القويم في إعراب القرآن الكريم:

  • الطيبات: مبتدأ مرفوع بالضمة.[١١]
  • للطيبين: جار ومجرور متعلقان بخبر المبتدأ المحذوف، والطيبين اسم مجرور وعلامة جرّه الياء لأنّه جمع مذكر سالم.[١١]
  • والطيبون: الواو حرف عطف، والجملة معطوفة على التي قبلها فتعرب إعرابها، فالطيبون مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم.[١١]
  • للطيبات: جار ومجرور متعلقان بخبر المبتدأ المحذوف، والطيبات اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة.[١١]
  • جملة "الطيبات للطيبون": جملة اسمية لا محل لها من الإعراب معطوفة على الجملة الاستئنافية وهي: "الخبيثات للخبيثين".[١٢]
  • جملة "الطيبون للطيبات": جملة اسمية لا محل لها من الإعراب معطوفة على الجملة الاستئنافية.[١٢]

الثمرات المستفادة من آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات

إنّ سورة النور هي سورة تربوية ومثال عظيم على سمو تعاليم الدين الإسلامي والأخلاق التي دعا إليها، فالإسلام هو دين الأخلاق وكل ما فيه يدعو إلى مكارمها وأفضلها، ومن الأمثلة على ذلك الفوائد المستنبطة من سورة النور بجميع آياتها، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضٍ من الثمرات المستفادة من آية: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات:

  • قال السعدي عند تفسيره لهذه الآية أنّها كلمة عامة وفيها حصر فلا يخرج منها شيء، ومن أعظم ما يُستفاد منها أنّ الأنبياء -عليهم السلام- وخصوصًا أولي العزم منهم، وبالأخص النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- الذي هو أفضل الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلّا النساء الطيبات الطاهرات العفيفات.[٨]
  • يقول البقاعي أنّ كل شكل ينضم إلى شكله فالطيب متناسب مع الطيبة ولذلك فإنّ الله تعالى اختار لنبيّه أطيب الزوجات والأصحاب والأولاد، وأمته خير الأمم وزمانه خير الأزمان.[١٣]
  • من الأحاديث المتوافقة مع معنى هذه الآية قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "الأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَما تَعَارَفَ منها ائْتَلَفَ، وَما تَنَاكَرَ منها اخْتَلَفَ"،[١٤] وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي: "الناسُ معادِنٌ كمعادِنِ الذهبِ والفضةِ، خيارُهم في الجاهلِيَّةِ، خيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا، والأرواحُ جنودٌ مُجَنَّدَةٌ، فما تعارَفَ منها ائتلَفَ، وما تناكَرَ منها اختلَفَ"،[١٥] وهذا الحديث مروي عن جملة من الصحابة منهم السيدة عائشة وعلي بن أبي طالب.[١٣]
  • القذف والكلام السيئ الخبيث يجب أن لا يصدر من الناس الطيبين؛ لأنّ اتصافهم بهذه الصفة يقتضي برائتهم من هذه الأقوال غير المرضية في الدين الإسلامي والشريعة الإلهية.[١٣]
  • يجب على المسلم أن يصلح نفسه ويختار لنفسه أطيب الأقوال والأفعال والتصرفات ويتحلّى بأحسن الأخلاق تماشيًا مع الآية الكريمة وكي يرزقه الله تعالى بالطيبات من النساء بفضله وكرمه.[٩]

المراجع

  1. سورة النور، آية:1
  2. "سورة النور"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  3. سورة النور، آية:26
  4. ^ أ ب ت ث ج "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  5. "تفسير قوله تعالى " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  6. سورة النور، آية:3
  7. "تفسير ابن كثير"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  8. ^ أ ب "سورة النور - تفسير السعدي"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  9. ^ أ ب "معنى ( الخبيثات للخبيثين ) وهل يمكن العثور على زوجة صالحة ظاهراً وباطناً ؟!"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى طيبات في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت ث "النهج القويم في إعراب القرآن الكريم"، books.google.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  12. ^ أ ب "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3336، حديث معلق.
  15. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6797، حديث صحيح.
2430 مشاهدة
للأعلى للسفل
×