معنى آية تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، بالشرح التفصيلي

سورة البقرة

إنَّ سورة البقرة هي أطول سورةٍ في القرآن الكريم، وقد سُمِّيت بسورة البقرة؛ لورود قصة البقرة فيها مع بني إسرائيل، نزلت فيها آخر آيةٍ من آيات القرآن وقد كان ذلك في حجة الوداع، وهي سور مدنيَّةٌ -نزلت في المدينة المنورة- وقد ورد فيها ألف أمرٍ من الله -تعالى- وألف خبرٍ منه وألف حكمٍ وألف نهي، فيها أطول آيةٍ من آيات كتاب الله وتُسمَّى بآية المُداينة، وفيها آية الكرسي وهي أعظم آيةٍ في كتابه سبحانه، وترتيب السورة هو الثاني من ترتيب سور القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة، وقد ورد من فضائلها قول عليه الصلاة والسلام: "الآيَتَانِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَن قَرَأَهُما في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ"،[١] وبلغت آياتها 285 آية في رواية ورش، و286 آية في رواية حفص عن عاصم، وقد ورد من آياتها قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}،[٢] وسيقف هذا المقال على هذه الآية من ناحية تفسيرها وشرحها شرحًا تفصيليًّا وإعراب مفرداتها.[٣]


معنى آية: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، بالشرح التفصيلي

أرسل الله -سبحانه- أنبياءه ورسله إلى النَّاس كافةً بالرِّسالة الرَّبانيَّة، وهي الدَّعوة إلى توحيد الله -تعالى- ونبذ الشرك والابتعاد عن كل مظاهره ما ظهر منها وما بطن، وقد ابتدأ هدي النبوَّة مع آدم -عليه السلام- وانتهى برسول العالمين محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الآيات التي وردت في الحديث عن الأنبياء قوله تعالى في سورة البقرة: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}،[٤] وقد ذكر أهل العلم والتَّأويل أنَّ كلمة "تلك" في بداية الآية تدلُّ على جميع الأنبياء الذين ذُكرت قصصهم في سورة البقرة وتمَّ الحديث عنهم، ومن بين الأنبياء الذين ورد ذكرهم موسى وإسماعيل وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم، ويذكر -سبحانه- أنَّ هؤلاء الرُّسل قد فاضَلَ بينهم، ويتمُّ -سبحانه- كلامه بالحديث عن صور التَّفضيل تلك، فأمَّا موسى -عليه السلام- فقد كلَّمه -تعالى- فكان كليم الله، وأمَّا محمد -عليه الصلاة والسلام- فقد أرسله للنَّاس كافَّةً، وكذلك هو خاتم الأنبياء، وقد بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض الفضائل التي اصطفاه بها تعالى في حديثٍ نبويٍ يرويه أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- إذ يقول: "أُعطِيتُ خَمسًا لم يُعطَهنَّ أحَدٌ قبْلي: بُعِثْتُ إلى الأحمرِ والأسودِ، وأُحِلَّتْ لي الغنائمُ ولم تحِلَّ لأحدٍ قبْلي، ونُصِرْتُ بالرُّعبِ فيُرعَبُ العدوُّ مِن مسيرةِ شهرٍ وجُعِلَتْ لي الأرضُ طَهورًا ومسجدًا وقيل لي: سَلْ تُعْطَهْ واختبَأْتُ دَعوتي شفاعةً لأمَّتي في القيامةِ وهي نائلةٌ إنْ شاء اللهُ لِمَن لم يُشرِكْ باللهِ شيئًا"،[٥] فهذه خصال يعدّدها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد خصّه الله -تعالى- بها دونًا عن غيره من الأنبياء.[٦]

ويرى العلماء أنّ ذلك التفاضل هو من جهة الأحوال والخصائص والمعجزات التي تُرافق مسيرته في الدعوة إلى الله، ولذلك كان من الرسل من هو من أولي العزم ومن كان دون ذلك، ورأى العلماء أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- هو أفضلهم عند الله -تعالى- لما خصّه به من صفات ومعجزات ومنزلة يوم القيامة لم يعطِها غيرَه، ومن ذلك قوله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يثبت أنّه أفضل الأنبياء الذي يقول فيه فيما يرويه عنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدمَ يومَ القيامةِ ولا فَخْرَ، وبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ ولا فَخْرَ، وما من نبيٍّ يَوْمَئِذٍ آدمُ فَمَن سِوَاهُ إلا تَحْتَ لِوَائِي، وأنا أَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنه الأرضُ ولا فَخْرَ"،[٧] والأحاديث التي ينهى فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- عن التفضيل بينه وبين غيره من الأنبياء إن هي إلّا على سبيل التواضع منه صلّى الله عليه وسلّم، كالحديث في صحيح مسلم الذي يقول فيه: "لا تُفَضِّلُوا بيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ، فإنَّه يُنْفَخُ في الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَن في السَّمَوَاتِ وَمَن في الأرْضِ إلَّا مَن شَاءَ اللهُ، قالَ: ثُمَّ يُنْفَخُ فيه أُخْرَى، فأكُونُ أَوَّلَ مَن بُعِثَ، أَوْ في أَوَّلِ مَن بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى عليه السَّلَامُ آخِذٌ بالعَرْشِ، فلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بصَعْقَتِهِ يَومَ الطُّورِ، أَوْ بُعِثَ قَبْلِي، وَلَا أَقُولُ: إنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى عليه السَّلَامُ"،[٨] وكذلك لئلّا يدخل المسلمون في جدال ومراء وتصدر عنهم ألفاظ لا تليق بمقام النبوة والأنبياء، وأيضًا فقد رأى بعض العلماء أنّ ما يثبت أنّ كلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- السابق من باب التواضع والدليل تفضيل الله -تعالى- له في الخطاب القرآني ومن ذلك ما ورد في سورة القلم في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ}،[٩] والله في ذلك أعلى وأعلم.[٦]


معاني المفردات في آية: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض

بعد الوقوف مع تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}،[١٠] واستقصاء أقوال المفسّرين في ذلك فإنّ هذه الفقرة تقف لبيان معاني مفردات الآية لزيادة الإيضاح حول معنى الآية تمامًا؛ فالكلمة في اللغة العربيّة قد يختلف معناها بحسب موقعها في الجملة، وخير ما يشرح ذلك هو نظريّة النظم التي يشرحها الإمام عبد القاهر الجرجاني -رحمه الله- مؤسّس علم البلاغة في كتابه دلائل الإعجاز، إذ يرى أنّ اللفظة معجزة بسبب وجودها في هذا النّسق العظيم المُعجز، ولو كانت في غير مكانها لما كانت مُعجزة، ولكن يأتي الإعجاز من ذلك النظم الذي وُضعت فيه الألفاظ مع بعضها بعضًا، كالعقد المنظوم الذي يأتي جماله من تناسق حبّاته مع بعضها بعضًا،[١١] وأمّا شرح ألفاظ الآية فهو فيما يأتي:

  • الرّسل: الرُّسل جمع رسول وهو الشخص الحامل لرسالة معيّنة.[١٢]
  • فضلنا: التفضيل في اللغة هو التمايز والتمازي، وهو مشتق من الفضل الذي هو ضد النقيصة.[١٣]
  • بعض: بعض الشيء هو جزء منه وطائفة، وجمعه أبعاض.[١٤]


إعراب آية: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض

لأنّ معنى الإعراب هو الإفصاح والتبيان فإنّ هذه الفقرة تقف فيما يأتي مع إعراب الآية من سورة البقرة التي يقول فيها الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}،[١٥] وإعراب الآية من حيث المفردات والجمل فيما يأتي:

  • تلك: اسم إشارة مبني في محل رفع مبتدأ.[٦]
  • الرُّسلُ: بدل من تلك مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.[٦]
  • فضّلنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا الدالة على الفاعِلين، ونا ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.[٦]
  • بعضَهم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والميم للجمع.[٦]
  • على بعضٍ: على حرف جر، وبعض اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل فضّلنا.[٦]
  • جملة {تِلْكَ الرُّسُلُ}: جملة استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[١٦]
  • جملة {فَضَّلْنَا}: جملة فعليّة في محل رفع خبر للمبتدأ تلك.[١٦]


الثمرات المستفادة من آية: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض

ختامًا تقف هذه الفقرة مع ما يمكن إفادته من ثمرات من قوله تعالى في سورة البقرة: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}،[١٧] فمن تلك الثمرات أن يعلم المسلم أنّ الخطاب الإلهيّ للبشر هذا يقوم على أمر مهمّ وهو عدم الدخول في المفاضلة بين الأنبياء لما لهم من مكانة عالية عند الله تعالى، واختصاصهم بهذه المهمّة السامية التي يؤتيها من يشاء من عباده الصالحين، فلا ينبغي لمسلم أن يفاضل بين الأنبياء لأنّ ذلك ليس من مهمّته وكذلك قد ورد النهي عن ذلك بصريح الأحاديث النبويّة كالحديث آنف الذكر، وقصّته أنّ يهوديًّا قد قال لمسلم من الأنصار إنّ الله اصطفى موسى على العالمين، فلطمه المسلم وقال له: "تَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عليه السَّلَامُ علَى البَشَرِ وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بيْنَ أَظْهُرِنَا"،[١٨] فاشتكى اليهودي للنبي -عليه الصلاة والسلام- فنهى المسلم عن ذلك وقال له ما ورد في الحديث أعلاه، ولذلك ينبغي للمسلم أن يتجنّب الخوض في أمور النبوّة ومَن مِن الأنبياء خيرٌ مِن مَن، وإن كانت الآيات والأحاديث تدلّ على أفضليّة رسول الله محمد بن عبد الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلّا أنّ المسلم ليس من مهمّته أن يفاضل بين الأنبياء ولكن ليلتفت لطريقه ويؤدّي ما افترضه الله عليه ويُحسن، فذلك خيرٌ له، وكذلك من ثمرات هذه الآية أنّ الأنبياء يتفاضلون بما أوتي كلّ واحد منهم من ميزات وخصائص وفضائل في حياته إلى جانب النبوة، ولذلك فقد كان النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- هو خير الأنبياء وأفضلهم عند الله تعالى ولذلك فقد أعطاه مميزات لم تُعطَ لنبيّ قبله، وقد سبق ذكرها فيما سبق، والله أعلم.[٦]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم:807، حديث صحيح.
  2. سورة البقرة، آية:253
  3. "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:253
  5. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:6462، الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه.
  6. ^ أ ب ت ث ج ح خ د "تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَٰتٍۢ ۚ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعْدِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (البقرة - 253)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  7. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:3148، حديث حسن صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2373، حديث صحيح.
  9. سورة القلم، آية:48
  10. سورة البقرة، آية:253
  11. "الأسس التي تقوم عليها نظرية النظم"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى رسول في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى فضل في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى بعض في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية:253
  16. ^ أ ب "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية:253
  18. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2373، حديث صحيح.
3823 مشاهدة
للأعلى للسفل
×