محتويات
سورة المؤمنون
إنَّ سورة المؤمنون من سور القرآن الكريم المكية، وتقع في الجزء الثامن عشر في آخر حزب المئين، وبذلك يكون ترتيبها في المصحف الشريف السورة 23، وقد نزلت بعد سورة الحجِّ وعدد آياتها يبلغ مئة وثمانية عشر، أمَّا عن سبب تسميتها بهذا الاسم فيرجع إلى أنها بدأت بذكر صفات المؤمنون التي استحقُّوا الفلاح في الدنيا والآخرة، وعلى ذلك يُمكن القول بأنَّ موضوعها يُعالج أصول الدين من التوحيد والرسالة والبعث، ويرجع سبب نزولها إلى ما رواه عمر بن الخطاب،[١] حيث قال: "كان إذا نزَل على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الوحيُ يُسمَعُ عِندَ وَجهِه دَوِيٌّ كدَوِيِّ النحلِ فمكَثْنا ساعةً فاستَقبَل القِبلَةَ ورفَع يدَيه فقال: اللهمَّ زِدْنا ولا تَُنقُِصْنا وأَكرِمْنا ولا تُهِنَّا وأَعطِنا ولا تَحرِمْنا وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا وارضَ عنَّا وأَرضِنا ثم قال: لقد نزَلَتْ عليَّ عشْرُ آياتٍ مَن أقامَهُنَّ دخَل الجنَّةَ ثم قرَأ علينا {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى ختَم العَشرَ"،[٢] وفيما يأتي بيان معنى آيةٍ من آياتها.
معنى آية: ثم أرسلنا رسلنا تترًا، بالشرح التفصيلي
إنَّ التفسير الإجمالي لقول الله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ}،[٣] أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أرسل إلى الأمم التي أنشأها بعد ثمود رسلًا متتابعين يتبع بعضهم إثر بعض، وهذا من رحمة الله بعباده، حيث أنَّه لا يتركهم لهواهم ولا لشياطينهم الذين سيضلونهم بلا شكٍ، وأنزل مع هؤلاء الرسل الحجج والدلائل والبراهين على صدقهم، ورغم ذلك إلا أنَّ هؤلاء الأمم كلما جاءهم رسولٌ قابلوه بالتكذيب بما جاءهم من الحق من عند الله عزَّ وجلَّ، {فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا}، فأتبع هذه الأمم بعضها بعضًا بالهلاك والعقوبة وعجَّل لهم بها وذلك لأنَّه أتبعوا بعضهم بعضًا بالكفر، ثمَّ بعد ذلك جعلهم مثلًا وقصصًا وحكايات يتحدَّث به النَّاس في الشرِّ حيث إنَّ الله أبادهم وجعلهم عبرةً للنَّاس،[٤] ثمَّ ختم الله الآية بدعاءٍ على الذين لا يؤمنون به ولا برسوله بالبعد،[٥] هذا وقد تمَّ تفسير الآية كما تم بيانه بعدد من التفاسير، ولا بأس من ذكر أقوال العلماء في تفسير هذه الآية الكريمة، كلٌ على حدة، وفيما يأتي ذلك:
- ابن عاشور: إنَّ من سنة الله -عزَّ وجل- أنَّ يستأصل كلَّ أمة تقوم بتكذيب رسله الذين أرسلهم إليه، ولقد أرسل الله -عزَّ وجلَّ- إلى الأمم التي جاءت بعد القرون السابقة رسلًا، لكن أغلب جمهور هذه الأمم قاموا بتكذيبه، فأهلكهم الله -عزَّ وجلَّ- كما أهلك من سبقهم ثمَّ صيَّرهم أحاديث للنَّاس بما أصابهم، وخُتمت الآية بعد ذلك بالدعاء على كلِّ من لا يؤمن بالبعد، والحكمة من أنَّ الدعاء هنا نيط بوصف من لا يؤمنون ليحصل على مذمة الكفر ومذمة عدم الإيمان بالرسل، فيشمل الدعاء كل من لا يؤمن برسول الله وبذلك تعريضًا بمشركي قريش.[٦]
- ابن كثير: أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أرسل رسله متتابعين يتبع بعضهم بعضًا إلى الأمم، إلَّا أن أغلب جمهور هذه الأمم قاموا بتكذيب هؤلاء الرسل، فقام الله بإهلاكهم وجعلهم أحاديث للناس وأخبارًا بينهم.[٧]
معاني المفرادات في آية: ثم أرسلنا رسلنا تترًا
إنَّ القرآن الكريم يعدُّ أساسًا من أساسات هذا الدين العظيم، وقد نزل هذا الأساس باللغة العربية حيث قال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}،[٨] وعلى ذلك فلا بدَّ لمن أراد فهم القرآن الكريم ومعرفة أسراره واستنباط الأحكام منه أن يتمكَّن أولًا من اللغة العربية، وقد أدرك ذلك الأئمة السابقون وهذا زوج ابنة الشافعي يقول عن الإمام: "أقام الشافعي علمَ العربية وأيامَ الناس عشرين سنة، فقلنا له في هذا، فقال: ما أردت بهذا إلا استعانةً للفقه"، وذلك دليلًا على أهمية معرفة اللغة العربية في فهم الآيات القرآنية،[٩] ولذلك سيتم تخصيص هذه المساحة الصغيرة لبيان معاني مفردات قول الله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ}، وفيما يأتي ذلك:
- أرسلنا: أي بعثنا الرسل بالشرع ليتمَّ تبليغه والعمل به.[١٠]
- رسلنا: إنَّ كلمة رسلنا من كلمة رسل، والرسل جمع كلمة رسول والرسول في هذه الآية هو من بعثه الله -عزَّ وجلّ- بشرعٍ يعمل به ويبلِّغه.[١١]
- تترى: إنَّ كلمة تترًا في اللغة تعني متواترين، والتواتر يعني التتابع والتوالي والتلاحق.[١٢]
- أمة: لكلمة أمة في اللغة عدَّة معاني والمعنى المقصود في الآية الكريمة هو مجموعة من النّاس تجمعه عدة روابط تاريخية مشتركة.[١٣]
- كذبوه: أي زعموا أنَّ ما جاء به مخالفًا للحقيقة.[١٤]
- فأتبعنا: أي ألحقنا بعضهم بعضًا.[١٥]
- أحاديث: جمعٌ لكلمة حديث والحديث هو كلُّ ما يُتحدَّث به من كلامٍ وخبر.[١٦]
- فبعدًا: عبارة تُقال للدعاء على الشيء أو الإنسان بالهلاك والسحق.[١٧]
- لقومٍ: الجماعة من الناس تجمعهم جامعة يقومون بها.[١٨]
إعراب آية: ثم أرسلنا رسلنا تترًا
من العلوم التي يجدر بالمفسِّر أن يكون عالمًا بها هو علم النحوِ والإعراب، حيث بهذا العلم يستطيع المرء فهم القرآن الكريم فهمًا صحيحًا كما أنَّ من خلاله يستطيع معرفة إعجاز القرآن الكريم وبالتالي يستطيع تذوُّق حلاوة القرآن الكريم وجماله،[١٩] ولذلك إنَّه لمن المهم عند بيان تفسير آيةٍ من آيات القرآن الكريم، أن يتمَّ بيان إعرابها، وفي هذه الفقرة سيتم تخصيص الحديث عن إعراب قول الله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ}، وفيما يأتي ذلك:[٢٠]
- أرسلنا: فعل ماض مبني على السكون، والضمير المتصل "نا" في محل رفع فاعل.
- رسلنا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- تترى: حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
- أرسلنا رسلنا تترى: جملة معطوفة لا محل لها من الإعراب.
- جاء: فعل ماضي مبني على الفتحة الظاهرة على آخره.
- أمةً: مفعول به مقدَّم منصوب وعلامة نصبه تنوين النصب الظاهر على آخره.
- رسولها: فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- جاء أمةً رسولها: جملة في محل جر مضاف إليه.
- كذبوه: جواب شرط غير جازم، والجملة لا محل لها من الإعراب.
- بعضًا: مفعول به ثانٍ للفاعل أتبعنا منصوب وعلامة نصبه تنوين الفتح الظاهر على آخره.
- جعلناهم: فعل ماضي مبني على الفتح الظاهرة على آخر الفعل جعلَ والضمير المتصل نا مبني في محل رفع فاعل والضمير هم مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول للفعل جعل.
- أحاديث: مفعول به ثانٍ للفعل جعلَ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- وجعلناهم أحاديث: جملة معطوفة على جملة أتبعنا لا محل لها من الإعراب.
- لقومٍ: اللام حرف جر وقومٍ اسم مجرور وعلامة جره تنوين الكسر الظاهر على آخره.
- بعدًا لقومٍ: جملة في محل نصب مقول القول.
- لا يؤمنون: جملة في محل جرِّ، وهي نعتُ لكلمة قومٍ.
الثمرات المستفادة من آية: ثم أرسلنا رسلنا تترًا
إنَّ الثمرات المستفادة من آيات الله -عزَّ وجلَّ- تأتي من خلال التدبر، والتدبر هو: "التفكر باستخدام وسائل التفكير والتساؤل المنطقي للوصول إلى معان جديدة يحتملها النص القرآني وفق قواعد اللغة العربية, وربط الجمل القرآنية ببعضها وربط السور القرآنية ببعضها وإضفاء تساؤلات مختلفة حول هذا الربط أو ذاك"، ولأهمية التدبر في حياة الفرد، سيتم تخصيص هذه الفقرة لتدبِّر قول الله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ}، واستخراج الثمرات المستفادة منها، وفيما يأتي ذلك:[٤]
- أنَّ الإنسان لو تُرك لهواه وشيطانه لضلَّ وأضلَّ.
- أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- حكيم رحيمٌ بخلقه، إذ أرسل إليهم رسلًا وأنزل إليهم كتبًا، ولم يتركهم لهوى أنفسهم.
- أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- لا يُهلك أحدًا من الأقوام إلَّا بعد إقامة الحجة عليهم وإرسال الرسل والبينات لهم.
- أنَّ الدعوة إلى الله -عزَّ وجلَّ- ليست من الأمور السهلة، بل إن فيها من المصاعب الكثير، وعلى الداعية أن يعلم ذلك جيدًا وعليه أن يعلم أن الإجابة لن تكون سريعة.
- على الخلق الاعتبار والاتعاظ من قصص الأمم السابقين، وأن يعملوا لئلَّا تكون عاقبتهم كعاقبة من سبقهم من المكذبين.
- على المسلم أن يحذر من تقليد غيره من الكفار لئلّا تكون عاقبته كعاقبتهم.
- أهمية النظر إلى الغير في المصاعب ليعلم الإنسان أنَّه ليس الوحيد الذي يمرُّ بالمصاعب في هذه الدنيا.
المراجع
- ↑ "سورة المؤمنون"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:124، حديث إسناده صحيح.
- ↑ سورة المؤمنون، آية:44
- ^ أ ب "تفسير قوله تعالى: (ثم أرسلنا رسلنا تترا)"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "التحرير والتنوير"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ سورة فصلت، آية:3
- ↑ "أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أرسلنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى رسلنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى تترا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أمة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى كذبوه في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى فأتبعنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى أحاديث في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى بعدا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى القوم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ "أهمية علم النحو في فهم القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
- ↑ ".إعراب الآيات (41- 51):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.