معنى آية ثم ليقضوا تفثهم، بالشرح التفصيلي

سورة الحج

سورة الحج إحدى السور المكية في القرآن الكريم عدا الآيات من 52 وحتى 55 فقد نزلت بين مكة والمدينة، والسور المكية هي السور التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة قبل هجرته إلى المدينة المنورة، وهي من سور المئين التي يبلغ طولها ما يقارب مئة آية وتلي السبع الطوال، تقع في الجزء السابع عشر من كتاب الله، رقمُ ترتيبها في المصحف الشريف 22 وعدد آياتها 78 آية، نزلت سورةُ الحج بعد سورة النور وقبل سورة المؤمنون، وقد سمِّيَت بسورة الحج نسبةً إلى الحج وهو ركن من الأركان الخمسة في الإسلام، لأنَّ السورة تناولت قصة نبيِّ الله إبراهيم -عليه السلام- عندما انتهى من بناء بيت الله العتيق ونادى في الناس يدعوهم إلى الحجِّ إلى بيت الله، وتناولت السورة العديد من المواضيع مثل البعث والنشور ويوم القيامة والإذن بالجهاد للمسلمين وغير ذلك، وفي هذا المقال سيتمُّ تسليط الضوء على معنى آية: ثم ليقضوا تفثهم، بالشرح التفصيلي.^[١]

معنى آية: ثم ليقضوا تفثهم، بالشرح التفصيلي

قبل الحديث عن معنى آية: ثم ليقضوا تفثهم، سيُشار إلى بعض المعلومات والتفاصيل المتعلقة بهذه الآية الكريمة، حيثُ وردَت الآية في سورة الحج في سياق الحديث عن بناء إبراهيم -عليه السلام- للبيت العتيق ودعوة الناس جميعًا لأداء الحج لله تعالى، وهي الآية رقم 29 من السورة، يقول تعالى في محكم التنزيل: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}،^[٢] وقد تعدَّدت الأقوال حول معنى الآية ولكنَّها جميعها تدور في فضاء واحد، فالمقصود من قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}،^[٣] كما وردَ عن علي بن أبي طلحة عن ابن عبَّاس -رضي الله عنه- أنَّه قال في ذلك: وهو وضع الإحرام من لبس الثياب وحلق الرأس وقص الأظافر ونحو ذلك، ومثل هذا القول قال مجاهد وعطاء وعكرمة وغيرهم، وأضاف مجاهد: "التفث هو مناسك الحج وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقلم الأظفار"، وقال عكرمة عن ابن عباس: التفث هي مناسك الحج كلها.^[٤]

والتفثُ هو كلُّ ما يخرجُ به الحجيجُ من الإحرام، من تقليم الأظافر وأخذ الشارب وحلق العانة ولبس الثياب وغير ذلك، وأشار البغوي في تفسيره معالم التنزيل إلى أنَّ التفث هو القذارة والوسخ من أظفار وشعر زائد وشعث يستطيع أن يتخلَّص منه الحاج في نهاية أداء فريضة الحج، وكان العرب يقولون لمن يستقذرونه: ما أتفثك أيّ ما أوسخك، والحاج أغبر وأشعث لأنه لم يقلم أظفاره ولم يحلق شعره، ويكون قضاء التفث بإزالة كلِّ تلك الأشياء عنه وإزالة الأدران، والخروج من حالة الإحرام التي كانوا فيها ممنوعون من كل ذلك، من قص الشارب ونتف الإبط والاستحداد وتقليم الأظافر ولبس المخيط من الثياب، وهناك أقوال تشير إلى أنَّ التفث في هذه الآية هو رمي الجمرات، وأشار الزجَّاج إلى أن معنى التفث لم يعرف إلا من خلال القرآن الكريم.^[٥]

وبمعنى آخر فإنَّ وقت قضاء التفث يكون بعد نحر الأضحية والهدي وما بقيَ من أمور الحج من مناسك كالحلق ورمي الجمار وإزالة الشعر وغير ذلك، يقول ابن عرفة: "أي حتى يزيلوا عنهم أدرانهم"، ويقول النصر بن شميل في هذه الآية: "التفثُ في لغة العرب إذهاب الشعث"، وأمَّا الزهري فقد ذهب إلى أن التفث لم يعرف في كلام العرب إلا من قول ابن عباس وغيره من أهل التفسير، وهو إزالة قشف الإحرام، وأعمُّ الأقوال في ذلك أنَّ التفث هو ما بقي من مناسك الحج من قص الأظافر والأخذ من الشارب وكل شيءٍ كان محرمًا على المُحرم إلّا النكاح.^[٦]

معاني المفردات في آية: ثم ليقضوا تفثهم

بعد المرور على معنى آية: ثم ليقضوا تفثهم، بالشرح التفصيلي لا بدَّ من العروج على معاني كلمات الآية ومفرداتها للإحاطة أكثر بما تدلُّ عليه الآية الكريمة من معانٍ عظيمة هي عبارة عن توجيهات من الله تعالى لعباده المسلمين عند أداء مناسك الحج، وفيما يأتي معاني المفردات في آية: ثم ليقضوا تفثهم:

• ثمَّ: ثمَّ أحد حروف العطف في اللغة العربية والذي يدلُّ على ترتيب الأحداث مع التراخي أو التأخير في الزمن قليلًا، وكثيرًا ما يستخدم هذا الحرف في تتابع الأحداث التي تأخذُ وقتًا قصيرًا أثناء تتابعها، كما في قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}،^[٧] فهو يدلُّ على الترتيب وتتابع فيه انقطاع قد يطول أو يقصر.^[٨]
• ليقضوا: من قضى يقضي، وقضى غرضَه: فرغ وانتهى منه، ومعنى قضى الله : أنفذَ وأمرَ، وكذلك معنى قضى أجله: أتمَّه وأنهاه وبلغَ منتهاه، وقضى الرجل أجله بمعنى مات، مثل قوله تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً}،^[٩] وبالتالي فإنَّ قضى تأتي بمعنى أنهى وأتمَّ وبلغ الشيء المُراد.^[١٠]
• تفثهم: من تفِثَ يتفَث تفَثًا، والفاعل منه تفِث، ومعنى تفِثَ المُحرم: علاه الغبار والوسخ، وتفِثَ الرجل إذا ابتعدَ عن الادِّهان وترك الحلق وصار أشعثًا أغبر، والتفثُ كلّث ما يصيبُ المُحرم من ترك الطيب والدهن والحلق والغسل، وإزالته أحد مناسك الحج.^[١١]

إعراب آية: ثم ليقضوا تفثهم

لقد تعاضدت جهود العلماء وتكاتفت من أجل دراسة علوم القرآن الكريم، ومنطلق ذلك اهتمامهم بكلام الله والوصول إلى جميع المعاني العميقة التي يحتويها كلام الله تعالى وصولًا إلى المعاني الصحيحة، وأحد جوانب ذلك الاهتمام هو الاعتناء بإعراب القرآن الكريم كاملًا، فقد خصَّص له كثيرون من علماء اللغة كتبًا عظيمة، من أهمها كتاب إعراب القرآن الكريم وبيانه للأستاذ محي الدين الدرويش الذي يقع في تسعة مجلدات كبيرة، وهو من أهم الكتب التي تتناول إعراب القرآن في العصر الحديث، وفيما يأتي إعراب آية: ثم ليقضوا تفثهم:^[١٢]

• ثمَّ: حرف عطف.
• ليقضوا: اللام: وهي لام الأمر، يقضوا: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف النون من آخره، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة "ليقضوا" في محل جزم معطوفة على جملة أطعموا وكلوا.
• تفثهم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم للدلالة على الجمع.

الثمرات المستفادة من آية: ثم ليقضوا تفثهم

يشيرُ الله تعالى في بعض آيات السورة إلى أركان الحج وهو أحد أعظم أركان الإسلام، وقد خلَّد الله تعالى فيها قصةَ إبراهيم -عليه السلام- عندما أتمَّ بناء البيت الحرام ودعا الناس للحجِّ أوَّل مرة، وفي كلِّ من آية من آيات كتاب الله تعالى فوائد عظيمة وثمار كثيرة يقطفها المسلم ويعيش في تجلياتها، وسيتمُّ إدراج الثمرات المستفادة من آية: ثمَّ ليقضوا تفثهم فيما يأتي:^[١٣]

• إنَّ الحج ركنٌ عظيم من أركان الإسلام الخمسة، وقد خلده الله تعالى في تلك الآيات وفي سورة الحج.
• عندما يكون المسلم مُحرِمًا خلال فريضة الحج يكون محرَّمًا عليه القيام بالكثير من الأمور المباحة خلال حياته، مثل: قص الشعر في جميع مناطق الجسم والغُسل وقص الأظافر غير ذلك.
• يكتمل أداء فريضة الحج بأن يتخلَّص المُحرم من كل تلك الأمور الممنوعة، والتي أطلق عليها الله تعالى قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}،^[١٤] والتفث هي الأقذار والشعث والغبار الذي يتراكم على الإنسان وهو محرم، وفي الحديث عن عروة بن مضرس الطائي أنَّه قال: "أتَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو بجَمْعٍ، فقُلْتُ: هل علَيَّ مِن حجٍّ؟، قال: مَن شهِد معنا هذا الموقفَ حتَّى يُفيضَ وقد أفاض قبْلَ ذلك مِن عرفاتٍ ليلًا أو نهارًا فقد تمَّ حجُّه وقضى تفَثَه".^[١٥]
• من فضل الله تعالى على عباده الحجيج أنَّه أباح لهم في نهاية أداء فريضة الحج أن يتخلصوا من كل تلك الأدران والأوساخ ويطهروا أجسادهم كما تطهرت أوراحهم وقلوبهم من الذنوب والمعاصي، وعادت بيضاء كما ولدتهم أمهاتهم.^[١٦]

المراجع

1. ↑ "سورة الحج"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
2. ↑ سورة الحج، آية:26-29
3. ↑ سورة الحج، آية:29
4. ↑ "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
5. ↑ "تفسير: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
6. ↑ "تفسير القرطبي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
7. ↑ سورة السجدة، آية:7-9
8. ↑ "تعريف و معنى ثم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
9. ↑ سورة الأحزاب، آية:23
10. ↑ "تعريف و معنى يقضوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
11. ↑ "تعريف و معنى تفث في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
12. ↑ "إعراب آيات من سورة الحج"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
13. ↑ "سورة الحج"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
14. ↑ سورة الحج، آية:29
15. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح بن حبان، عن عروة بن مضرس الطائي، الصفحة أو الرقم:3850، أخرجه في صحيح.
16. ↑ "تفسير: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.