معنى آية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع، بالشرح التفصيلي

سورة النور

تعدُّ سورة النور من سور القرآن الكريم المدنية، التي اهتمت بالآداب الشرعية العامة وآداب البيوت خاصة، كما أنَّها اشتملت على توجيهات رشيدة للمسلمين التي تساعدهم على حفظ أنفسهم وحفظ مجتمعهم وصيانته من التفكك والانهيار الخُلقي، وقد ذكر العلماء أنَّ هذه التوجيهات والآداب والأحكام الربانية والتي كانت بمثابة النور للمسلم هي السبب في تسمية السورة بهذا الاسم، وقد بلغ عدد آيات هذه السورة العظيمة أربعة وستون آية وقد وقعت من حيث ترتيب المصحف في الجزء الثامن عشر، وقد حملت الرقم الرابع والعشرون من بين سور القرآن الكريم،[١] وإنَّ قول الله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}،[٢] تعدُّ آية من آيات هذه السورة الكريمة والتي لا بدَّ لكلِّ مسلمٍ الوقوف عندها وتدبرها ومعرفة المراد منها، لذلك سيتم تخصيص هذا المقال لبيان معناها ومعاني مفرداتها وإعرابها، كما سيتم تدبرها لاستخراج الثمرات المستفادة منها.

معنى آية: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع، بالشرح التفصيلي

إنَّ التفسير الإجمالي لقول الله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}،[٢] أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يصف أهل المساجد بأجمل الصفات وأجلِّها، وإنَّ أول ما وصفهم به بأنَّهم رجالٌ، فقال عنهم: أنَّ هؤلاء الرجال لا يُشغلهم أيُّ أمرٍ من أمور الدنيا الزائلة عن ذكر الله -عزَّ وجلَّ- وإقامة الصلاة في المساجد وعمارتها، كما أنَّ حبَّ المال لم يكن مانعًا لهم من إنفاقه في سبيل الله وفي وجوه الخير،[٣] وإنَّ السبب في تخصيص الرجال في الآية الكريمة يرجع إلى أنَّ صلاة الجمعة والجماعة في المسجد ليست بواجبة على النِّساء، أمَّا سبب تخصيص التجارة والبيع يرجع إلى أنَّهما أعظم ما ينشغل به المرء عن الطاعات والصلاة، وأمَّا في قوله تعالى: {عَن ذِكْرِ اللَّهِ} فالمقصود هنا الصلوات الخمس، وسبب تكرار الحديث عن الصلاة في قوله تعالى: {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ}، دلالة على ضرورة حفظ المواقيت، فيصبح المعنى الإجمالي أنَّ هؤلاء الرجال لا يلهيهم شيءٌ عن الصلوات الخمس ولا عن إقامتها في أوقاتها المعلومة، وإنَّ هذا الحرص الشديد على أداء الصلوات الخمس في المساجد وإيتاء الزكاة يرجع إلى خوفهم من اليوم الذي تتقلب فيه القلوب بين الخوف من الهلاك والطمع بالنجاة وتُقلّب فيه الأبصار وذلك بأي ناحية سيؤخذ بهم، هل من جهة اليمين أم الشمال، ومن أي ناحية سيؤتى كتابهم.[٤]

وقيل أيضًا في تأويل قول الله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، أنَّ القلوب تتقلب في جوف المرء فترتفع إلى الحنجرة ولا تنزل ولا تخرج، وتقلُّب الأبصار يكون بشخوصها، وكلُّ ذلك بسبب شدة هول الأمر،[٤] ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- ذكر في الآية الكريمة {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ}، ولم يقل أداء الصلاة، لأنَّ في الإقامة معنىً زائد على الأداء، حيث أنَّ إقام الصلاة تعني أن يقوم المسلم بأداء الصلاة بأركانها من تكبيرٍ وقيامٍ وركوعٍ وسجود وشروطها من دخول الوقت وطهارة المكان والثياب والبدن، بالإضافة إلى أنَّ إقامة الصلاة تشمل خشوع القلب، أمَّا الأداء فهو جزءٌ من الإقامة،[٥] ولا بأس في هذا المقام من ذكر أقوال بعض المفسرين في قول الله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، وفيما يأتي ذلك:

  • تفسير السعدي: يسبح في المساجد رجالٌ لا يؤثرون الحياة الدنيا على رضا الله -عزَّ وجلَّ- بما فيها من لذاتٍ ومكاسب ولا تُشغلهم عنه، بل يجعلون طاعة الله وعبادته الغاية التي يسعون إليها، وبالرغم من صعوبة ترك الدنيا لتعلُّق القلوب بها إلَّا أنَّ الله يسر ذلك على المؤمنين بذكر ما يدعوهم إلى تركها من أهوال يوم القيامة.[٦]
  • تفسير البيضاوي: أنَّ هؤلاء الرجال لا يشغلهم عن ذكر الله -عزَّ وجلَّ- وتأدية فرائضه من صلاة وزكاة أي معاملة رابحة من تجارة وبيع، وقد تمَّ تخصيص البيع لما فيه تحققٌ أكبر من الربح، أمَّا الشراء فإنَّ الربح به مُتوقع، وقيل أنَّ المراد بالتجارة هنا هو الشراء فقط لأنَّه أصلها، وهؤلاء الرجال على ما هم عليه من طاعة وعبادة إلَّا أنَّ قلوبهم تضطرب من شدة يوم القيامة وأهواله، أو أنَّها تتقلب فتفقه وتبصر ما لم تكن تفقهه وتبصره سابقًا.[٧]

معاني المفردات في آية: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع

إنَّ القرآن الكريم نزل باللغة العربية، حيث قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}،[٨] وعلى ذلك فإنَّ الركن الأساسي لفهم القرآن ومعرفة أسراره هو معرفة المرء باللغة العربية، وقد أدرك الأئمة السابقون ذلك، حتَّى أنَّ الشافعي ظلَّ يتبحر في اللغة العربية لمدة عشرين عامًا بهدف فهم القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن هنا لا بدَّ لكلِّ مسلمٍ أراد معرفة أسرار كتاب الله ومعرفة المراد من كلام الله أن يقتدي بمن سبقه من العلماء ويعكف على دراسة اللغة وعلومها والنظر في معاني مفردات الآيات الكريمة من حيث اللغة؛ لأنَّها السبيل إلى معرفة المراد من الآية،[٩] ومن هذا الباب فإنَّه سيتم تخصيص هذه الفقرة لبيان مفردات قول الله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، وفيما يأتي ذلك:

  • رجال: جمع رجل، وهو الذكر البالغ من البشر.[١٠]
  • تلهيهم: من التلهِّي، وهو التشاغل عن الأمر والإعراض عنه وعدم الاهتمام به.[١١]
  • تجارة: تحريك المال بالبيع والشراء بهدف الربح.[١٢]
  • بيع: صفقة يتم من خلالها تبادل الشيء بشيءٍ آخر، أو بما يساوي قيمته.[١٣]
  • ذكر: الصلاة لله -عزَّ وجلَّ- والدعاء إليه.[١٤]
  • الصلاة: ركن من أركان الإسلام، وهي فريضة أوجبها الله -عزَّ وجلَّ- على عباده.[١٥]
  • الزكاة: حصة من المال ونحوه أوجبها الله -عزَّ وجلَّ- للفقراء في مال الأغنياء بشروطٍ مخصوصة.[١٦]
  • يخافون: من الخوف، وهو انفعالٌ يحدث في نفس المرء بسبب توقعه ما يرد من مكروه أو تفويتٌ لمحبوب.[١٧]
  • تتقلب: أصابه اضطرابٌ وتغيُّر.[١٨]
  • القلوب: جمع قلب، وهو عبارة عن عضو عضلي أجوف يستقبل الدم من الأوردة ويدفعه إلى الشرايين.[١٨]

إعراب آية: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع

الأصل في من أراد فهم القرآن الكريم ومعرفة قراءاته، أن يكون على اطَّلاعٍ كافٍ بعلم النحو والإعراب، لما فيه من أثرٍ كبيرٍ في اختلاف معنى الآية عند اختلاف الحركة الأعرابية في آخر الكلمة،[١٩] ومن هذا المنطلق سيتم تخصيص هذه الفقرة لبيان إعراب مفردات قول الله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، وفيما يأتي ذلك:[٢٠]

  • رجال: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  • لا: نافية.
  • تلهيهم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، والضمير المتصل "هم" مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • تجارةٌ: فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  • ولا: "الواو" واو العطف، و"لا" زائدة.
  • بيعٌ: اسم معطوف على تجارة، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

الثمرات المستفادة من آية: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع

يعدُّ القرآن الكريم دستور أمةرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبه يهتدي البشر ويسترشدون إلى طريق الحقِّ وبما فيه خيرًا لهم، وذلك لتضمنه جميع ما يلزم المسلم في حياته، سواء أكان ذلك بشكلٍ مباشر أم بالإشارة والإيماء، وعلى ذلك يُمكن القول بأنَّ بعض ثمرات القرآن الكريم لا يصل إليها المسلم إلا عن طريق النظر والتأمل في آيات القرآن الكريم، لذلك أمر الله -عزَّ وجلَّ- بحسن تدبره حيث قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}،[٢١] بل حتَّى أنَّ التدبر يعدُّ الغرض الأساس من إنزال القرآن،[٢٢] ومن هذا المنطلق سيتم تخصيص هذه الفقرة لاستخراج الثمرات المستفادة من قول الله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، وفيما يأتي ذلك:[٣]

  • تُقاس الرجولة بقدر التزام المسلم أوامر الله -عزَّ وجلَّ- وطاعته.
  • أهل المساجد والذكر هم أهل الخير والفضل.
  • رغم أنَّ التجارة والبيع من الأمور المباحة في الشريعة الإسلامية إلَّا أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- امتدح من ترك اللهو فيها عن الذكر وإقام الصلاة، وهذا يعلِّم المسلم أنَّ ترك المكروهات والمحرمات أولى.
  • من جعل خشية الله نصب عينيه، لا يسوؤه ترك ما ينفعه في سبيل رضا الله عنه.
  • الأولى والأحرى بالمسلم تقديم الفرائض على النوافل والمباحات.
  • من الحكمة تقديم ما هو أنفع على ما هو نافع.
  • إنَّ أهوال يوم القيامة شديدة على الخلق، لذلك ينبغي على المسلم أن يحسن العمل.

المراجع

  1. "سور النور"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة النور، آية:37
  3. ^ أ ب "مع القرآن - رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "تفسير البغوي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  5. "لماذا قال في الحديث اقامة الصلاة لماذا لم يقل اداء الصلاة؟"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  6. "تفسير السعدي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  7. "تفسير البيضاوي"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  8. سورة يوسف، آية:2
  9. "أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى رجال في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى تلهيهم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى تجارة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى بيع في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى ذكر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى الصلاة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  16. "تعريف و معنى الزكاة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  17. "تعريف و معنى يخافون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  18. ^ أ ب "تعريف و معنى تتقلب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  19. "أثر اختلاف الإعراب في تفسير القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  20. ".إعراب الآيات (36- 38):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  21. سورة ص، آية:29
  22. "تدبر القرآن .. لماذا وكيف؟ "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
2044 مشاهدة
للأعلى للسفل
×