معنى آية فتزِل قدم بعد ثبوتها، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فتزِل قدم بعد ثبوتها، بالشرح التفصيلي

سورة النحل

تعدّ سورة النّحل من سور القرآن الكريم المكيّة، ماعدا من الآيات من 126 إلى 128 فهي مدنيّة، وهي من سور القرآن المئين، عدد آياتها 128 آية، نزلت بعد سورة الكهف، وترتيبها السادسة عشرة في المصحف الشّريف، وفي الجزء الرّابع عشر، بدأت السورة بفعل ماضي، حيث قال الله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}،[١] في السّورة سجدة في الآية أل 50، سمّيت ‏هذه ‏السّورة ‏‏بـ" سورة ‏النحل‏‏"، ‏للحديث عن عجيب ‏صنع ‏الله تعالى في مملكة النّحل، والتي تنتج العسل الذي فيه شفاء للنّاس من الأمراض والعلل، والتي فيها دلالة ‏على ‏الألوهية ‏بهذا ‏الصّنع ‏العجيب، يدور محور السّورة حول نعم الله تعالى الظّاهرة والباطنة، والتي لا تعدّ ولا تحصى، والنّعم الظّاهرة هي كلّ مايراه العبد من حوله، وقد وضعت لخدمته، والنّعم الباطنة، هي التي لا يراها، ويتوجب على الإنسان لدوام هذه النّعم شكرها، وسيأتي لاحقًا معنى آية: فتزِل قدم بعد ثبوتها، بالشرح التفصيلي.[٢]

معنى آية: فتزِل قدم بعد ثبوتها، بالشرح التفصيلي

لتفسير الآية الرّابعة والتّسعين من سورة النّحل، وهي قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ

اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}،[٣] من عدّة تفاسير معتمدة عند أهل السّنة والجماعة، للوصول إلى المعنى المراد من الآية والكريمة، وهي كالآتي:

جاء في تأويل الآية في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي، قوله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بعد ثبوتها}، أي: تزلّ هذه القدم عن الإِيمان بعد المعرفة بالله تعالى، وهذا يكون بسبب نكثهم ونقضهم لمعاهدة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على نصرة الدِّين، قوله: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ}، أي: وينالكم العقاب والعذاب، قوله: {بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، أي: وذلك أنَّهم إذا وقعوا في نقض العهد، لم يعد يدخل غيرهم في الإِسلام، فيكونوا كمن صدُّ عن سبيل الله وعن دين الله.[٤]

وفي تفسير البغويّ "معالم التنزيل"، قوله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا}، أي: لا تجعلوا من أيمانكم سبيلًا للخَدِيعَة وَالغشّ والفَسَاد، {بَيْنَكُمْ}، أي: فيغترّ النَّاسَ بكم ويَسْكُنُونَ إِلَيكم ويأمنونكم بسبب أَيْمَانِكُمْ ثُمَّ تَنْقُضُونَ العهد، قوله: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها}، أي: فيحلّ بكم الهلاك بعدما كُنْتُمْ آمِنِينَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ نزلت به البلوى بَعْدَ عَافِيَةٍ، أَوْ تورّط  بَعْدَ سَلَامَةٍ: زَلَّتْ قَدَمُهُ، قوله: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، أي: فتحتم طَرِيقَ نَقْضِ الْعَهْدِ عَلَى النَّاسِ بِسبقكم إلى نقض الْعَهْدَ، {وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}، أي: وسينالكم عذاب من الله شديد.[٥]

وجاء في تفسير الطّبريّ: قوله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ}، أي: ولا تجعلوا أيمانكم بينكم خديعة بينكم، يغترّ بكم الناس {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا}، أي: فيصيبكم الهلاك، بعد أن كنتم في أمان منه، والعرب تقول: "زلّت قدمه"، لكلّ مبتلى أو متورّط بعد عافية وسلامة، وقوله: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ}، أي: وتذوقوا أنتم عذاب الله الذي ينزل بأهل المعاصي في الدنيا، وذلك بعض ما عذب به أهل الشّرك والكفر، قوله:{بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، أي: بكونكم سببًا في ابتعاد من أراد الإيمان بالله ورسوله عن الإيمان، {ولكم عذاب عظيم }، أي: سيكون مصيركم نار جهنم في الآخرة، وهؤلاء عمّن بايعوا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ نقضوا عهدهم معه.[٦][٧]

معاني المفردات في آية: فتزِل قدم بعد ثبوتها

لفهم أيّ نصّ دينيّ أو أدبيّ أو علميّ، لا بدّ من شرح ما غمض من كلماته ومفرداته، حتّى يتمكّن القارئ من استيعاب هذا النصّ وفهم مضمونه بالشّكل المطلوب، ولذلك بعد تفسير الآية من عدّة تفاسير، ستمّ انتقاء بعض مفرداتها التي تحتاج إلى شرح، واستخراج معانيها المتعدّدة من معاجم اللّغة العربيّة، وهي:

  • تَتَّخِذُوا: اِتَّخَذَ: فعل: اتَّخذَ يتَّخذ، اتِّخاذًا، فهو مُتَّخِذ، واسم المفعول مُتَّخَذ، اِتَّخَذَهُ صَدِيقاً: جَعَلَهُ، صَيَّرهُ وَهُوَ يَنْصِبُ مَفْعُولَيْنِاِتَّخَذَ مَوْقِفاً مُعَارِضاً: اِعْتَمَدَ، اتَّخذ أجرًا على عمله: أخذه، اتَّخذ فلانةً زوجةً له: تزوَّجها.[٨]
  • أَيْمانَكُمْ: يَمين: اسم، الجمع: أَيْمُنٌ، وأَيْمَانٌ، وأَيامِنُ، اليَمِينُ: ضِدّ اليسار، للجهة، اليَمِينُ: القَسَم، يمين الله: أُقْسِم بالله واليَمين الغَموس: يمين كاذبة تغمس صاحبَها في نار جهنّم لحلف وهو يعلم بأنّه كاذب.[٩]
  • دَخَلاً: دَخِلَ: فعل، دخِلَ يَدخَل، دَخْلاً ودَخَلاً، فهو دخِل، دَخِلَ الشَّيْءُ: فَسَدَ دَاخِلُهُ، دَخِلَ الأَمْرُ: أَصَابَهُ عَيْبٌ أوْ فَسادٌ، دَخَل: اسم، مصدر دَخِلَ، بِهِ دَخَلٌ: بِهِ خَلَلٌ فِي عَقْلِهِ، الدَّخَلُ: الشَّكُّ، بِهِ دَخَلٌ: مَرَضٌ، الدَّخَلُ: الفساد، الدَّخَلُ: العيبُ، الدَّخَلُ: الداءُ الدَّخَلُ: الشّجر الملْتَفّ، الدَّخَلُ :القومُ الذين يدْخُلون في قومٍ وينسبون إليهم وليسوا منهم، مصدر دخِلَ: خديعةٌ وغِشٌّ وغَدْرٌ ومَكْرٌ.[١٠]
  • تَزِلَّ: زَلَّ: فعل، زلَّ عن زلَلْتُ، يَزِلّ، ازْلِلْ، زِلَّ، زَلاًّ وزُلُولاً ، فهو زالّ ، والمفعول مَزْلُول عنه وهو أَزَلّ، وهي زلاَّء والجمع: زُلٌّ، زَلَّتْ قَدَمُهُ: سَقَطَتْ، وَقَعَتْ، زَلَقَتْ زَلَّتْ بِهِ القَدَمُ، زَلَّ لِسانُهُ: اِنْحَرَفَ بِهِ بِما لَمْ يَكُنْ يَقْصِدُهُ، تَلَفَّظَ بِما لا يُريدُ قَوْلَه.
  • السُّوءَ: سَوء: اسم، جمعه: أسْواء، السُّوء: كل ما يَغُمُّ الإنسان، السُّوء: كلّ ما يقْبُحُ، شرّ، فساد، قُبْح، نقص، عيْب، كلّ ما يَسوء، وقد تجمع على مساوئ على غير قياس، سُوء السّلوك: التّعامل الخاطئ مع الآخرين، سُوء الظَّنّ: الشَّكّ والارتياب.[١١]
  • صَدَدْتُمْ: صَدَّ: فعل، صدَّ صَدَدْتُ، يَصُدّ، اصْدُدْ، صُدَّ، مصدر صَدٌّ، صُدُودٌ، فهو صَادّ، والمفعول مَصْدود، صدَّ الهُجومَ ونحوَه: منع حدوثَه، صدَّه عن الأمر: منعه، صرفه، ردعه، صَدَّ منه صَدًّا: ضَجَّ وأَعرض.[١٢]

إعراب آية: فتزِل قدم بعد ثبوتها

بعد تفسير معنى الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}، وشرح معاني بعض مفرداتها، سيتمّ إعرابها مفردات وجملًا، كالآتي:[١٣][١٤]

إعراب المفردات:

  • ولا: الواو: استئنافيّة، لا: ناهية جازمة.
  • تَتَّخِذُوا: فعل مضارع مجزوم بـ"لا" النّاهية، وعلامة جزمه حذف النّون، و"الواو": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعلًا.
  • أَيْمانَكُمْ: أيمان: مفعول به أوّل منصوب وعلامة نصبه الفتحة، و"كم": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
  • دَخَلاً: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • بَيْنَكُمْ: بين: مفعول فيه ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة، متعلّق بـ"دَخَلًا"، و"كم": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
  • فَتَزِلَّ: الفاء: فاء السّببيّة، تزلّ: مضارع منصوب بأن المضمرة بعد الفاء وعلامة نصبه الفتحة.
  • قَدَمٌ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • بَعْدَ: ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة، متعلّق بـ "تزلّ".
  • ثُبُوتِها: ثبوتِ: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة، و"ها": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
  • وَتَذُوقُوا: الواو: حرف عطف، تذوقوا: فعل مضارع منصوب لعطفه على "تزلّ"، وعلامة نصبه حذف النون، و"الواو": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل.
  • السُّوءَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • بما: الباء: حرف جرّ، ما: حرف مصدريّ.
  • صَدَدْتُمْ: فعل ماض مبنيّ على السكون، و"تم": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل.
  • المصدر المؤوّل "ما صددتم" في محلّ جرّ بالباء متعلّقا بـ "تذوقوا".
  • عَنْ سَبِيلِ: عن: حرف جرّ، سبيل: اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة، متعلّق بـ"صددتم".
  • اللّه: لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة.
  • وَلَكُمْ: الواو: استئنافيّة، اللّام: حرف جرّ، و"كم": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بـ"اللّام" متعلّقان بخبر مقدّم.
  • عذاب: مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
  • عظيم: نعت عذاب مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.

إعراب الجمل:

  • لا تتّخذوا: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
  • تزلّ قدم: صلة الموصول الحرفيّ لا محلّ لها الإعراب.
  • تذوقوا: معطوفة على جملة صلة الموصول الحرفيّ لا محلّ لها من الإعراب.
  • صددتم: صلة الموصول الحرفيّ "ما" لا محلّ لها من الإعراب.
  • لكم عذاب: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.

الثمرات المستفادة من آية: فتزِل قدم بعد ثبوتها

من الثّمرات المستفادة من قوله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}، هي:

  • على المسلمين أن يكونوا صادقين في أفعالهم وأقوالهم، وفي عهودهم ومواثيقهم مع المسلمين ومع غير المسلمين.
  • التّراجع عن العهود والمواثيق والأيمان دون مبرّر يقبله الطّرفان؛ من الأمور التي يكرهها الله تعالى ونهى عنها نهيًا جازمًا، وتعرّض صاحبها للعذاب من الله تعالى.
  • المسلم هو قدوة لغير المسلم في أقواله وأفعاله، وقد دخل الكثير في الإسلام من خلال رؤيتهم لصدق المسلمين في أقوالهم وأفعالهم، وإذا ظهر من المسلم أيّ شيء ينافي الإيمان والأخلاق، فقد يكون سببًا في عدم الدّخول في الإسلام ممّن كان عازمًا على الدّخول فيه، أو بخروج من كان قد دخل في الإسلام وقلبه ما زال مزعزعًا.

المراجع

  1. سورة النحل، آية:1
  2. "سورة النّحل"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  3. سورة النحل، آية:94
  4. "تفسير: (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  5. "تفسير: (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  6. " القول في تأويل قوله تعالى "ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  7. "وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيْمَٰنَكُمْ دَخَلًۢا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌۢ بَعْدَ ثُبُوتِهَا..."، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى تَتَّخِذُوا: في معجم المعاني الجامع "، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى أَيْمانَ في معجم المعاني الجامع..."، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى دَخَلاً في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى السُّوءَ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى صَدَدْتُمْ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  13. ".إعراب الآيات (94)"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  14. "إعراب القرآن : وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا...."، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
4208 مشاهدة
للأعلى للسفل
×