معنى آية فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا، بالشرح التفصيلي

سورة المؤمنون

سورة المؤمنون من السور المكية في كتاب الله تعالى، نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، وكان نزولها بعد سورة الحج، تقع سورة المؤمنون في الجزء الثامن عشر، ورقم ترتيبها 23 في المصحف الشريف، ويبلغ عدد آيات السورة 118 آية، وأطلق على السورة اسم سورة المؤمنون بسبب بدايتها التي تحدَّثت عن أحوال المؤمنين والصفات التي يتميزون بها، وكما أنّها تشيرُ إلى أنَّهم وحدهم من يستحقون النجاة في الدنيا والآخرة، حيث قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}،[١] وتناولت السورة أيضًا مواضيع عديدة مثل البحث في أصول الدين كالرسالة والبعث والنشور والتوحيد، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا، بالشرح التفصيلي.[٢]

معنى آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا، بالشرح التفصيلي

في بداية الحديث عن معنى آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا، يجدر بالذكر المرور على بعض التفاصيل المتعلقة بهذه الآية الكريمة، حيثُ تقع الآية في سورة المؤمنون وهي الآية رقم 53 منها، وردت الآية بعد أن أشار الله تعالى في الآية التي سبقتها إلى أنَّ رسالة التوحيد واحدة وأنَّ أمَّة الرسل أمَّة واحدة في الدين والعقيدة، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ* وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ* فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ* فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ* أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ* نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ}،[٣] وقد اختلفَ أهل قراءة القرآن على قراءة كلمة زبُرًا، فقرأها معظم القرَّاء في المدينة والعراق زُبرًا بمعنى جمع الزبور، وكان تفسير الكلام عندهم أنَّ القوم الذين جاءهم أمرُ الله تعالى بالاجتماع على ملة واحدة ودين واحد من أمَّةِ عيسى -عليه السلام-، ودينهم الذي أمرهم بالتزامه، وزبُرًا أي كتبًا، فتفرَّق القوم وآمن كل منهم بكتاب مختلف عن كتاب الفرقة الأخرى، فاليهود آمنوا بالتوراة ودانوا لحكمها على حدِّ زعمهم، والنصارى آمنوا بالإنجيل ودانوا له وكذبوا بالقرآن الكريم، وقد رويَ عن قتادة أنَّه فسَّر كلمة زبرًا وقال: كتبًا، وعن مجاهد أنَّه قال عن "بينهم زبرًا": كتب الله فرقوها قطعًا، وذهب بعض المفسرين ممَّن قرأ زبرًا إلى أنَّ معنى الآية يشير إلى أنَّ القوم تفرقوا في دينهم على كتبٍ متعددة قد أحدثوها كي يحتجوا بها لمذاهبهم، وفسَّر ابن زيد ذلك بقوله: إنَّ ذلك ما اختلف فيه الناس من الأديان والكتب، وكلُّ فريق معجبٌ برأيه، وكل أهل هوى معجبون بهواهم ورأيهم وصاحبهم الذي اخترق لهم ذلك، وقرأ معظم القراء في الشام "زبَرًا" بضمِّ الزاي وفتح الباء، وفسروا ذلك بأنَّ القوم تفرقوا أمرهم بينهم قطعًا مثل زبر الحديد، وتلك القطع أو الزبر جمع والواحدة منها زبرة، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}،[٤] فتفرق الناس بين يهود ونصارى وغير ذلك.[٥]


وفي تفسير ابن عاشور وردَ أنَّ الفاء التي جاءت في بداية الآية تنبيه إلى أنَّ الناس لم يتريثوا بعد تبليغ الرسالات من قبل الرسل، فقد تفرقوا وتقطعوا أمرهم فيما بينهم واتخذَت كل طائفة أو جماعة منهم إلهًا، وأضحى دينهم مقطًّعا ومفرقًا إلى قطع كثيرة لكل فريق منهم صنم خاص وعبادة خاصة، فالكلام بالإضافة إلى أنه يوضِّح أحوالهم فيه ذمٌّ لأفعالهم وهذا ما تؤكده نهاية الآية بقوله: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}،[٦] واستخدم الله تعالى كلمة تقطَّعوا للتعبير عن زيادة الشدة في حصول الفعل، فيكون معنى تقطعوا أمرهم قطعًا كثيرة: أي تفرقوا على طوائف ونحلٍ كثيرة، واتَّخذ كل فريق وجماعة دينًا خاصًّا، والزبر هي الكتب كما سبق واستخدمها الله تعالى كنايةً عن الأديان، لأن الدين يوجب أن يكون لأتباعه كتاب، من خلاله يتميزون عن بقية الأديان والطوائف، وقد تكون استعارة فيها شيء من التهكم، أي تفرقوا على طوائف وعقائد لو سجِّلت لكانت زبرًا أي كتبًا.[٧]


وفي معالم التزيل للبغوي يشيرُ إلى أنَّ الأمم تفرقوا فيما بينهم وأصبحوا فرق كثيرة من يهود ونصارى ومجوس وغيرهم، وزبُرًا قطعًا وفرقًا مختلفة، ومفردها زبور وهو الطائفة أو الفرقة، وكذلك الزبرة، ويصحُّ أن يشار إلى أنَّهم تفرقوا مثل قطع الحديد وهي ما تسمى زبر الحديد، وفي تفسير آخر أنَّ المقصود من الآية أصحاب الدين الواحد الذين اختلفوا في كتبهم وجعلوها مقطعة آمنوا ببعض ما جاء فيها وكفروا ببعض ما جاء فيها وحرفوا البقية، والله تعالى أعلم.[٨]

معاني المفردات في آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا

بعد الحديث عن معنى آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا، بالشرح التفصيلي، لا بدُّ من الإشارة إلى معاني المفردات كل على حدة، لأنَّ ذلك يساعد على فهم المقصود من الآية بشكل أفضل، وسيتمُّ إدراج معاني المفردات في آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا فيما يأتي:

  • فتقطعوا: من تقطَّع ويتقطَّع وتقطُّعًا، والفاعل متقطِّع والمفعول متقطَّع، وهو فعل متعدٍ، وتقطَّع أمرهم بينهم: تفرَّقوا واختلفوا فيه، تفرقوا في دينهم: أصبحوا فرقًا وطوائف، تقطَّع الحبل: انحلَّ وانفكَّ وانفصلت أجزاؤه عن بعضها، وتقطع قلبه حزنًا: تلوَّى، تقطَّعت دونه الأعناق: لقيت عراقيل للوصول إلى الشيء.[٩]
  • أمْرهم: أمْر وجمعه أمُور، والأمر هو الشأن أو الحال، وأصدر أوامره: تعليماته، وتحت أمرك: في خدمتك، أمرُ الله : قدر الله تعالى وقضاؤه.[١٠]
  • زبرًا: جمع من كلمة زُبرة، وهي القطعة من الحديد، وجمعها زبَر وزبُر، كما رودَ في كتاب الله تعالى، والزَّبر بمعنى الزجر والنهي، والزبر الكتابة أيضًا والزِّبرُ الكتاب وجمعها زُبُور.[١١]

إعراب آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا

لقد اهتمَّ العلماء المسلمون بدراسة علوم القرآن الكريم من جميع الجوانب والتي تساعد على الاقتراب من كلام الله أكثر ومعرفة المراد من كل كلمة، وفيما يأتي سيتمُّ التطرُّق إلى إعراب آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا، إعراب مفرداتٍ وإعراب جُمَل:[١٢]

  • فتقطعوا: الفاء: استئنافية، تقطعوا: فعل ماضٍ والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة "تقطعوا" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
  • أمرهم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم: للجمع.
  • بينهم: بينَ: مفعول فيه ظرف مكان منصوب، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم: للجمع.
  • زبرًا: حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

الثمرات المستفادة من آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا

في نهاية مقال عن معنى آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا، من الضروري المرور على الثمرات المستفادة من الآية، فإنَّ كل آية في كتاب الله تعالى تحتوي على كنوز عظيمة ونورٍ وهدايةٍ من الله لعباده المسلمين، حتَّى يتبعوا سبيل الله ويلتزموا ما أمرهم به ويجتنبوا ما نهاهم عنه، ويكونوا في الدنيا من السعداء وفي الآخرة من الفائزين، وفيما يأتي أهم الثمرات المستفادة من آية: فتقطعوا أمرهم بينهم زبُرًا:[١٣]

  • إنَّ الله تعالى أرسل الرسل جميعهم لغاية واحدة وهي الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله تعالى الواحد الأحد خالق كلِّ شيء، ولذلك كانت الرسالات هي رسالة واحدة وتتمحور حول عقيدة واحدة، مع الاختلاف في بعض العبادات والأحكام.
  • لقد كان البشر دائمًا بعد نزول الرسالات سرعان ما يكفرون ويتفرق بعضهم عن بعض، ويكفر بعضهم بكتاب الله أو ببعض ما جاء فيه، ويؤمن بعضهم بكتبٍ وأديان وعقائد ما أنزل الله بها من سلطان، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا}،[١٤] في إشارة إلى ارتداد الإنسان عن إيمانه بشكل متكرر.
  • من الجهالة أن يفرح أصحاب كلِّ حزب أو طائفة بما يؤمنون به، من دون علم أو دليل على معتقداتهم والتي قد تتنافى مع العقل والمنطق في معظم الأحيان.
  • إنَّ الله لا يرضى لعباده أن يتفرقوا فيما بينهم، ويكونوا أحزابًا وطوائف، وكثيرًا ما أشار إلى أنَّ الأمة هي أمة واحدة، على اعتبار أنَّ أمة الإسلام والتوحيد يجب أن تكون واحدة، حيث قال تعالى: {إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ}،[١٥] ولذلك ذمَّ الله تعالى في الآية الكريمة السابقة تفرَّق الأمم على أحزاب مختلفة، وهذا التفرُّق والتحزُّب قد أدى إلى سقوط أمم وديانات كثيرة قديمًا، وهو من دعاوى الشيطان التي يلبس فيها الحق بالباطل.[١٦]

المراجع

  1. سورة المؤمنون، آية:1-6
  2. "سورة المؤمنون"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-09. بتصرّف.
  3. سورة المؤمنون، آية:51-56
  4. سورة الكهف، آية:96
  5. "القول في تأويل قوله تعالى " فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  6. سورة المؤمنون، آية:53
  7. "فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  8. "تفسير: (فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى تقطعوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى أمرهم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى زبرا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  12. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  13. "القول في تأويل قوله تعالى " فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
  14. سورة الإسراء، آية:67
  15. سورة الأنبياء، آية:92
  16. "فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
2164 مشاهدة
للأعلى للسفل
×