معنى آية فرهان مقبوضة، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فرهان مقبوضة، بالشرح التفصيلي

سورة البقرة

سُورة البقرة هي أطول سور القرآن وهي من السور المدنية، آياتها مئتان وستة وثمانون وترتيبها الثاني في المصحف بعد سورة الفاتحة، وقال بعض المفسرين هي أول سورة نزلت في المدينة إلا قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}[١]،لأنها آخر آية نزلت من السماء، ومن مقاصدها العظيمة أنها تناولت قضايا مهمة من القيام بدين الله تبارك وتعالى، وبيان أقسام النّاس، وفيها ردّ على شبه أهل الكتاب بعد بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيها ذكر أصول الإيمان وكليات الشريعة من صلاة وزكاة وحج و صيام وتحتوي سورة البقرة على أعظم آية في القرآن آية الكرسي التي رقمها 255، وأخرج مسلم في صحيحه في فضلها من حديث النّواس -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، تحاجّن عن صاحبهما يوم القيامة"[٢][٣]


معنى آية: فرهان مقبوضة، بالشرح التفصيلي

تعتبر هذه الآية أصل في أحكام الرهن، وهي من الآيات التي تحفظ الحقوق بين المسلمين، وهي من عقود التوثيقات التي توثق بها الديون لتحفظ بها الحقوق، والرهن توثيق عين بدين يمكن الاستيفاء منها أو من ثمنها ويدل عليه قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ}[٤]، فالرهن كما سبق توثيق عين مرهونة مقابل دين، والراهن هو دافع الرهن الذي عليه الدين ويسمى المدين ، والمرتهن هو آخذ الدين والرهن الذي له الدين ويسمى الدائن، ولا يصح الرهن إلا بالسلع التي يجوز بيعها، ومن أحكام الرهن أنّ المرتهن لا يضمن إلا إذا تعدّى أو فرّط، فإذا جاء وقت الدين ووفّى المدين بدينه فيجب على الدائن أن يرجع إليه عينه التي كان قد رهنها.[٥]


قال الإمام البغوي -رحمه الله- في كتابه معالم التنزيل:  " {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِبًا فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ} ، وَالرُّهُنُ: جَمْعُ الرِّهَانِ: جَمْعُ الْجَمْعِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ ولم تجدوا آلات الكتابة، فَارْتَهِنُوا مِمَّنْ تُدَايِنُونَهُ رُهُونًا لِتَكُونَ وثيقة بِأَمْوَالِكُمْ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ، وَقَوْلُهُ: فرهن مَقْبُوضَةٌ، أَيِ: ارْتَهِنُوا وَاقْبِضُوا حَتَّى لَوْ رَهَنَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَإِذَا سَلَّمَ لَزِمَ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ بَاقِيًا، وَيَجُوزُ فِي الْحَضَرِ الرَّهْنُ مَعَ وُجُودِ الْكَاتِبِ، وهو قول الجمهور، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إِلَّا فِي السَّفَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْكَاتِبِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ: خَرَجَ الْكَلَامُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَلَا عِنْدَ عَدَمِ كَاتِبٍ،{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا }، وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ، "فَإِنِ ائْتَمَنَ"، يَعْنِي: فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَمِينًا عِنْدَ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَمْ يَرْتَهِنْ مِنْهُ شَيْئًا لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ، {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ} ، أَيْ: فَلْيَقْضِهِ عَلَى الْأَمَانَةِ، {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} فِي أَدَاءِ الْحَقِّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الشُّهُودِ فقال: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ}، إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى إِقَامَتِهَا نَهَى عَنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَأَوْعَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ: {وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}، أَيْ: فاجر قلبه،وَأَرَادَ بِهِ مَسْخَ الْقَلْبِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، {وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ}: من بيان الشهادة وكتمانها، عَلِيمٌ"[٦]


معاني المفرادات في آية: فرهان مقبوضة

بعد الفراغ من تفسير قوله تعالى: { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[٧]، وبيان أهم أحكام الرهن الفقهية، فلا بدّ من بيان المفردات في الآية لكي يذهب اللّبس وينجلي الإشكال بالنسبة للآية الكريمة:

  • فقوله تعالى: {وإن كنتم على سفر}: سَفَر: اسم والجمع منه : على أسْفار و أسفُر، وهي: قَطْعُ المسافة، وسَفَرُ الصبح: بياضُه، وهو: بقيَّة بياض النهار بعد مَغِيب الشمس، ويطلق على الرحيل والتنقّل بين البلاد[٨]
  • وقوله {كاتباً}: كاتَبَ: بفتح التاء فعل كاتبَ يكاتب ، مُكاتبةً ، فهو مُكاتِب ، والمفعول مُكاتَب، ومنه قولهم كاتب السّيِّدُ عبدَه: إذا اتَّفق معه على أن يكون حرًّا إذا أدّى قدْرًا مُعيَّنًا من المال، ومنه أيضاً كَاتبَ شَرِيكَهُ : إذا كَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ اتِّفَاقاً[٩]
  • وقوله {فرهان مقبوضة}: رَهن: اسم، الجمع منه: رِهان و رُهُن و رُهون ، رُهُونات، والرهن شرعاً: حَبْسُ الشيء(العين) بحقٍّ ليُستوفى منه عند تعذُّر وفائِه[١٠]


إعراب آية: فرهان مقبوضة

بعد الفراغ من تفسير قول الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[١١]، فيحسن بعد ذلك بيان الإعراب في الآية الكريمة:

  • قوله -تبارك وتعالى-: {وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ}
  • {الواو} هنا: استئنافيّة- أو عاطفة-.
  • {إن}: حرف شرط جازم.
  • {كنتم}: فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.
  • {وتم}: ضمير متصل في محلّ رفع اسم كان.
  • {على سفر}: على حرف جر، سفر إسم مجرور بعلى وعلامة جره تنوين الجر.
  • قوله تعالى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ.
  • {الواو}: حرف عطف، {لم}: حرف نفي وجزم.
  • {تجدوا}: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون.
  • {الواو}: ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • {كاتباً): مفعول به منصوب وعلامة نصبه تنوين الفتح.
  • قوله-تبارك وتعالى: {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ}.
  • {الفاء}: رابطة لجواب الشرط.
  • {رهان}: خبر لمبتدأ محذوف.
  • {مقبوضة}: نعت لرهان مرفوع وعلامة رفعه تنوين الضم.
  • {أمن}: فعل ماض مبنيّ على الفتح في محلّ جزم فعل الشرط.
  • {بعض}: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، {كم}: ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.
  • {بعضاً}: مفعول به منصوب وعلامة نصبه تنوين الفتح.
  • قوله -سبحانه وتعالى-: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
  • {يؤدّ}: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة اجزمه حذف حرف العلّة وهو الياء.
  • {الذي}: اسم موصول في محلّ رفع فاعل.
  • {أوتمن}: فعل ماضيّ مبنيّ للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
  • {الواو}: حلرف عطف
  • {وليتّق اللّه ربّه}: الام للأمر، يتقّ: فعل أمر مبنيّ على السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، الله: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف، ربّه: مضاف إليه.
  • {الواو}: حرف عطف.
  • {لا}: ناهية جازمة .
  • {تكتموا}: مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون.
  • {الواو}: ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • {الشهادة}: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • {من}: اسم شرط جازم مبنيّ على السكون في محلّ رفع مبتدأ.
  • {يكتمها}: فعل مضارع مجزوم فعل الشرط، و(ها): ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
  • {الفاء}: رابطة لجواب الشرط.
  • {إنّه}: حرف نصب يفيد التوكيد، والهاء: ضمير اسم إنّ في محلّ نصب،
  • {آثم قلبه}: خبر إنّ مرفوع وعلامة رفعه تنوين الضم، قلب: فاعل اسم الفاعل، الهاء: ضمير متصل مضاف إليه.
  • {وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}: الواو للاستئناف اللّه لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، الباء: حرف جرّ، ما اسم موصول مبنيّ.
  • {تعملون}: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل عليم: خبر المبتدأ اللّه.[١٢]


الثمرات المستفادة من آية: فرهان مقبوضة

إن مما يستفاد من قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[١٣]

  • الرهن شرع لحفظ الحقوق بين النّاس ولئلا يظلم أحد أحداً.
  • الرهن لا يصح إلا أن يكون مما يصح بيعه.
  • المرتهن وهو صاحب الدين لا يضمن إذا تلف الرهن إلا إذا فرّط أو تعدّى.
  • الرهن مشروع في السفر والحضر، وفي الآية ذكر الرهن في حال السفر؛ لأنّ ذلك هو الغالب فخرج مخرج الغالب، لا أنّ الرهن من شروط صحته أن يكون في السفر، بل هو في السفر والحضر[٥]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:281
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان، الصفحة أو الرقم:805، صحيح.
  3. "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، 2020-06-10. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:283
  5. ^ أ ب "أحكام الرهن في الفقه الإسلامي"، www.alukah.net، 2020-06-10. بتصرّف.
  6. "تفسير: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة... ) "، www.alukah.net، 2020-06-10.
  7. سورة البقرة، آية:283
  8. "تعريف و معنى سفر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-10. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى كاتب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-10. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى الرهن في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-10. بتصرّف.
  11. سورة البقرة، آية:283
  12. ".إعراب الآية رقم (283)"، www.al-eman.com، 2020-06-11. بتصرّف.
  13. سورة البقرة، آية:283
4590 مشاهدة
للأعلى للسفل
×