معنى آية فلا تكن من القانطين، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فلا تكن من القانطين، بالشرح التفصيلي

سورة الحجر

سورة الحجر هي سورة مكية ما عدا الآية 87 فمدنية وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}،[١] وهي من السور المئين عدد آياتها 99 آية، وقيل أنّها من المثاني، وهي السورة الخامسة عشرة في ترتيب سور القرآن الكريم وتقع في الجزء الرابع عشر،[٢] وقد نزلت بعد سورة يوسف وقبل سورة الأنعام وهي السورة الرابعة والخمسين في ترتيب النزول، وُسميّت بسورة الحجر لعدم وقوع هذه الكلمة في غيرها والحجر هو حجر ثمود وديارهم، وثمود هم قوم النبي صالح، وقال ابن عاشور أنّ البعض يُسميّها سورة "ربما" لورود هذه المفردة في آياتها الأولى، كما أنّه لم يؤيد استثناء بعض آيات السورة من كونها نزلت في مكة وذكر أقوال عدّة للعلماء في هذا الشأن وأقام الدليل على ضعفها،[٣] ومن المواضيع التي تحدّثت فيها السورة الكريمة تثبيت المؤمنين وتسلية الرسول الكريم وذكر بعض من قصص الأنبياء، وسيتناول هذا المقال معنى آية: فلا تكن من القانطين، بالشرح التفصيلي.[٤]

معنى آية: فلا تكن من القانطين، بالشرح التفصيلي

تحدّثت سورة الحجر في قصة النبي إبراهيم ورزق الله تعالى له بالولد من زوجته سارة، وقد جاء فيها: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}،[٥] وفي هذه الآيات إخبار من الله تعالى عن ضيوف النبي إبراهيم من الملائكة الذين دخلوا عليه فقالوا: سلامًا فردّ عليهم السلام، وقدّم إليهم الطعام، فلم يأكلوا منه فأثار ذلك خوفه، فطمئنوه وبشروّه بالولد فتجّب من ذلك لكبر سنّه وعقم زوجته، فأخبروه أنّ هذا هو الحق وقالوا له: لا تكن من القانطين، فأجابهم بأنّه لا يقنط من رحمة الله إلّا الضالون.[٦]

وقال الطبري عند تفسيره لقوله تعالى على لسان الملائكة: بشرّناك بالحق فلا تكن من القانطين، أنّ ضيوف النبي إبراهيم قالوا له بأنّهم بشّروه بحقٍّ ويقين، وعلم منهم بأنّ الله تعالى قد وهب له غلامًا عليمًا، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، بل أبشر بما بشّرناك به واقبل البشرى، وقال القرطبي أنّ معنى القانطين أي: الآيسين من الولد وقد كان تعجبه بسبب كبر سنّه، وفي الوسيط للطنطاوي أنّ الملائكة عمدوا على زيادة طمأنة النبي إبراهيم من خلال تبشيره بالولد وتأكيدهم ذلك بأنّ هذا أمر محقّق متيّقن منه، وهو أنّ الله تعالى سيهبه الولد على الرغم من تقدّمه في العمر هو وزوجته، فقدرة الله لا يعجزها شيء ولا يجب أن ييأس الإنسان منها، وقال البغوي أنّ الحق في هذه الآية هو الصدق، فبشارة الملائكة صادقة ومتحقّقة.[٧]

ويقول السعدي في تفسيره لآية: فلا تكن من القانطين، أي الذين يستبعدون وجود الخير، وفي التحرير والتنوير أنّ جواب الملائكة للنبي إبراهيم بأنّهم بشّروه بالحق أي الأمر الثابت الذي لا شكّ فيه، فيه إبطال لما اقتضاه استفهامه -عليه السلام- بقوله: "فبمَ تبشّرون"، فهذا الاستفهام والتعجّب يعطي معنى أنّ ما بشّروه به يكاد يكون أمرًا منتفيًا وباطلًا، فجاء كلامه ردًّا على كلامه وليس جوابًا على استفهامه لأنّه استفهام غير حقيقي، ثمّ جاء النهي عن أنّ استبعاد حصول الولد هو استبعاد لرحمة الله القدير، وذلك بعد أنّ أخبروه بأنّهم مرسلون من عند الله تعالى، وأنّ هذا من القنوط فقالوا له: "فلا تكن من القانطين"، وذلك لأنّ استبعاده حصول ذلك وهو أمر معتاد وقد جاءته البشرى الصادقة على وقوعه لم يزيل الترّدد من حصوله في نفسه، فقاربت حاله تلك حال الذين ييأسون من أمر الله تعالى.[٧]

ثمّ يقول ابن عاشور أنّه لما كان النبي إبراهيم منزّهًا عن القنوط من رحمة الله جاءت موعظته بأسلوب أدبي مناسب، فنهته الملائكة عن أن يكون من زمرة القانطين تحذيرًا له ممّا قد يدخله في هذه الزمرة، ولم يفترضوا أن يكون هو قانطًا، وذلك لرفعة مقام النبوة عن القنوط واليأس، وهذا شبيه لقوله تعالى في سورة البقرة في قصة النبي إبراهيم وإحياء الطير: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ }،[٨] وقوله تعالى لنبيّه نوح في سورة هود: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}،[٩] وفي أضواء البيان للشنقيطي أنّ النبي إبراهيم لم يكن قانطًا والدليل إجابته الملائكة بأنّه لا يقنط من رحمة ربه إلّا الضالون عن طريق الحق.[١٠]

وقال ابن كثير أنّ قول الملائكة: "فلا تكن من القانطين"، لا يقتضي أنّ النبي إبراهيم كان قانطًا، بل هو تلّطف من الملائكة -عليهم السلام- في تنبيهه بألّا يكون في زمرة القانطين، وهذا أسلوب معروف في التنبيه ولا يقتضي كون المخاطب في الزمرة والفئة التي جاء النهي عن دخوله فيها، بل على العكس التحذير يدلّ على عدم الدخول، فلا يقنط من رحمة الله إلّا المكذّبون، وهذا يدل على عدم قنوط النبي إبراهيم إلّا أنّ استبعاده لحصول الولد جعل الملائكة يظنّون قنوطه، فنفى ذلك عن نفسه، فعصمته تتنافى مع القنوط حيث لا يقنط من رحمة ربّه إلّا الضالون، ولا يجوز أن يُنسب القنوط إلى أحد الأنبياء فهم أكمل الخلق عقلًا وإيمانًا.[١٠]

معاني المفرادات في آية: فلا تكن من القانطين

القنوط واليأس من رحمة الله ومن خيره صفات لا يجب أن يتصف بها المؤمن وقد وردت في موضع النهي والذم في كثير من الآيات القرآنية، كآية: فلا تكن من القانطين، وفيما يأتي بيانٌ لمعنى القنوط ولمفردات الآية من المعاجم اللغوية:

  • تكن: من الفعل كان وهو يدلّ على الكينونة والصيرورة والحدوث.[١١]
  • القانطين: القنوط هو اليأس والإحباط، وقيل هو اليأس من الخير، أو هو أشد اليأس من الشيء وأعلى درجاته[١٢] والقانطين هم اليائيسين من الخير أو الولد.[١٣]

إعراب آية: فلا تكن من القانطين

إنّ الأفعال الناقصة سُميّت بهذا الاسم لأنّها تحتاج إلى اسمٍ وخبر كي يكتمل معناها وتتضّح دلالتها، وهذه الأفعال هي "كان وأخواتها" وهي تحتاج إلى اسمٍ وخبر إن كانت بصيغة الماضي والمضارع والأمر، وقد ورد الفعل كان بصيغة المضارع في قوله تعالى: فلا تكن من القانطين، وفيما يأتي إعراب هذه الآية الكريمة من كتاب الجدول في إعراب القرآن:[١٤]

  • فلا الفاء عاطفة رابطة للمسبّب بالسبب، لا: ناهية جازمة.
  • تكن: فعل مضارع ناقص مجزوم، واسمه ضمير مستتر تقديره أنت.
  • من: حرف جر.
  • القانطين: اسم مجرور وعلامة جرّه الياء لأنّه جمع مذكّر سالم، والجار والمجرور متعلّقان بخبر "تكن".
  • جملة "لا تكن: لا محلّ لها من الإعراب معطوفة على استثناء تعليلي، أي: تنبّه فلا تكن من القانطين.

الثمرات المستفادة من آية: فلا تكن من القانطين

القرآن الكريم هو كتاب هداية وأخلاق لتهذيب الطباع وتغيير العادات وتحسين الأخلاق من خلال التحلّي بمكارم الأخلاق والاتصاف بمحامد الصفات، وقد تمّ بيان معنى قول الله تعالى: فلا تكن من القانطين، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض الثمرات المستفادة من هذه الآية الكريمة:

  • إن اليأس والقنوط من رحمة الله كبيرة من الكبائر، وهو صفة من صفات الكفّار، وسبب من أسباب الكفر لأنّ الإنسان لا يقنط إلّا إذا كان مكذّبًًا الله أو جاهلًا بصفاته.[١٥]
  • القنوط هو انقطاع الأمل وإحباط الروح من تغيّر الحال وهذا منهيٌّ عنه في الإسلام لأنّه من أسباب الكفر والضلال، وقد جاءت الآيات القرآنية لتبيّن ذلك ولتزرع بدلًا من اليأس والقنوط أملًا ورجاءً.[١٦]
  • إن قدرة الله تتجلى وتبرز وتتضّح تمام الوضوح عندما يقطع الإنسان الرجاء من الدنيا وينتهي عن اللجوء إلى الأسباب المادية وينقطع عن البشر ويلجأ إلى ربّ البشر والقادر على خلقهم وإعادتهم.[١٦]
  • القنوط هو صفة وخُلق يتنافى مع إيمان العبد، فالإنسان المؤمن يدعو الله تعالى باستمرار ولا ييأس ولا يقنط من الإجابة ولا يتطرّق إليه شك في قدرة الله على تحقيق مطلوبه مهما كان عظيمًا في نظره.[١٠]
  • إنّ من أنعم الله عليه بنور الهداية وفضلّه بالعلم العظيم فلا سبيل له للقنوط إليه، وذلك لعلمه وإيمانه بكثرة الوسائل والأسباب الجالبة لرحمة الله وعطفه.[٦]
  • إحسان استخدام الأسلوب المناسب مع المخاطب كلٍّ بحسب موقعه ومكانه هو فقه إسلامي أصيل وأدب قرآني رفيع، وهذا يظهر بجلاء في أسلوب الملائكة مع النبي إبراهيم عليه السلام.[١٠]

المراجع

  1. سورة الحجر، آية:87
  2. "سورة الحجر"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  3. "التحرير والتنوير"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  4. "سورةُ الحِجْرِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  5. سورة الحجر، آية:51-56
  6. ^ أ ب "سورةُ الحِجْرِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  7. ^ أ ب "(الحجر - 55)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية:260
  9. سورة هود، آية:46
  10. ^ أ ب ت ث "إبراهيم عليه السلام لم يقنط من رحمة الله"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى كان في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى قنوط في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  13. "معنى الْقَانِطِينَ في القرآن الكريم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  14. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  15. "اليأس من رحمة الله جل جلاله"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
  16. ^ أ ب "فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ "، almoslim.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-06. بتصرّف.
5093 مشاهدة
للأعلى للسفل
×