معنى آية فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا، بالشرح التفصيلي

سورة طه

من السور المكيّة التي قد تخلّلها آية أو اثنتان من الآيات المدنيّة، تكتب طه ولكن تُقرأ "طاها"، قيل إنّها من أوائل السور التي نزلت في مكّة في أواخر السنة الرابعة من البعثة وأوائل السنة الخامسة، وقد كانت سببًا في إسلام عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- حين قرأها في بيت أخته، ويبلغ عدد كلماتها على الأشهر 135 آية،[١] وقد قال بعض المفسرين -كالإمام الطبري- إنّ معنى طه في السريانيّة هو: "أيّها الرّجل"، وذلك منقول عن غير واحد من السلف كالصحابي الجليل ابن عبّاس والإمام التابعي سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين،[٢] ترتيبها في المصحف 20 تأتي قبل سورة الأنبياء، وفي هذه السورة ثمّة آية يقول فيها الله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}،[٣] وسيتوقّف هذا المقال مع تفسير هذه الآية وإعرابها وبيان معناها، وكذلك سيقف مع أهمّ الثمرات التي يمكن أن تُستفاد من هذه الآية.[٤]


معنى آية: فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا، بالشرح التفصيلي

يقول أهل التفسير في تفسيرهم للآية القرآنيّة التي يقول فيها تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}[٥] إنّ المقصود فيها عدّة أمور؛ الأوّل هو أنّ الإيمان شرطٌ لقَبول الأعمال الصالحة من العبد، فمن دون الإيمان تكون الأعمال هباءً منثورًا، وأمّا من يعمل الصالحات وهو مؤمن فذلك هو الشرط الأوّل لقبول الأعمال التي قال عنها بعض المفسّرين -نقلًا عن جماعة من أئمّة السلف- إنّها الفرائض التي افترضها الله -تعالى- على المسلمين، والأمر الثاني أنّ من يعمل تلك الأعمال الصالحة وهو مؤمن بالله -تعالى- أنّه سيتقبّل تلك الأعمال الصالحة وسيُجزى عليها أحسن الجزاء كما سيُجزى المُسيئون والذين يرتكبون المعاصي والآثام على ما يستحقّون؛ فإنّه لن يُظلم يوم القيامة شيئًا من حقّه أو أن يُهضم، وقال جماعة من السلف إنّ المقصود بالظّلم هنا هو أن يُزاد سيّئات على سيّئاته، وأمّا المقصود بالهضم فهو أن يُنتقص شيئًا من الحسنات التي ارتكبها، وقد روي عن ابن عبّاس وغير واحد من السلف أنّ الله -تعالى- يقول يوم القيامة: "أنا قاهرٌ لكم اليوم، آخذكم بقوّتي وشدّتي، وأنا قادرٌ على قهركم وهضمكم، فإنّما بيني وبينكم العدل"، فيومئذٍ يُجزى المُحسنون بإحسانهم ويُجزى المُسيئون بما كسبت أيديهم، ولا تُظلَمُ نفسٌ شيئًا، ولن تزرَ وازرةٌ وزرَ أخرى، ولن تُحاسب كلُّ نفسٍ إلّا بما كسبت، وهذا هو الأمر الثالث، والله -تعالى- أعلى وأعلم.[٦]


معاني المفردات في آية: فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا

بعد الوقوف على شيء من تفسير الآية الكريمة في سورة طه التي يقول فيها الله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}،[٧] وبعد نقل أقوال العلماء وأئمّة الإسلام من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم فإنّ هذه الفقرة تقف مع بيان معاني مفردات هذه الآية كلّ واحدة منها على حدة فيما يأتي:

  • الصالحات: الصالحات جمع الصالحة، وهي الأعمال الصالحة الطيبة الباقية الأثر.[٨]
  • مؤمن: أصل الإيمان التصديق، فالمؤمن هو الإنسان المسلم الذي يكون في قلبه اعتقاد وتصديق بالله تعالى وبما أمر بالإيمان به فهو إذ ذاك مؤمن.[٩]
  • يخاف: والخوف في اللغة رديف الفزع، وفي سورة آل عمران يقول تعالى: {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}؛[١٠] أي: يجعلهم يخافون من أوليائه.[١١]
  • ظلمًا: أصل الظلم الجور ومجاوزة الحد، ومن ذلك الحديث المشهور في الوضوء ويرويه من أحد الوجوه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- الذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "هكذا الوضوءُ فمن زاد على هذا أو نقَص فقد أساءَ وظلَم أو ظلَم وأساءَ"،[١٢] وقال بعض أهل اللغة إنّ الظلم هو العدول عن الحق ووضع الشيء في غير موضعه.[١٣]
  • هضمًا: الهضم هو الانتقاص من الحق والغصب والسلب وهو أحد أشكال الظلم.[١٤]


إعراب آية: فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا

بعد الوقوف مع نُبَذٍ من التفسير القديم والحديث لقوله تعالى في سورة طه: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}،[١٥] فإنّ هذه الفقرة تقف مع إعراب الآية كاملة من جهة المفردات ومن جهة الجمل بما لا يدع مجالًا للالتباس في فهمها، وإعراب الآية فيما يأتي:

  • ومَن: الواو استئنافيّة، ومن اسم شرط جازم مبني في محل رفع مبتدأ.[١٦]
  • يعملْ: فعل مضارع مجزوم لأنّه فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.[١٦]
  • من الصالحات: من حرف جر، والصالحات اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل يعمل.[١٦]
  • وهو: الواو حاليّة، وهو ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ.[١٦]
  • مؤمنٌ: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.[١٦]
  • فلا: الفاء رابطة لجواب الشرط، ولا نافية.[١٦]
  • يخافُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.[١٦]
  • ظلمًا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.[١٦]
  • ولا: الواو عاطفة، ولا زائدة لتوكيد النفي.[١٦]
  • هضمًا: اسم معطوف على "ظلمًا" فهو منصوب مثله.[١٦]
  • جملة {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ}: جملة استئنافيّة لا محل لها من الإعراب.[١٧]
  • جملة {يَعْمَلْ}: جملة فعليّة في محل رفع خبر للمبتدأ مَن.[١٧]
  • جملة {هُوَ مُؤْمِنٌ}: في محل نصب حال من فاعل الفعل يعمل المستتر.[١٧]
  • جملة {لَا يَخَافُ}: جملة فعليّة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو، وتقدير الكلام: فهو لا يخاف، والجملة الاسميّة -المبتدأ والخبر- في محل جزم جواب الشرط المقترن بالفاء.[١٧]


الثمرات المستفادة من آية: فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا

بعد الوقوف مع تفسير الآية الكريمة من سورة طه التي يقول فيها الله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}،[١٨] والوقوف مع معاني مفرداتها وكذلك إعرابها من ناحية المفردات والجمل كلّ على حدة فإنّ هذه الفقرة تقف ختامًا مع الثمرات التي يمكن الإفادة منها من خلال قراءة هذه الآية الكريمة بتدبّر، فمن الثمرات التي تُستفاد من هذه الآية أنّ الدّين يسر؛ وذلك لأنّ بعض المفسّرين قالوا إنّ استعمال "مِن" هنا للتبعيض في قوله {مِنَ الصَّالِحَاتِ} دليلٌ على أنّ رحمة الله أوسع من تصوّر الإنسان؛ إذ يكفي الإنسان المسلم أن يفعل بعضًا من الصالحات لئلّا يخاف على نفسه العذاب في الآخرة، وذلك لأنّ لكلّ إنسان طاقة معيّنة؛ فمن يستطيع أن يفعل من الصالحات كثيرًا قد لا يستطيع غيره أن يفعلها، لذلك كان من رحمة الله -تعالى- بالعباد أن قد أمرهم بأن يفعلوا قليلًا من الصالحات ولم يأمرهم بأن يشقّوا على أنفسهم ويجاهدوا ليفعلوا أكبر قدر ممكن من الصالحات، وفي ذلك يقول إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى: "فحسبك أن تأخذ منها طرفًا، وآخر يأخذ منها طرفًا، فإذا ما تجمّعت هذه الأطراف من العمل الصالح من الخلق، كوَّنت لنا الصلاح الكامل".[١٩]

ثمّ الثمرة الأخرى التي ينبغي الوقوف معها هي أنّ العمل من دون إيمان حقيقيّ مستولٍ على القلب هو عمل ناقص، وكذلك الإيمان من دون عمل بالجوارح يؤكّده هو إيمان ناقص، بل الإيمان والعمل أمران متلازمان لا ينبغي التفريق بينهما، فيكمل بعضهما بعضًا، وإنّ من تمام الإيمان أن يعتقد العبد ملء قلبه وجوارحه أنّ الله -تعالى- لا يظلم العبد مثقال ذرّة من عملٍ قد عملها العبد في الدنيا، فالله -تعالى- يُخبر عن نفسه في غير ما سورة وآية من القرآن الكريم، منها قوله -تعالى- في سورة النساء فيقول عزّ من قائل: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}،[٢٠] فالله -تعالى- يوفِّ لكلّ عبد حسابه كاملًا، ويعفو عن كثير من السيّئات رحمةً منه بعباده، فيحسب السيئة على العبد سيئة واحدة، وأمّا الحسنة فيضاعفها أضعافًا كثيرة، وكلّ ذلك من تمام الإيمان بالله تعالى، وهو من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يستفيدها عندما يمرّ بهذه الآية الكريمة.[١٩]

وأمّا الثمرة الأخيرة التي ينبغي الوقوف عليها هي الثقة بعدالة الله -سبحانه- المطلقة، فقد أخبر عن نفسه أنّه عادل ولن يظلم العباد، ومع ذلك فإنّه سيعامل المخلوقات برحمته يوم القيامة أكثر من عدله، فإنّ المخلوقات لن تُحمَّل سيّئات فوق سيّئاتها، ولن ينقُصَ من حسناتها التي كسبتها في الدنيا، بل ستكون كلّ نفس رهينة بما كسبت، فالمسلم يجب أن يُسلّم تمام التسليم ويعتقد غاية الاعتقاد أنّه بيد عادل رحيم وحاشاه أن يكون غير ذلك سبحانه، وهذا ما ينبغي فهمه أيضًا من هذه الآية المباركة، والله أعلم.[٦]

المراجع

  1. "التحرير والتنوير - سورة طه"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  2. "تفسير الطبري - تفسير سورة طه"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  3. سورة طه، آية:112
  4. "سورة طه"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  5. سورة طه، آية:112
  6. ^ أ ب "تفاسير الآية 112 من سورة طه"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  7. سورة طه، آية:112
  8. "تعريف و معنى صالح في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى المؤمن في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  10. سورة آل عمران، آية:175
  11. "تعريف و معنى الخوف في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  12. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:135، حديث صالح.
  13. "تعريف و معنى الظلم في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى الهضم في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  15. سورة طه، آية:112
  16. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (طه - 112)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  17. ^ أ ب ت ث "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  18. سورة طه، آية:112
  19. ^ أ ب "ومن يعمل من الصالحات"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
  20. سورة النساء، آية:40
2801 مشاهدة
للأعلى للسفل
×