معنى آية فمن اضطر غير باغ ولا عاد، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فمن اضطر غير باغ ولا عاد، بالشرح التفصيلي

سورة البقرة

سورة البقرة سورة مدنية باستثناء قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}،[١] فإنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى، تعد سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم حيث يبلغ عدد آياتها 286 آية، و تأتي في ترتيب المصحف الثانية بعد سورة الفاتحة، يُقال لها  فسطاط القرآن وذلك لعظمتها، وكثرة ما تحتويه من أحكام، حيث أنّها تحتوي على ألف أمر وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر، وتحتوي على أعظم آية في القرآن الكريم، وهي آية الكرسي، كما تحوي أطول آية في القرآن وهي آية المداينة، سميت سورة البقرة بهذا الاسم لاحتوائها على قصة البقرة و بني إسرائيل في عهد نبي الله موسى عليه السلام، وقد ورد في فضل سورة البقرة العديد من الأحاديث النبوية، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتَكم مقابرَ وإنَّ البيتَ الَّذي تُقرأُ فيهِ البقرةُ لا يدخلُهُ الشَّيطانُ".[٢][٣]


معنى آية: فمن اضطر غير باغ ولا عاد، بالشرح التفصيلي

جاء في تفسير قول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيْرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍۢ وَلَا عَادٍۢ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،[٤] أنّ الله سبحانه وتعالى حرّم على عباده ما فيه ضرر عليهم كالميتة، التي لم يتم تذكيتها وذبحها بطريقة شرعية، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما ذبح لغير الله، ومن فضله عليهم ورحمته بهم أنه أباحها لهم في حالة الضرورة الملجئة إلى تناول أحد الأصناف الوارد تحريمها في الآية الكريمة،[٥] أما قوله تعالى: {فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍۢ وَلَا عَادٍۢ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فلعلماء التفسير في بيان معناها والمقصود بها العديد من التفسيرات، فقد فسَّرها الطبري بأنها تعني من نزلت به ضرورةٌ مُلحَّة كمجاعة فاضطر إلى أكل ما حرَّم الله من لحوم الخنازير والخمر وما أُهل لغير الله به حتى ينجو من الموت فلا يكون آثمًا، ما لم يتعدَّ حد الضرورة في أكله، أما قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}، فيُقصد به أن لا يكون باغيًا في أكله المحرم فيأكل دون اضطرار، ولا متعديًا في أكل ما زاد عن حد الاضطرار، وقال آخرون: إن المقصود بها من أُكره على الأكل من المُحرم أو الشرب منه فأكل فلا إثم عليه، ورُوي عن مجاهد أن المقصود منها ما يحصل في الأسر إذا أخذ العدو مسلمًا فيُلجؤونه إلى فعل الحرام من الأكل أو الشرب أو الأفعال المُحرمة مما فيه معصية الله تعالى.[٦]

وأيضًا اختلفوا في تفسير {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} فقيل: غير خارجٍ عن الحاكم والإمام بقتالهم بالسيف باغيًا عليهم بظلم، أو عاديًا عليهم بحرب مما يؤدي إلى إفساد السبيل عليهم، والمحصلة من قول هذا الفريق في تفسير معنى هذه الآية أن من خرج في طريقٍ أو سبيلٍ من طرق الله بالحق فدفعته الضرورة إلى الأكل أو الشرب مما حرَّم الله عليه أكله أو شربه فشرب أو أكل فلا إثم عليه، فإن كان في هذا الطريق باغيًا أو قاطعًا للطريق فلا يجوز له الأكل من المحرم.[٦]


معاني المفردات في آية: فمن اضطر غير باغ ولا عاد

بعد التعرف على المعنى المراد بقول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيْرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، لا بد من بيان معاني المفردات الواردة في الآية الكريمة، وفيما يأتي بيان معاني المفردات:

  • الميتة:  يراد بالميتة الحيوان الذي مات حَتْف أنفه، أو على مات على هيئة غير مشروعة، يقال: دجاجة ميتة أي؛ ذبحت على هيئة غير مشروعة.[٧]
  • أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ: ما تم ذبحه من الحيوانات، وذُكر عند ذبحه اسم غير الله تعالى من الأصنام، والأوثان وغيرها.[٨]
  • فَمَنِ ٱضْطُرَّ: أي؛ ألجأته الضرورة القصوى على التناول منه.[٩]
  • غَيْرَ بَاغٍ : غير طالب للمحرّم، للتلذذ به، مع قدرته على الحلال، أو غير طالب للمحرّم للاستئثار على مضطرّ آخر.[١٠]
  • وَلَا عَادٍ: غير مجاوز لما يسد به الرمق، وغير مجاوز لحد الضرورة.[١١]
  • فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ: يراد بالإثم: الفعل الذي يستحق فاعله العقوبة عليه،[١٢] وهنا لا إثم عليه أي؛ لا جناح ولا حرج عليه.[١٣]
  • غَفُورٌ رَّحِيمٌ: يراد باسم الله الغفور: الذي يعفو ويصفح عن عباده ويغفر ذنوبهم ويسترهم في الدُّنيا والآخرة، أما اسم الله الرحيم فيراد به: الرَّفيق بعباده المؤمنين، والعاطف على خلقه برزقهم، والمثيب على أعمالهم.[١٤]


إعراب آية: فمن اضطر غير باغ ولا عاد

بعد التعرف على معنى قول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيْرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، لا بد من بيان إعراب الآية الكريمة وفيما يأتي إعرابها:[١٥]

  • إِنَّمَا : كافة ومكفوفة لا عمل لها.
  • حَرَّمَ: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي الله تعالى.
  • عَلَيْكُمُ: "على": حرف جر، و"كم": ضمير في محل جر، متعلق بالفعل حرّم.
  • ٱلْمَيْتَةَ: مفعول به منصوب، بالفتحة الظاهرة على آخره.
  • وَٱلدَّمَ: اسم معطوف على الميتة بحرف العطف منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره.
  • وَلَحْمَ: اسم معطوف على الميتة، بحرف العطف، منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره.
  • ٱلْخِنزِيرِ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة.
  • وَمَآ: الواو: حرف عطف، ما: اسم موصول مبني في محل نصب معطوف على الميتة.
  • أُهِلَّ بِهِ : أُهل: فعل ماض مبني للمجهول، بِـ: حرف جر، والهاء: في محل جر، والجار والمجرور ناب مناب الفاعل.
  • لِغَيْرِ: جار ومجرور متعلق بأُهل.
  • ٱللَّهِ: لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور.
  • فَمَنِ: الفاء استئنافية، مَنِ: اسم شرط جازم مبني في محل رفع مبتدأ.
  • ٱضْطُرَّ: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
  • غَيْرَ: حال منصوبة من نائب الفاعل.
  • بَاغٍ : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدّرة على الياء المحذوفة.
  • وَلَا عَادٍ: الواو: حرف عطف، لا: زائدة لتأكيد النفي، عاد: معطوف على باغ مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة.
  • فَلَآ: رابطة لجواب الشرط، ولا: نافية للجنس.
  • إِثْمَ: اسم لا مبني على الفتح في محل نصب.
  • عَلَيْهِ: متعلق بمحذوف خبر لا.
  • إِنَّ: حرف مشبّه بالفعل للتوكيد.
  • ٱللَّهَ: لفظ الجلالة اسم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
  • غَفُورٌ: خبر إنّ مروع وعلامة رفعه تنوين الضم.
  • رَّحِيمٌ: خبر ثان مرفوع وعلامة رفعه تنوين الضم.
  • "حرّم عليكم الميتة" جملة استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
  • جملة "أهلّ به": صلة الموصول لا محلّ لها أيضا من الإعراب.
  • جملة: "من اضطرّ...": جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.
  • جملة: "اضطرّ...": جملة في محلّ رفع خبر المبتدأ (من).
  • جملة: "لا إثم عليه": جملةٌ في محلّ جزم جواب الشرط.
  • جملة: "إنّ اللّه غفور": جملة تعليلية لا محل لها من الإعراب.


الثمرات المستفادة من آية: فمن اضطر غير باغ ولا عاد

يُستفاد من تفسير قول الله تعالى: {فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، العديد من الثمرات، ويمكن إيجاز بعض هذه الثمرات من خلال أقوال العلماء وتفسيراتهم لهذه الآية أن الله تعالى إنما نهى عباده المسلمين عن أكل هذه المحرمات وشرب المشروبات المحرمة لما فيها من إضرارٍ بصحتهم الجسدية أو لما فيه من تعطيلٍ لعقولهم، فمن لطف الله أن جعل هذه المأكولات أو المشروبات أو الأفعال حرامًا ليبتعد الناس عن الإضرار بأنفسهم، أما من دفعته الضرورة كالحاجة الشديدة للأكل أو الشرب بسبب الجوع أو العطش المفضي للموت عند عدم الأكل أو الشرب، أو كان مُكرهًا على فعل تلك الأفعال المحرمة من الأكل أو الشرب أو نحو ذلك فلا يكون آثمًا، بل يجب عليه أن يأكل من المُحرَّم حتى ينجو من الموت، وحيث إن الله منع هذه الأشياء لدفع الضرر عن الجسد فإنّها تكون مباحة كذلك لدفع الضرر عن الإنسان إن كان الضرر متحققًا ولم يقدر على أكل المباح ولكن بقدر الحاجة دون تعدي في الأكل أو الشرب، فإن ترك المسلم أكل المحرم وأودى بنفسه للتهلكة كان آثمًا وهذا مما نُهي عنه شرعًا، فإن مات بسبب عدم أكله كان قاتلًا لنفسه متجاوزًا لما أمره الله به، وهذا من باب رحمة الله بعباده وحفظه لأرواحهم، لهذا جاءت القاعدة الفقهية المعروفة "الضرورات تبيح المحضورات".[١٦]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:281
  2. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2877، حديث صحيح.
  3. "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:173
  5. "تفسير إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "تفسير سورة البقرة"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  7. "تعريف ومعنى الميتة"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  8. "تعريف ومعنى أهل به لغير الله"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  9. "تعريف ومعنى اضطر"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  10. "تعريف ومعنى غير باغ"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  11. "تعريف ومعنى ولا عاد"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  12. "تعريف ومعنى الإثم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  13. "تفسير فمن اضطر غير باغ ولاعاد"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  14. "تعريف ومعنى غفور رحيم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  15. "غعراب الآية رقم 173 من سورة البقرة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  16. "تفسير إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-18. بتصرّف.
4839 مشاهدة
للأعلى للسفل
×