معنى آية فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، بالشرح التفصيلي

سورة المائدة

سورة المائدة إحدى أواخر سور القرآن الكريم نزولًا حيثُ نزلت بعد سورة الفتح، وهي من السور المدينة التي نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة بعد الهجرة، وهي من سور السبع الطوال في القرآن، رقم ترتيبها في المصحف الشريف 5، بدأت السورة بأسلوب نداءٍ موجَّهٍ للمؤمنين، إذ قال الله تعالى في مطلعها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}،[١] وهي مثل معظم السور المدينة تناولت جوانب التشريع بشكل مفصَّل مثل البقرة والأنفال والنساء، بالإضافة إلى ذلك تناولت مواضيع العقيدة والشريعة وقصص أهل الكتاب، وفي هذا المقال سيتمُّ تسليط الضوء على معنى آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، بالشرح التفصيلي.[٢]

معنى آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، بالشرح التفصيلي

تبدأ سورة المائدة بالحديث عن العديد من التشريعات التي توجَّه الله تعالى بها من خلال نداء عام للمؤمنين، وفي شرح معنى آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، بالشرح التفصيلي، يجب الإشارة إلى أنَّ هذه الآية هي الآية رقم 3 في السورة، تتناول الآية تحريم أكل الميتة أي الدابة التي تموت من تلقاء نفسها دون ذبح كما أمر الله، والدمُ وشربه وتحريم أكل لحم الخنزير وما ذُبحَ لغير الله تعالى من قبل أهل الكتاب، بالإضافة إلى عدَّة أنواع أخرى من المحرمات كالدابة التي تموت خنقًا أو تموت بسبب ضربها بحجر أو شيء ثقيل، أو التي تقع من مرتفع أو تموت بسبب نطحة من قبل دابة أخرى، ووردَ أيضًا تحريم أكل الدابة التي أكل منها السبع فماتت وكلُّ حيوان مفترس أيضًا، ويُستثنى من ذلك ما ذُبحَ وفيه روح؛ أي لم يمُت بأحد تلك الأسباب وهو التذكية، وحرِّمَ أيضًا الاستقسام بالأزلام، لأنَّ كلَّ ذلك فسوق لا يقبله الله تعالى،[٣] حيثُ قال تعالى في الآية الكريمة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،[٤] بعد جُملة التحريمات التي ذكرها الله تعالى في الآية فإنَّه يُنهي الآية برخصة للمسلمين في ذلك، حيثُ يشيرُ معنى الآية إلى أنَّه من اضطرَّ إلى أن يأكل من جميع تلك المحرمات بسبب مجاعة وقحط ولا يكون متعمدًا للوقوع في الإثم واقتراف معصية فإنَّه لا إثمَ عليه في ذلك، لأنَّه الله تعالى رحيمٌ بعباده وغفور ولا يؤاخذ المسلم بما يقع فوق إرادته، وعن قتادة أنَّه قال فيها: أنَّه من كان في مجاعة ولم يتعمد الإثم فذلك لا إثمَ عليه، فقد رخَّص الله تعالى للمضطر أكل تلك المحرمات إذا لم يكن متعمدًا للإثم أمَّا من بغى أو أراد المعصية فإنَّ ذلك محرمٌ عليه.[٥]


وجاء في بعض التفاسير أنَّ الله تعالى حرَّم تلك الخبائث لأنَّ تحريمها من كمال الدين وتمامه، ومن نعم الإسلام الذي هو وحده الدين الذي ارتضاه الله لعباده، ولكنَّ الله من رحمته بعباده أن جعل لتلك المحرمات رخصة من لدنه، فمن اضطرَ في مخمصةٍ أي من وقع في جوع شديد ولم يجد ما يأكله وقد يخشى على نفسه من الهلاك فلا إثمَ عليه في أن يأكل مما وردَ تحريمه في أول الآية، ولكن على أن لا يتعمَّد معصية الله تعالى والوقوع في الإثم، ورآى بعضهم أنَّ الإثم هنا هو الأكل فوق الشبع، لأنَّه أكل مضطرًا فلا يجب أن يأكل ما يزيد عن حاجته، وذهب آخرون إلى أن الإثم يعني أن لا يكون عاصيًا في سفره ونحو ذلك، حيثُ يقول الله في سورة البقرة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،[٦] بالإضافة إلى تلك المعاني يُضاف إليها أن لا يستحلَّ المسلم ما حرَّم الله تعالى، والله تعالى أعلم.[٧]

معاني المفرادات في آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم

في مقال حول معنى آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، بالشرح التفصيلي، من الضروري الوقوف على معاني مفردات الآية كل على حدة، وذلك من أجل الإحاطة بجميع المعاني التي تنطوي عليها آيات كتاب الله، وسيتمُّ ذكر معاني المفردات في آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، فيما يأتي:

  • من: يكون مَن اسم شرط جازم للعاقل، مثل: من يدرس ينجح، ويكون أيضًا اسم استفهام عن العاقل، مثل: مَن ذهبَ إلى السوق؟ ويكون اسم موصول بمعنى الذي للعاقل، مثل: النصر لمَن يناضل، وكما في قوله تعالى: {وَلِلَّـهِ يَسجُدُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوعًا وَكَرهًا}،[٨] وأما قوله تعالى في الآية السابقة فكانت اسم شرط جازم.[٩]
  • اضطر: فعل ماضٍ ومضارعه يضطرُّ، والفاعل منه مُضطَرٌّ والمفعول مضطر، ومعنى اضطره إليه: جعله في حاجةٍ وألجأه، الاضطرار أو حالات الاضطرار: في حالات الضرورة القصوى، ومعنى اضطرَّ لشيء ما: كان بحاجة ماسة إليه.[١٠]
  • مخمصة: خمَص يخمِص خمصًا وخموصًا ومخمصةً فهو خميض وجمعه: خماص، والمفعول مخموص، خمَصَ البطن: خلا وفرَغ من الطعام وضَمُر من شدة الجوع، خمَص الجوع الرجلَ: جعله هزيلًا وأدخل له بطنه في جوفه، والمخمصة شدة الجوع.[١١]
  • متجانف: تجانفَ إلى وتجانفَ عن وتجانف لـ، ويتجانف تجانفًا، والفاعل متجانفٌ والمفعول متجانَف إليه، وتجانفَ الرجل: تمايل، تجانفَ إليه: مال نحوه ومال إليه، وتجانف عنه: ابتعد عنه، وتجانف في مشيته: اختال وتمايل.[١٢]
  • لإثم: أثمَ ويأثم وأثامًا، والفاعل آثم، ومعنى أثمَ الشخص: أتى بعمل لا يحلُّ وأذنب وارتكب خطيئة وإساءةً.[١٣]

إعراب آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم

يختصُّ علم الإعراب في تحديد مكان وعمل كل كلمة ومنزلتها من الجملة، ويندرج هذا تحت علوم القرآن التي تتناول دراسته من جميع نواحيه، وذلك من أجل فهم معاني كتاب الله أكثر، والوصول إلى المعنى الدقيق المُراد من كل آية، وسيتمُّ فيما يأتي إدراج إعراب آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، إعراب مفرداتٍ وجُمَل:[١٤]

  • فمن: الفاء استئنافية، من: اسم شرط جازم مبني في محل رفع مبتدأ، وجملة "من اضطر" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
  • اضطرَّ: فعل ماضٍ مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط، ونائب الفاعل هو ضمير مستتر تقديره هو، وجملة "اضطر" جملة فعلية في محل رفع خبر المبتدأ من.
  • في: حرف جر.
  • مخمصة: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بحال محذوف من نائب الفاعل.
  • غير: حال ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • متجانف: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
  • لإثم: جار ومجرور متعلقان بمتجانف.

الثمرات المستفادة من آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم

في نهاية المطاف سيُشار إلى الثمرات المستفادة من الآية، لأنَّ كلَّ آية من آيات الله تعالى تحتوي على كنوز لغوية وتشريعية جعلها الله تعالى طريقًا لعباده في حياتهم الدنيا، وحتى يكونوا يوم القيامة من الناجين، وفيما يأتي الثمرات المستفادة من آية: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم:[١٥]

  • إنَّ الله تعالى يعلم الخير لعباده لأنَّه خالقهم فهو أعلم بما ينفعهم أكثرُ من أنفسهم، فما حرَّم الله تعالى شيئًا إلا لدفع ضررٍ وما أمر بشيءٍ إلا لجلب منفعة.
  • من رحمة الله تعالى بعباده أنَّه جعل لعباده رخَصًا لما حرَّمه تعالى، وكما جاء في القاعدة الشرعية أنَّ الضرورات تبيحُ المحظورات، وقد أشار الله تعالى إلى هذا في أكثر من موضع في القرآن، حيث قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}.[١٦]
  • يُباح للمسلم أن يأخذ بالرخصة التي أنعمَ الله تعالى بها عليه، ولكن دون أن يقع في الإثم كأن يتجاوز الحدَّ المسموح به أو يبتغي معصية الله تعالى.
  • يحبُّ الله تعالى أن يأخذ العبد بالرخصة وأن لا يلقي بنفسه إلى التهلكة، مثل: رخصة الفطر في رمضان وغيرها، وإنَّما كانت الرخصة حفاظًا على المسلم نفسه من كل سوء، حيث قال تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.[١٧]

المراجع

  1. سورة المائدة، آية:1
  2. "سورة المائدة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  3. "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  4. سورة المائدة، آية:3
  5. "تفسير قوله تعالى فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  6. سورة البقرة، آية:173
  7. "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  8. سورة الرعد، آية:15
  9. "تعريف و معنى من في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى اضطر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى مخمصة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى متجانف في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى إثم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  14. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  15. "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-14. بتصرّف.
  16. سورة البقرة، آية:173
  17. سورة البقرة، آية:195
4200 مشاهدة
للأعلى للسفل
×