معنى آية قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون

كتابة:
معنى آية قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون

سورة يس

سورة يس سورةٌ مكيّةٌ ما عدا الآية 45 فهي آيةٌ مدنّية، وهي من السور المثاني، وهي السورة السادسة والثلاثون من حيث ترتيبُها فيالقرآن الكريم، بلغ عدد آياتها 83 آية، وتقع في الجزء الثالث والعشرين، نزلت بعد سورة الجنّ، ويُسمّى الرّبعُ الأخير من القرآن الكريم باسمها، أي: ربع يس، على أنّ الربع الأخير من القرآن يبدأ من الآية 145 من سورة الصّافات الواقعة بعد سورة يس، بدأت سورةُ يس بحروفٍ مقطّعة: {يس}،[١][٢] وآياتها آياتٌ قصيرة، ويدور فحواها حول توحيد الألوهية، وعقابِ المكذّبين باللّه والمشركين بوحدانيّته، ولكنّ الموضوع الرئيس لها يتحدّث عن قضيّة البعث والنّشور، وأمّا عمّا ورد من أحاديثَ عن فضل السورة فإنّ غالبيتها أحاديثٌ موضوعةٌ لا صِحّة لها، وإنّ ما قيل من أنّ في قراءتها سبيلٌ إلى تيسير أمرٍ ما فإنّه لا صِحّة له، ولا يجوز أن يُنسَب إلى رسول الله، وإنّما قضاء الحاجة يكون بسبب الإلحاح في الدعاء وصدقِ النيّة والتوجّه الخالص لوجهه الكريم.[٣]


معنى آية: قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون

أمر الله عباده بقراءة القرآن الكريم وتدبّر معانيه؛ إذ يساعدهم ذلك على معرفة ما حرّم وما حلّل، وعلى تأدية العبادات، كما ويتعّرف العبادُ على قصص الأنبياء والصالحين، وبالمقابل يتعرّفون على مصير من أشرك بالله تعالى، ومن تلك الآيات التي لا بدّ من الوقوف عندها ومعرفةِ ما قاله أهلُ التفسير والتأويل في تفسيرها قوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}،[٤] حيث جاء في تفسير الطبريّ لها: أنّ الرسل الذين بُعثوا لهداية أهل القرية ودعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى وحدَه هم من قالوا لأصحاب القرية إنّ أعمالكم وحظوظكم وما بكم من خيرٍ أو شرٍّ فهو منكم وبأعناقكم، وليس من شؤمنا نحن الرّسل، فالمقصودُ بطائركم معكم: أعمالكم وحظوظكم، أمّا فيما يخصّ تتمّة الآية: أئن ذكّرتم: فهنالك قراءاتٌ عديدةٌ لها، والأفضلُ هي قراءة قرّاء الأمصار؛ حيث قرؤوها بفتح الألف من همزة الاستفهام وكسر همزة إن؛ أي: دخلت همزةُ الاستفهام على حرف الجزاء فكان المعنى: إن ذكّرناكم فمعكم طائركم، وعلى هذا جاء أهلُ التأويل بمعنى: إنْ ذكّرناكم الله تطيّرتم بنا؟ وذلك ليس من تطيّر القوم بالرّسل بل هم مسرفون؛ أي: قومُ معاصٍ وآثامٍ وهم مغرقون بالذنوب،[٥]


وفي تفسير السعديّ: إنّ ما بأهل القرية من شركٍ ومعصيةٍ هو النتيجة الحتميّة لما وقع بهم من الشرّ والنقمة وليس ما قاله لهم الرسل، بل إن أعمالهم وشركهم وإسرافهم في ذنوبهم هو الذي أودى بهم إلى ما هم عليه، وفيما جاء في تفسير الطنطاويّ للآية: إنّ الرسل قابلوا تهديد أهل القرية وأقوالهم بأنهم هم سبب شؤمهم بالثبات والعقل؛ فقالوا لهم إنّ ما حصل ليس بسبب أنّنا جلبنا الشؤم بل بسبب أعمالكم وجحودكم، وهنا يوجد جواب شرطٍ محذوف؛ أي: إن وُعظتُم وذكِّرتُم بالله وبالحقّ تطيّرتم وتشاءمتم،[٦] وجاء في تفسير ابن عاشورٍ أنّ ما كان بالقوم وما حلّ بهم وما ادّعوا بأنه طائر شؤمٍ لهم لم يكن موجودًا إلا في نفوسهم؛ بسبب سوء سمعهم للموعظة وإصرارهم على نشر الفتنة والبغضاء في القرية.[٧]


معاني المفردات في آية: قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون

بعد شرح الآية عمومًا، لا بدّ من الانتقال إلى شرح مفرداتها تفصيليًّا كما ورد في المعجم اللغويّ؛ وذلك لمعرفة المعنى العامّ لها بعيدًا عن المعنى السياقيّ حسْب ورودها في الآية، والكلماتُ المُراد شرحها هي كالآتي:

  • قالوا: قالَ فعل ماض مضارعه يقول، واسم الفاعل منه: قائل، وقال قولًا: تكلّم وتلفّظ وخاطب، وقال فلانًا صادقًا: ظنّه صادقًا، وقال في نفسه أي: تحدّث بينه وبين نفسه، وقال في الموضوع برأيه: اجتهد، و قال أحدٌ ما: نام في منتصف النّهار، والقِيل والقال: ما يتناقله النّاسُ بين بعضهم من أقاويل على بعضهم تحمل الإشاعات والكذب.[٨]
  • طائركم: طائر اسمٌ مفردٌ جمعه طَير، وطَير مصدر الفعل طار، وهو اسمٌ لما يطير في الهواء، ويُقال: طيره ميمون: حظّه مشؤوم، وتطيّر: تفاءل، وتطيّر به ومنه: تشاءم منه؛ فأصبح استعمالُها لِما يُتَفاءل به ويُتشاءَم منه، ويُقال: تطاير النّاس: تفرّقوا، وتطاير الغيم: انتشر في أنحاء السّماء.[٩]
  • ذكّرتم: ذَكَر: فعلٌ ماض، ويُقال: ذَكَر اسمه: أجراه على لسانه، وذكرَ الله: حمده وسبّحه ومجّده، وذكّرهُ بأعماله: جعله يذكرها، وذكّر النّاس في حلقة المسجد: وعَظهم، ويُقال: ذكّر الكلمة: صيّرها من المذكّر، وذكّر فلانٌ صديقه دينه: ذكّره بدينه وجعله يسترجعه، ويُقال: ما زال في ذكره ما حدث: ما زال في ذاكرته ما حدث من أمورٍ ووقائع.[١٠]
  • قوم: القوم: اسمٌ مفرد جمعه أقوام، وهم جماعةٌ من الناس يجمعهم جامعةٌ واحدة، وقومُ الرّجل: أقرباؤه الذين ينتمون إلى سلالةٍ واحدة، وفعله: قوّم، ويُقال: قوّم الأخلاق: أصلحها وهذّبها، وقوّم الشيءَ المعوجّ: عدّله وأزال عِوجه، وجاء أيضًا: قوّم الخطأ: صحّحه، ووجد العملَ قائمًا: مستمرًّا، وماءٌ قائمٌ: دائمٌ لا ينقطع، ويقالُ: شخصٌ قائمٌ بذاته: معتمدٌ على نفسه، وقائم الباب: هو الجزء العموديّ من هيكله.[١١]
  • مسرفون: الإسراف: مجاوزة الحدّ وهو عكس التقتير، وسَرف الماء: ما ذهب منه بغير نفعٍ وفائدة، وسرفَتِ الأمُّ ولدها: أفسدته بكثرة اللبن، والإسراف في الحديث: الإطالة فيه، والإسراف في الأكل: الإفراط فيه، والإسراف في المال: صرفه من غير فائدة، وسَرِفُ الفؤاد: غافل القلب.[١٢]


إعراب آية: قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون

بعد إتمام التفسير عمومًا وتفصيلًا، لا بدّ من الانتقال إلى الجزئيّة التي لا تقلّ أهميّةً عن سابقاتها وهي الإعراب؛ فالإعرابُ هو الوجه الآخر للتفسير، وبالإعراب يتمّ التفسير والمعنى، والعكسُ صحيح، وفيما يأتي سيعرض المقالُ إعراب الآية: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}،[٤] وهو كالآتي:

  • قالوا: فعل ماض مبنيّ على الضّم؛ لاتّصاله بواو الجماعة، والواو ضميرٌ متّصلٌ مبنيّ في محلّ رفع فاعل، والألف للتّفريق.[٦]
  • طائركم: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضّمة الظّاهرة على آخره، والكاف ضميرٌ متّصلٌ مبنيٌّ على الضّم في محلّ جر بالإضافة، والميم علامة جمع الذكور.[٦]
  • معكم: مع: ظرف مكان متعلّق بخبر طائركم المحذوف، والكاف ضمير متّصل مبنيّ في محل جر بالإضافة.[٦]
  • أئن: أ: حرف استفهام، إن: حرف شرطٍ جازم.[٦]
  • ذُكّرتُم: فعل ماض مبني للمجهول مبنيّ على السكون لاتصاله بتاء الفاعل المتحرّكة، والتّاء ضمير رفع متّصل مبنيّ في محل رفع نائب فاعل، والميم علامة جمع الذكور، وهو فعل الشّرط وجواب الشرط محذوف.[٦]
  • بل: حرف إضرابٍ وعطف.[٦]
  • أنتم: ضمير رفعٍ منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.[٦]
  • قوم: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضّمة الظاهرة على آخره.[٦]
  • مسرفون: صفة قومٍ مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الواو لأنّها جمع مذكّرٍ سالم، والنون عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد.[٦]
  • جملة "قالوا": استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[١٣]
  • جملة "طائركم معكم": في محل نصب مقول القول.[١٣]
  • جملة "أئن ذكّرتم": استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب في حيّز القول.[١٣]
  • جملة "أنتم قومٌ مسرفون": استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب في حيّز القول.[١٣]


الثمرات المستفادة من آية: قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون

بعد الخوض في غمار الآية شرحًا وتفسيرًا وإعرابًا، لا بدّ من الوقوف على الثمرات المستفادة من الآية، والحكمةِ التي يمكن استنباطها منها؛ ففي كلّ آيةٍ من آيات الله عبرةٌ وموعظة، والثمراتُ المُستفادة من قوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}،[٤] هي كالآتي:[٦]

  • بيان أنّ كلّ عملٍ يقوم به الإنسان -سواء أكان خيرًا أم شرًا- نتائجه مردودةٌ عليه، فمن كفر وجحد سينال عقابه لا محالة، ومن آمن بالله تعالى وآمن بوحدانيّته، وابتعد عن كلّ أنواع الشرك به سينال جزاءه أيضًا في الدنيا والآخرة.
  • بيان أنّ الله تعالى أرسل الرّسل والأنبياء ليكونوا الدّاعين لدينه الحقّ، والواعظين لمن غطّى الكفرُ عيونهم وقلوبهم، ولمَن أسرفوا في ذلك الكفر، وأيّدهم بأخلاق الأنبياء من صبرٍ وثباتٍ وقدرةٍ على مواجهة ما يصادفهم من عقَبات.
  • بيان أنّه يجيب على الواعظ أن يُقابل ما يتعرّض له من أذىً بالحكمة والثّبات والعقل، لا أن يردّ الأذيّة بمثلها، وأن يتّخذ من الرسل قدوةً لذلك الثبات في الدعوة لدين الله وتحمّلِ ما أصابهم من أذىً جسديٍّ ونفسيّ.
  • بيان أنّ الشؤم والسوداوية أمورٌ نابعةٌ من قلب الإنسان نفسه نتيجة أفعاله وسلوكه، ولا علاقة لأحدٍ بها؛ فكلُّ عملٍ ينعكس على نفسية صاحبه مهما كان؛ فإن كان سيئًا انعكس بالشؤم على صاحبه، وإن كان حسَنًا انعكس عليه بالتفاؤل والفرح.

المراجع

  1. سورة يس، آية:1
  2. "سورة يس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  3. "فضل سورة ( يس )"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت سورة يس، آية:19
  5. " تفسير الطبري تفسير سورة يس القول في تأويل قوله تعالى قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19.
  6. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز "قَالُواْ طَٰٓئِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (يس - 19)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  7. "التحرير والتنوير ابن عاشور"، tafsir.app، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى قال في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى طائركم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى ذكّرتم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى قوم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى مسرفون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت ث "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-20. بتصرّف.
4081 مشاهدة
للأعلى للسفل
×