محتويات
سورة الفرقان
سورة الفرقان هي سورة مكية ما عدا الآيات 68-69-70 فمدنية، وهي من المثاني أي السور التي تُكرر وكثر قراءتها في الصلاة، وهي السورة الخامسة والعشرين في ترتيب المصحف وتقع في الجزء التاسع عشر وقد نزلت بعد سورة يس وبدأها الله تعالى بالثناء على نفسه حيث قال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}،[١] والفرقان هو اسم للقرآن،[٢] تقع سورة الفرقان بعد سورة النور وتضمنّت الكثير من الموضوعات تدور في معظمها على بيان سبب التكذيب وعاقبته وصفات المكذبين، وفيها شكوى الرسول من هجر القرآن الكريم ثمّ يُطمئن الله تعالى نبيّه الكريم ويُثبّت فؤاده من خلال الآيات الكريمة التي تبشّره بأنّه أقوى حجّة وأوضح دليل ومؤيد من الله سبحانه، كما فيها ذكر لبدائع الله في خلقه وقد بيّن الله تعالى فيها صفات عباده المؤمنين الذين استحقوا وصفهم بعباد الرحمن، وسيتناول هذا المقال معنى آية: قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم، بالشرح التفصيلي.[٣]
معنى آية: قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم، بالشرح التفصيلي
تضمنّت سورة الفرقان الحديث عن مقاصد القرآن الكريم والرسالة المحمدية، فقد تحدّثت عن توحيد الله وعن تكذيب الكافرين وحججهم وبيّنت حال المؤمنين بالله المصدقّن برسله، وفيها بيان للحجج والبراهين على صدق دعوة النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- ثمّ ختم الله تعالى هذه السورة الكريمة بأمر الرسول أن يقول للكفار المكذبيّن كلمة جامعة تُزيل من نفوسهم التكبّر والغرور وتجعلهم يدركون مدى ضعفهم وضآلة شأنهم، وأنّ إرسال الرسل ما هو إلّا رحمةً من الله بخلقه، ليُصلح حالهم ويقطع عذرهم كما أنّ عاقبة التكذيب والإعراض ما هي إلّا استحقاق عقاب الله العظيم، حيث قال تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}،[٤] فهذه الآية هي الدرس الأخير من دروس سورة الفرقان، وهو إرشاد من الله إلى رسوله وجميع الدعاة الذين يُلاقون من أقوامهم التكذيب والإعراض والكفر والجحود رغم كل محاولات الإقناع وأساليب التذكير التي استخدمها رسول الله ومن تحمّل مهمة الدعوة واقتدى برسول الله وسار على نهجه.[٥]
يقول ابن كثير في بيان معنى آية: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم بشكل إجمالي أنّ الله تعالى لا يُبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه وتحققوا الغاية التي خُلقتم لأجلها، فالله سبحانه قد خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبّحوه بكرةً وأصيلًا، ومن المفسرين من قال أنّ معنى "ما يعبأ بكم ربي"، أي: ما يفعل بكم ربي، كما روى عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّ معنى قوله: "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم"، أي: لولا إيمانكم، وقد بيّن الله تعالى أنّه لا حاجة له بالكافرين فلم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبّب الإيمان إلى نفوسهم كما هو حال أهل الإيمان والتقوى.[٦]
أمّا عن معنى آية: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم، بالتفصيل فقد ذكر أهل التفسير الكثير من التفصيلات المهمّة واللطائف الدقيقة، فمعنى يعبأ: هو من الاكتراث والمبالاة وأصله من العبء وهو الثقل والحمل، وقد اختلف أهل العلم في المصدر "لولا دعاؤكم" هل هو مضاف إلى فاعله أو إلى مفعوله، وكانت نتيجة هذا الخلاف وجود أقوال عدّة في تفسير هذه الآية، فالأقوال هي أربعة والثلاثة الأولى منها جاءت بناءً على أنّ المصدر مضاف إلى فاعله، والقول الرابع بناءً على أنّ المصدر مضاف إلى مفعوله.[٧]
والقول الأوّل أنّ معنى قوله "لولا دعاؤكم"، أي: عبادتكم لله وحده -عزّ وجلّ- وعلى هذا فإنّ الخطاب عام يشمل الكافرين والمؤمنين ثمّ تمّ إفراد الكافرين في قوله: "فقد كذبتم فسوف يكون لزامًا" وهذا القول هو أظهر الأقوال والأكثر شهرة وقد قال به معظم أهل التفسير، والقول الثاني أنّ معنى "لولا دعاؤكم"، أي: لولا دعاؤكم إيّاه وتضرعّكم له وحده حال الشدّة والكرب، أي أنّكم ترجعون وتعودون إلى الكفر والشرك بعد أن يكشف الله الضرّ عنكم، والقول الثالث أنّ المعنى هو ما يصنع الله تعالى بعذابكم لولا أنّكم تدعون معه آلهةً أخرى، وقد قال المفسرون أنّ هذا القول بعيد لأنّ فيه تقدير ما لا يوجد دليل على تقديره، ولا حاجة إليه، أمّا القول الرابع وهو المستند إلى كون المصدر مضافًا إلى مفعوله، فهو: أنّ الله تعالى لا يعبأ بالكفّار لولا دعاؤه إيّاهم على ألسنة الرسل الكرام.[٥]
كما أنّ لكل قول من هذه الأقوال ما يُفسّره ويؤيده ويدل عليه، فالدليل على القول اللأول هو الآيات التي تبيّن ما أعدّه الله تعالى لعباده الطائعين من الثواب وما أعدّه للكفار من العقاب، والدليل على القول الثاني فهو قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا}،[٨] وغير ذلك من الآيات الكريمة التي وردت في سور القرآن الكريم وتدلّ على إخلاص الكافرين في الدعاء عند الشدّة وتركهم لعبادة الله عند الرخاء وانفراج الكرب، أمّا القول الثالث فدليله قوله تعالى في سورة النساء: {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}،[٩] فهذه الآية تبيّن أنّ العذاب يترتّب على عدم الإيمان وترك الشكر، أمّا القول الأخير وهو أنّ معنى الدعاء هو دعوة الله لعباده بإرسال الرسل وإقامة الحجة فالأدلة عليه كثيرة، منها قوله تعالى في سورة هود: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}،[١٠] فالله تعالى يُريد أن يختبر عباده ويُقيم عليهم الحجة ثمّ يحاسبهم على هذه الأعمال.[٧]
معاني المفرادات في آية: قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم
القرآن الكريم نزل بلغة قريش وهي اللغة العربية الفصيحة ولمعرفة المعاني اللغوية للمفردات القرآنية أثرق بالغ في تفسيرها، وفيما يأتي بيان لمعاني المفرادات في آية: قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم:
- قل: فعل الأمر من القول، وهو الكلام وكل لفظ قال به اللسان.[١١]
- يعبأ: من العبء وهو الحمل والثقل.[١٢]
- ربي: الرب هو الله تعالى وهو رب كل شيء أي مالكه وله الربوبية على جميع المخلوقات، فالله تعالى لا شريك له وهو رب الأرباب ومالك الملوك الأملاك.[١٣]
- لولا: حرف شرط يدلّ على امتناع الشيء لوجود غيره.[١٤]
- دعاؤكم: ما يُدعى به الله تعالى ويُبتهل إليه به من القول.[١٥]
إعراب آية: قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم
إنّ إعراب الآيات القرآنية مفردات وتراكيب هو علم ذو علاقة وثيقة بعلم التفسير، وفيما يأتي بيان لإعراب آية: قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم، من كتاب الجدول في إعراب القرآن:[١٦]
- قل: فعل أمر مبني على السكون.[١٧]
- ما: نافية.[١٦]
- يعبأ: فعل مضارع مرفوع.[١٧]
- بكم: جار ومجرور متعلقان بالفعل "يعبأ".[١٦]
- ربي: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة، والياء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.[١٧]
- لولا: حرف امتناع لوجود فيه معنى الشرط.[١٦]
- دعاؤكم: مبتدأ مرفوع والخبر محذوف تقديره موجود.[١٦]
- جملة "ما يعبأ بكم ربي": في محل نصب مقول القول.[١٦]
- جملة "لولا دعاؤكم": لا محل لها من الإعراب استئنافية.[١٦]
الثمرات المستفادة من آية: قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم
إنّ الثمرات المستفادة من آية: قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم، كثيرة جدًا وهي فوائد لغوية وتربوية وشرعية، وفيما يأتي ذكرٌ لجملة من هذه الفوائد والثمرات:
- الخطاب في قوله "قل" لكفار قريش ومن على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد والإعراض عن الوحي السماوي، وقد قال الرازي أنّ الخطاب موجّه لعموم الناس.[٥]
- التعبير بقوله "ما يعبأ" أي أنّ الله تعالى لا يعتني بالكفار المعاندين لولا الدعاء.[٥]
- إنّ الله تعالى لا يلحقه اعتزاز بإيمان هؤلاء وإنمّا دعوتهم كانت لأجلهم ورحمة بهم.[٥]
- إنّ معنى هذه الآية مفسّر بالحديث القدسي وهو: "عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا"،[١٨]فالسنّة النبوية والأحاديث القدسية والنبوية تُفسّر القرآن الكريم وتوضّح معانيه إذ إنّ مصدر الوحي واحد.[٥]
- إنّ الله تعالى ليس له مصلحة بعبادة الخلق وإنّما هذه العبادة هي لمصلحتهم ولأجلهم.[٥]
- إنّ الحكمة من الخلق هي الدعاء والتضرّع لله سبحانه.[١٩]
- لكل قول من الأقوال المعتبرة في شرح الآية الكريمة أدلّة عليها من القرآن الكريم، فالقرآن يُفسّر بعضه بعضًا.[٧]
المراجع
- ↑ سورة الفرقان، آية:1
- ↑ "سورة الفرقان"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "سورة الفرقان (هدف السورة: سوء عاقبة التكذيب)"، kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية:77
- ^ أ ب ت ث ج ح خ "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "قوله تعالى قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما"، islamweb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:67
- ↑ سورة النساء، آية:167
- ↑ سورة هود، آية:7
- ↑ "تعريف و معنى قول في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى يعبأ في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى ربي في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى لولا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ " تعريف و معنى دعاء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "ماهو اعراب هذه الاية ((قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ))"، majles.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2577، حديث صحيح.
- ↑ "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.