معنى آية لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون، بالشرح التفصيلي

سورة الصافات

واحدةٌ من سور القرآن الكريم المكية -التي نزلت في مكة المكرمة- عدا بضع آياتٍ منها فهي آياتٌ مدنيَّة -أي نزلت في المدينة المنورة- وقد بلغ عدد آياتها 182آية، وأمَّا ترتيبها حسب ترتيب سور القرآن الكريم فهو السَّابع والثلاثون، وتقع سورة الصافات في الجزء الثالث والعشرين،[١] وقد نزلت السورة بعد سورة الأنعام، وسُميت السورة بالصافات؛ لتذكر عباد الله المؤمنين بالملائكة الذين عكفوا على عبادة الله -تعالى- ليلًا نهارًا دون كللٍ أو مللٍ يحمدونه ويسبحونه ويهللونه ويكبرونه، وهذه وظيفتهم التي كلّفهم بها سبحانه، وقد بدأ الله العظيم سورته بقسمٍ بملائكته فقال تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}،[٢] وقد عالجت السورة من الأمور ما عُنيت بمعالجته جميع السور المكية من تثبيت المفاهيم الأساسية في الدين الإسلامي للمسلمين، في الحديث عن مسائل البعث والنشور والتوحيد ونبذ الشرك، ومن الآيات التي وردت فيها قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ}،[٣] وسيقف هذا المقال مع شرح الآية الكريمة وتفسيرها حسب رأي أهل العلم والسلف الصالح.[٤]

معنى آية: لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون، بالشرح التفصيلي

إنَّ نعيم الجنة لا يُشبه نعيم الدنيا ومتَع الأرض لا تُشبه متَع الحياة الآخرة، وقد تشترك بعض المصطلحات في لفظها وتختلف في معانيها في الحديث عن نعيم الجنة فمثلًا لبن الجنة وخمرها ليس كلبن الأرض وخمرها، ومن ذلك قوله جلَّ وعلا في سورة الصَّافات في حديثه عن وصف الخمر في الجنة: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ}،[٥] وذكر الطبري في تفسيره لتلك الآية أنَّ خمر الجنة ليست كخمر الأرض، إذ إنَّ خمر الأرض يُذهب العقول ويعلُّ الجسم ولكنَّ خمر الآخرة ليس كمثله شيء بل هو أبعد ما يكون عن خمر الدنيا فلا يذهب العقل ولا يفقد بها الإنسان رشده، والغولُ هو ما يؤذي الإنسان من المكاره واعتادت العرب أن تقول عن المرء إذا أُصيب بمكروهٍ غال هذا الرجلُ غولٌ، ومال بعض المفسرين إلى معنى كلمة غول أي صداع إذ إنَّ خمر الدنيا يُصيب الإنسان بألمٍ في الرأس وصداع لكنَّ خمر الآخرة ليس كذلك، وقال آخرون في معنى لا فيها غولٌ أي خمر الجنة خالٍ من الأذى الذي يتسبب بآلامٍ في البطن، فمن المعروف أنَّ خمر الدنيا يُورث الآلام والأسقام في البطن.[٦]

ومعنى لا فيها غولٌ أي معنى أنَّ خمر الجنة خالي من الأضرار التي قد تُفسد حياة الإنسان وتلحق به الأذى كما خمر الدنيا، وقال ابن أبي حاتم في ذلك أي إنَّ خمر الجنة لا تغول عقولهم من السكر وتأثير الخمر، ومن المعروف أنَّ خمر الدنيا نتنٌ فيه من الآفات الشيء الكثير وذلكٌ منفي عن خمر الآخرة كما أخبر الله تعالى ذلك في سورة الصافات، وقد وردت كلمة غول في شعر القدماء، فقال امرؤ القيس:[٧]

ربَّ كأسٍ شربتُ لا غولَ فيها وسقيتُ النَّديم منها مزاجا

وذهب كلٌّ من مجاهد وابن جبير وابن زيد إلى أنَّ تفسير الآية هو الألم في البطن، فخمر الجنَّة لا تُسكرهم وتُذهب عقولهم كما خمر الدُّنيا،[٨] فخمر الدُّنيا لا يقتصر أذاها على العقل فقط بل يتعدى ذلك الأذى إلى الجسد، ومن نعيم الله -تعالى- على أهل الجنة أن جعل لهم خمرًا لذيذًا غير مؤذٍ يشربونه في مجالسهم، ويكون ذلك الخمر من أنهار تجري أمامهم بيضاء اللون لا يخافون انتهاءها ولا تُورِّثهم أي مكروه لا على عقولهم ولا على أجسادهم، فكلُّ ما في الجنة هو من نعيمها سواء كانت تلك المجالس أو الخمرة أو المشارب أو غيرها مما أعده الله لعباده الصالحين، وقال الكلبي في معنى غول أي ذنبٌ وإثم، واتفق أهل المعاني على أنَّ الغول هو المكروه والفساد الذي يُصيب الإنسان في السر والخفاء، عدا عن المكاره التي تُورثها خمر الدنيا من الأسقام والأمراض والقيء وكثرة التبول واعتلال الجسم وضعف العقل.[٧]

فهي لا تغتال العقول فتذهب بها، وقد يكون الغول هو المرض والإرهاق والتعب، وقيل هو الداء أو المغص الذي يُؤلم البطن، [٧] ومن اللافت أنَّ الله تعالى قد قدَّم الجار والمجرور {لا فيها غولٌ}، وفي ذلك بيان إلى أنَّ الله نفى الغول عن خمور الجنة نفيًا قاطعًا وأثبته على غيرها من الخمور، فهو -جلَّ في علاه- قصرَ عدم الضرر على خمر الجنة فقط، ولو قال لا غول فيها لاشترك غير خمر الجنة في ذلك -أي في عدم الضرر- والله في ذلك جميعه هو أعلى وأعلم.[٩]

معاني المفردات في آية: لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون

إنَّ شرح الآية الكريمة لا يكون عن عبثٍ ولا بدَّ من التطرق إلى فهم المفردات كلّ واحدة على حدة؛ حتى يتمَّ التمكن من تفسير الآية الكريمة على وجهها الصحيح، وخاصَّة أنَّ اللفظة في اللغة العربية يختلف معناها حسب سياقها في الجملة وما يقتضيه المعنى العام، وستقف هذه الفقرة للحديث عن شرح معاني المفردات في آية: لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون:

  • غول: الغول هو المصدر من الفعل الماضي غالَ، وهو ما ينتج عن شرب الخمر من ألم الرأس أو ما يُسمى بالدصاع، والغول هو السُّكر، ويُقال عن التعب والمشقة غولٌ وعن التراب الكثير غول، وكلُّ ما يُسبب هلاكًا للإنسان دون علمٍ له فهو غول.[١٠]
  • ينزفون: يُقال عن العقل إنَّه نُزِف إذا ذهب نتيجة كثرة شرب الخمر حتى سكر، وذلك شأن كل ما يُذهب عقل الإنسان ويُغيِّبه، ويُقال نُزِف ذلك الماء أي استُخرج جميعه.[١١]

إعراب آية: لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون

الإعراب هو الفيصل في فهم الكلام بعد فهم معنى اللفظة، ولا بدَّ من تحديد موقع الكلمة من الجملة حتى يتم تفسيرها على الوجه الصحيح، ولا بدَّ للمفسِّر من إحاطته بعلم الإعراب إحاطةً تمكنه من فهمه على الوجه الدقيق، إذ لا يكفي الإمساك بأطرافه فقط بل لا بدَّ من الغوص فيه، وستقف هذه الفقرة مع إعراب قول الله تعالى لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون:[٧]

  • لا: نافية لا عمل لها.
  • فيها: في حرف جر، والضمير ها في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بخبر مقدم.
  • غولٌ: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  • ولا: الواو حرف عطف، لا معطوفة على اللا الأولى.
  • هم: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.
  • عنها: عن حرف جر، والها ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل ينزفون.
  • يُنزفون: فعل مضارع مبني للمجهول وعلامة رفعه ثبوت النون في آخره لأنه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع نائب فاعل.
  • {ينزفون}: جملة فعلية في محل رفع خبر مبتدأ.
  • {لا فيها غول}: صفة لكأس.

الثمرات المستفادة من آية: لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون

إنَّ كلَّ آيةٍ من آيات الله لا بدَّ أنها تحمل الكثير من الثمرات التي يصطفيها المؤمن بتأمل آيات كتاب الله العظيم، وتأمل الآيات عبادة إذ يعبد المرء بذلك ربه عن تعقل وتفكر وفهم لا عن عادة كما بات الكثير من الناس، وستقف هذه الفقرة للحديث عن الثمرات المستفادة من آية لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون، وفيما يأتي سيكون ذلك:

  • حكمة الله تتجلى في تنوع نعيم الجنة إذ إنَّها لم تُحصر بشيءٍ واحدٍ، ومن بين متع المؤمن في الجنة هو الخمر وأنهاره فهو لذة للشاربين، وكما أنَّه في الدُّنيا منبع الخبائث إلا أنَّه في الآخرة منبع النعيم.[١٢]
  • انتشار الآفات والمخدرات والمُسكرات بين الأجيال يُؤدي إلى ضياع المجتمعات، عدا عن الأذى الجسدي والنفسي الذي تُسببه للمُدمن والأمراض المُزمنة التي تُؤدي إلى خطرالموت، فيكون بذلك قد خسر دنياه وآخرته، فلا هو حصل على لذة الدنيا ويحرمه الله -إن لم يرحمه- من لذة نعيم الآخرة.[١٢]
  • مضار الخمر ومفاسده لا تقتصر على الأذى الجسدي بل تسلب المرء عقله حتى يجعله في عداد المجانين، وبذلك يُسلب العبد ما قد يتميَّز به عن الحيوان وهو العقل، فتُكون تصرفاته غير إنسانيةٍ وهمجيَّةٍ بعيدةٍ عن معاني المروءة.[١٣]
  • تمني المرء من حياةٍ هانئةٍ يرضى عنها والمشروبات اللذيذة لن يكون إلا في الدَّار الآخرة، إذ إنَّ الدنيا هي دار الامتحانوالبلاء، والدَّار الآخرة هي دار النعيم الذي رصده الله لعباده المؤمنين، وفي ذلك تفصيلٌ وشرحٌ لثمرات قول الله تعالى لا فيها غولٌ ولا هم عنها يُنزفون، والله في ذلك جميعه هو أعلى وأعلم.[١٤]

المراجع

  1. "سورة الصافات"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  2. سورة الصافات، آية:1
  3. سورة الصافات، آية:47
  4. "سورة الصافات 37/114"، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  5. سورة الصافات، آية:47
  6. "القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الصافات - الآية 47"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث "لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ (الصافات - 47)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  8. "تفسير الألوسي تفسير سورة الصافات تفسير قوله تعالى لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  9. "البلاغة 2 المعاني جامعة المدينة"، islamport.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى غول في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى ينزفون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  12. ^ أ ب "خطبة عن حكمة الإسلام في تحريم المخدرات والإدمان "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  13. "أم الخبائث ولذة الآخرة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  14. "وما تجزون إلا ما كنتم تعملون"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
4835 مشاهدة
للأعلى للسفل
×