معنى آية لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، بالشرح التفصيلي

سورة الأنبياء

سورة الأنبياء من السور المكيّة كما ذهب جمهور المفسّرين، وكما نقل عنهم بعض الأئمّة كالإمام القرطبي، سُمّيت بالأنبياء نظرًا لكثرة الأنبياء الذين ذُكروا فيها؛ إذ لم يُذكر هذا العدد من أسماء الأنبياء سوى فيها، وزادت عليها سورة الأنعام أنّها ذُكر فيها أسماء أنبياء أكثر، ولكن لم تُسمّى الأنعام باسم سورة الأنبياء نظرًا لذكر أحكام الأنعام فيها، وأيضًا يرى بعض المفسّرين أنّ سورة الأنبياء أسبق من حيث النزول، وفي ترتيبها من حيث النزول خلاف؛ فمنهم من يرى أنّ ترتيبها هو 71، ومنهم من يراها قد نزلت قبل سورة الزخرف، وسورة الزخرف ترتيبها 62 نزولًا، والله أعلم بذلك،[١] وأمّا ترتيبها في المصحف فهو 21 بعد سورة طه وقبل سورة الحج، وفي هذه السورة آية يقول فيها الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}،[٢] سيقف هذا المقال فيما يأتي من فقراته مع بيان تفسيرها ومعاني مفرداتها وإعرابها والوقوف على أهم الثمرات فيها.[٣]


معنى آية: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، بالشرح التفصيلي

بعد الوقوف في لمحة مع سورة الأنبياء فإنّ هذه الفقرة تقف مع الآية الكريمة التي يقول فيها الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}،[٤] فقد نقل المفسّرون في كتبهم في تفسيرهم لهذه الآية أنّ المُراد فيها هو نفي كلام المشركين وإثبات وحدانيّة الله تعالى في الألوهيّة، فالآية تُحاجج المشركين بأسلوب علميّ منطقيّ قائم على الدليل والبرهان، فيقول تعالى فيها: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ}، ويقصد بذلك السماوات والأرض، كونها المكان الظاهر من الأكوان، فيقول تعالى بحجّة عقليّة منطقيّة إنّه لو كان في هذه السماوات والأرض إله سوى الله -تعالى- {لَفَسَدَتَا}؛ أي لفسَدَ أمر هذه السماوات والأرض ومن فيها؛ إذ سيكون لكلّ واحد أوامره وأنظمته وضوابطه الخاصّة التي تتقاطع مع أوامر الآخر، وبالتالي سيقع الخلاف وستكون الحرب بينهم، وفي ذلك يقول تعالى في سورة المؤمنون: {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ}،[٥] فهنا دليلٌ آخرٌ على أنّ الألوهيّة لا تنبغي لغير الله عزّ وجلّ، فالانتظام في الأكوان والطبيعة في الأشياء وغيرها من أمور هذا الكون الواسع تدلّ على أنّ الصانع واحد، والإله واحد، والمُدبّر واحد، وفي ذلك يقول تعالى أيضًا في سورة الإسراء: {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا* سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا}،[٦] فتعالى الله عمّا يقول الكفرة المشركين، وسبحانه تسبيحًا يليق بعظمته عزّ وجلّ.[٧]

وإذا ضُرب مثل -ولله المثل الأعلى- على هذا الأمر بين البشر فإنّ الحكّام إذا تنازعوا على مُلكٍ فإنّهم يفنون بعضهم بعضًا حتّى يستقيم الأمر لواحد منهم، ومثال ذلك عبد الملك بن مروان حين حارب مصعب بن الزبير -رضي الله عنه وعن أبيه الزبير- وكان فارسًا شجاعًا قد قاد جيوش شقيقه عبد الله -رضي الله عنه- حين كان خليفة المسلمين، فحدث أن اصطدم جيش الأمويين بقيادة عبد الملك وأخيه وجيش ابن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه الزبير، فاستُشهد مصعب -رضي الله عنه- في هذه المعركة وحُملَ رأسُهُ إلى عبد الملك، فقال -وهنا الشاهد- عندما أمسك رأس مصعب بيديه: "لقد كان بيني وبين مصعب صحبة قديمة، وكان من أحب الناس إليّ، ولكن هذا الملك عقيم‏"، ولله المثل الأعلى مرّة أخرى، فإذا كان رجلٌ من البشر يقول هذا الكلام فما بالهم بإله يُحارب آخر حاشا لله،[٨] وثمّ يختم الله -تعالى- هذه الآية بتنزيه نفسه عمّا قاله عنه الكاذبون الكافرون الجاحدون المشركون، فيقول تعالى: {فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}، أي إنّ الله -تعالى- يتنزّه ويتقدّس عمّا يقولون، فهم وإن كانوا يُقرّون بأنّ صانع هذه الأكوان هو الله تعالى، إلّا أنّهم يزعمون أنّ لله -تعالى- شريكًا في الحكم، فتعالى الله عمّا يقولون علوًّا كبيرًا، والله -تعالى- أعلى وأعلم.[٩]


معاني المفردات في آية: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا

بعد الوقوف مع تفسير الآية القرآنيّة من سورة الأنبياء التي يقول فيها الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}،[١٠] وبعد الإضاءة على شيء من مقاصدها فإنّ الفقرة هذه تقف لبيان معاني بعض مفرداتها ممّا قد يحتاج إلى زيادة في الإيضاح، وتلك المفردات هي:

  • آلهة: الآلهة هي جمع إله، والإله هو الله وحده لا شريك له، ولكن قد أطلق الوثنيّون وغيرهم اسم الآلهة على الأصنام لاعتقادهم الخطأ أنّ العبادة تجوز في حقهم.[١١]
  • لفسدتا: الفساد في اللغة كلّ ما هو ضد الصلاح، ويقولون فسَدَ وفسُد ويفسِد ويفسُد فسادًا وفُسودًا، ومنه قولهم عن الناس إذا تدابروا وتقاطعوا: تفاسدوا.[١٢]
  • سبحان: التسبيح لغة هو التنزيه، وقولهم سبحان الله هو تنزيهه -تعالى- عن الصاحبة والولد، أو هو تنزيهه عن كلّ ما لا يليق أن يوصف به، وما لا ينبغي أن يوصف به تبارك وتعالى.[١٣]
  • العرش: العرش في اللغة سرير المُلك، حيث قال تعالى في سورة النمل: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}،[١٤] ولكنّ عرش اللهِ اللهُ وحده أعلم به.[١٥]


إعراب آية: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا

تقف هذه الفقرة فيما يأتي مع إعراب المفردات والجمل في قوله تعالى في الآية الكريمة: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}،[١٦] فبالإعراب يزداد وضوح الكلام، وهذه الآية فيها مسألة سيُوقف معها فيما يأتي:

  • لو: حرف شرط غير جازم يُفيد الامتناع للامتناع، لا محلّ له من الإعراب.[١٧]
  • كان: فعل ماضٍ ناقص.[٩]
  • فيهما: في حرف جر، وهما ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف للفعل الناقص.[٩]
  • آلهةٌ: اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمّة الظاهرة.[٩]
  • إلّا اللهُ: وهنا يجوز أن تكون إلّا اسم بمعنى غير وتكون هي واسم الجلالة "الله" في محل رفع صفة لآلهة، وعلى ذلك تكون الحركة قد ظهرت على اسم الجلالة لامتناع ظهورها على إلّا، وهذه تُسمّى الحركة المُعارة،[١٨] أو يجوز أن تكون إلّا بمعنى غير في محل رفع صفة لآلهة، واسم الجلالة "الله" هو اسم مرفوع لفظًا مجرور محلًّا على أنّه مضاف إليه، ولكن منع من ظهور الكسر نقل حركة الضم من إلّا إلى اسم الجلالة، وذلك ما يُسمّى إعارة الحركة، فيقولون الحركة العارية أو المُعارة.[١٧]
  • لفسدتا: اللام واقعة في جواب لو، وفسدتا فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على آخره، والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محلّ لها من الإعراب، والألف هي ألف الاثنين ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.[٩]
  • فسبحانَ: الفاء استئنافيّة، وسبحان مفعول مطلق لفعل محذوف، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
  • اللهِ: اسم الجلالة مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة.[٩]
  • ربِّ: بدل من اسم الجلالة فهو مثله مجرور،[٩] وقيل صفة.[١٨]
  • العرشِ: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة.[٩]
  • عمّا: عن حرف جر، وما اسم موصول مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلّقان بسبحان.[٩]
  • يصفون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والنون للوقاية.[٩]
  • جملة {كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[١٨]
  • جملة {لَفَسَدَتَا}: جملة جواب الشرط غير الجازم لا محل لها من الإعراب.[١٨]
  • جملة {سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ} مع الفعل المحذوف: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.[١٨]
  • جملة {يَصِفُونَ}: صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.[١٨]


الثمرات المستفادة من آية: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا

بعد الوقوف على تفسير الآية الكريمة وبيان معاني مفرداتها وإعرابها تقف هذه الفقرة مع الثمرات التي يمكن إفادتها من قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}،[١٩] والحقّ أنّ الثمرة التي يمكن أن تُقطف من هذه الآية ظاهرة واضحةٌ جليّةٌ لمن يتدبّر، وهي أنّ الردّ على المشكّكين بالدّين -كالكفّار الذين زعموا أنّ هنالك آلهة مع الله- ينبغي أن يكون ردًّا مبنيًّا على العقل والمنطق ودفع افتراءاتهم بالحجج والبراهين التي تُلجمهم وتُقيم الحجّة عليهم، وأمّا الحديث على وحدانيّة الله -تعالى- فهو أمر قد سبق بيانه من الله -تعالى- في القرآن الكريم على نحو لا يدع -في قلب من كان له عقل- حرجًا من أن يُسلّم بوحدانيّة الله سبحانه، والله أعلم.[٩]

المراجع

  1. "التحرير والتنوير - سورة طه"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  2. سورة الأنبياء، آية:22
  3. "سورة الأنبياء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  4. سورة الأنبياء، آية:22
  5. سورة المؤمنون، آية:91
  6. سورة الإسراء، آية:42-43
  7. "تفاسير الآية 22 من سورة الأنبياء"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  8. "البداية والنهاية"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز "لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (الأنبياء - 22)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  10. سورة الأنبياء، آية:22
  11. "تعريف و معنى آلهة في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى الفساد في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى سبحان في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  14. سورة النمل، آية:23
  15. "تعريف و معنى العرش في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  16. سورة الأنبياء، آية:22
  17. ^ أ ب "اريد اعراب كامل لقولة تعالى ("لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ")"، majles.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  18. ^ أ ب ت ث ج ح "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-08. بتصرّف.
  19. سورة الأنبياء، آية:22
6364 مشاهدة
للأعلى للسفل
×