معنى آية ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة، بالشرح التفصيلي

سورة لقمان

سورة لقمان هي سورة مكية ما عدا الآيات 27-29 فمدنية، وهي من السور المثاني فعدد آياتها 34، وهي السورة الواحدة والثلاثين في ترتيب سور القرآن الكريم، وتقع في الجزء الحادي والعشرين وقد نزلت بعد سورة الصافات، وبدأت بحروف مقطّعة، حيث قال تعالى: {الم* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}،^[١] ولقمان هو اسم لأحد الصالحين الذين اتصفوا بالحكمة، وقد سميّت لقمان بهذا الاسم نسبةً إلى لقمان الحكيم حيث اشتملت على قصته وذكرت وصاياه لابنه،^[٢] كما ذكر ابن عاشور عند تعريفه بهذه السورة أنّ هذا اسمها الذي عُرفت به بين القرّاء وأهل التفسير، وليس لها اسم آخر غيره، وذكر اختلاف أهل العلم في كون بعض آياتها نزلت في المدينة أم أنّها نزلت بمجموعها في مكة، وقد اختلفوا في عدد آياتها فقالوا أنّها 33 آية عند أهل مكة والمدينة، أمّا عند أهل الشام والبصرة والكوفة فهي 34 آية، وسيتناول هذا المقال معنى آية: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة، بالشرح التفصيلي.^[٣]

معنى آية:لاما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة، بالشرح التفصيلي

من مقاصد سورة لقمان إثبات الحكمة لكتاب الله العزيز وهذا بدوره يؤدي إلى إثبات الحكمة لله سبحانه، وقد تطرّقت السورة بعد الحديث عن الحكم والوصايا التي أوصى بها لقمان الحكيم ابنه إلى ذكر نعم الله تعالى على عباده من تسخير ما في الأرض والسماوات لهم، والعذاب الذي يستحقه المكذبين المعاندين المتمسكين بالعقائد الباطلة التي اعتقدها آباؤهم من قبلهم، وبيان قدرة الله تعالى على الخلق والبعث، حيث قال: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ},^[٤] وقد قال الإمام الطبري مفسّرًا هذه الآية بأنّ الله تعالى يخاطب الناس ويخبرهم بأنّ خلقهم وبعثهم عليه ما هو إلّا كخلق نفس واحدة وبعثها، فهو لا يتعذّر عليه شيءٌ أراده، ولا يمتنع منه شيءٌ شاءه، فخلق الواحد والجميع سواء.^[٥]

وقد نقل القرطبي عند تفسيره لهذه الآية قول الضحّاك حيث فسّر المعنى بأنّه ابتداء خلق جميع الناس هو كخلق نفس واحدة، وما بعثهم يوم القيامة إلّا كبعث نفس واحدة، وعن مجاهد قال أنّ الله تعالى قادر على ذلك لأنّه يقول للقليل والكثير كن فيكون، أمّا عن سبب النزول فقيل أنّ جماعة من الكفّار ومنهم أُبي بن خلف قالوا لرسول الله: إنّ الله تعالى قد خلقنا أطوارًا، نطفةً ثمّ علقةً ثمّ مضغة ثمّ عظامًا، ثمّ تقول إنّا نُبعث جميعًا في ساعةٍ واحدة! فأنزل الله تعالى: ما خلقكم ولا بعثكم إلّا كنفسٍ واحدة، فالله تعالى لا يصعُب عليه ما يصعُب على العباد، وخلقه للعالم كخلقه لنفسٍ واحدة، وهو سميع لما يقولون وبصير بما يفعلون.^[٦]

وفي تفسير السعدي أنّ الله تعالى بعد أن ذكر سعة علمه بيّن عظمة قدرته وكمالها وأنّ ذلك لا يمكن أن يتصوّره العقل، فخلق الناس وبعثهم يحيّر العقول، ولكنّ هو على الله هيّن فخلق جميع الخلق على كثرتهم وبعثهم بعد موتهم وتفرقتهم بلمحة واحدة ما هو إلّا كخلق نفسٍ واحدة، فلا حجة في استبعاد أمر البعث والنشور، والجزاء والمحاسبة على الأعمال، وما يُنكر ذلك ويجحده إلّا إنسان جاهل بعظمة الله وقوته وقدرته،^[٧] وفي روح المعاني للألوسي أنّ خلق جميع النفوس وبعثها هو كخلق نفسٍ واحدة وبعثها في سهولة التأتي بالنسبة لله -عزّ وجلّ- فهو لا يشغله شأنٌ عن شأن، فسبب وجود الكل متعلّق بإرادته الواجبة سبحانه، أو قوله للشيء كن فيكون، فهذا راجع إلى قدرته الذاتية -جلّ وعلا- فالخلق والبعث بالنسبة له لا يحتاج إلى آلة ولا وسيلة، فذلك يحدث مباشرةً بدون واسطة فهو لا يختلف عنده الواحد والكثير كاختلافهم عند العباد.^[٨]

وقد ذكر البقاعي في تفسيره المسمّى نظم الدرر أنّ الله تعالى قد اختتم الآية السابقة لقوله تعالى: ما خلقكم ولا بعثكم إلّا كنفسٍ واحدة، بذكر صفتين من صفاته وهو أنّه عزيزٌ حكيم، وكان ذلك بعد الحديث عن كمال قدرة الله على الإبداع من غير انتهاء، فذكر بعض آثار هذا الإبداع في هذه الآية وهي قضية البعث، وقد جاء الحديث عن الرجوع إلى الله في أكثر من موضع من سورة لقمان، فهذا هو أحد مقاصد هذه السورة الكريمة، ومعنى "ما خلقكم"، أي: خلقكم كلكّم في عزّته وحكمته كخلق النفس الواحدة، وقد تمّ تكرار أداة النفي مع الخلق والبعث، حيث قال تعالى: "ولا بعثكم"، والمعنى جميعكم أيضًا، ومعنى "إلّا كنفس"، أي: كبعث نفس، وقد بيّن سبحانه الأفراد تحقيقًا للمراد، وتأكيدًا للسهولة واليُسر فقال تعالى: "واحدة"، أي فردًا واحدًا.^[٩]

وقال ابن كثير أنّ معنى قوله تعالى: ما خلقكم ولا بعثكم إلّا كنفسٍ واحدة، أي: ما خلق جميع الناس وبعثهم يوم المعاد بالنسبة إلى قدرته سبحانه إلّا كنسبة خلق نفس واحدة، فجميع ذلك هيّن عليه -جلّ وعلا- ومن الآيات التي تدلّ على هذا المعنى، قوله تعالى في سورة يس: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}،^[١٠] وقوله في سورة القمر: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}،^[١١] وقوله في سورة النازعات: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ}،^[١٢] فالأمر بالشيء يكون مرّة واحدة ولا يحتاج إلى تكرار وإعادة وتوكيد، ولهذا خُتمت الآية بقوله: إنّ الله سميعٌ بصير، أي أنّ الله تعالى سميع لجميع العباد بصير بأفعالهم كسمعه وبصره للنفس الواحدة، وكذلك الأمر بالنسبة لقدرته.^[١٣]

معاني المفردات في آية: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة

قد يحتاج قارئ القرآن إلى معرفة معاني الآيات التي يقرؤها، وهذا يختلف من شخصٍ لآخر فالأعجمي الذي لا يعرف اللغة العربية بحاجة إلى معرفة معاني جميع المفردات، والعامّي قليل الاطلاع على معاني اللغة والتعامل معها بشكلٍ مستمر يحتاج أيضًا إلى معرفة الكثير من المعاني، أمّا صاحب الاطلاع الواسع والثقافة الكبيرة فنادرًا ما يلجأ إلى هذا، وفيما يأتي بيانٌ لمعاني المفردات في آية: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة:

• خلقكم: الخلق هو الإيجاد من العدم والإبداع والابتكار.^[١٤]
• بعثكم: البعث هو الإحياء بعد الموت يوم القيامة.^[١٥]
• نفس: النفس هي الروح.^[١٦]
• واحدة: الواحد والواحدة هو الفرد من أفراد الشيء أو القوم.^[١٧]

إعراب آية:ىما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة

إنّ المفردات والتراكيب الموجودة في القرآن الكريم هي أفصح لغة وأعذب نسق، وذلك أنّ الكلمة القرآنية تدلّ على معناها بشكلٍ يتعذّر معه استبدالها بغيرها إذ أنّها تصوّر المشهد تصويرًا عجيبًا وتوضّح الحالة توضيحًا وافيًا، فالبعث كلمة تُعطي صورة عن كيفية قيام الناس لرب العالمين يوم القيامة، فإنّه سيبعثهم بعد موتهم أحياءً كما أخبر بذلك سبحانه، وقد تمّ بيان معنى البعث والخلق وغيرهما، وفيما يأتي بيانٌ لإعراب آية: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة:^[٧]

• ما: نافية.
• خلقكم: مبتدأ خبره محذوف.
• ولا: الواو حرف عطف، لا: نافية.
• بعثكم: مبتدأ خبره محذوف.
• إلا: حرف حصر.
• كنفس: الكاف حرف جر، نفس: اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة، والجار والمجرور متعلّقان بخبر "بعثكم" المحذوف.
• واحدة: صفة لنفس مجرورة مثلها.
• جملة "ما خلقكم": جملة استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.

الثمرات المستفادة من آية: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة

كثيرة هي الآيات التي تدلّ وتبرهن على عظيم قدرة الله في خلقه جميع الخلائق وبعثهم دفعةً واحدة، فهو القوي القادر الذي لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، ومن هذه الآيات قوله تعالى في سورة لقمان: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة، وقد تمّ بيان معنى هذه الآية وشرح مفرداتها وإعراب كلماتها وجملها، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض الثمرات المستفادة منها:^[٧]

• قدرة الله العظيم تتجلّى في قدرته على إحياء الموتى وبعث الأنفس، فهو الذي يُحيي العظام وهي رميم وليس ذلك لأحدٍ إلّا الله.
• الآيات الواردة في القرآن الكريم والقصص المتوافقة مع هذه الآية وتتكامل معها، ومن ذلك قصة النبي إبراهيم مع الطير وقصة قتيل بني إسرائيل، فهذا إحياء في الدنيا والآية تتحدّث عن إحياء الله الموتى لمحاسبتهم في الآخرة.
• الله تعالى لا يُعذّب أحدًا دون أن يُقيم عليه الحجة ويُبيّن له الدليل والبرهان على وحدانيته وقدرته المطلقة.
• النفس الإنسانية هي محور مهم في سورة لقمان، وقد ذُكرت أيضًا عند الحديث عن الخلق والبعث، وذلك لأنّ إحياء النفوس بالإيمان وتهذيبها بالآداب من أهم مقاصد القرآن الكريم.
• الإيمان بالبعث والجزاء صفة من صفات العقلاء الراشدين، فالكفر والتكذيب ليس له سبب سوى الجهل والضلال.

المراجع

1. ↑ سورة لقمان، آية:1-2
2. ↑ "سورة لقمان"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
3. ↑ "التحرير والتنوير"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
4. ↑ سورة لقمان، آية:28
5. ↑ "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
6. ↑ شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 74. بتصرّف.
7. ^ ^{أ ب ت} "(لقمان - 28)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
8. ↑ "روح المعاني"، tafsir.app، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
9. ↑ "نظم الدرر"، tafsir.app، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
10. ↑ سورة يس، آية:82
11. ↑ سورة القمر، آية:50
12. ↑ سورة النازعات، آية:13
13. ↑ "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
14. ↑ "تعريف و معنى خلق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
15. ↑ "تعريف و معنى البعث في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
16. ↑ "تعريف و معنى نفس في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
17. ↑ "تعريف و معنى واحدة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.