معنى آية ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض

كتابة:
معنى آية ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض

سورة الأنفال

تُعدُّ سورة الأنفال من السور القرآنية المدنية باستثناء الآيات من 30 إلى 36 فهي آيات مكيَّة، وسورة الأنفال هي سورة من سور السبع الطوال في القرآن الكريم، يبلغ عدد آياتها 75 آية، وهي السورة الثامنة في ترتيب سور المصحف الشريف؛ حيث تقع هذه السورة المباركة في الجزء العاشر والحزب التاسع عشر، وقد نزلتْ سورة الأنفال بعد سورة البقرة، وجدير بالذكر إنَّ هذه السورة تبدأ بفعل مضارع، قال تعالى في مستهلِّ هذه السورة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}،[١] وقد تناولتِ السورة أحكام الأسرى والغنائم في الإسلام، وذلكَ لأنَّها نزلتْ بعد غزوة بدر، وفي هذا المقال سيتم الحديث عن معنى آية من آيات سورة الأنفال وهي آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض.[٢]

معنى آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض

يقول الله -عزَّ وجلَّ- في سورة الأنفال: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}،[٣] أمَّا معنى قوله تعالى في هذه الآية: ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، إنَّ هذه الآية الكريمة تعريف من الله تعالى لنبيه محمد في رأي الإسلام في مسألة الأسرى، وقد نزلتْ هذه الآية في الأسرى الذين أسرهم المسلمون في غزوة بدر، والذين فادى بهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال أبو جعفر في تفسير هذه الآية: "ما كان لنبيٍّ أن يحتبسَ كافرًا قدر عليه وصار في يده من عبدة الأوثان للفداء أو للمنّ"، وأسرى جمع كلمة أسير ومعناها الحبس، ومأسور أي محبوس، وقيل في معنى حتَّى يثخن في الأرض: "حتَّى يبالغَ في قتل المشركين فيها, ويقهرهم غلبة وقسرًا"،[٤] وجاء أيضًا في معنى حتَّى يثخن في الأرض أي يبالغ في قتل الْمُشْركينَ وَيبالغ في أسرهم أيضًا، وجاء في تفسير الطنطاوي لهذه الآية الكريمة: "والمعنى: ما صح وما استقامَ لنبيٍّ من الأنبياءِ -عليهم الصَّلاة والسَّلام- أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى من أعدائه الذين يريدون به وبدعوته شرًّا حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، أي: حتى يبالغ في قتلهم، وإنزاله الضربات الشديدة عليهم إذلالًا للكفر وإعزازًا لدين الله"، وقال عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- في هذه الآية: "كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتدَّ سلطانهم أنزل الله في الأسارى: فإما منا بعد وإما فداء، فجعل الله -عزَّ وجلَّ - نبيَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استعبدوهم، وإن شاؤوا فادوهم ، وإن شاؤوا أعتقوهم".[٥]


أمَّا في مسألة أسرى غزوة بدر التي كانت سببًا في نزول هذه الآية الكريمة، جاء عن عبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- ما يأتي: "قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: ما تَرَوْنَ في هَؤُلَاءِ الأُسَارَى؟ فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: يا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو العَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ منهمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةً علَى الكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما تَرَى يا ابْنَ الخَطَّابِ؟ قُلتُ: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، ما أَرَى الذي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِن عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِن فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ، فأضْرِبَ عُنُقَهُ، فإنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ما قالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ ما قُلتُ، فَلَمَّا كانَ مِنَ الغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِن أَيِّ شيءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فإنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وإنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِن أَخْذِهِمِ الفِدَاءَ، لقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِن هذِه الشَّجَرَةِ، شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِن نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكونَ له أَسْرَى حتَّى يُثْخِنَ في الأرْضِ} إلى قَوْلِهِ {فَكُلُوا ممَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} فأحَلَّ اللَّهُ الغَنِيمَةَ لهمْ"،[٦] والله تعالى أعلم.[٧]


معاني المفردات في آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض

بعد التفصيل في معنى آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، لا بدَّ من المرور على معنى كلِّ لفظ من ألفاظ هذه الآية الكريمة، فإلقاء الضوء على معاني المفردات في الآية يساعد على فهم الآية وكشف مقصودها ومبتغاها، وفيما يأتي تفصيل في معاني المفردات في آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض:

  • لنبي: النَّبي هو حامل الوحي، وصاحب النبوَّة والذي ينشرها ويخبر الناس عن الله تعالى، يختاره الله تعالى من خلقه ويخصُّه بصفات وميزات لا تكون لغيره، والمقصود في الآية النبيُّ محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- فالآية نزلتْ عتابًا للنبيِّ على أخذه أسرى في معركة بدر.[٨]
  • أسرى: اسم من الفعل أسر يأسر، والأسرى جمع لكلمة أسير، مثلها قتلى وقتيل، جرحى وجريح، ومن جمع أسير أسارى بضم الهمزة وفتحها، والأسير هو المأخوذ في الحرب والذي تمكَّن منه عدوَّه فأحكم وثاقه.[٥]
  • يثخن: فعل مضارع من الفعل أثخن، ومعنى أثخن أي غلب وأضعف، وأثخنه الأمر أي غلبه وأضعفه وأوهنه، ومصدرها الإثخان والإثخان هو المبالغة في الأمر.[٩]


إعراب آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض

إنَّ لإعراب القرآن الكريم فوائد جمَّة، أبرزها أنَّه يساعد على قراءة القرآن الكريم بلغة أهل قريش، اللغة التي نزل بها القرآن الكريم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كما أنَّ الإعراب يساعد على تفسير الآيات وتبيان معانيها ومواضع كلماتها، وفيما يأتي إعراب آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض:[١٠]

  • ما: حرف نفي مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
  • كانَ: فعل ماض ناقص مبني على الفتحة الظاهرة على آخره.
  • لنبيٍّ: اللام حرف جر، نبيٍّ: اسم مجرور وعلامة جرِّه الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بخبر كان المحذوف.
  • أنْ: حرف مصدري ونصب مبني على السكون.
  • يكونَ: فعل مضارع ناقص منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • لهُ: اللام: حرف جر، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جرِّ بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بخبر يكون المحذوف.
  • أسرى: اسم يكون مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف.
  • جملة أن يكون: جملة في فعل رفع اسم كان.
  • حتَّى: حرف جرٍّ وغاية.
  • يثخنَ: فعل مضارع منصوب بأنْ المضمرة بعد حتَّى وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • في: حرف جر.
  • الأرض: اسم مجرور وعلامة جرِّه الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بالفعل يثخن.


الثمرات المستفادة من آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض

في ختام ما ورد من حديث عن شرح آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، وشرح مفردات هذه الآية، لا بدَّ من المرور على الثمرات المستفادة من هذه الآية الكريمة، وفي هذا السياق يمكن القول إنَّ هذه الآية حملتْ تشريعًا إسلاميًا بالغ الأهمية في عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والصحابة الكرام وفي عهد التابعين ومن تبعهم حتَّى يوم الدين، حملتْ قانونًا ودستورًا من قوانين الحرب في الإسلام، لذلك ينبغي على المسلمين أن يأخذوا هذا القانون كما أخذ به رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- من قبل، وهو أنَّه لا ينبغي للمسلمين أن يتخذوا أسرى يفادون بهم في الحروب حتَّى يكونوا أصحاب قوَّة وسلطان، فقد نصَّ التشريع الإلهي في هذه الآية على أنَّه لا يجب أن يكون لنبيٍّ أسرى في الحروب حتَّى يثخن في الأرض أي حتَّى تكون له الغلبة والقوة وحتَّى يعظم شأنه، وحتَّى يبالغ في قتل أعداء الدين وترهيبهم بالقتل وسفك الدماء، فكثرة القتل تسبب الرعب والخوف والمهابة، فيمتنع العدو على الإقدام وعلى التجرؤ على المسلمين، وهذا هو السبب في منع مفاداة الأسرى إذا لم يكن للمسلمين قوة وسلطان وإثخان في القتل والترهيب وغلبة في الحرب، والله تعالى أعلم.[١١]

المراجع

  1. سورة الأنفال، آية:1
  2. "سورة الأنفال"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  3. سورة الأنفال، آية:67
  4. "تفسير سورة الأنفال"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسْرَىٰ"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس وعمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1763، حديث صحيح.
  7. "تفسير: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  8. "تعريف و معنى نبي في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى يثخن في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  10. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  11. "تفسير المنار"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
3437 مشاهدة
للأعلى للسفل
×