محتويات
سورة يس
واحدةٌ من السور المكيَّة -السور التي نزلت في مكة المكرمة- إلا آية واحدة منها وهي الآية الخامسة والأربعون فهي آية مدنية، وأمَّا عدد آياتها فقد بلغ ثلاث وثمانون آية، وترتيبها بين سور القرآن الكريم هو السادس والثلاثين، وقد ابتدأت سورة يس كالعديد من السور الأخرى بحروف مقطعة، ويُذكر أنَّها نزلت بعد سورة الجن عندما أُنزل القرآن الكريم، ويُطلق على الربع الأخير من القرآن الكريم ربع يس، وقد ورد في سورة يس قول الله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}،[١] وسيقف هذا المقال لشرح الآية الكريمة شرحًا تفصيليًّا، ومن ثم شرح مفرداتها وإعرابها حسب ما ذهب إليه علماء النحو وأهل العلم، وفيما يأتي سيكون ذلك.[٢]
معنى آية: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون
إنَّ سورة يس هي واحدةٌ من السور الجليلة العظيمة وقد ورد عن ابن كثير -رحمه الله- أنَّ سورة يس فيها خيرٌ كثيرٌ ولا تُقرأ على أمرٍ عسير إلا يسره الله، وقد تناقل بعض النَّاس أنَّ يس لما قُرأت عليه إلا أنَّ جميع ما ورد في ذلك هو من ضعيف الأحاديث ولا يصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،[٣] ومن بين الآيات التي وردت في سورة يس قول الله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}،[٤] إنَّ من آيات الله على هذه الأرض أن جعل الماء -وهو مادة الإغراق والهلاك- بحوله وقوته مادة النجاة يحمل عليها الإنسان ما يشاء من الحمولة والأثقال، فكان طريقًا مُعبدًا ممهدًا للمسافرين، فكانت تلك آية من آيات إعجاز الله وقدرته على عباده،[٥] ومعنى الآية أي القدرة فآية الله أي قدرته والذرية معناها في هذه الآية أي الآباء والأجداد والأصول، والمقصود في الفلك -في تفسير الجلالين- أي سفينةنوح.[٦]
ومعنى ذلك أنَّ الله تعالى يُخاطب أهل مكة فيقول لهم أنَّه جعل الماء طريقًا تُحمل فيه ذريات قوم نوح في السفن، وأمَّا المعنى الآخر في ذلك أنَّ الله تعالى امتنَّ على عباده فجعل لهم السفن وسيلةً لركوب البحر والخوض فيه،[٧] ومعنى كلمة آية -في تلك الآية الكريمة- أي العبرة أو النعمة أو الإنذار فيُخاطب الله عباده بأنَّه جعل السفن إمَّا نعمةً لهم أو عبرةً لهم أو إنذارًا لهم، وقيل قد يكون الخطاب في هذه الآية لأهل مكة فهم الفروع للأصول التي ركبت في سفينة نوح، فقد يكون معنى الفلك هنا أي سفينة نوح، أو تُؤخذ على أنَّها اسم للجنس كاملًا وهو السفن بعامَّتها.[٨]
وقد يكون المقصود بمعنى الذرية أي الأولاد -أولاد أهل مكة- على اعتبار أنَّ الخطاب لهم، وقيل ربما كان الخطاب لعامة النَّاس من أهل الأرض، فيُذكرهم الله أنَّه خلق السفن وسخرها لقضاء حاجاتهم وحمل مؤونتهم وانتقالهم بين الأماكن، وقال الجمل أنَّ لفظ "الذرية" يُطلق على الآباء والأبناء فهو مشتركٌ بين ضدين فأصل كلمة الذرية أي الذرء بمعنى الخَلق، وقال ابن عبَّاس في معنى كلمة المشحون أي المُثقل وقال الحسن المشحون أي المحمول وروي عن الضحاك أنَّ المقصود بالسفينة أي سفينه النبي نوح عليه السلام، وقال قتادة في معنى المشحون أي الموقر، وقال ابن زيد المشحون أي الذي شُحن بالمتاع وكان مملوءًا بالحاجيات التي يريدونها، وقال ابن عاشور المقصود بالفلك المشحون أي سفينة نوح عليه السلام؛ إذ لم يُذكر وصف الفلك المشحون في القرآن إلا للحديث عن سفينة نوح، ولمَّا كان أهل مكة أو المُخاطبين على اختلافهم هم من ذرية الذين حملتهم سفينة نوح كانوا هم محمولون أيضًا؛ إذ إنَّهم فروعٌ من الأصول التي نجت، ولولا نجاة الأصول لما كانت الفروع ولما كانت الذريات التي تليهم، وبذلك امتنَّ الله على عباده برمَّتهم.[٩]
معاني المفردات في آية: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون
لا يُمكن فهم العبارة في اللغة العربية إلا من خلال فهم مفرداتها، فلا يُعرف العام إلا من خلال الخاص، ولا يُمكن أن يقف المفسرون على معنى آيات كتاب الله إلا من خلال فهم الكلمات، وستقف هذه الفقرة لتفسير معاني مفردات قوله تعالى وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون من خلال معجم المعاني، وفيما يأتي سيكون ذلك:
- آية: تتنوع معنى كلمة آية حسب السياق في العبارة، فيُقال عن العبرة آية وعن المعجزة آية، ويُقال عن الشخص آية وعن الجماعة آية، وأمَّا الآية في القرآن الكريم فهي الوحدة المُنفصلة بعلامةٍ عمَّا قبلها وعمَّا بعدها، وقد يُقال فلانٌ آيةٌ في الجمال أي غايةٌ فيه.[١٠]
- حملنا: الحمل هو الرفع فيُقال حمل الأثقال أي رفعها، وقد يُقال فلانٌ حمَل الأمر على غير ما هو في حقيقته أي اعتبره.[١١]
- ذريتهم: الذرية هي المفرد من الجمع الذريات، وتُطلق على نسل الإنسان، فيُقال ذرية آدم أي نسل آدم، وذرأ الله كلَّ شيءٍ أي خَلَقه أو كثَّره، وهذا الفلاح ذرأ الأرض أي بذرها.[١٢]
- الفلك: معنى كلمة الفُلك أي السفينة، وأزجى الله فلكها أي سيَّرها وساقها بلطف، قال تعالى فيسورة الإسراء: {رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ}،[١٣] والله أعلم.[١٤]
- المشحون: على وزن مَفعول، فيُقال هذا الرَّجل شحن السفينة أي حمَّلها بالبضائع التي يريد، والشحن في معناه العام أي المليء، فيُشحن الإنسان كراهيةً أي يمتلئ بها.[١٥]
إعراب آية: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون
إنَّ العلم الهام بل يكاد أن يكون الأهم في فهم الكلام هو علم النحو، والإعراب هو بابٌ من أبواب النحو الواسع العريض الذي لا بدَّ للمفسر من الإحاطة به إحاطة حقيقيةً حتى يستطيع فهم كلام الله تعالى، إذ لا بدَّ من معرفة أصل الكلمة وموقعها من الجملة إذ يتغيَّر المعنى بتغير موقع الكلمة، وستقف هذه الفقرة مع إعراب قول الله تعالى وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون:[٩]
- و: الواو استئنافيَّة.
- آيةٌ: خبر مقدم مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- لهم: اللام حرف جر والضمير هم في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بصفة محذوفة.
- أنا: أن حرف مشبه بالفعل، والنا ضمير متصل في محل اسم أن.
- حملنا: فعل ماض مبني على السكون الظاهرة، والنا ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة حملنا خبر أن، والمصدر المؤول من "أنا حملنا"في محل رفع مبتدأ مؤخر.
- ذريتهم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة، وهم ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
- في الفلك: في حرف جر، الفلك اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بالفعل حملنا.
- المشحون: صفة الفلك مجرورة مثلها بالكسرة الظاهرة على آخرها.
الثمرات المستفادة من آية: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون
إنَّ المُتأمِّل في آيات الله المتمعن فيها سيجد في كل مرة ثمرات مختلفة عمَّا وقع عليه سابقًا، ولم يكتف العلماء بتفسير آيات الله تعالى تفسيرًا ظاهرًا، بل تمعنوا في آياته -سبحانه- ليستنبطوا الثمرات والعِبَر، إذ لا أُنس للإنسان إلا في كلمات ربه، ولا يكون ذلك الأنس إلا دخول القرآن إلى القلب واستقراره فيه، وبعد أن تمَّ تفسير قول الله تعالى وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون، والوقوف مع شرح مفرداتها وإعرابها إعرابًا تفصيليًّا، ستقف هذه الفقرة مع ثمراتها وأهم العبر فيها، وفيما يأتي سيكون ذلك:
- عظمة الله وتدبيره تتجلى في حفظه لعباده سواء كانوا في البرِّ أو البحر أو الفضاء أو السماء أو بين البحار، ولم يُسخّر الله الفُلك إلا لحمايتهم من خطر الغرق الذي يحيط بهم إن هم خاضوا البحر.[١٦]
- معجزة الله في كتابه تتجلى في اختياره سبحانه للكلام الذي يوافق مقتضى الحال، فالأصل أنَّه لم يكن هناك سفنٌ على وجه الأرض قبل سفينة نوح عليه السلام؛ لذلك اختار الله تعالى لفظة ذريتهم؛ لبيان أن تلك الذرية هي نسل قوم نوح النَّاجين في سفينته.[١٧]
- منَّة الله على عباده تتجلى عليهم في كلِّ وقتٍ وحين، فقد سخَّر الله الكون لخدمة الإنسان، وسخَّر خلقه لتسيير شؤون ابن آدم، فجعل الفلك وسيلةً يستعين بها ابن آدم لقضاء شؤون حياته وسفره وتنقله من مكان إلى آخر مع الأمتعة التي يحملها، فكانت السفن مثل الإبل في الصحراء تسيير حاجات الإنسان، وذلك مما يُظهر رحمة الله بعباده، وفي ذلك بيان لأهم الثمرات التي يحملها قول الله تعالى: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون، والله هو أعلى وأعلم.[١٨]
المراجع
- ↑ سورة يس، آية:41
- ↑ "سورة يس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "فضل سورة ( يس )"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة يس، آية:41
- ↑ "و آية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "تفسير الآية رقم (41) - من سورة يس"، equran.me، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ " إعراب القرآن للنحاس شرح إعراب سورة يس قوله تعالى وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون"، islamweb.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة يس - الآية 41"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ^ أ ب "وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ (يس - 41)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى آية في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى حملنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الذرية في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:66
- ↑ "تعريف و معنى الفلك في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى المشحون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "سوؤة يس الآية رقم 41 تفسير في ظلال القرآن أحمد بن علي العجمي"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ***"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.
- ↑ "نعمة تسخير الفلك في البحر وحادث غرق العبارة "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-17. بتصرّف.