معنى آية وآية لهم الليل نسلخ منه النهار، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وآية لهم الليل نسلخ منه النهار، بالشرح التفصيلي

سورة يس

سورة يس هي سورة مكية ما عدا الآية 45 فمدنية، وهي من السور المثاني فعدد آياتها 83 آية، وهي السورة السادسة والثلاثين في ترتيب السور القرآنية، وتقع في الجزء الثالث والعشرين، وقد نزلت بعد سورة الجن وبدأت بقوله تعالى: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}،[١] ويُطلق على سورة يس وما بعدها من السور مصطلح "ربع يس"، على الرغم من أنّ الربع الأخير يبدأ في سورة الصافات وهي السورة التالية لها في الترتيب،[٢] وقد ورد في فضل سورة يس بعض الأحاديث الموضوعة والمكذوبة، وبعضها ضعيف ضعفًا يسيرًا، كما تكلّم بعض العلماء في فضلها بناءً على اجتهادهم وليس استنادًا إلى حديث صحيح عن رسول الله أو آثر عن أحد من الصحابة والتابعين، ومن موضوعاتها التأكيد على توحيد الألوهية والربوبية كحال جميع السور المكية، والتركيز على قضية البعث والنشور والدعوة للتفكّر في آيات الله وعجائب قدرته لأنّ هذا أدعى للإيمان والتصديق، وسيبيّن هذا المقال معنى آية: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار.[٣]

معنى آية: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار

تحدّثت سورة يس عن موقف الأمم السابقة من رسلهم وبيّنت عقوبة تكذيب أنبياء الله والاستهزاء بهم، ودعت إلى التفكّر في مخلوقات الله تعالى وكيفية إحياء الأرض ونمو شتّى أنواع النباتات فيها والأشجار المثمرة من نخيلٍ وعنب، بالإضافة إلى التفكّر في آيات الله وعجائب قدرته من خلال ملاحظة كيفية تعاقب الليل والنهار وجريان الشمس والقمر في فلكٍ واحد، ومن الآيات المعنيّة بهذا الشأن قول الله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ}،[٤] وقد قال الإمام الطبري عند تفسيره لهذه الآية أنّ الله تعالى يذكر للخلق دليلًا آخر على قدرته التامّة الكاملة واستطاعته فعل أي شيء، وهذا الدليل هو نزع النهار عن الليل، فمعنى "منه" في هذه الآية بمعنى "عنه"، فالله تعالى يسلخ النهار عن الليل فتأتي الظلمة ويذهب النهار، وقد ذُكر الانسلاخ في مواضع أُخرى من القرآن، ومنها قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}،[٥] أي: خرج منها وتركها وكذلك انسلاخ الليل من النهار، فإذا الكون قد صار في ظلمة بمجيء الليل.[٦]


ونقل الطبري عن قتادة قوله أنّ تفسير هذه الآية هو أنّ الله تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ولكن الطبري قد استبعد هذا التفسير، وذلك لعدم تقارب معنى سلخ النهار من الليل من معنى إيلاج الليل في النهار، وذلك لأنّ الإيلاج يدلّ على زيادة ما نقص من ساعات الليل إلى ساعات النهار والعكس صحيح، وهذا ليس من الانسلاخ الذي يكون للنهار من الليل كلّه، ويُسلخ الليل من النهار كلّه، والإيلاج لا يكون لكلّ النهار ولا لكلّ الليل،[٦] وقال ابن كثير في تفسيره أنّه من الدلالة على قدرة الله تعالى العظيمة خلق الليل بظلامه والنهار بضيائه ونوره، وجعلهما يتعاقبان يذهب أحدهما فيأتي الآخر، وهذا شبيه بقوله تعالى: { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}،[٧] ومعنى نسلخ منه النهار، أي: نصرم النهار من الليل فيذهب ويُقبل الليل، فإذا الناس قد انتقلوا من نور النهار إلى ظلمة الليل.[٨]

وقال القرطبي أنّ سلخ النهار من الليل هو علامة دالّة على وجوب توحيد الله والإيمان بألوهيته والتصديق بقدرته المطلقة، والسلخ هو الكشط والنزع، ويُقال: سلخه الله من دينه، وهي مستعملة في الإخراج أيضًا، فذهاب الضوء ومجيء الظلمة كسلخ شيء عن شيء آخر وظهور المسلوخ، وهذا على سبيل الاستعارة، ومعنى "مظلمون" أي: داخلون في الظلام، ويُقال: أظلمنا، أي دخلنا في ظلام الليل، وأظهرنا، أي: دخلنا في وقت الظهر، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية أوقات اليوم، وقيل في حرف الجر "من" أنّه بمعنى "عن"، ويكون المعنى نسلخ ضياء النهار عن الليل، فإذا الكون وجميع المخلوقات في ظلمة وذلك لأنّ ضوء النهار يتداخل في الهواء، فيُضيء، فإذا خرج منه أظلم.[٩]

وفي نظم الدرر للبقاعي أنّ الله تعالى قد أرشد عباده للنظر والتفكّر في الآيات والأعيان الحسيّة الدالة على قدرته الباهرة وخصوصًا في مسألة البعث والإحياء، ثمّ ترقّى بهم إلى معاني أخرى دالّة على البعث أيضًا، فإيجاد كل من النهار والليل بعد إعدامهما فيه دليل قوي جدًّا على البعث، وقد نقل الله -عزّ وجلّ- خلقه من المكان الكلّي إلى الزمان الكلّي وهما اللذان يجمعان كلّ شيء من الأعراض والأعيان، فقال: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار، ومعنى "آيةٌ لهم"، أي: دليل على إعادة الشيء بعد إفنائه، والليل هو الليل المشاهد الذي لا شكّ فيه ولا حيلة لأي مخلوق في رفعه وتأجيل وقته، وجاء التعبير بقوله "نسلخ" باستخدام نون العظمة للدلالة على جلالة وأهمية هذا الفعل بشكل خاص.[١٠]

ولمّا كان الظلام هو الأصل في الوجود والضياء حادث وليس خالصًا، جاء التعبير القرآني بالحرف "من" الذي يُفيد الملابسة مع التخلّل في الأجزاء، فقال: "منه النهار"، أي: الذي كان مختلطًا به بإزالة الضوء وانكشاف حقيقة الليل، فإذا المخلوقات والكون جميعًا بعد إزالة النهار المنسلخ من الليل مظلمون، أي: داخلون في الظلام بإقبال الليل وظهوره، حيث كان الضياء ساترًا له كما يستر الجلد الشاة، وقد أرشد السياق بشكل حتمي إلى وجود جملة محذوفة وتقديرها: "والنهار نسلخ منه الليل الذي كان ساتره؛ وغالبًا عليه؛ فإذا هم مبصرون" وهذا من البلاغة الخاصّة بآيات القرآن حيث إنّ المذكور يُعطي معناه ويدلّ على معاني أخرى مقدرّة ويمكن للباحث استنباطها من السياقات القرآنية.[١٠]

معاني المفردات في آية: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار

الآية هي كلمة تدلّ على جزء من السورة القرآنية محدّدة بفواصل، ولكنّ لهذه الكلمة معاني لغوية أُخرى وهي مستعملة في القرآن الكريم، كقول الله تعالى: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار، وفيما يأتي بيانٌ لمعاني مفردات هذه الآية الكريمة:

  • آية: مفرد آيات، وهي الأمارة والعلامة والدليل والعظة والعبرة والمعجزة.[١١]
  • الليل: هو ما يعقب النهار من الظلام، ووقته من غروب الشمس إلى طلوعها، وفي الاصطلاح الشرعي: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ويُقابل النهار.[١٢]
  • نسلخ: السلخ هو الكشط والنزع والإزالة، ومعنى نسلخ في هذه الآية، أي: نزيل النهار عن الليل وننزع الضوء من مكانه.[١٣]
  • النهار: الضياء الذي يُقابل ظلام الليل، ووقته من طلوع الشمس إلى غروبها، وفي الاصطلاح الشرعي: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.[١٤]

الإعجاز العلمي في آية: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار

آيات القرآن الكريم هي آيات محكمة وفي الكثير منها بعض الأدلّة والمظاهر الكونية التي أثبت العلم صحتّها ودقتها، ومن الآيات التي تبيّن بعد البحث والدراسة إعجازها العلمي قوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار}، فهذه الآية تصف عملية تعاقب الليل والنهار وصفًا دقيقًا وجليلًا، فالأرض في جميع اللحظات وكل أوقات اليوم يكون نصفها معرّضًا لأشعة الشمس ونورها بينما يكون النصف الآخر بعيدًا عن أيّة شموس أو نجوم أخرى، وراقدًا في ظلام شامل يعم جميع أنحائه كما عبّرت عنه الآية وأوحت به، وهذه حقيقة علمية رآها روّاد الفضاء مؤخرّا وأدركوا ماهيتها بالعين المجرّدة والقرآن قد أشار إليها قبل قرون عديدة.[١٥]

ومن أوجه الإعجاز الذي تضمنته هذه الآية أيضًا الإشارة إلى كون الظلام هو الأصل والنهار هو الحادث، ولهذا فإنّ النهار هو الذي ينسلخ عن الأرض فتنغمر بظلام الكون مرّة أخرى، وعندما تدور الأرض حول محورها يبتعد الجزء المنير الذي شمله ضوء الشمس رويدًا رويدًا، فيتحوّل الجزء الثاني للأرض من النهار إلى الليل، ولا يوجد وصف علمي دقيق وعميق لهذه العملية أكثر إحكامًا وبلاغة من هذه الآية وهذا الوصف، بالإضافة إلى أنّ هذه الآية تشير إلى عملية حسابية دقيقة وهي عدد ساعات اليوم الكامل، وهذا من حكمة الخالق وعزّته حيث جعل الفرق بين كل انسلاخين للنهار أو زوالين أو غروبين للشمس ثابتًا لا يتبدّل ولا يتغيّر مهما تغيّرت الفصول وتعاقبت الشهور والدهور.[١٥]

ومن الحقائق التي دلّت عليها هذه الآية أيضًا هي أنّ حدوث الانسلاخ لا يمكن إلّا إذا دارت الأرض حول نفسها أمام الشمس في ثبات كامل، بحيث تنغمس في الظلام عند نهاية النهار، ويكون ذلك الدوران في سرعة ثابتة لا تتغير ولا تتبدّل بمرور الوقت وانصرام الأزمان، بحيث لا يسبق النهار الليل ولا الليل النهار وهو ما دلّت عليها الآيات التالية لها،[١٥] كما أنّ قوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار}، يُشير إلى أنّ الكون غارق في الظلام الداكن وإن كان سطح الأرض في وضح النهار، وقد شاهد العلماء الأرض وباقي الكواكب التابعة للمجموعة الشمسية مُضاءة في وضح النهار بينما السماوات ومن حولها غارقة في الظلام، ومن كان يدري أيّام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الظلام هو الحالة المهيمنة على الكون إلّا أنّه كلام الله وعلمه الذي أوحى به إلى نبيّه الكريم.[١٦]

إعراب آية: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار

الإعراب فرع المعنى وهو مُساعد في فهم المعاني فهمًا دقيقًا، وقد تمّ بيان معنى آية: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار، وتوضيح معاني مفردات هذه الآية، وفيما يأتي إعراب جملها وألفاظها من كتاب إعراب القرآن الكريم للدعّاس:[١٧]

  • وآية: الواو حرف عطف، آية خبر مقدّم مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  • لهم: اللام حرف جر، هم: ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلّقان بصفة لـ "آية".
  • الليل: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  • نسلخ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره "نحن".
  • منه: من: حرف جر، والهاء ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل "نسلخ".
  • النهار: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • جملة "آية لهم الليل": جملة اسمية معطوفة على ما قبلها لا محلّ لها من الإعراب.
  • جملة "نسلخ": جملة فعلية في محل نصب حال.

الثمرات المستفادة من آية: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار

ألوان الإعجاز الموجودة في القرآن الكريم كثيرة فهو الكتاب الذي لا تنضب عجائبه ولا تنتهي أسراره ومهما ظنّ البشر الإحاطة بعلوم القرآن من جميع جوانبها إلّا أنّ القرآن سيظل يُعطي أسراره لمن يُلازمه ويُصاحبه ويُداوم على قرائته، وقد تمّ بيان معنى قوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار}، وذكر الإعجاز العلمي في هذه الآية، وفيما يأتي بيان لبعض الثمرات المستفادة منها بالإضافة إلى بعض الملامح البلاغية:

  • من الفوائد التربوية المستفادة من هذه الآية؛ معرفة أهمية الوقت في حياة الإنسان وضرورة إدراكه لسرعة انقضائه فالذي لا ينتبه لذلك ولا يهتم لتعاقب الليل والنهار ومرور الساعات يُفوّت حياته وعمره بما لا ينفعه ويكون ذلك حسرةً عليه يوم القيامة.[٦]
  • من الأحكام الفقهية المتعلّقة بانسلاخ النهار من الليل أنّ هذا ميقات إفطار الصائم، فكثير من العبادات في الإسلام محكومة بوقت معيّن ومؤقتة بفترة محدّدة وهذا من حسن التنظيم الذي يتميّز به الدين الإسلامي.[٨]
  • من الإعجاز البياني المستفاد من هذه الآية الكريمة، وجود المطابقة بين الليل والنهار، ومعناها ذكر الشيء وضدّه كالأسود والأبيض، وهذا من ألوان علم البديع.[١٨]
  • من الملامح الجمالية المستخلصة من هذه الآية أنّها مثال حي على حسن التنسيق وانسجام حركة النهار مع الليل، فكل شيء خلقه الله تعالى وقدرّه هو وفق نظام كوني متناسب مع بعضه البعض وهذا من دلالات القدرة الباهرة ومن علامات الجمال التي لا يمكن أن يتسم بها صنع المخلوقات وأعمالهم مهما بلغت في الدقة والإتقان.[١٩]

المراجع

  1. سورة يس، آية:1-2
  2. "سورة يس"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  3. "فضل سورة ( يس )"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  4. سورة يس، آية:37
  5. سورة الأعراف، آية:175
  6. ^ أ ب ت "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  7. سورة الأعراف، آية:54
  8. ^ أ ب "تفسير القرآن العظيم"، furqan.co، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  9. "الجامع لأحكام القرآن"، furqan.co، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  10. ^ أ ب "نظم الدرر"، furqan.co، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى اية في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى الليل في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  13. "معنى نَسْلَخُ في القرآن الكريم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى النهار في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت "الاعجاز العلمي في القرآن 1 {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا}"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  16. "عشــرون آية من آيات الاعجاز العلمي في القران الكريم"، sites.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  17. "كتاب: إعراب القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  18. "فصل في ذكر البديع من الكلام"، islamweb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
  19. "من سمات الجمال .. التناسق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-19. بتصرّف.
4329 مشاهدة
للأعلى للسفل
×