معنى آية واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة، بالشرح التفصيلي

سورة الأعراف

تعدُّ سورة الأعراف إحدى السور السبع الطوال في القرآن الكريم، وهي سورة مكية عدا الآيات من 163 إلى 170 فهي مدنية أي نزلت بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، رقم ترتيبها في المصحف الشريف 7، وتمتدُّ سورة الأعراف من منتصف الجزء الثامن حتى آخر الجزء التاسع، وقد كانت بعد سورة ص نزولًا، بدأت مثل العديد من سور القرآن الكريم بحروف مقطعة، حيث قال تعالى في مطلعها: {المص* كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ}،[١] وسمِّيَت بسورة الأعراف بسبب ذكر أصحاب الأعراف في السورة وهم الذين تساوت الحسنات والسيئات لديهم فوقفوا على الأعراف إلى أن يقضي الله تعالى في أمرهم، والأعراف هو جدار أو سور مُقام بين النار والجنة يشكِّل فاصلًا بين أهلهما، وفيها أول سجدة تلاوة في القرآن عند الآية 206، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة، بالشرح التفصيلي.[٢]


معنى آية: واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة، بالشرح التفصيلي

في بداية الحديث عن معنى آية: واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة، بالشرح التفصيلي، يجدر بالذكر الإشارة إلى هذه الآية ببعض التفاصيل، حيثُ تقع الآية الكريمة في سورة الأعراف، وهي الآية رقم 205 منها، ذكرها الله تعالى بعد الدعوة إلى الاستماع للقرآن الكريم عند قراءته والإنصات إليه، والآية التي بعدها هي التي احتوت على أول سجدة تلاوة في كتاب الله، حيثُ يقول الله تعالى في محكم التنزيل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ* إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}،[٣] وفي معنى الآية ذهب بعض المفسرين إلى أنَّ الله يخاطب من يستمع إلى تلاوة القرآن؛ لأنَّ الآية جاءت بعد قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}،[٤] ويقول له: يا من تستمع لكلام الله وتنصت إليه عليكَ أن تأخذ العظةَ وتعتبر بما جاء فيه، وتذكر رجوعك إليه في نفسك، تضرعًا وخيفةً أي تفعل ذلك خاشعًا ومتواضعًا لله وفي نفسك خوفٌ منه ومن عقابه على التقصير الذي قد تكون واقعًا فيه، أو خوفًا من الغفلة عن حدود الله التي بينها في كتابه، ودون الجهر من القول بمعنى أن يكون الذكر في السر وليس جهرًا، وعن ابن جريج أنَّ الله يأمر العباد بالتوجه بالدعاء إليه بالاستكانة والتضرع لأنَّ رفع الصوت والصياح أثناء الدعاء مكروه.[٥]

وبمعنى آخر يأمرُ الله تعالى المسلمَ بأن يذكرَه في نفسه، فيكون ذكر الله في القلب وليس في اللسان، وهذا هو المقصود من الآية، وذهب آخرون إلى أن ذكر المسلمِ لربه يكون بالقلب واللسان ولكن دون أن يُجهرَ به بصوت مرتفع، وفي الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ هذه الآية نزلت في الدعاء، ونحو ذلك ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- في الحديث الصحيح في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بصَلَاتِكَ ولَا تُخَافِتْ بهَا}،[٦] أنَّه قال: "نَزَلَتْ ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُخْتَفٍ بمَكَّةَ، فَكانَ إذَا صَلَّى بأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بالقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَهُ المُشْرِكُونَ، سَبُّوا القُرْآنَ ومَن أنْزَلَهُ ومَن جَاءَ به، فَقالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {وَلَا تَجْهَرْ بصَلَاتِكَ}، أيْ بقِرَاءَتِكَ فَيَسْمع المُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا القُرْآنَ: {وَلَا تُخَافِتْ بهَا} عن أصْحَابِكَ فلا تُسْمِعُهُمْ: {وَابْتَغِ بيْنَ ذلكَ سَبِيلًا}".[٧]

فالمقصود من الآية أن يذكر المرءُ اللهَ تعالى في نفسه دون أن يجهر بذلك ويُسمع الآخرين متضرعًا وخاشعًا ومتذللًا لله ومتخوفًا منه ومن عقابه على التقصير والتفريط في جنب الله، ويوضِّحُ المقصود حديث أبي موسى الأشعري حيثُ قال: "لَمَّا غَزَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْبَرَ، أوْ قالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أشْرَفَ النَّاسُ علَى وادٍ، فَرَفَعُوا أصْوَاتَهُمْ بالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْبَعُوا علَى أنْفُسِكُمْ، إنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولَا غَائِبًا، إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وهو معكُمْ"،[٨] والله أعلم.[٩]

وفي تفسير ابن كثير أنَّ الله تعالى أمرَ بذكره في أول وآخر النهار، كما في قوله: {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}،[١٠] وهذا كان قبل أن يفرضَ الله الصلوات الخمس في ليلة الإسراء والمعراج، ويكون هذا الذكر في القلب والنفس رهبةً وخشيةً ورغبةً في الله تعالى، ويكون دون الجهر، أي لا يكون نداءً ولا صياحًا، بل يكون استشعارًا بالقلب وذكرًا باللسان قولًا لا جهرًا، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}،[١١] في سورة البقرة.[١٢]


معاني المفرادات في آية: واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة

إنَّ الوقوف عند معاني مفردات الآية ضروريٌّ من أجل الوصول إلى مختلف المعاني المحيطة بها، ولا يكتفي المسلم بأخذِ المعنى الظاهرِ فقد يكون هناك معانٍ جليلة وخفية في ذات الوقت، وفيما يأتي معاني المفردات في آية: واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة:

  • اذكر: من ذكرِ يذكرُ ذكرًا، والفاعل ذاكر والمفعول مذكور، ذكر اسمه: جرى على لسانه أي نطق به وانطلق به، ذكر الله تعالى: أثنى عليه وحمده وسبَّحه ومجَّده، ذكر الرجل الأمر لآخر: أخبره به وأعلمه به، وذكره في نفسه: استحضره في عقله.[١٣]
  • ربك: جمعه أرباب وربوب، ومؤنثه ربَّة وجمعها ربات ورِباب، الربُّ اسم لله تعالى، فهو وربُّ العالمين، ولا يجوز أن يقال الرب بالتعريف إلا في الله، لكن يجوز بالإضافة مثل: ربُّ البيت: صاحبه ومالكه، رب العمل: مالكه، وربك: الله تعالى خالقلك وسيدك ومالكك.[١٤]
  • نفسك: جمعها أنفس ونفوس، والنفس هي الروح، جادَ بنفسه بمعنى مات، والنفس ذات الشيء وعينه، في نفسه أن يفعل كذا: يريد وقصده أن يفعل كذا، ونفس الإنسان ذاته وروحه وقلبه.[١٥]
  • تضرعًا: من تضرَّع ويتضرَّع تضرُّعًا، والفاعل متضرع والمفعول متضرعٌ إليه، وتضرَّع المؤمن إلى الله: ابتهل إليه وله، وتذلَّل وخضعَ لله.[١٦]
  • خيفة: مصدر للفعل خاف ويخاف وخوفًا، والفاعل خائف، ومعنى خاف: فزِع وخشيَ، والخوف بمعنى الفزع والرعب، والخوف هو الانفعال الذي يقع في نفس الإنسان لتوقع المكروه أو ضياع شيء عليه.[١٧]


إعراب آية: واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة

اهتمَّ علماء اللغة بدراسة القرآن الكريم لأنَّه يعدُّ أساسًا للغة العربية بمختلف جوانبه، وقد اعتمدت قواعد اللغة على ما جاء فيه، ويساعد الإعراب على فهم المعاني أكثر، وفيما يأتي إعراب آية: واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة، إعراب مفردات وجُمَل:[١٨]

  • واذكر: الواو حرف عطف، اذكر: فعل أمر مبني على السكون الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.
  • ربك: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وجملة "اذكر ربك" جملة فعلية معطوفة.
  • في: حرف جر.
  • نفسك: اسم مجرور وعلامة جره الكسره الظاهرة، والكاف ضمير متصل في محر جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل اذكر.
  • تضرعًا: حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • وخيفة: الواو حرف عطف، خيفةً: معطوف على منصوب فهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.


الثمرات المستفادة من آية: واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة

في نهاية المطاف لا بدَّ من الوقوف على الثمرات التي تحتويها الآية الكريمة، ففي كل آية من آيات الله تعالى بحر زاخر بالعِظات والعبر، إذا عمل بها المسلم حصل على سعادة الدارين، سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج الثمرات المستفادة من آية: واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة:[١٩]

  • يجب الإنصات إلى كلام الله تعالى أثناء تلاوته وعدم الانشغال عنه.
  • ذكرُ الله في النفس يكون من خلال تأمل وتدبر آيات الله من أجل الاتعاظ وأخذ العبرة منها، والوقوف على معانيها الجليلة.
  • الدعاء والتضرع إلى الله تعالى من أعظم العبادات، لأنَّ الله تعالى يحبُّ أن يلجأ العبد إليه ويسأله من فضله.
  • يُكره رفع الصوت والصراخ أثناء الدعاء كما وردَ في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة.
  • مناجاة العبدُ لله والدعاء له بالقول واللسان بصوت منخفض يكون دون الجهر.
  • يجب أن يحمل المسلم في قلبه الخشية والتذلل إلى الله تعالى أثناء الدعاء والذكر، بالإضافة إلى الخوف من الخالق واستشعار التقصير الذي يعتريه نتيجة بعض المعاصي والذنوب التي ربما قد وقع فيها.

المراجع

  1. سورة الأعراف، آية:1-2
  2. "سورة الأعراف"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
  3. سورة الأعراف، آية:204-206
  4. سورة الأعراف، آية:204
  5. "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  6. سورة الإسراء، آية:110
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:7525، صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:4205، صحيح.
  9. "فصـل في تفسير{واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة}"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  10. سورة ق، آية:39
  11. سورة البقرة، آية:186
  12. "تفسير قوله تعالى " واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى اذكر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى رب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى نفسك في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  16. "تعريف و معنى تضرع في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  17. "تعريف و معنى خيفة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  18. "كتاب: إعراب القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
  19. "تفسير: (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-16. بتصرّف.
2420 مشاهدة
للأعلى للسفل
×