معنى آية واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد، بالشرح التفصيلي

سورة إبراهيم

من بين السّور التي يحملها القرآن الكريم بين دفّتيه سورةإبراهيم؛ وهي السورة الرابعة عشرة في القرآن الكريم، تقع في الجزء الثالث عشر، ونزلت بعد سورة نوح، وهي من السور المكيّة ما عدا الآيتين "28-29" فهما مدنيتان، ويُقال هي من السّور المئين ويُقال هي من المثاني، بدأت بأحرفٍ مقطّعة: "الر"، وتحدّثت في بدايتها عن وظيفة القرآن والرّسل، وهي: إخراج النّاس من الظلمات إلى النّور، كما تحدّثت عن قصّة إبراهيم -عليه السّلام- وعن التفرقة بين الظلمات والنور، تناولت كما غالبيّة السور المكيّة موضوعات الجزاء والحساب والتوحيد والبعث، وبالإضافة إلى ذلك ما شكّل جوهرها الرئيس هو: وحدة رسالة الرّسل، ووحدة دعوتهم جميعًا إلى محاربة الجاهليّة، وقد صوّرت المعركةَ الدّائمة بين أمة الرسل والمكذبين لهم، وتحدّثت عن نعم الله تعالى التي تدوم بالشكر، وكان مثال الشاكرين إبراهيم -عليه السلام- وأنّ بعض الناس يقابلون نعم الله تعالى بالجحود والبَطَر، وخُتِمَت بالحديث أنّ كلّ ذلك هو بلاغٌ للناس وتأكيدٌ على وحدانية الله تعالى، وفي هذا المقال سيتم الحديث عن معنى آية: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد، بالشرح التفصيلي.[١]


معنى آية: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد، بالشرح التفصيلي

تبدو بعضُ آيات القرآن الكريم في ظاهرها ذات معنىً واضحٍ لا تحتاج لتفسيرٍ أو توضيح، ولكن تكون في الحقيقة حاملةً للكثير من المعاني بين سطورها، والكثيرِ من العِبر والثمرات التي لا بدّ من جنيها؛ وذلك من خلال معرفة معناها وتدبّره، ومن بين تلك الآيات قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}،[٢] وسيعرض المقالُ فيما يأتي ما قيل في تفسير تلك الآية، وهو كالآتي:

وجاء في تفسير الآية أنّ الألف والسّين والتّاء في كلمة استفتحوا جاءت للطلب، وهنا يوجد أمران: فإمّا أن يكون الاستفتاحللرسل، وإمّا أن يكون للأمم، والغالبُ أنّه للرسل؛ فذلك أقربُ إلى سياق الآية، وإن كان ذلك فالرّسلُ يكون استفتاحهم عن طريق طلب النصر والمدد والعون من الله تعالى، ومثل ذلك ما جاء على لسان نوح -عليه السلام- في كتاب الله: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ}؛[٣] فدعا ربّه لكي ينصره على مَن عاداه من قومه، أمّا استفتاحُ الأمم يكون بطلب الاستعجال بعذابها، وأن تطلب الفصل في أمرها، وهي لا تعلم أنّ عذابها آتٍ لا محالة، ومنه ما جاء على لسان أبي جهل في معركة بدر فأورده الله تعالى في القرآن الكريم في قوله: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}،[٤] وأمّا المقصودُ من كلّ جبّارٍ عنيد: فهنا يتوعّد اللهُ تعالى كلَّ ظالمٍ مكابرٍ لا يستجيب لذكر الله، والمصرِّ على المعصية؛ حيث يتوعده اللهُ بالخيبة في الدّنيا والآخرة، ومنهم مَن ذكر كدليلٍ على العِناد والتجبّر قصّةً منسوبةً إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك، والذي قام باستفتاح القرآن لرؤية حظّه من الخلافة؛ فظهرت له الآية السّابقة، فمزّق المُصحف، وذلك الفعل مستبعَدٌ أن يفعله أيُّ مسلمٍ على وجه الأرض، فكيف مَن كان مسؤولًا عن المسلمين كالوليد.[٥]

أما في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحديّ فخصّ الاستفتاح بالأنبياء؛ أيّ: استنصروا الله تعالى على قومهم المكذبين لهم، ونتيجةً لطلبهم فقد نصرهم اللهُ وخابَ كلُّ جبّارٍ عنيد، والجبّارُ هو المتكبّر عن طاعة الله تعالى، وجاء في تفسير البغويّ في كتاب معالم التنزيل أنّ الخيبة تعني الخُسران، وقيل خاب: هَلكَ، وقِيل: الجبار هو الذي يجبر خلقَ الله على ما يريده، والعنيد: هو المُجانب للحقّ، وقيل أيضًا هو مَن رفض توحيد الله وقولَ لا إله إلا الله.[٦] أمّا مجاهد فقد قال في تفسير الآية: إنّ الرسل طلبوا الاستنصار من الله تعالى بعد تجبّر قومهم وعنادهم، فيئس الرسلُ من قومهم فطلبوا العون والمدد والنصر من الله تعالى، ومنه ما جاء على لسان موسى -عليه السّلام- وورد في القرآن الكريم: {رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ}،[٧] فقد طلب موسى المددَ من الله تعالى، والجبّارُ هو الذي يرى نفسه فوق أيّ أحد، والجبريّة: طلب العلوّ بما لا غاية وراءه، وذلك الوصف هو مخصّصٌ لوصف الله تعالى وحدَه.[٨] ومن ناحيةٍ أخرى وفي تتمّة الآية بيّن اللهُ تعالى حجم سُخطه وغضبه على كلّ جبّارٍ عنيدٍ تجبَّر على الخَلق، وظلمهم وأهانهم وعاند الحقّ، فتوعّد لهم بأشدّ أنواع العذاب التي قد يُعَذّب بها الإنسانُ يوم القيامة، فقال تعالى في تتمّة الآية: {مِن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}.[٩][١٠]


معاني المفردات في آية: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد

وبعد شرح معنى الآية من سورة إبراهيم كما ورد في عدّة تفاسير، لا بدّ من الوقوف على شرح معاني الكلمات بحسْب ورودها بالمعجم بعيدًا عن المعنى السياقيّ الوارد ضمن الآية، ومن الكلمات التي سيقف المقالُ على شرحها:

  • استفتح: فعل ماضٍ، وجاء في معنى الفعل استفتح عدّة معانٍ منها: يُقال استفتح التاجر مبكّرًا: قام بأوّل بيعٍ له، واستفتح الحفل بقراءة الفاتحة أيّ: ابتدأ الحفلُ بقراءة الفاتحة، ويقال: استفتح الباب: فتحه، ويُقال أيضًا: استفتح الباب: طلب فتحه.[١١]
  • خاب: خاب فعلٌ ماضٍ مضارُعه: يخيب، واسم الفاعل منه: خائب، ويُقال: خاب أمله: لم يتحقق ما كان يأمله، وخاب سعيه: لم يحصل على ما سعى إليه ولم ينل ما طلب، ويُقال: خاب ظنّه: أيّ أخطأ حدسُه وحدث ما لم يكن يتوقّعه من شخصٍ أو شيءٍ ما، وخاب خوْبًا: أيّ افتقر.[١٢]
  • جبّار: هي صيغة مبالغةٍ من الفعل: جَبَرَ، والجبّار هو: المتكبّر والمتسلّط والذي يتعالى عن قبول الحقّ، والعقل الجبّار هو العقل فائق الذكاء، ويُقال بذل أحدهم مجهودًا جبّارًا: أيّ بذل مجهودًا ضخمًا، والجبار هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى.[١٣]
  • عنيد: صفةٌ مشبّهةٌ من الفعل: عَنَدَ، والعنيد هو المُكابِر والطاغي والمتجاوز الحدّ، ويُقال: عندَ الشخص: أيّ خالف الحقّ وهو يعرف أنّه حق، وهو الشخص الذي لا يمكن التّفاهم معه، ويُقال: عنِدَ عن الطريق: عدَل ومال عنه.[١٤]


إعراب آية: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد

ولإتمام فهم الآية بشكلٍ كافٍ لا بدّ من الوقوف على ما يعطي للمعنى تمامَه ويبيّنه ويثبته وهو الإعراب؛ فالإعرابُ شرطٌ من شروط تمام المعنى وصِحّته، وسيعرض المقالُ فيما يأتي إعراب الكلمات إعرابًا مفصّلًا، وهو كالآتي:[١٥]

  • الواو: حرف عطف.
  • استفتحوا: فعل ماضٍ مبنيّ على الضّمّ لاتصاله بواو الجماعة، والواو ضمير رفعٍ متّصلٍ مبنيّ في محلّ رفع فاعل، والألف للتفريق.
  • الواو: حرف عطف.
  • خاب: فعل ماضٍ مبنيّ على الفتحة الظّاهرة على آخره.
  • كلّ: فاعلٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضّمّة الظاهرة على آخره.
  • جبّارٍ: مضاف إليه مجرورٌ وعلامة جرّه الكسرة الظّاهرة على آخره.
  • عنيدٍ: نعتٌ ل"جبار" مجرورةٌ مثلها وعلامة جرّها الكسرة الظّاهرة على آخرها.
  • وجملة "استفتحوا": جملةٌ فعليّةٌ معطوفة على جملةٍ لا محلّ لها من الإعراب وهي "أوحى" فلا محلّ لها من الإعراب.
  • جملة "خاب كلّ جبّارٍ عنيد": جملةٌ فعليّة لا محلّ لها من الإعراب معطوفةٌ على جملةٍ محذوفةٍ تقديرها "فنُصروا وخاب كلّ جبّار"، وبذلك يكون قد تمّ شرحُ الآية جملةً وتفصيلًا، ولا بدّ من الوقوف على الثمرات التي يمكن استخلاصها من الآية الكريمة.


الثمرات المستفادة من آية: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد

أمر الله تعالى عباده بقراءة القرآن الكريم وتدبرّه لفهم ما يحويه من معانٍ تعينهم على فهم دينهم، وتساعدهم على عبادة الله تعالى بالوجه الصحيح، ولجني الثمرات من القصص المعروضة فيه؛ فيأخذ المسلم العبرة والفائدة منه، وفي قوله تعالى في سورة إبراهيم: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}،[١٦] مجموعةٌ من الثمرات والعِبر التي لا بدّ من الوقوف عندها، ومنها:

  • مهما سُدّت الطُرق في وجه المؤمن، ومهما اعترض طريق إيمانه من مُعادين له ولدين الله، لا بدّ له من أن يتوكّل على الله، وأن يطلب منه العون والمدد، فما دام ذلك فلن يتركه الله تعالى؛ بل سينصره على كلّ مَن عاداه أو عادى دينه؛ فلا ضارّ ولا نافع سوى الله تعالى، وليس على المؤمن إلا الاتكال عليه بأموره جميعها، فلا يخيب ولا يخسر بل يكون من الفائزين في الحياة الدنيا وفيالآخرة.[١٧]
  • مصير كلّ متكبّرٍ على الحقّ وعلى دين الله تعالى، ومصير كل مشكّكٍ برسل الله ورسالاتهم وما أيّدهم الله به من كتبٍ سماوية، الهلاك لا محالة، وتوعّد الله له بعذابٍ شديدٍ في الدنيا والآخرة، فلا يفلِحُ مَن أصرّ على شركه وطغيانه وإعراضه عن الحقّ.[١٧]

المراجع

  1. "سورة إبراهيم"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  2. سورة إبراهيم، آية:15
  3. سورة القمر، آية:10
  4. سورة الأنفال، آية:32
  5. "تأملات قرآنية - المغامسي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  6. "تفسير: (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  7. سورة يونس، آية:88
  8. "تفسير البغوي سورة إبراهيم تفسير قوله تعالى واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد "، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  9. سورة إبراهيم، آية:15-17
  10. "تدبر - [142 سورة إبراهيم (5) "]، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى استفتحوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى خاب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى جبار: في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20.
  14. "تعريف و معنى عنيد في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  15. ".إعراب الآية رقم (9)"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
  16. سورة إبراهيم، آية:15
  17. ^ أ ب " تفسير الطبري تفسير سورة إبراهيم القول في تأويل قوله تعالى "واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.
2087 مشاهدة
للأعلى للسفل
×