معنى آية والشعراء يتبعهم الغاوون، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية والشعراء يتبعهم الغاوون، بالشرح التفصيلي

سورة الشعراء

سورة الشعراء هي سورة مكيّة ما عدا الآيات التي تحمل الرقم 197 و 224 و 225 و 226 و 227 فهي آيات مدنية، وعدد آياتها هو 227 آية، وهي السورة السادسة والعشرين في ترتيب سور المصحف، وسورة الشعراء من الطواسيم أي السورة المبدوءة ب {طسم}،[١] كما أنّ هذه السورة قد تكلّمت عن قصص كثير من الأنبياء ومنهم النبي هود والنبي نوح والنبي صالح، فمن خلال عرض قصص الأنبياء يتبيّن أنّ مضمون رسالتهم جميعًا واحدة وهي الدعوة لعبادة الله وحده، وسبب نزول هذه السورة هو طمأنة الرسول والرد على المشركين غير المؤمنين بنبوته والمتهمين له بالشعر والسحر والشعوذة، فكان فيها الرد على تهمهم وإبطال دعواهم، وسميّت بسورة الشعراء؛ لأنّها حوت حديثًا عن الشعراء في آياتها، وسيبيّن هذا المقال معنى آية: والشعراء يتبعهم الغاوون، بالشرح التفصيلي.[٢]


معنى آية: والشعراء يتبعهم الغاوون، بالشرح التفصيلي

القرآن الكريم هو كتاب الله المليء بالحكم والأسرار ولمعرفة تفسير آياته لا بدّ من الإحاطة بجميع حيثيات الآيات والسور من أسباب نزول وعلوم أخرى يحتاجها المفسر ولا غنى له عنها عند تفسيره للقرآن الكريم، وقد قال تعالى في سورة الشعراء: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}،[٣] وقد نقل ابن كثير عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية والآيتين اللتين بعدها، أنّه كان رجلان على عهد رسول الله أحدهما من الأنصار والآخر من قومٍ آخرين، وأنّهما تهاجيا أي -ذمّا بعضهما البعض عن طريق الشعر- وكان لكلّ واحدٍ منهما غواةٌ من قومه، فأنزل الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ }،[٤] كما نقل عن ابن عباس أنّ وجه ذم الشعراء في هذه الآيات هو أنّ أكثر قولهم يكذبون فيه، وقد علّق ابن كثير على هذه المقالة بأنّ الشعراء يذكرون في شعرهم وأبياتهم أفعال لم تصدر عنهم ولم يفعلوها وإنّما على سبيل التبجّح والزهو بالنفس.[٥]


كما أنّ العلماء اختلفوا بالنسبة للشاعر الذي يعترف بمعصية توجب حدًّا في شعره هل يُقام عليه الحد ويتلقّى العقوبة على اعترافه أم لا، وقد حصلت واقعة مشابهة لهذا في عهد عمر بن الخطّاب حيث قام أحد عمّاله بإنشاد شعرٍ يذكر فيه أنّه شرب الخمر فقام عمر بعزله ولم يُقم عليه الحد فكلامه هذا لم يكن حقيقةً وإنّما على سبيل الشعر، ومن أسباب نزول هذه الآيات الرد على المشركين الذين نسبوا ما جاء به الرسول الكريم محمد إلى الشعر، فبيّن الله تعالى أنّ الشعر لا يشبه الرسالة المحمدية بشيء فالشعراء يتبعهم الغاوون، أمّا النبي محمد فأتباعه هم الهداة المهتدون، فحال رسول الله منافٍ لحال الشعراء من وجوه ظاهرة، كما عبّر بذلك ابن كثير وفي القرآن الكريم أكثر من آية في أكثر من سورة تبيّن أنّ كلام الرسول ليس شعرًا ولا شعوذةً ولا هو من عند الشيطان كما زعم بذلك كفار قريش.[٥]


وفي تفسير الطبري لهذه الآيات اختار أنّ المراد بالشعراء في هذه الآية شعراء المشركين والغاوون هم الذين يتبعونهم وهؤلاء هم غواة الناس ومردة الشياطين وعصاة الجن حيث إنّ كلمة الغاوون عامة ومطلقة وتشمل كل غاوٍ وضال،[٦] في حين قال آخرون أنّ هذا حال معظم الشعراء لأنّهم قد يكذبون في الشعر لأغراض شخصية كالتفاخر بالنفس وقد يقولون كلامًا مناف للحقيقة، وما هو إلّا من نسج الخيال، ولكنّ الله -عزّ وجلّ- قد استثنى من الشعراء أهل الإيمان والصلاح، حيث قال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}،[٧] فهؤلاء يقولون الشعر الطيّب والمفيد ومن الشعراء الذين كانوا على عهد رسول الله حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.[٨]


وقد قال رسول الله في مدح الشعر الطيّب والأدب المفيد: "إنَّ من البيانِ سحرًا، و إنَّ من الشِّعرِ حِكمةً"،[٩] كما كان يأمر حسان بن ثابت ويطلب منه أن يردّ على المشركين ويقوم بهجائهم بالشعر، ويقول عن هذا الهجاء: "لَهذا أشَدُّ عليهم مِن وَقْعِ النَّبلِ"،[١٠] وقد دعا لحسان بتأييد جبريل له حيث قال: "اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ برُوحِ القُدُسِ"،[١١] وفي هذه الأدلة بيانٌ لأنّ الذم ليس موجهًا لجميع الشعراء وإنّما هو خاص لمن يرتكبون المخالفات في أشعارهم من كذبٍ واعترافٍ بالرذائل وفي هذا ترويج لها بين الناس، أمّا الشعر الذي يكون مقصده ذمّ الباطل وفضح عوار أهل الكفر ونصرة الحق والمظلومين فإنّه مطلب شرعي وفعلٌ ممدوح في الشريعة الإسلامية وصاحبه مأجور بإذن الله.[٨]


معاني المفردات في آية: والشعراء يتبعهم الغاوون

هل لمفردات هذه الآية معاني؟ إنّ معاني الكلمات القرآنية هي موضوع اهتمام الباحثين في علم التفسير وعلوم القرآن بشكل عام، فالمعنى اللغوي له تأثير مهم في تفسير الآيات واستخراج الأحكام وغير ذلك من الفوائد، وفيما يأتي بيانٌ لمعاني المفردات في آية: والشعراء يتبعهم الغاوون في معاجم اللغة العربية:

  • الشعراء: جمع شاعر وهو اسم الفاعل من الفعل شَعَر، والشاعر هو الذي يقول الشعر وينظمه.[١٢]
  • يتبعهم: من الاتباع ومعناه في اللغة يدلّ على الانقياد، فالتابع منقاد لغيره.[١٣]
  • الغاوون: جمع لكلمة غاوي أو غويّ والغيّ هو الضلال والخيبة، فالغويّ هو الضالّ المتبع لهواه.[١٤]


إعراب آية: والشعراء يتبعهم الغاوون

هل لمفردات هذه الآية إعراب في اللغة العربية؟ إنّ إعراب القرآن يكون لجمل القرآن ولكلماته المفردة، وبعض الكتب المؤلفة في هذا الفن لا تهتم إلّا بمسألة إعراب الجمل القرآنية، وممّا جاء في إعراب آية: والشعراء يتبعهم الغاوون، أنّ الواو استئنافية، والجملة بعدها استئنافية لا محلّ لها من الإعراب، وجملة "يتبعهم الغاوون" في محل رفع خبر للمبتدأ الشعراء،[١٥] وفيما يأتي إعرابٌ تفصيلي لمفردات هذه الآية الكريمة:[١٦]

  • والشعراء: الواو استئنافية والشعراء مبتدأ مرفوع.
  • يتبعهم: فعل مضارع مرفوع، والهاء ضمير متصل في محل نصب مضاف إليه.
  • الغاوون: فاعل مؤخر للفعل يتبع.


الثمرات المستفادة من آية: والشعراء يتبعهم الغاوون

إنّ سورة الشعراء هي سورة عظيمة من سور القرآن الكريم وقد نُقل عن الإمام مالك أنّه كان يسميّها الجامعة وفي بيان سبب هذه التسمية قال بعض العلماء أنّ هذه السورة جمعت الكثير من قصص الأنبياء، وهي سورة مكية فيها دعوة لرسول الله كي ينذر أهله وقبيلته ويبيّن لهم الطريق المستقيم وأنّه كونه منهم فلن يغني ذلك عنهم شيئًا وأنّهم محاسبون ومجزيّون بأعمالهم، كما أنّها كغيرها من السور المكية اعتنت بتصحيح العقيدة وفيها سردٌ لقصص الأنبياء وفي هذا بيانٌ لأنّ دعوة الأنبياء واحدة والذي جاء به الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- موافق لما جاء به الأنبياء من قبله كالنبي نوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء، كما أنّ فيها دحض لشبهة كُبرى وافتراء عظيم على الوحي الذي نزل على النبي محمد حيث نسب البعض أقواله إلى الشعر وكلام الجن وتعليمه، ولكنّ هذه السورة بيّنت أنّ رسالة محمد هي رسالة ربّانية وأنّه نبيٌّ يوحى إليه، والكلام الذي يأتي به النبي محمد ليس شبيهًا بالشعر ولا موافق له بشيء.[١٧]


وفي قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}،[١٨] بيانٌ لهدف السورة الأعظم وهو أنّ أتباع الشعراء هم أهل الغواية والضلال ثمّ تأتي الآيات لتبيّن هذه الصورة كاملة فالشعراء يهيمون على وجوههم بلا هدف ولا غاية ولا دليل ويقولون الشعر الذي يشمل على الكذب والافتراء ومقاصدهم بذلك وضيعة وخسيسة وهذا لا يشمل جميع الشعراء وإنّما الذين يضمنّون هذه الأشياء في قصائدهم وأشعارهم، فهم الذين استحقوا الذم بهذه الآية الكريمة، وقد شبههم الله تعالى في الآيات التالية لهذه الآية بالجمال العطشى التي تهيم على وجوهها بلا وعي ولا إدراك، أمّا الشعراء الذين يملكون هدف نبيل من قولهم الشعر ونظمهم للأبيات فهم مستثنون من هذا الذم وذلك التشبيه، فالوسيلة والغاية هي المعيار الذي يحدّد كون الفعل مذمومًا أو ممدوحًا.[١٧]


وفي هذه الآيات بيان لأنّ القرآن ليس نص أدبي قابل للنقد كما يدّعي البعض بل هو كلام الله الحكيم الموصوف بأكمل الصفات وأعظمها والنبي محمد يتميّز بشخصية تجعل أي عاقل لا يكون عنده أدنى شكّ بأنّه قد يتعامل مع الجن أو يقول الشعر كي يصل إلى أغراض شخصية أو منفعة دنيوية وإنّما جميع ما يقوله هو بالاستناد إلى الوحي وغايته هو إخراج البشرية من الضلال إلى العلم ومن الظلام إلى النور بأمر الله تعالى، أمّا الشعر فغايته معروفة وهي الحصول على الجاه الدنيوي والشهرة والمجد وإنّ كانت الوسائل فاسدة والكلام كاذب ومنافي للحقيقة والصواب.[١٧]

المراجع

  1. سورة الشعراء، آية:1
  2. "سورة الشعراء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  3. سورة الشعراء، آية:224
  4. سورة الشعراء، آية:224-225-226
  5. ^ أ ب "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  6. "تفسير قوله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون)"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  7. سورة الشعراء، آية:227
  8. ^ أ ب "تفسر قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ...}"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  9. رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:669، حديث صحيح.
  10. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5788، حديث أخرجه في صحيحه.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2485، حديث صحيح.
  12. "تعريف و معنى الشعراء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى يتبعهم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى الغاوون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  15. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  16. "إعراب القرآن وبيانه"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  17. ^ أ ب ت "مقاصد سورة الشعراء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  18. سورة الشعراء، آية:224
2425 مشاهدة
للأعلى للسفل
×